المقالات
بعد عام كامل من الهجمات المتبادلة بين محور المقاومة وتل أبيب… هل تؤدي الضربات الإسرائيلية إلى إسقاط أذرع إيران الإقليمية؟
- أكتوبر 14, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
لقد مر عامًا كاملًا على اندلاع الحرب الإسرائيلية الدامية على قطاع غزة، إثر عملية طوفان الأقصى التي شنتها حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، ورغم محاولات عديدة لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في القطاع، إلى جانب جهود الوساطة التي تقودها كل من مصر وقطر والولايات المتحدة، إلا أن تل أبيب لا تزال تواصل عدوانها الغاشم على الأراضي الفلسطينية، فيما يعيش الفلسطينيون ظروفًا قاسية للغاية جراء القتل والدمار والتهجير القسري.
وكانت السمة الأساسية التي رسمت ملامح العام الأول من الحرب؛ هي توسع نطاق القتال وامتداد الصراع إلى دول أخرى في المنطقة؛ حيث تدخلت أطراف ما يُعرف بمحور المقاومة الإيراني في الحرب تحت ستار جبهة الإسناد ونصرة الفلسطينيين، فيما قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استغلال هذه الفرصة الاستراتيجية لتحقيق بعض المكاسب الشخصية والسياسية؛ مثل إطالة أمد الحرب وبالتالي الهروب من المسألة القانونية في القضايا الموجهة له، وإطالة أمد عمره السياسي كرئيس وزراء إسرائيل، إلى جانب تحقيق بعض الانتصارات الخارجية الوهمية التي كان يأمل أن تنسي الإسرائيليين فشل هجوم السابع من أكتوبر.
ومن هنا؛ لم يعد القتال ينحصر بين حركة حماس وإسرائيل فقط، بل توسع النطاق الجغرافي للنزاع المسلح إلى خارج حدود غزة، وانخرطت فيه العديد من القوى والجماعات في المنطقة، وبات المشهد يُمثل ضربات متبادلة، على اختلاف قوتها وتأثيرها، بين إسرائيل من جهة، ومحور المقاومة الإيراني من جهة أخرى.
ومع الضربات الإسرائيلية التي قضت على كبار قادة المحور وخاصةً فيما يخص حزب الله بعد مقتل أمينه العام حسن نصر الله، وحركة حماس بعد مقتل إسماعيل هنية، بل وحتى فيلق القدس مع تضارب الأقاويل حول مصير قائده إسماعيل قآاني، إلى جانب الهجوم البري الذي بدأته تل أبيب في الجنوب اللبناني وبالأخص في الضاحية الجنوبية لبيروت والتي هي معقل حزب الله، فضلًا على هجمات إسرائيل على سوريا ومواقع الحوثيين في اليمن، يثير تشاؤلًا رئيسيًا حول مستقبل محور المقاومة وإمكانية إسقاطه قريبًا، والذي يعني إنهيار المشروع الإقليمي لإيران، والذي يقوم بالأساس على هؤلاء الوكلاء لفرض نفوذ طهران على الشرق الأوسط:
أولًا؛ حصاد عام من الضربات المتبادلة بين محور المقاومة وإسرائيل:
يُعرف محور المقاومة الإيراني بأنه تحالف من الجماعات المعارضة لإسرائيل والنفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، تقوده إيران، ويضم حزب الله في لبنان، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي في غزة، وميليشيات شيعية مسلحة في العراق وسوريا، وجماعة أنصار الله الحوثية في اليمن[1].
ويُعد هذا المحور هو قلب المشروع الإقليمي لطهران، والذي بدأت إيران في تأسيسه والاعتماد عليه منذ قيام الثورة الإسلامية بقيادة آية الله الخميني عام 1979، حيث اعتمدت إيران على هذه الجماعات في مجابهة خصومها في المنطقة وخصوصًا إسرائيل، بدلًا من المواجهة المباشرة معها.
ومنذ بدء الحرب في غزة؛ اندلعت مواجهات محتدمة وضربات متبادلة بين أطراف محور المقاومة وإسرائيل، وقد ألحقت الغارات التي شنتها تل أبيب خلال الفترة الأخيرة على حلفاء إيران، أضرارًا غير مسبوقة بمحور المقاومة الإيراني؛ حيث:
1- بالنسبة لحركة حماس وكتائب القسام؛ رغم أن البداية كانت مع عملية طوفان الأقصى التي قامت بها، إلا أن إسرائيل من خلال غاراتها الكثيفة التي دمرت القطاع بأكمله، إلى جانب اجتياحها البري للقطاع، سببت خسائر فادحة للحركة سواء فيما يخص الخسائر اللوجستية أو البشرية.
حيث مع بداية الحرب؛ استطاعت إسرائيل الوصول إلى زكريا أبو معمر وجواد أبو شمالة من أعضاء المكتب السياسي للحركة، وقائدا لواءي الوسط والشمال في كتائب القسام أيمن نوفل وأحمد الغندور، إلى جانب قائد الوحدة الصاروخية في الكتائب أيمن صيام.[2]
كما اغتالت تل أبيب قائد كتائب القسام والمطلوب الأول منذ عقود محمد الضيف في ضربة جوية نفذتها بمنطقة مواصي خان يونس بجنوب غزة في 13 يوليو الماضي، إلى جانب قائد لواء خان يونس رافع سلامة، وقبلهما اغتيال نائب الضيف، مروان عيسى في 10 مارس الماضي، فضلًا عن قتل أحد أهم قادة الكتائب والمسؤول الأول عن استخبارات الكتائب وأسرارها الأمنية، الذي كان لسنوات مسؤولًا عن الدائرة الأمنية الخاصة بحماية محمد الضيف، أيمن المبحوح[3].
ولكن الضربة الأكبر للحركة؛ كانت باغتيال نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري في ضاحية بيروت الجنوبية في الثاني من يناير 2024، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية خلال زيارته لطهران لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بيزشكيان يوم 31 يوليو الماضي.
2- بالنسبة لحزب الله اللبناني؛ بعد هجوم حماس بيومٍ واحدٍ فقط، أعلن الحزب دخول الحرب من خلال استهداف مواقع إسرائيلية تقع ضمن الأراضي اللبنانية المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، ليرد الجيش الإسرائيلي بقصف خيمة تابعة للحزب، الأمر الذي أدى إلى تصاعد الهجمات وتبادل إطلاق النار والضربات الصاروخية بين الطرفين، حيث ربط الحزب وقف النار على الجبهة اللبنانية بوقف النار في قطاع غزة[4].
ولكن مع تطورات الحرب وتراجع الهجمات التي تنفذها كتائب القسام داخل قطاع غزة، وجدت إسرائيل الفرصة لنقل ثقل الحرب إلى جنوب لبنان؛ حيث قررت تل أبيب تكثيف الغارات الجوية على الجنوب اللبناني وبدء عملية عسكرية محدودة في لبنان، فضلًا عن استهداف كبار قادة الحزب وخاصةً قيادة قوة الرضوان باغتيال قائدها وسام الطويل، وذلك إدراكًا من إسرائيل أن حزب الله هو الوكيل الأبرز والأقوى لمحور المقاومة، وأساس المشروع الإقليمي لإيران.
وقد ركز الجيش الإسرائيلي غاراته على مراكز الثقل في المثلث الاستراتيجي لحزب الله، والمؤلف من منطقة جنوب الليطاني، وارتباطها بمنطقة البقاع ككل، منطقة البقاع الشمالي “الهرمل” وهي التي تعد صلة الوصل مع الداخل السوري، ومنطقة الضاحية في جنوب بيروت، حيث مركز القيادة الأساسي للحزب[5].
ولكن كانت نقطة التحول في الحرب بين إسرائيل وحزب الله، هي تفجيرات أجهزة البيجر وأجهزة اتصالات اللاسلكي التي كان يحملها عناصر من حزب الله يومي 17 و18 سبتمبر الماضي، مما أدى إلى مقتل 39 شخصًا وإصابة حوالى ثلاثة آلاف آخرين، والتي تُعتبر أكبر اختراق أمني من تل أبيب لحزب الله.
أما الضربة الأكبر للحزب؛ فهي الضربة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت في 27 سبتمبر 2024، والتي استهدفت اجتماعًا لقيادة الحزب، مما تسبب في مقتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله؛ أهم لاعب في الاستراتيجية الإقليمية الإيرانية بعد قاسم سليماني، إلى جانب قائد جبهة الجنوب في الحزب علي كركي، ونائب قائد غرفة العمليات بالحزب عباس نيلفروشان.
3- بالنسبة للمليشيات المدعومة إيرانيًا في سوريا؛ شنت هذه المليشيات بعض الهجمات الصاروخية على إسرائيل من اتجاه الجولان السوري المحتل، فيما كثفت تل أبيب غاراتها الصاروخية على الأراضي السورية، مستهدفة أماكن تمركز الوجود الإيراني ومخازن الأسلحة التابعة لحزب الله في دمشق.
وقد تسببت الضربات الإسرائيلية في اغتيال كبار قادة الحرس الثوري الإيراني وضباطه؛ ومنهم مسؤول إمدادات الحرس الثوري في سوريا رضا موسوي الذي قُتل في غارة إسرائيلية في 25 ديسمبر 2023، ومسؤول استخباراته هناك حجت الله أميدوار والذي اغتالته تل أبيب في ضربة على سوريا في 20 يناير 2024، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل الماضي، عندما استهدفت غارة إسرائيلية اجتماعًا لقادة الحرس في مقر القنصلية الإيرانية بسوريا، تسبب في مقتل قائد فيلق القدس في سوريا محمد رضا زاهدي[6].
4- بالنسبة لجماعة الحوثي اليمنية؛ أعلن الحوثي دخول الحرب كجهة إسناد لغزة في نوفمبر 2023، وذلك من خلال تنفيذ هجمات في البحر الأحمر قرب مضيق باب المندب، تستهدف سفنًا مرتبطة بإسرائيل أو متجهة إليها، ثم وسعت نطاق هجماتها لتشمل السفن الأمريكية والبريطانية المارة في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي، وربطت بين إيقاف استهدافاتها للسفن وبين وقف إطلاق النار في غزة.
في المقابل؛ نفذت القوات الأمريكية والبريطانية عشرات الغارات على مواقع عسكرية تابعة للحوثيين في صنعاء ومحافظات الحديدة وتعز وحجة وصعدة، كما استهدفت إسرائيل موانئ ومواقع عسكرية تسيطر عليها الجماعة في اليمن للمرة الأولى في 20 يوليو الماضي، وذلك بعد هجوم بطائرة مسيرة نفذه الحوثي استهدف تل أبيب وأدى إلى مقتل شخصًا واحدًا في يوم 19 من الشهر ذاته، ثم عاودت قصف ميناء الحديدة للمرة الثانية يوم 28 سبتمبر الماضي، ردًا على إطلاق الجماعة لصاروخ على مركز البلاد[7].
وفي المحصلة؛ كشف زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، يوم 6 أكتوبر 2024، حصيلة العام الأول من الحرب، مشيرًا إلى أن الجماعة استهدفت 193 سفينة مرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا، وذلك بأكثر من 1000 صاروخ ومسيرة، فضلًا عن إسقاط 11 طائرة مسيرة مسلحة أمريكية من نوع إم كيو 9.[8]
وفيما يخص خسائر الجماعة جراء الغارات الأمريكية البريطانية الإسرائيلية، أوضح الحوثي أن عدد عمليات القصف الجوي والبحري لتلك الدول بلغ 774 عدوانًا، نتج عنها 82 قتيلًا و340 مصابًا.
5- بالنسبة للميليشيات المدعومة إيرانيًا في العراق؛ مع اندلاع الحرب في غزة، أعلنت المقاومة الإسلامية في العراق؛ والتي تضم فصائل مسلحة حليفة لإيران ومرتبطة بالحشد الشعبي، تنفيذها لعدة هجمات على القواعد الأمريكية المتواجدة بالمنطقة، إلى جانب بعض الاستهدافات التي وُجهت نحو إسرائيل.
ووفقًا لنائب قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني العميد محمد رضا فلاح زاده؛ نفذت المقاومة الإسلامية في العراق ما يقرب من 100 عملية بالمسيرات والصواريخ حتى أغسطس 2024، وكان أهمها الهجوم الذي شنته جماعة حزب الله العراق في 28 يناير 2024، بطائرة مسيرة على الموقع العسكري الأمريكي “البرج 22” على الحدود الأردنية السورية، والذي أدى إلى مقتل 3 جنود أمريكيين وإصابة آخرين.
وإجمالًا؛ كشف نائب قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني محمد رضا فلاح زاده، يوم 24 أغسطس الماضي، أن إسرائيل اغتالت حتى الآن 280 من قيادات محور المقاومة آخرهم إسماعيل هنية، ويُضاف حسن نصر الله إلى هذا العدد بعد مقتله في آواخر سبتمبر المنصرم، مؤكدًا أن عمليات محور المقاومة لن تتوقف طالما استمرت إسرائيل في جرائمها.[9]
ثانيًا؛ ماذا قدمت إيران للحرب ومحور المقاومة خلال العام الأول؟:
عند الإمعان في مواقف وردود الفعل الإيرانية منذ اندلاع الحرب في غزة وحتى الآن، فإنه يمكن تقسيمها إلى مرحلتين؛ وهما:
1- المرحلة الأولى؛ وهي مرحلة النأي بالنفس والاكتفاء بالدعم السياسي لمحور المقاومة: ففي هذه المرحلة سارعت إيران إلى دعم عملية طوفان الأقصى، ولكن في الوقت ذاته؛ نفت ضلوعها في الهجوم، مؤكدة أنها “لا تشارك في الرد الفلسطيني، لأن فلسطين فقط هي التي تتولى ذلك بنفسها”.
كما اتبعت طهران سياسة دبلوماسية نشطة، تتمثل في التواصل المستمر مع الدول المعنية، سواء عبر الاتصالات الهاتفية أو الجولات بالمنطقة؛ حيث بعد أقل من أسبوع على هجوم طوفان الأقصى، بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، جولاته لدول المنطقة بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار والاجتماع مع تنسيقية قادة جماعات محور المقاومة، فتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.
ومن ملامح هذه المرحلة أيضًا؛ دفعت طهران باتجاه تبني مفهوم وحدة الساحات، وفتح جهات إسناد لحركة حماس، متجنبة الدخول بشكل مباشر في الحرب، تفعيلًا لمبدأ “إذا خسر الوكيل يخسر لوحده، وإذا ربح تربح إيران معه باعتبارها دعمته سياسيًا ودبلوماسيًا”.[10]
وقد تبنت إيران هذه المواقف بناءً على عدة دوافع؛ منها: تجنب التدخل الأمريكي في الحرب ضدها وضد محورها بالمنطقة، والحفاظ على فرص التفاوض مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية بعد الحرب من أجل إحياء الاتفاق النووي، وبالتالي رفع العقوبات وإنقاذ الاقتصاد الإيراني من وضعه الحرج الراهن.
2- المرحلة الثانية؛ وهي مرحلة الانخراط بشكل مباشر في الحرب: ففي هذه المرحلة أدركت إيران أنها باتت في مأزق صعب للغاية، وأن سياسة ضبط النفس وتجنب الدخول في الحرب والاكتفاء بورقة الوكلاء، جعلها تبدو غير قادرة على ردع إسرائيل، وأنها تخلت عن حلفاءها في محور المقاومة، إلى جانب الحديث عن فشل مفهوم وحدة الساحات، مما يهدد المشروع الإقليمي لطهران، وكل هذا دفع إيران إلى التدخل عسكريًا بشكل علني وواضح ضد تل أبيب؛ حيث:
-
كان الهجوم الإيراني الأول على إسرائيل أو ما سُمي عملية الوعد الصادق، في 13 أبريل الماضي، والذي جاء ردًا على هجوم تل أبيب على القنصلية الإيرانية في سوريا ومقتل رضا زاهدي، حيث أطلقت إيران أكثر من 300 طائرة من دون طيار وصاروخ على إسرائيل، لكن معظمها إما فشل في الوصول إلى أهدافه أو تم إسقاطه.
-
أما الهجوم الثاني أو عملية الوعد الصادق 2، جاء في الأول من أكتوبر الجاري، حيث شنت إيران هجومًا صاروخيًا مباغتًا بما يقرب من 250 صاروخ على الأراضي والمدن الإسرائيلية، ولكن تمكنت الدفاعات الجوية من اعتراض معظمها، وإن كان بعضها قد نجح في الوصول إلى وجهته.
-
وقد أعلن الحرس الثوري أن هذا الهجوم يأتي كرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية والأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، ولكن في حقيقة الأمر؛ فإن هذا الهجوم أُجبرت إيران على تنفيذه حتى تسترجع بعضًا من مصداقيتها أمام وكلائها الذين يخشون أنها تخلت عنهم، فضلًا عن الرد على الانتقادات التي وُجهت للنظام الإيراني في الداخل لتقاعسها عن الرد على الاستهدافات الإسرائليية المستمرة تجاهها، وخاصةً مقتل حسن نصر الله.
ورغم أن الهجوم الإيراني جاء محسوبًا ورمزيًا ولا يتناسب مع الضربات التي تعرضت لها إيران منذ بدء الحرب في قطاع غزة، فإن إسرائيل تستعد الآن لتوجيه ضربة عسكرية تستهدف الداخل الإيراني، وقد احتفظت تل أبيب لنفسها بنك أهداف محتملة، يشمل مصافي النفط والمنشآت النووية والعسكرية.
ولا شك أنه إذا كان الرد الإسرائيلي على الهجوم الصاروخي الإيراني مؤثرًا وكبيرًا، واستهدف منشآت طهران النفطية أو العسكرية كما هددت تل أبيب، ستضطر إيران إلى الرد، ومن ثم تضطر إسرائيل إلى الرد على الرد الإيراني، وهكذا يتحول الصراع الإسرائيلي الإيراني إلى حرب استنزاف مفتوحة على كل الاحتمالات.
ثالثًا؛ هل تُسقط الضربات الإسرائيلية محور المقاومة ومشروع إيران الإقليمي؟:
راهنت إيران على اللعب بورقة محور المقاومة، وتجنب المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، خلال سعيها لتعظيم ما رأته من مكاسب محتملة لها في بداية الحرب، ولكن يبدو أن حسابات طهران لم تأخذ في اعتبارها رد الفعل الإسرائيلي والأمريكي على هجمات محور المقاومة الإيراني.
ونتيجة لهذا الخطأ في الحسابات الإيرانية؛ تعرضت أذرع إيران في المنطقة لكثير من الضربات التي أخلت بتوازنها وفاعليتها، وهو ما يثير تساؤلًا هامًا حول ما إذا كانت هذه الضربات ستكون بداية النهاية لمحور المقاومة والمشروع الإقليمي الإيراني خاصةً مع ظهور بعض مظاهر التراجع والتدهور في قدرات وإمكانيات المحور خلال العام الأول من حرب غزة، وفي هذا الشأن؛ انقسمت الآراء إلى اتجاهين رئيسيين؛ وهما:
1- الاتجاه الأول؛ يرى أن الخاسر الأكبر من الحرب في غزة هو محور المقاومة الإيراني، والذي بدأ يتراجع لصالح إسرائيل، خاصةً وأن طهران الآن قد تكون مستعدة للتخلي عن مشروعها الإقليمي في مقابل الحفاظ على مشروعها النووي وفرص إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، حتى تتخلص من خطر عودة العقوبات الأممية عليها بحلول أكتوبر 2025، مما يعني أن حرب غزة قد تكون البداية الفعلية لإنهيار محور المقاومة، ويقوم هذا الرأي على مجموعة معطيات؛ أهمها:
أ. إضعاف أقوى ذراع إيراني في المنطقة؛ يعاني حزب الله اللبناني الآن؛ والذي يُعد مركز المشروع الإقليمي لإيران والمحرك الأساسي لمحور المقاومة، من خسائر فادحة سواء على الناحية البشرية أو العسكرية، حيث بات الحزب بلا قيادة، وفارغ من تركيبته الهرمية العسكرية.
كما أن اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله يُعد ضربة كبرى للمشروع الإقليمي لطهران وليس للحزب فقط، حيث كان نصر الله يلعب دورًا محوريًا في هذا المشروع، خصوصًا في الفترة التي تلت اغتيال قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني.
يُضاف إلى ذلك أن الحزب بات مُهددًا بنزع سلاحه وهي ضربة ستكون قاسمة لحزب الله؛ حيث يدور الحديث الآن حول وقف إطلاق النار في لبنان، في مقابل تنفيذ القرار رقم 1701، والذي ينص على نزح سلاح الحزب وعودته كجزء من الدولة اللبنانية التي ستبسط سلطتها على كل لبنان بما في ذلك الجنوب، وفي حال حدوث مثل هذا السيناريو؛ فإن طهران ستخسر الجزء الأكبر والأهم في محور المقاومة.[11]
ب. خسارة طهران لورقة الحرب بالوكلاء؛ أثبتت التطورات الأخيرة فشل وحدة الساحات، وعدم قدرة أذرع إيران على إيقاف الخطر الإسرائيلي، مما اضطر إيران أن تقوم بالهجوم بنفسها على تل أبيب مرتين، وهذا يضعها تحت عبء انتظار الرد الإسرائيلي، وعبء ضرورة الرد على الرد وإلا تخسر صورتها أمام حلفاءها، وتهتز قدرتها على الردع، وبما أنها لن تسطيع مجاراة وتحمل هذه الأعباء، فقد تلجأ إلى سياسة ضبط النفس والصبر الاستراتيجي التي ميزت سياستها خلال المرحلة الأولى من الحرب كما ذُكر مسبقًا، ومن ثم؛ الظهور بمظهر المتخاذل أمام محور المقاومة، ومن هنا يبدأ إنهيار مشروعها الإقليمي.
ج. الضوء الأخضر الأمريكي والغربي لإسرائيل بشأن حربها على محور المقاومة؛ يبدو من التصريحات الأمريكية والغربية أن تل أبيب لديها ضوء أخضر للتعامل مع أذرع إيران، وبالتالي من المتوقع أن تستمر إسرائيل في ضرب إيران وأذرعها المسلحة في عموم المنطقة، مما سيؤدي بالتأكيد إلى إضعاف نفوذ طهران الإقليمي وذلك لصالح تل أبيب.
2- الاتجاه الثاني؛ يرى أنه من المبكر الحديث عن إنهيار محور المقاومة الإيراني، وأن أذرع طهران المختلفة لا تزال قادرة على رسم المعادلة الأمنية للشرق الأوسط، وأن النظام الإيراني غير مستعد نهائيًا للتنازل عن مشروعه الإقليمي ولا عن وكلاءه الذين استثمر فيهم منذ قيام الثورة الإسلامية، ويقوم هذا الرأي على مجموعة من المعطيات؛ أهمها:
أ. احتفاظ حزب الله وحركة حماس بقدراتهما حتى الآن؛ رغم أن الحزب تكبد كثير من الخسائر وخاصةً على مستوى القيادات، إلا أنه لا يزال يبدي قدرة قتالية كبيرة ضد تل أبيب، إذ يستمر في إطلاق الصواريخ على الشمال الإسرائيلي، ويخوض بالفعل مناوشات برية تعطل التوغل البري الإسرائيلي في جنوب لبنان.
وكذلك الأمر بالنسبة لكتائب القسام وحركة حماس؛ فرغم أنها فقدت الغالبية العظمى من إمكاناتها العسكرية وقياداتها الميدانيين، فإن هذا لا يعني القضاء تمامًا على الحركة، بل أنها قد تعيد بناء نفسها وقوتها مجددًا، خاصةً وأنه لا يزال هناك قيادات بارزة قادرة على قيادة الحركة من جديد، بمن فيهم شخصيات تنشط في الخارج لم تتأثر بالضربات الإسرائيلية، إلى جانب بقاء يحيي السنوار حيًا حتى الآن.[12]
وأكبر دليل على هذا؛ أن إسرائيل دمرت قطاع غزة بالكامل، ورغم ذلك لم تستطيع الوصول إلى الأسرى المحتجزين لدى حماس منذ عامًا كاملًا.
ب. تمسك إيران بدعم محور المقاومة؛ وهذا ينعكس على مستويات عدة؛ أولها دبلوماسية؛ تتمثل في الجولات المكوكية التي يقوم بها وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، حيث زار بيروت يوم 4 أكتوبر الجاري، والعاصمة السورية دمشق يوم 5 أكتوبر، وقبل كل ذلك زيارته إلى الدوحة برفقة الرئيس مسعود بزشكيان، إلى جانب زيارة رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف إلى لبنان يوم 12 أكتوبر.
وثانيها سياسية؛ تتمثل في تأكيد المرشد الأعلى علي خامنئي أن حلفاء إيران في المنطقة لن يتراجعوا عن موقفهم في مواجهة إسرائيل، مشيرًا إلى أن “المقاومة في المنطقة لن تتراجع باستشهاد قادتها ورجالها والنصر سيكون حليفها”، وثالثها عسكري؛ ويتمثل في الهجوم الإيراني الأخير على إسرائيل، والذي حسن من صورة إيران أمام وكلائها في سوريا واليمن والعراق ولبنان وغزة، وأرسل رسالة مفادها أن طهران لن تتخلى عنهم.[13]
ج. استمرار فاعلية ضربات المحور ضد إسرائيل؛ رغم ضربات الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل على مواقع جماعة الحوثي في اليمن، لا تزال الجماعة قادرة على خنق ميناء إيلات وشل الحركة التجارية فيه، عبر إغلاق باب المندب في وجه السفن المتجهة إليه، بكل ما يمثله ذلك من خسائر اقتصادية مؤثرة بالنسبة لتل أبيب، بل ونجح الحوثيين كذلك في الوصول إلى قلب إسرائيل بالمسيرات والصواريخ الباليستية، كما حدث في هجوم الـ19 من يوليو الماضي.[14]
وكذلك الأمر بالنسبة لحزب الله؛ حيث على الرغم من أن هجماته الصاروخية لا تؤثر بشكل كبير ويتم اعتراض معظمها من خلال منظومات الدفاع الإسرائيلية، إلا أن تلك الهجمات أجبرت ما يقرب من 100-200 ألف مستوطن على إخلاء مستوطنات الشمال المتاخمة للحدود مع لبنان، بكل ما يمثله ذلك من عبء اقتصادي وسياسي على إسرائيل، وهو أمر لم يحدث منذ عام 1948.[15]
كما لم تتضاءل سيطرة جماعات محور المقاومة على المناطق الجغرافية الخاصة بها إلى الحد الذي يجعل بقاءها موضع شك، حيث رغم الضربات الموجعة التي تلقتها المقاومة الإسلامية في العراق، والمليشيات الموالية لإيران في سوريا، تحتفظ طهران بنفوذها في هذه الدول دون تراجع.
ويسري هذا الأمر أيضًا على الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير على إسرائيل، والذي قلل الكثير من نتائجه، واعتبروه هجومًا فاشلًا، إذ كشفت صحيفة معاريف الإسرائيلية أن الهجوم الإيراني ألحق أضرارًا جسيمة بقاعدة نيفاتيم العسكرية في صحراء النقب، والتي تحوي طائرات الـ إف 35.
د. استمرار فكرة المقاومة رغم الاغتيالات الإسرائيلية السابقة؛ حيث أن سياسة الاغتيالات التي تتبعها إسرائيل بحق كبار قادة محور المقاومة، لن تُسقط فكرة المحور أو تقضي على المقاومة، فقد سبق وأن اغتالت إسرائيل مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين، لكن حماس بقيت ونمت واتسع نفوذها ولم تمت، وكذلك اغتالت القائد العسكري لحزب الله عماد مُغنية، ومع ذلك بقى الحزب وتمدد وأصبح أقوى عشرات المرات خلال الـ16 عامًا الماضية منذ اغتيال مُغنية، فحسن نصر الله ليس الزعيم الأول للحزب الذي تغتاله تل أبيب؛ فقبله قضت على عباس الموسوي، ليخلفه نصر الله في قيادة المسيرة، وبالتالي محور المقاومة سيظل قائمًا حتى بعد اغتيال نصر الله وإسماعيل هنية.[16]
وإجمالًا؛ استطاعت إسرائيل استغلال الظرف الإقليمي الراهن والمتمثل في الحرب بقطاع غزة، لتقليم أظافر أذرع إيران في المنطقة، منتفعة بالدعم الأمريكي والغربي لها ببداية الحرب، إلى جانب الضغوط والتحديات الداخلية والخارجية التي يعاني منها النظام الإيراني حاليًا.
وبالفعل حققت تل أبيب العديد من المكاسب، وتمكنت من إلحاق ضررًا جسيمًا بمحور المقاومة الإيراني، وخاصةً حزب الله اللبناني، الذي يُعتبر المكون الاستراتيجي في مشروع إيران الإقليمي، ولكن ما أنجزته إسرائيل حتى الآن لا يعني أنها كادت أن تسقط محور المقاومة أو تدمر أذرع إيران في المنطقة.
فهذه الجماعات المنضوية تحت لواء محور الممانعة الذي تقوده طهران، لا تزال قادرة على إلحاق الأذى بإسرائيل، وتستمر حتى الآن في تنفيذ ضربات مؤثرة على الداخل الإسرائيلي، ورغم أن تلك الهجمات ليست بنفس قوة وتأثير ضربات إسرائيل لها، ولكنها تنجح في استنزاف تل أبيب أمنيًا وعسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا، ومن ثم؛ لا يزال من المبكر الحديث عن سقوط وإنهيار محور المقاومة الإيراني ومشروعها الإقليمي.
المصادر:
[1] ما هو “محور المقاومة” وما علاقته بالنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط؟، بي بي سي، 12/3/2024، متاح على الرابط: https://www.bbc.com/arabic/articles/cg3xdwz8n5eo
[2] «حماس» في ميزان الربح والخسارة بعد حرب طاحنة، الشرق الأوسط، 6/10/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%
[3] المرجع السابق.
[4] محمد علي إسماعيل، مستقبل محور المقاومة وسيناريوهات التوسُّع الإقليمي للحرب، مركز الحضارة للدراسات والبحوث، 7/5/2024، متاح على الرابط: https://hadaracenter.com/%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%
[5] مشروع إيران مهدد بعد «نكسة» نصر الله وتفكيك «وحدة الساحات»، صحيفة الشرق الأوسط، 28/9/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84
[6] ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»، الشرق الأوسط، 7/10/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9
[7] عام على 7 أكتوبر… أبرز محطات حرب غزة ومسار توسعها بالشرق الأوسط، فرانس 24، 6/10/2024، متاح على الرابط: https://www.france24.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%
[8] الحوثيون يعلنون استهداف 193 سفينة على مدى عام من الحرب في غزة، الشرق الأوسط، 6/10/2024، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85
[9] قيادي بفيلق القدس: إسرائيل اغتالت 280 من قادة محور المقاومة، سكاي نيوز عربية، 23/8/2024، متاح على الرابط: https://www.skynewsarabia.com/world/1737185-%D9%82%D9%8A%
[10] مشروع إيران مهدد بعد «نكسة» نصر الله وتفكيك «وحدة الساحات»، الشرق الأوسط، مرجع سابق.
[11] تسفي برئيل، صحيفة إسرائيلية: طهران.. بين مستقبل “حزب الله” واللاعبين الجدد في لبنان، صحيفة هآرتس الإسرائيلية، القدس العربي، 6/10/2024، متاح على الرابط: https://www.alquds.co.uk/%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d9%81%d8%a9-
[12] «حماس» في ميزان الربح والخسارة بعد حرب طاحنة، الشرق الأوسط، مرجع سابق.
[13] خامنئي: حلفاء إيران لن يتراجعوا والنصر سيكون حليف المقاومة في مواجهة إسرائيل، مونت كارلو الدولية، 5/10/2024، متاح على الرابط: https://www.mc-doualiya.com/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9
[14] حسن نافعة، “محور المقاومة” في مرآة “طوفان الأقصى”، الميادين اللبنانية، 19/9/2024، متاح على الرابط: https://www.almayadeen.net/opinion/-%D9%85%D8%AD%D9%88%D8
[15] قراءة إسرائيلية في الإنجازات الاستراتيجة لمحور المقاومة منذ بداية “طوفان الأقصى”، الميادين اللبنانية، 20/7/2024، متاح على الرابط: https://www.almayadeen.net/reports/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8
[16] إبراهيم نوار، إسرائيل والاغتيالات: رسائل عاجزة، القدس العربي، 1/10/2024، متاح على الرابط: https://www.alquds.co.uk/%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%