المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > بعد عامٍ من توسّعه: هل حقق البريكس تطلعاته الاقتصادية أم يواجه تشتتاً سياسياً؟
بعد عامٍ من توسّعه: هل حقق البريكس تطلعاته الاقتصادية أم يواجه تشتتاً سياسياً؟
- أكتوبر 16, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: إسراء عادل
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
شَهدَ العام الماضي تحولاً جذرياً في مشهد التحالفات الاقتصادية العالمية مع توسّع مجموعة البريكس التي ضمت إلى صفوفها خمسَ دول جديدة هي مصر والسعودية والإمارات وإيران وإثيوبيا، فهذا التوسع الطموح أثار تساؤلات عميقة حول مستقبل هذا التجمع الاقتصادي وقدرته على تحقيق أهدافه المعلنة في ظل التنوع الجديد لأعضائه. فمن ناحية، يمثل هذا التوسع فرصة ذهبية لتعزيز النفوذ الاقتصادي للمجموعة على الساحة العالمية، مع إمكانية خلق توازن جديد في الاقتصاد العالمي. ومن ناحية أخرى، يثير هذا التنوع مخاوف من احتمالية نشوء خلافات سياسية قد تعيق التعاون الاقتصادي المنشود.
ومن هنا يبرز التساؤل الرئيسي حول قدرة هذا التجمع على إحداث تغيير حقيقي في موازين القوى الاقتصادية العالمية، فبعد مرور ما يقرب من سنة على توسع البريكس لعضويتها، هل شهد التكتل أداء أفضل أم أن الاختلافات السياسية بين الأعضاء فرضت نفسها أكثر وأضفت طابعاً سياسياً وليس اقتصادياً للتكتل؟
في هذا السياق، تستعرض هذه الورقة واقع مجموعة البريكس بعد ما يقرب من عام على توسعها، وتقييم أداءها الاقتصادي ومدى نجاحها في تحقيق تطلعاتها، مع تسليط الضوء على التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها. مما يساعد على رسم صورة واضحة عن مستقبل هذا التجمع الاقتصادي الطموح.
أولًا: تقييم أداء البريكس قبل وبعد توسع العضوية
– قبل توسع العضوية، حققت مجموعة البريكس نجاحات ملموسة على الصعيد الاقتصادي العالمي، فمنذ تأسيسها في عام 2009، استطاعت المجموعة أن ترفع حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من حوالي 12% إلى ما يقارب 32% بحلول عام 2022، وقد بلغ إجمالي الناتج المحلي لمجموعة «بريكس» أكثر من 26.03 تريليون دولار في عام 2022، وهو أكثر بقليل من الولايات المتحدة، وبلغ مجموع الناتج المحلي الإجمالي لدول البريكس 25.78 تريليون دولار في 2023، كما نجح التكتل في تأسيس بنك التنمية الجديد في عام 2014، والذي قدم تمويلات لما يقرب من 96 مشروعاً للبنية التحتية والتنمية المستدامة في الدول الأعضاء بقيمة تجاوزت 33 مليار دولار حتى نهاية عام 2022.[1]
على صعيد التجارة البينية، شهدت المجموعة نمواً ملحوظاً، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بين دولها من حوالي 230 مليار دولار في عام 2010 إلى ما يقارب 500 مليار دولار في عام 2022، كما نجحت المجموعة في تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والابتكار، مما عزز من قدرتها التنافسية على المستوى العالمي.
– بعد قبول انضمام الأعضاء الجدد في القمة الـ 15 في أغسطس 2023، شهدت المجموعة تحولات إيجابية ملموسة. فقد ارتفعت حصة البريكس من الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى ما يقارب 36% بنهاية عام 2023، مع توقعات بوصولها إلى 38% بحلول نهاية عام 2024. كما ارتفع حجم التجارة البينية بشكل ملحوظ، حيث سجل زيادة بنسبة 15% خلال الأشهر الستة الأولى من انضمام الأعضاء الجدد.[2]
وساهمت الدول الجديدة في تعزيز قوة المجموعة في قطاعات حيوية فقد أضافت السعودية والإمارات ثقلاً كبيراً في مجال الطاقة، بينما عززت مصر من قدرات المجموعة في مجال الخدمات اللوجستية والنقل البحري. أما إيران، فقد أضافت بعداً جديداً في مجال الموارد الطبيعية والتكنولوجيا، في حين قدمت إثيوبيا فرصاً في مجال الزراعة والموارد المائية.
ومع ذلك، فقد واجهت المجموعة تحديات جديدة بعد التوسع، فالتباين في الأنظمة الاقتصادية والسياسية بين الأعضاء الجدد والقدامى خلق صعوبات في تنسيق السياسات الاقتصادية، كما أن الخلافات السياسية، خاصة بين إيران وبعض دول الخليج، أثارت مخاوف حول إمكانية تأثيرها على التعاون الاقتصادي، ولكن رغم هذه التحديات، يبدو أن التوسع قد حقق نتائج إيجابية في مجمله، فقد عزز من قدرة المجموعة على التأثير في الاقتصاد العالمي، وفتح أسواقاً جديدة للتجارة والاستثمار، كما أن التنوع الجغرافي والاقتصادي الذي أضافه الأعضاء الجدد قد منح المجموعة مرونة أكبر في مواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية.
لذلك، يمكن القول إن أداء البريكس بعد عام من توسع العضوية يُظهر إمكانات واعدة، مع وجود تحديات تستدعي المزيد من التنسيق والتعاون بين الأعضاء لتحقيق الأهداف المرجوة من هذا التحالف الاقتصادي الطموح.
ثانيًا: تأثير التوجهات السياسية المختلفة للدول الجديدة على تماسك التكتل
بعد توسع عضوية البريكس، شهد التكتل تنوعاً سياسياً غير مسبوق، مما أثار تساؤلات حول قدرته على الحفاظ على تماسكه وفعاليته، فهذا التنوع الذي جلبته الدول الخمس الجدد أضاف تعقيدات جديدة إلى المشهد السياسي للمجموعة مما أثر على أدائها، خاصة في ظل الأزمات العالمية والإقليمية الراهنة. وفيما يلي أبرز الخلافات السياسية التي أثرت على أداء التكتل:
أدى انضمام إيران إلى تعميق الانقسامات داخل المجموعة فيما يتعلق بالعلاقات مع الغرب، فبينما تتبنى روسيا وإيران موقفاً معادياً للغرب، تسعى دول أخرى مثل الهند والإمارات والسعودية إلى الحفاظ على علاقات متوازنة مع القوى الغربية، فهذا التباين في المواقف أثر على قدرة البريكس على اتخاذ مواقف موحدة في القضايا الدولية، خاصة فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية والتعاون الاقتصادي والأمني.
أضافت الحرب الروسية الأوكرانية بُعداً جديداً من التعقيد، فبينما تدعم إيران روسيا بشكل واضح في استمرار عملياتها العسكرية ضد أوكرانيا، تتخذ باقي الدول مواقف أكثر حيادية، فهذا التباين في المواقف من شأنه يوثر بشكل ملموس على قدرة البريكس على تنسيق سياساتها الخارجية، ويضعف موقفها التفاوضي في المحافل الدولية.
تشكل التوترات المستمرة بين إيران وإسرائيل تحدياً آخر لتماسك المجموعة، فبينما تتبنى إيران موقفاً عدائياً تجاه إسرائيل، تسعى دول أخرى مثل الهند إلى تعزيز علاقاتها مع تل أبيب، وهذا التناقض قد يؤثر على قدرة البريكس على صياغة سياسة موحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط، وقد يحد أيضاً من فعالية المجموعة في المساهمة في حل النزاعات الإقليمية.
إن ما تقوم به إثيوبيا من محاولات استفزازية للجانب المصري، فيما يتعلق بالسد الإثيوبي، وتعنتها في المفاوضات التي أُجريت في هذا الصدد، يشكل تحدياً داخلياً للمجموعة، فبينما تدعي إثيوبيا بأن المشروع أُقيم بذريعة إحياء مشاريعها التنموية، إلا أنه يمثل في حقيقة الأمر تهديداً جسيماً للأمن المائي للدولة المصرية، بشكل يتجاوز كافة الأعراف والقوانين الدولية؛ لذا فمثل هذا الخلاف يضع البريكس أمام اختبار حقيقي لقدرتها على حل النزاعات بين أعضائها وقد يؤثر على التعاون الاقتصادي والتنموي داخل المجموعة.
وبالنسبة لعلاقات دول التكتل مع الولايات المتحدة، يذكر أن الأعضاء القدامى كانوا قد اتفقوا على الحد من الهيمنة المالية الأمريكية، وتمويل المناخ لدول النامية، إلا أن جنوب إفريقيا والهند لا تتفق بالدرجة نفسها مع وجهات نظر الصين وروسيا المناهضة لأمريكا والقوى الغربية، فلا نغفل عن التحالف السياسي والعسكري الأمريكي – الهندي لمواجهة الصين، بالإضافة إلى الخلافات الحدودية التي تتأجج من فترة لأخرى بين الصين والهند. أما البرازيل فلا تزال تربطها علاقات عميقة بواشنطن، ونجد أيضاً أن غالبية الدول التي انضمت إلى التكتل تعد من أقوى الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة، وبالتالي فلا يتوقع من تلك الدول أن تنهي علاقاتها القوية بواشنطن، ولن تسمح لعضويتها في البريكس أن تؤثر على تحالفها الأمني مع الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي يضع المزيد من القيود على التعاون الأمني بين دول المجموعة.[3]
ثالثًا: التحديات الاقتصادية العالمية وتأثيرها على أهداف البريكس
يواجه تكتل البريكس تحديات اقتصادية عالمية متزايدة تؤثر بشكل مباشر على قدرته على تحقيق أهدافه الطموحة، فهذه التحديات المتشابكة والمعقدة تضع البريكس أمام اختبار حقيقي لقدرتها على التكيف والصمود في وجه الأزمات العالمية. وفيما يلي أبرز التحديات الاقتصادية التي تؤثر على أداء التكتل:
تشكل تقلبات أسعار النفط تحدياً كبيراً للتكتل، فمع انضمام إيران، أحد أكبر منتجي النفط عالمياً، إلى البريكس، زادت حساسية المجموعة لتقلبات سوق النفط، فبينما تستفيد الدول النفطية من ارتفاع أسعار النفط، تتضرر دول أخرى مثل الهند والصين، المستوردتان الرئيسيتان للنفط، وهذا التباين في المصالح يصعب من مهمة البريكس في صياغة سياسة موحدة تجاه سوق الطاقة العالمي.
ألقت الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها على الاقتصاد العالمي، مما أثر سلباً على أهداف البريكس، فقد أدت العقوبات المفروضة على روسيا إلى تعقيد التجارة والتعاون الاقتصادي داخل المجموعة، كما أدى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء نتيجة للحرب إلى زيادة الضغوط التضخمية في العديد من دول البريكس، مما أعاق جهودها في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
يشكل تراجع الاستقرار السياسي في العديد من المناطق تحدياً إضافياً للبريكس، فالتوترات في الشرق الأوسط، والاضطرابات في أفريقيا، والتوترات في جنوب آسيا، كلها عوامل تؤثر على مناخ الاستثمار وتعيق جهود التكامل الاقتصادي التي تسعى إليها المجموعة.
وفي ضوء هذه التحديات، يبدو أن الطموح المتوقع للبريكس لم يتحقق في عدة مجالات رئيسية:
تقوية العملات الوطنية في التجارة البينية: رغم الجهود المبذولة لتعزيز استخدام العملات المحلية في التجارة بين دول البريكس، لا يزال الدولار الأمريكي يهيمن على المعاملات التجارية. فالتقلبات في أسعار صرف عملات دول البريكس، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية، تجعل من الصعب الاعتماد عليها كبديل مستقر للدولار.
تعزيز الأمن الغذائي: على الرغم من أن العديد من دول البريكس تعد من كبار منتجي الغذاء عالمياً، إلا أن الأزمات العالمية، مثل الحرب في أوكرانيا وتغير المناخ، أثرت سلباً على جهود المجموعة في تحقيق الأمن الغذائي، فالقيود على الصادرات الغذائية التي فرضتها بعض الدول لحماية أسواقها المحلية أعاقت التعاون في هذا المجال.
تطوير بنيات اقتصادية مشتركة: رغم نجاح البريكس في إنشاء بنك التنمية الجديد، إلا أن التقدم في إنشاء بنيات اقتصادية مشتركة أخرى، مثل نظام مدفوعات موحد أو بورصة مشتركة كان بطيئاً، فالاختلافات في الأنظمة الاقتصادية والقانونية بين الدول الأعضاء تشكل عائقاً أمام هذه الجهود.
ومع ذلك، فإن البريكس تحاول التكيف مع هذه التحديات من خلال عدة استراتيجيات:
تنويع الشراكات الاقتصادية: تسعى المجموعة إلى توسيع شبكة علاقاتها الاقتصادية مع دول خارج التكتل لتقليل الاعتماد على الأسواق التقليدية.
تعزيز الابتكار والتكنولوجيا: هناك تركيز متزايد على التعاون في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والاقتصاد الرقمي كوسيلة لتعزيز القدرة التنافسية للمجموعة.
تطوير آليات لإدارة المخاطر: تعمل البريكس على تطوير أدوات مالية وتأمينية مشتركة لمواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية.