دائمًا ما ترتقب العديد من دول العالم ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات الأمريكية، خاصَّةً روسيا وأوكرانيا، في ظل حالة الحرب بين الدولتيْن، ومع حسْم دونالد ترامب السباق الانتخابي، أضحت الدول تجري استعداداتها للتناغُم والتعامُل مع سياسات ترامب الخارجية، ومن المؤكد أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية ستكون مختلفةً تمامًا عن ما كانت عليه في فترة الرئيس الحالي جو بايدن، والذي لطالما انتقد ترامب سياسته الخارجية، تجاه الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وقال صراحةً: إن تلك الحرب لم تكن لتحدث إذا كانت لديه زمام الأمور، وأنه قادر على إنهائها فوْر تولِّيه الحُكْم؛ ما يطرح لنا سؤالًا، ألا وهو كيف سيكون مستقبل الحرب «الروسية – الأوكرانية» بعد فوْز ترامب في الانتخابات الرئاسية؟
سياسة دونالد ترامب المتوقعة تجاه الحرب
لطالما كان يَعد دونالد ترامب بتسوية الحرب في أوكرانيا؛ حال انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، ويُعدُّ هذا الفوز فرصةً حقيقيةً، رغم صعوبتها ومُعوِّقاتها؛ لتغيير ديناميكيات التعامل في الحرب، والنظر في جدوى استمرارها من جانب الطرفيْن، وقد وضع كيث كيلوج وفريد فليتز، العضوان السابقان في مجلس الأمن القومي التابع لترامب، خطةً لوقف الحرب على أساس الخطوط الأمامية الحالية في ساحة المعركة، وكان ردُّ ترامب على هذه الخطة إيجابيًّا، على الرغم من أنه لم يُقِر بكل حرف بها.[1]
كما قال نائب الرئيس جيه دي فانس في عام ٢٠٢٢، بأنه لا يهتم بما يحدث لأوكرانيا، بالإضافة إلى قوله: إنّ أوكرانيا بحاجةٍ إلى المزيد من العتاد أكثر مما تستطيع الولايات المتحدة توفيره؛ في محاولةٍ منه للتنصُّل من هذه المهمة، وتحميل الجانب الأوروبي أعباء الحرب بدلًا من الولايات المتحدة، بإلإضافة إلى وضْعه خطةً للسلام، تنُصُّ على نزْع السلاح من جميع المناطق التي تسيطر عليها روسيا حاليًا، وجعلها على الحياد الدائم، ولكنه لم يذكر من سيسيطر على هذه الأراضي[2]، وكان ترامب قد شجَّع على وقْف المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لمدة أربعة أشهر في عام ٢٠٢٣، وتأكيده “أنه سيسمح لروسيا بأن تفعل ما تشاء لدول الناتو التي لا تنفق ما يكفي”، ومن هنا بدأت تتشكل صورة واضحة حول الطريقة التي سينتهجها ترامب في التعامُل مع هذه الحرب.[3]
على الرغم من تأكيد ترامب في عِدَّة مناسبات، أنه يعتزم تسوية الحرب، إلَّا أنه لم يُشِرْ صراحةً إلى إستراتيجيةٍ واضحةٍ لخطوات إنهاء الحرب، ولكن ما هو معلوم، أنه قد يضغط على أوكرانيا للدخول في محادثات سلام مع روسي، ومن المحتمل بأن يجبر كلا الطرفيْن على الجلوس على طاولة المفاوضات، ويقوم بتمهيد الطريق نحْو السلام، وذلك عن طريق استخدام أسلوب العصا والجزرة بالترهيب تارة والترغيب تارةً أُخرى؛ فبالنسبة إلى روسيا، من المحتمل أن تقوم الولايات المتحدة بالتهديد، بأنها إذا لم تقبلْ روسيا بالجلوس وتُبدي مرونةً على طاولة المفاوضات، فإنه ليس من المستبعد، أن تقوم بتغيير سياستها نكالًا بها، وتدعم أوكرانيا حتى تنتصر عليها وتكبح جماحها، وذلك من المحتمل، أن يكون تداعياته خطيرة، وتدرك تلك الخطورة موسكو، ومن الممكن أن يُكبِّدَ ترامب الاقتصاد الرُّوسي خسائر كبيرة، إذا خفَّض أسعار النفط والغاز، وهذه ورقة ضغطٍ أُخرى ضمن بدائل كثيرة لإدارة ترامب؛ لجلب بوتين إلى طاولة المفاوضات، وفي الوقت ذاته، وعد برفع العقوبات عن روسيا كجزءٍ من عملية التفاوض، وعلى النقيض، سيقوم ترامب بتقليص الدعم تجاه أوكرانيا و يتخلَّى تمامًا عنها؛ الأمر الذي قد يؤثر عليها في الحرب، إذا لم تُبدِ مرونةً في التفاوض، وستتركها فريسةً لروسيا.[4]
بالإضافة إلى أن الحزب الجمهوري لديه تحفُّظات شديدة، بشأن إنفاق أموالٍ أُخرى على دعْم أوكرانيا، بعد إهدار أكثر من ٧٠ مليار دولار على المساعدات العسكرية لأوكرانيا، بالإضافة إلى المساعدات الإنسانية والمالية والدبلوماسية، منذ بداية العملية العسكرية الرُّوسية.[5]
يريد ترامب إنهاء الحرب فوْرًا؛ لأنها تستنزف الاقتصاد الأمريكي، وتُشتِّت انتباه الإدارة الأمريكية عن التهديد الأول لها، في وجهة نظر ترامب، وهو الصعود الصيني وما يُمثِّلُه من خطرٍ على الاقتصاد الأمريكي؛ لذلك قد يضغط ترامب نحو وقْف إطلاق نارٍ وهُدْنةٍ بين الطرفيْن ومرور المساعدات الإنسانية وعقْد صفقة سياسية تُرضي الطرفيْن الرُّوسي والأوكراني، ومن المحتمل، أن تنُصَّ تلك الخطة على أن يتمتع إقليم الدونباس بمقاطعتيْه “دونيستك، ولوغانسك” باستقلالٍ ذاتيٍّ وانسحاب القوات الروسية والأوكرانية إلى حدود ما قبْل بداية الحرب، حدود ٢٢ فبراير ٢٠٢٢، مع الضغط على روسيا للتنازُل عن شرط ضمِّ المقاطعات الأربعة في شرقي وجنوبي أوكرانيا، وفي مقابل ذلك، ستتكفَّل واشنطن بوجود تعهُّدٍ من كييف، بعدم السعي للانضمام إلى حلف الناتو، ومن المحتمل، أن يتمَّ رفْع العقوبات الاقتصادية على روسيا كدليلٍ على حُسْن النية في الطريق إلى حلِّ هذا الصراع.[6]
وفقًا لأحد مستشاري ترامب، قد يتمُّ إعادة التفكير في اتفاقيات مينسك لعاميْ ٢٠١٤و٢٠١٥، التي لم يتم تنفيذها سابقًا، والتي تنُصُّ على إنشاء مناطق حُكْم ذاتي في “دونيتسك، ولوغانسك، اللتان تحتلهما روسيا؛ فهناك احتمالية مطروحة على الطاولة، بإعادة إحياء تلك الاتفاقيات، ومن المرجح تعديل أوْجُه القصور بها؛ حتى تتناسب مع ما استجدَّ في تلك الأزمة.[7]
هناك سببٌ آخرُ لا يقلُّ أهميةً عن العِبْء الذي تُمثِّلُه أوكرانيا على الاقتصاد الأمريكي، ألا وهو أن ترامب يَعِي جيِّدًا أن حرب أوكرانيا مع روسيا عمَّقت التحالُفات الروسية مع الدول التي لا تُحبِّذُها الولايات المتحدة، على غرار الصين وكوريا الشمالية وإيران، وهذا بالفعل ما حدث؛ حيث أرسلت كوريا الشمالية حوالي 11 ألف جنديِّ؛ ليحارب بجانب الجنود الرُّوس[8]، وتُزوِّد إيران وكوريا الشمالية روسيا بالأسلحة اللازمة التي تحتاجها موسكو في عملياتها العسكرية، فضلًا عن الصين التي تُعدُّ شريكًا اقتصاديًّا قويًّا لموسكو، وقد أدَّى دعْم بايدن لهذه الحرب إلى تعميق تلك الراوبط بين هذا المحور السابق ذكره، الذي تعدُّه الولايات المتحدة مصدرَ تهديدٍ بشكلٍ أو بآخر.
ولا يرى ترامب أنَّ حلَّ هذه الحرب يكْمُنُ في استمرار تسليح ودعْم أوكرانيا، كما كان ينتهجه بايدن؛ لأن تلك الطريقة دائمًا ما تصل إلى طريقٍ مسدودٍ ستكون عواقبة وخيمة، بل يرى أن الحلَّ سيكون عن طريق الدبلوماسية الجريئة، التي ستجلب كلا الدولتيْن على طاولة المفاوضات؛ لإنهاء تلك الحرب.[9]
الموقف الرُّوسي من فوز ترامب ومطالب التسوية
على خلفية فوْز ترامب، قام الرئيس الرُّوسي بوتين بتهنئة ترامب على انتخابه رئيسًا، خلال منتدى فالدي الدولي في مدينة سوتشي، وقال: ” أغتنم هذه الفرصة لأهنئه (دونالد ترامب) بانتخابه لمنصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، لقد قلت بالفعل: إننا سنعمل مع أيِّ رئيس دولة يحظى بثقة الشعب الأمريكي، في الواقع، سيكون الأمر هكذا في الممارسة العملية”،[10]وقد رحَّبت روسيا بأيِّ مساعٍ أمريكية لوقف الحرب، وأنهم منفتحون على المحادثات، ولكن مع توافر عدة شروط، أبرزها؛ أن تعكس خطة السلام التي سيطرحها ترامب الواقع على الأرض في أوكرانيا (علمًا بأن روسيا تسيطر على حوالي خُمْس مساحة أوكرانيا)، وأن تتخلَّى أوكرانيا عن طموحها في الانضمام إلى حلف الناتو، بإلإضافة إلى تسليم أربعة أقاليم شرقية وجنوبية (دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا)، وأشارت روسيا إلى أنه إذا توفَّرت تلك الشروط، فستقوم بإنهاء الحرب فورًا.
كما قال كيريل دميترييف الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي: “إن فوز ترامب سيفتح الباب أمام فُرصٍ جديدة لإعادة ضبْط العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا”، في حين أشار الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف ” أن فوْز ترامب في الانتخابات الأمريكية ربما سيكون نبأً سيِّئًّا لأوكرانيا”، وأوضح أن أمريكا لن تنفق الأموال من أجل أوكرانيا؛ بما سيفتح الباب أمام فُرصٍ جديدةٍ لإعادة ضبْط العلاقات بين موسكو وواشنطن.[11]
ومن المتوقع أن يُكثِّفَ بوتين الحرب في الفترة الحالية حتى موعد استلام ترامب زمام الأمور بداية من ٢٥ يناير ٢٠٢٥؛ حتى يفرض واقعًا يتلائم أكثر مع مطالبه، ويحصل على اتفاقية سلامٍ تناسب رؤيته، ودليل ذلك، محاولات بوتين بشتَّى الطُّرُق، استعادة إقليم كورسك من أوكرانيا، بمساعدة جنود كوريا الشمالية؛ لأن ذلك بالتأكيد يُعطي روسيا أفضليةً على طاولة المفاوضات، فضلًا عن أهمية الإقليم بالنسبة لروسيا.[12]
لا يغفل بوتين عن كوْن ترامب رئيسًا حاسمًا، ويستخدم إمكانيات الولايات المتحدة وأدواتها للدفاع عن مصالحها، بالإضافة إلى أنه لا يمكن التوقُّع بسياساته وتحرُّكاته حتى وإن بدت واضحةً، وبوتين يعلم مقدار القوة الأمريكية في الرَّدْع، وذلك ما يدفعه إلى تحقيق أكبر مكاسب ممكنة قبْل مباشرة ترامب عمله وعودته للبيت الأبيض.[13]
ولكن العامل الأساسي يكْمُنُ في الإعجاب المتبادل الظاهري بين كلا الرئيسيْن “ترامب، وبوتين”، وفي رغبة الولايات المتحدة القوية لإنهاء تلك الحرب الكارثية على الولايات المتحدة في وجهة نظر ترامب، وقد قال ترامب في أكثر من مناسبة: إن تلك الحرب لم تكن لتحدث لو كان رئيسًا للولايات المتحدة، وأنه سيقوم بإنهاء هذه الحرب فوْر انتخابه، وسيفعل ذلك في يومٍ واحدٍ فقط.
الموقف الأوكراني من فوْز ترامب ومطالب التسوية
كانت أوكرانيا تأمل في فترة حُكْم أخرى للديمقراطيِّين، وقد قدَّموا على هذا الأساس “خطة النصر” يوم ١٦ أكتوبر ٢٠٢٤، التي كانت تتمحور حول استخدام القوة لإنهاء الصراع وإحلال السلام بشكلٍ عادلٍ، وقد هدفت الخطة إلى عدة نقاط، منها: أولاً: انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو واستمرار تزويد أوكرانية بكافَّة الإمكانيات والأسلحة المطلوبة؛ لتعزيز قدرتها الدفاعية وتدمير القدرات الهجومية الرُّوسية، ثانيًا: نشْر حزمة ردْع إستراتيجية شاملة غير نووية على الأراضي الأوكرانية؛ لردْع القوات الروسية وحمايتها من أيِّ تهديدات مستقبلية، ثالثًا: تعزيز الإمكانيات الاقتصادية لأوكرانيا، وأخيرًا: وضْع خطة ما بعد الحرب، وقد تباينت وجهات النظر، حول تلك الخطة التي كان يرعاها حلف الناتو، متمثلًا في قادة دول الحلف، خصوصًا الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.
وسُرْعانَ ما فاز ترامب لتتحوَّل تلك الخطة إلى مجرَّد أحلام؛ نظرًا لرفض ترامب فكرة استمرار تمويل أوكراني، ولا يتوقع أن يدعم ترامب أوكرانيا، وهي تتصارع لأجل الدخول في حلف، هناك تكهُّنات كثيرة، بأنه يريد الخروج منه، وهذه نقطة محورية في هذا الصراع؛ ما سيضطر أوكرانيا ودول أوروبا لإعادة التفكير في سياساتهم تجاه الحرب وتجاه الحلف والتمويل الخاصَّة به، التي تلْقَى انتقادًا شديد اللهجة من دونالد ترامب.[14]
ومع ذلك، رحَّبت أوكرانيا بفوْز ترامب، وهنَّأ الرئيس الأوكراني زيلينسكي ترامب على فوْزه بالانتخابات، وعبَّر عن أمله في مساعدة ترامب لأوكرانيا في تحقيق سلامٍ عادلٍ، وأشار مستشار الرئيس الأوكراني ميخايلو بودولياك، لوكالة رويترز” أن السلام لا يمكن أن يكون إلَّا عادلًا، والسلام لا يمكن أن يرتكز إلَّا على القانون الدولي”؛ ما يعكس أن أوكرانيا في تفاوضها سوف تتمسَّك بكامل حقوقها واسترجعها لكافَّة أراضيها؛ الأمر الذي سترفضه روسيا؛ لأنها تريد أن تتفاوض على أساس الواقع الميداني في المعركة، فيما تطالب أوكرانيا بانسحاب روسيا من جميع الأراضي الأوكرانية، وفقًا لفيلتز وكيلوج، وهو ما لا تضمن الولايات المتحدة حدوثه، وتركّز اهتمامه فقط بإنهاء الحرب في أسرع وقتٍ ممكنٍ، فيمكننا القول: إنه إذا تمَّ تنفيذ خطة كيلوج وفيلتز، فإنها سوف تمنح اليد العليا في المحادثات لروسيا.[15]
هناك احتمالٌ، أن تواصل أوكرانيا القتال والتخطيط للدفاع عن نفسها؛ حتى وإن تخلَّت الولايات المتحدة عنها، بعدما فاجئت القوات الأوكرانية نظيرتها الروسية بهجوم كورسك، الذي كبَّد الجيش الرُّوسي خسائر كبيرة، تريد القوات الأوكرانية استغلال هذا الهجوم للقيام بعملياتٍ جديدةٍ، ومواصلة القتال يرجع إلى ما تُقدِّرُه أوكرانيا من خسائر إذا خضعوا للشروط الرُّوسية على طاولة المفاوضات، أو إذا حدثت هُدْنةٌ قصيرة المدى لا تحلّ جذور المشكلة؛ حيث عدَّتها أوكرانيا مجرد ركونٍ إلى مهلةٍ واستراحةٍ من الهجوم الروسي المستمر، وأن وقْف إطلاق النار الحالي سيكون في صالح روسيا.
وهناك عدة نقاط تُضْعِفُ موقف أوكرانيا إذا حاولت استكمال الحرب بدون مساعدة الولايات المتحدة، وتتلخَّصُ في صعوبة استكمال الحرب بدون الدعم المادي والعسكري الأمريكي، الذي يُعدُّ الركيزة الأساسية التي ارتكزت عليها أوكرانيا في تصدِّيها للعملية العسكرية الرُّوسية، والذي تجاوز ٥٦ مليار دولار مساعدات أمنية فقط، بالإضافة إلى أن فصْل الشتاء سيُشكِّلُ ضغطًا كبيرًا على الشعب الأوكراني؛ حيث فقدت أوكرانيا أكثر من ٥٠٪ من قُدْرتها على إنتاج الطاقة اللازمة لفصْل الشتاء؛ ما سيشكل ضغطًا إضافيًّا لقبول التفاوُض، والاستماع لحلول دونالد ترامب لإنهاء الحرب.[16]
كما يُعدُّ الواقع الميداني الحالي مؤلمًا بالنسبة لأوكرانيا؛ حيث يواجه الجيش الأوكراني مشاكلَ كبيرةً في إقليم دونباس، الذي تتقدَّمُ فيه القوات الروسية رويدًا رويدًا، وينتشر أكثر من ٤٠٠ ألف جندي روسي في المقاطعات الأوكرانية الشرقية الأربع، بالإضافة إلى شِبْه جزيرة القِرْم، وقد أغرقت روسيا أكثر من ٣٠٪ من الأراضي الأوكرانية بالألغام، فضلًا عن التفوُّق الديموغرافي الرُّوسي على أوكرانيا؛ حيث يُقدَّرُ عدد سكان أوكرانيا اليوم بحوالي ٣٦.٧ مليون نسمة، مقارنةً بعدد سكانها قبْل بداية الحرب، وفرار العديد من السكان المقدر بـ ٤٥ مليون نسمة، فيما يبلغ عدد سكان روسيا ١٤٤ مليون نسمة، فبالتالي تواجه أوكرانيا مشاكل عديدة تتعلق بالتجنيد، كل ذلك سيضع ضغطًا على أوكرانيا لقبول عملية التفاوُض وتقديم تنازلات؛ من أجل صُنْع عملية السلام ،[17] ولكن مع ذلك، يَعِي زيلينسكي جيِّدًا، أن ما تطلبه روسيا لكي تُوقف الحرب، ما هو إلا شروط استسلام وانتصار روسي، ولكن الحلَّ الأمريكي يعتبر هو الحلُّ الوحيد المنطقي لإنهاء هذه الحرب.
ردود فعل دول الاتحاد الأوروبي والناتو من سياسات ترامب
بعد إعلان نتيجة الانتخابات الأمريكية، قامت الدول الأوروبية بعقْد قمةٍ في العاصمة المجربة بودابست، استضافها رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي تتولَّى دولته حاليًا رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي؛ في محاولة منهم لتوحيد الصفوف الأوروبية، وقال الرئيس الفرنسي ماكرون: ” هل نريد أن نقرأ تاريخًا يكتبُه آخرون، الحروب التي يطلقها بوتين، الانتخابات الأمريكية، الخيارات التي يقوم بها الصينيون…أم نريد أن نكتب التاريخ؟”، في إشارةٍ واضحةٍ من الرئيس الفرنسي، بأن على أوروبا الاستعداد لتحمُّل أعبائهم وعدم الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية، وقال الرئيس الأوكراني: “إن العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا يجب ألَّا تضيع، بل تقدر بعد فوز ترامب”، وأضاف “نأمل أن تصبح أمريكا أقوى، هذه أمريكا التي تحتاج إليها أوروبا، وأوروبا القوية هي ما تحتاج إليه أمريكا”، وأكَّد على رفضة تقديم تنازُلات لروسيا؛ لأن ذلك سيُعدُّ انتحارًا بالنسبة لأوكرانيا وأوروبا.[18]
كما هنَّأ الأمين العام لحلف الناتو مارك روته ترامب، على فوْزه بالانتخابات الأمريكية، وقال: ” أتطلَّعُ إلى العمل معه مرَّةً أُخرى؛ لتعزيز السلام، من خلال القوة عن طريق حلف الناتو”، وأكَّد أن الولايات المتحدة تمتلك أصدقاء يرغبون في تعزيز ومضاعفة مصالحها، وأكَّد على رؤيته للصين كمنافسٍ إستراتيجي للحلف؛ في محاولة منه لتذكرته بتشارُك التحديات مع الولايات المتحدة؛ رغبةً في توحيد المصير ووجود تناغُمٍ مستقبليٍّ في السياسات الأمريكية الخارجية وسياسات الحلف، وأكَّد على أن الحلف سيكون أقوى وأكثر اتحادًا، عندما يباشر ترامب عمله في ٢٠ يناير القادم.[19]
فيما قال فيكتور أوربان، الذي يحْظَى بعلاقات جيدة مع ترامب وبوتين: “لو فاز ترامب في انتخابات ٢٠٢٠، لم تكن لتحدث هاتان السنتان الكابوسيتان”، وقال: إن أوكرانيا خسرت الحرب لصالح روسيا، وسيقوم الرئيس الأمريكي بإنهاء الدعم لكييف[20]، وأصبح الآن لدى الغرب خياران، إمَّا أن يحلوا محلّ الولايات المتحدة كمموِّلٍ وداعمٍ عسكريٍّ وماليٍّ واقتصاديٍّ بالدرجة والكفاءة نفسها، التي كانت تقوم بها الولايات المتحدة، أو يعترفوا بالحقائق الحالية على الأرض، ويتمُّ بدْء التفاوض والاستماع للحلول الأمريكية التي سيأتي بها ترامب.
لم تكن أوروبا تنتظر ترامب الذي يسير نحْو سياسة انعزالية، عنوانها “أمريكا أولًا”؛ حيث من المرجح، أن يضغط ترامب بشكلٍ كبيرٍ على دول الناتو؛ لتحمُّل تكلفة الحرب التي تحافظ على أمنهم القومي من التوسُّع الرُّوسي، بعدما كانت الولايات المتحدة هي الراعي الأوَّل لهذه الحرب، في ظل إدارة جو بايدن الذي كان يتشارك الرُّؤْية مع قادة أوروبا، بأن يتمَّ استمرار تسليح أوكرانيا؛ لمحاربة بوتين الذي يُشكِّلُ تهديدًا خطيرًا للديمقراطية والسِّلْم والأمن الدوليين، وقد هدَّد ترامب في تجمُّع انتخابي في كارولينا الجنوبية في فبراير الماضي، بأنه سيسمح لروسيا أن تفعل ما تشاء لدول الناتو التي لم تنفق ما يكفي،[21] بالإضافة إلى تهديداته في الأحاديث الخاصَّة التي لا تظهر لوسائل الإعلام، كما يُمثِّلُ ترامب تهديدًا صريحًا لوجود حلف الناتو، الذي يحاول خلْق إمكانيةٍ للخروج منه، ولكن من الممكن أن يكون ذلك ورقة ضغط؛ حتى تقوم دول الحلف بدفْع حِصَصِهم، وبتحمُّل الأعباء والتكاليف المالية للحلف،[22] كما أن أوروبا لم تكن مستعدةً لوجود ترامب، الذي وصف خلال حملته الانتخابية الاتحاد الأوروبي، بأنه صينٌ صغيرةٌ تستغلُّ الولايات المتحدة، عبْر تراكُم الفائض التجاري لصالحه، بالإضافة إلى تخطيطه فرْض رسومٍ جمركيةٍ على قارة أوروبا.[23]
ختامًا:
وإن رجَّحت المؤشرات الحالية والواقع الميداني للحرب «الروسية – الأوكرانية» كفَّة دولة على الثانية، من المؤكد أنه لن يكون هناك طرفٌ منتصرٌ تمامًا أو طرفٌ منهزمٌ تمامًا، بل إن هذه الحرب كانت ومازالت وبالًا على كلتا الدولتيْن، وراح ضحيتها مئات الآلاف من المدنيِّين، ومن غير المتوقع نجاح المفاوضات – في حال تحرُّك ترامب في اتجاه التهدئة بين الطرفين- في جوْلتها الأولى؛ نظرًا لأن كلا الطرفيْن سيتعنَّت في الإصرار على مطالبه، ومن الممكن حدوث وقْف إطلاق نارٍ وهُدْنة وإدخال مساعدات إنسانية في بادئ الأمر، ثمَّ تشديد الحوار والبتّ في المفاوضات بين الطرفيْن.
المصادر:
[1] Lt. General (Ret.) Keith Kellogg, Fred Fleitz, America First, Russia, & Ukraine , AFPI, April 2024, 11
[8]Alex Marquardt, Maria Kostenko and Mitchell McCluskey, “Large group of Russian and North Korean forces prepared to retake Russia’s Kursk region from Ukraine” CNN, Nov, 2024, 11,
