المقالات
بعد لقاء رئيسي الدولتين… هل تدفع الحرب في غزة نحو انفراجة في العلاقات المصرية الإيرانية؟
- نوفمبر 18, 2023
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد: شيماء عبد الحميد
لم تعيد الحرب في غزة القضية الفلسطينية إلى الواجهة مرة أخرى فقط، بل أن مجازر الاحتلال الإسرائيلي الغاشمة بحق المدنيين الفلسطينيين وخاصةً الأطفال، فضلًا عن الاستهدافات المتكررة للمستشفيات وإجبار سكان القطاع للنزوح من الشمال إلى الجنوب فيما يُعتبر نكبة جديدة للقضية في تاريخها الحديث، أعاد إحياء فكرة أن “إسرائيل هي العدو الأول للعرب”، حتى ولو كان ذلك على المستوى الشعبي، وهذا يُعد ضربة كبيرة لفكرة “شيطنة إيران” التي اعتمدتها الولايات المتحدة وتل أبيب خلال السنوات الماضية لتصوير طهران على إنها العدو الأول للمنطقة والذي يجب ليس فقط عزله بل والاصطفاف ضده، وهذا كان أساس ما سُمي بالناتو الإقليمي، ذلك المقترح الإسرائيلي الذي رفضته بعض الدول العربية وعلى رأسها مصر.
ويُضاف إلى هذا، عودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، والشرعية الشعبية التي أكتسبتها أذرع طهران في المنطقة بعدما تحركت لاستهداف إسرائيل والقواعد الأمريكية في سوريا والعراق. وكل هذه العوامل أدت إلى أن تكون طهران مقبولة كفاعل إقليمي خلال هذه الأزمة، ومن ضمن المؤشرات على ذلك؛ الاتصالات المتكررة التي جمعت بين الجانبين المصري والإيراني من أجل تنسيق الجهود بشكل ينعكس إيجابيًا على القضية الفلسطينية، وهذا أثار تساؤلًا رئيسيًا وهو ما إذا كانت الحرب في غزة ستدفع التقارب بين القاهرة وطهران، بشكل يؤدي إلى حدوث انفراجة في العلاقات بينهما.
تنسيق مصري إيراني بشأن الحرب في غزة:
مع بروز إيران كفاعل إقليمي مهم في معادلة عدم اتساع رقعة الصراع، حرصت مصر في إطار دورها الحيوي الذي تلعبه لإيقاف الحرب على غزة وضمان استقرار المنطقة بعدم دخول أطراف أخرى، على التنسيق والتواصل المستمر مع إيران وغيرها من دول وقادة المنطقة.
ولذلك؛ أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري، عدة اتصالات هاتفية مع نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، والتي ناقش خلالها الوزيران الوضع في غزة حيث تبادلا وجهات النظر والتقييمات حول الأوضاع الميدانية المتردية في القطاع، ومسارات التحرك للتخفيف من وطأة المعاناة الإنسانية عن طريق إدخال المساعدات إلى القطاع بشكل دائم، فضلًا عن المخاطر المرتبطة بتوسيع نطاق الصراع بشكل يؤدي إلى زعزعة المنطقة ككل.
وقد اتفقا الوزيران خلال هذه الاتصالات على ضرورة تنسيق الجهود على المستويين الإقليمي والدولي لتوفير النفاذ الآمن والمستدام للمساعدات الإنسانية والإغاثية لغزة، والوقف الفوري لقتل الشعب الفلسطيني، والمعارضة الحازمة لسياسة التهجير القسري للسكان الفلسطينيين.
وفي خطوة تشير إلى مستوى أعلى من التنسيق بين البلدين؛ التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بنظيره الإيراني إبراهيم رئيسي للمرة الأولى على هامش القمة العربية الإسلامية التي استضافتها السعودية في 11 نوفمبر الجاري.
وبحسب المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية أحمد فهمي، فقد تمحور اللقاء حول بحث مسارات التهدئة ووقف إطلاق النار، حيث شدد الرئيس السيسي على أهمية وقف التصعيد وعدم التسامح مع الممارسات الإسرائيلية التي تؤدي إلى تهجير الفلسطينيين، فيما أكد الجانب الإيراني على ضرورة اتخاذ قرارات حاسمة لمواجهة جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
كما شدد الرئيسان على أهمية العمل المشترك لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وعدم توسيع دائرة الصراع في الشرق الأوسط وضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي، فضلًا عن مناشدة المجتمع الدولي ولا سيما مجلس الأمن، بتحمل مسؤولياته في التصدي بحزم للأزمة الحالية.
وقد علق المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني على هذا اللقاء، مؤكدًا أنه كان لقاءً مهمًا وحدثًا مؤثرًا في مسيرة العلاقات السياسية بين الجانبين، مشددًا على أن تحسين مستوى العلاقات بين مصر وإيران يصب في مصلحة البلدين ويعود بالنفع عليهما وعلى دول المنطقة.
وجدير بالذكر أن هذا التواصل على مستوى الرؤساء، يأتي بعد عدة خطوات تقاربية للارتقاء بمستوى العلاقات بين الدولتين؛ من بينها:
– لقاءات وزارية؛ استقبل الوزير سامح شكري نظيره الإيراني بمقر بعثة مصر الدائمة لدى الأمم المتحدة بنيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي عُقدت في سبتمبر الماضي، حيث بحثا سبل تطوير العلاقات بين البلدين، واستكشاف المحددات والضوابط التي تحكمها، بما يؤدي إلى تطويرها على النحو الذي يحقق مصالح الشعبين تأسيسًا على مبادئ الاحترام المتبادل وحسن الجوار والتعاون وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
وعلى هامش اجتماع البنك الآسيوي للبنية التحتية الذي استضافته مدينة شرم الشيخ المصرية في سبتمبر 2023، التقى وزير الاقتصاد الإيراني سيد إحسان خاندوزي، مع وزير المالية المصري محمد معيط، حيث استعرضا تطورات العلاقات الثنائية والتجارية، وإمكانية تعاون البلدين في مجال السياحة وتشجيع الاستثمار من خلال الاتفاقيات والمذكرات الجمركية وتخفيض التعريفات والضرائب والتعاون في الإنتاج المشترك.
وكذلك التقى رئيس مجلس النواب المصري حنفي جبالي، ورئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني محمد باقر قاليباف، على هامش انعقاد الجمعية البرلمانية التاسعة لمجموعة بريكس في جوهانسبرج.
– تصريحات إيرانية إيجابية؛ أكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أن اللقاء بين وزيري الخارجية قد يمهد الطريق لاستعادة العلاقات، مشيرًا إلى أن طهران لا ترى أي عائق أمام إقامة علاقات مع مصر.
وفي مايو الماضي، كان رئيسي قد وجه وزارة الخارجية باتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز العلاقات مع مصر، وذلك بعدما أعرب المرشد الإيراني علي خامنئي عن ترحيبه باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
– تعاون في المجال السياحي؛ حيث في مارس الماضي، أعلنت مصر تسهيل حصول السائحين الإيرانيين على تأشيرة فورية بكفالة الشركات السياحية عند وصولهم المباشر إلى محافظة جنوب سيناء.
– وساطات إقليمية؛ فبعد وساطة عراقية موسعة بين البلدين بناءً على طلب إيران وزيارات رئيس الوزراء العراقي شياع السوداني لمصر، هناك أيضًا وساطة سلطنة عُمان، التي اتضحت بزيارة السلطان هيثم بن طارق لكلًا من القاهرة وطهران خلال مايو الماضي، لتقريب وجهات النظر بين الدولتين لرفع مستوى العلاقات بينهما.
هل من انفراجة وشيكة في العلاقات بين البلدين؟:
بعد اللقاء بين الرئيسين المصري والإيراني، ناقشت مختلف الأوساط السياسية فكرة حدوث دفعة وانفراجة في العلاقات المصرية الإيرانية بعد هذا اللقاء؛ فقد رأى البعض أنه قد يكون بداية للارتقاء بالعلاقات بين البلدين، بينما رأى البعض الآخر أن هناك العديد من التحديات أمام العودة الوشيكة للعلاقات، وهو ما يمكن إيضاحه على النحو التالي:
– الاتجاه الأول؛ يرى أن تكرار اللقاءات المصرية الإيرانية في فترة وجيزة يبشر بحدوث انفراجة وشيكة في العلاقات الرسمية بين البلدين، ويقوم هذا الرأي على مجموعة من المعطيات؛ منها:
- تتسم الدبلوماسية المصرية خلال الفترة الأخيرة بقدر كبير من الانفتاح والتوازن؛ حيث ترى مصر أن مساحات التعاون الإقليمى أكبر وأهم من مساحات الخلاف، ولذلك تسعى لتعزيز وتنسيق التعاون والتشاور مع كل القوى والأطراف الإقليمية والدولية، وهذا يستدل عليه من انفتاح القاهرة على التواصل مع الجانب التركي والسوري والإيراني خلال الأشهر القليلة الماضية.
- يسود المنطقة العربية أو الشرق الأوسط بأكمله، نهج تصالحي استطاعت إيران من خلاله فتح مجالًا جديدًا للعلاقات مع المملكة العربية السعودية ضمن مصالح عربية وإيرانية.
- استعداد إيران لقبول شروط وملاحظات مصر المتعلقة باستعادة العلاقات بشكل متوازن، مع تعامل إيران كدولة طبيعية في المنطقة والمساهمة في حل القضايا الإقليمية بشكل عقلاني دون أن تكون عائقًا أمام تحقيق الاستقرار الإقليمي، وذلك نظرًا لأنها تسعى لتوسيع نفوذها وتعزيز تعاونها الاستراتيجي عبر محاور أخرى بعيدًا عن الأطر الذي فرضتها عليها الولايات المتحدة وأوروبا بسبب العقوبات منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، كما أن عودة علاقاتها مع مصر ستكون بمثابة مؤشر على الاعتراف المتزايد بوضع إيران من قبل الدول العربية، مما يُعد فرصة لتعزيز قدرتها على الردع ضد إسرائيل، فقرب إيران من محيطها العربي يجهض آمال تل أبيب الرامية لتشكيل تحالف إقليمي ضدها.
- مسار استعادة العلاقات وتطورها في المستقبل، يرسل رسالة للخارج خاصةً للولايات المتحدة وإسرائيل بتوطيد التلاحم والتقارب بين الأطراف الإقليمية، وهذا يشكل خطرًا على الجانب الإسرائيلي، ويجعل الأمور خارج نطاق السيطرة الأمريكية.
- على رغم التباعد الجغرافي بين البلدين، إلا أن هناك كثيرًا من الملفات التي تتشابه بينهما، بحيث تمارس إيران طموحاتها نحو التمدد والتوسع في دوائر السياسة الخارجية المصرية ذاتها مثل منطقة الخليج وسوريا ولبنان والعراق واليمن وأمن البحر الأحمر وباب المندب.
– الاتجاه الثاني؛ يرى أن حدوث انفراجة في العلاقات بين الدولتين أمر غير متوقع في الأمد القريب، ويقوم هذا الرأي على مجموعة من المعطيات؛ منها:
- رغم الدعوات الإيرانية المتكررة إلى تحسين العلاقات مع مصر وإعادة العلاقات الدبلوماسية كاملةً معها، لا توجد حتى الآن خطوات فعلية من جانب إيران، وبالتالي قد تكون دعوات طهران في إطار دبلوماسية الجوار ما هي إلا خطوات تكتيكية وليست تغييرًا حقيقيًا في السلوك الإيراني.
- تستهدف مصر تحقيق استقرار في المنطقة وخاصةً في دول الصراع؛ سوريا ولبنان والعراق، وكلها دول تعاني أزمات ممتدة نتيجة التدخل الإيراني فيها، وبالتالي فإن سياسة إيران داخل تلك الدول هي تحدي أمام تحسين علاقتها بمصر وبدول المنطقة، والأمر يعتمد على تغيير الإدراك الإيراني لدوره الإقليمي.
- هناك ما يحول دون إقامة تحالف مستقر بين مصر وإيران، باعتبار أن خلافات الجانبين حول ملفات رئيسية في المنطقة ليست طارئة أو عرضية وإنما ذات امتدادات عميقة وتقع في صلب العلاقات بينهما، ومن أهم ملفات الخلاف المعاصرة؛ أمن الخليج والعلاقة مع إسرائيل والولايات المتحدة والسلوك الإقليمي الإيراني.
- وفي ضوء ذلك، فإن هناك ترجيح محتمل أن يظل الجانب المصري متمسك بالسلام البارد في مسار العلاقات العربية الإيرانية في المدى المتوسط أو المنظور، لأن العوامل التي تتحكم في العلاقات بين البلدين على درجة كبيرة من التعقيد والتداخل، فضلًا عن عدم وجود حاجة مصرية ملحة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي لإعادة العلاقات مع طهران لاعتبارات كثيرة، كما أنه لا يزال التقارب الخليجي الإيراني في طور المحادثات، ولم ينعكس بشكل ملموس على القضايا الخلافية.
وخلاصة القول؛ يشهد الشرق الأوسط مجموعة من التغيرات والتطورات التي توضح أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة من التحالفات الإقليمية في ضوء نوع من المصالحة الشاملة التي تهدف لحالة من التهدئة في عديد من الملفات الصراعية بالمنطقة والبحث عن سبل جديدة لتسوية تلك الصراعات أو الأزمات بطرق دبلوماسية.
فضلًا عن أنه لا يمكن التغاضي عن كون إيران فاعل إقليمي مؤثر في عديد من ملفات المنطقة، خاصةً بعدما نجحت في تشكيل تحالفات قوية سواء مع روسيا والصين من جانب، أو مع الدول العربية من جانب آخر، بعد أن استعادة علاقاتها مع الإمارات والسعودية وعلاقاتها القوية مع قطر وسلطنة عُمان والكويت.
وفي ضوء هذه المعطيات؛ وتفعيلًا لمبدأ “لا عدو دائم ولا صديق دائم” الراسخ في العلاقات الدولية، فقد تتجه مصر إلى مزيد من الانفتاح والتقارب مع طهران وغيرها من الدول الإقليمية الأخرى المؤثرة في المنطقة، والتعامل مع إيران بنهج براجماتي، نظرًا لأن المنطقة تواجه مجموعة من التحديات المتشابكة والمعقدة التي تتطلب تعاون جميع دول الإقليم، من أجل دعم الاستقرار وتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
كما أن تنوع شراكات مصر مع مختلف القوى الإقليمية والدولية، من شأنه أن يعزز دورها الفاعل في مختلف قضايا المنطقة، فضلًا عن إنه؛ حتى لو هناك عدد من القضايا العالقة بين مصر وإيران، فإن من المجدي التلويح بورقة طهران في وجه إسرائيل؛ حيث إن الانفراجة في العلاقات المصرية الإيرانية قد تحمل الكثير من الدلالات السياسية لتل أبيب، أهمها سقوط مشروع الناتو الشرق أوسطي ضد طهران، وإعادة دمج إيران في النظام الإقليمي، وبالتالي تفاقم مخاوف إسرائيل الأمنية.