بوتين في منغوليا: انتصارٌ دبلوماسي بطابع تحدي

إعداد: إسراء عادل

باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية

وسْطَ تصاعد نيران الحرب الروسية الأوكرانية، وما خَلّفتهُ من تداعيات كارثية، تقدّمَ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطوةً جديدةً في كسر الحصار الدولي المفروض عليه من قِبلِ الغرب، ساعياً نحو إظهار قدرة موسكو على تطوير العلاقات بالحلفاء رغم الصعوبات التي تواجههُ والملاحقة المستمرة من جانب محكمة الجنايات الدولية، إذ شكلتْ زيارة الرئيس بوتين إلى منغوليا في الثالث من سبتمبر الجاري، نقطة تحولٍ فارقة في تحدى الغرب، لكونها الزيارة الأولى لبوتين إلى دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية التي أصدرت العام الماضي مذكرة اعتقالٍ ضده على خلفية الأزمة الروسية الأوكرانية والاشتباه بضلوعه في ترحيل أطفال أوكرانيين إلى روسيا بشكلٍ غير قانوني.

ووسْطَ دعواتِ أوكرانيا لاعتقاله، حظي بوتين باستقبالٍ حافل في العاصمة المنغولية أولان باتور، إذ تأتي هذه الزيارة للاحتفال بالذكرى الخامسة والثمانين لانتصار القوات السوفيتية والمنغولية على اليابان، ولبحثِ سبل تعميق التعاون الثنائي بين البلدين في مجالات الطاقة والتجارة والأمن، بالإضافة إلى مناقشة الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره المنغولي أوخنانغين خوريلسوخ مجموعةٍ واسعة من قضايا التفاعل في المجالات السياسية والاقتصادية والإنسانية، وتبادلا وجهاتٍ النظر حول المشكلات الدولية والإقليمية الأكثر إلحاحاً.

ومن الجدير بالذكر، أدأن العَلاقاتِ الروسية المنغولية تَتسمُ بالصلابة والقوة، حيث تستند تلك العلاقات على أساس متين من الصداقة والتعاون في إطار اهتمام البلدين لبناء علاقات استراتيجية واستثمارية شاملة ذات منفعة متبادلة، خاصةً في المجالات العسكرية والأمنية، والتجارة، والتعليم، والطاقة، والبنية التحتية، والتكنولوجيا. وبالتالي فإن هذه الزيارة قد تَعكسُ مدى قوة العلاقات بين البلدين، فعلى الرغم من صدور مذكرة اعتقالٍ بحق الرئيس بوتين، إلا أن منغوليا العضو في المحكمة الجنائية الدولية، فَضّلت مصالحَها مع روسيا على الغرب، وأدارت ظهرها للمحكمة واستقبلت الرئيس الروسي بحفاوةٍ، وهذا ما يُثيرُ عدة تساؤلات حول السبب الأساسي لعدم اعتقال منغوليا لبوتين، إلى جانب ردود الفعل الدولية على هامش تلك الزيارة، ودوافع موسكو للتقرب من منغوليا، بالإضافةِ إلى التحديات التي يمكن أن تَعصفَ بالعلاقات الروسية المنغولية.

دَلالاتُ وأبعاد الزيارة:

تأتي زيارة بوتين إلى منغوليا في توقيتٍ معقّدٍ وحساس، إذ جاءت تلك الزيارة في خضمِّ الصراع الحالي بين موسكو وحلف الناتو، وفي ظل النفوذ المتنامي في شرق آسيا، وهذا ما يُبرزُ رغبة موسكو في إظهار قدرتها على الساحة الدولية والاستفادة من الدول المجاورة لها وتعزيز علاقاتها، ومن هنا يبدو أن الرئيس بوتين أراد أن يعكسَ رسالةً واضحة لواشنطن والدول الغربية تؤكد أن موسكو ليست مُحاصرة دولياً، وأن قرار المحكمة الجنائية الدولية ما هو إلا ضغوطات أمريكية يتم ممارستها على روسيا ولا محل لها من الإعراب، وتكْمنُ أهمية تلك الزيارة أيضاً في تعزيز الأمن القومي الروسي، خاصةً مع سعى موسكو المتواصل لتوسيع تجمّع بريكس عبر إقامة تحالفاتٍ دولية جديدة، الأمر الذي يعزز من قوتها على المستوى الاقتصادي والسياسي والعسكري.^[1]

ردودُ الفعل الدولية حول زيارة بوتين لمنغوليا:

قابلت منغوليا عدداً من الانتقادات الدولية واسعة النطاق التي جاءت رداً على استقبالها للرئيس بوتين، حيث انتقدت اوكرانيا بغضب موقفَ منغوليا، وحمّلتها المسؤولية المشتركة مع روسيا عن جرائم الحرب التي ارتكبها بوتين. وفي السياق ذاته أعرب الاتحاد الاوروبي عن أسفه البالغ لعدم قيام منغوليا باعتقال الرئيس بوتين خلال زيارته لأولان باتور، تنفيذاً لمذكرة التوقيف الصادرة بحقهِ من المحكمة الجنائية الدولية، كما حذرت منظمةُ العفو الدولية من فشل منغوليا في توقيف بوتين والذي يمكن أن يقوّضَ من شرعية المحكمة الجنائية الدولية، ويعطي دفعةً إلى الأمام لبوتين لتحدي السلطات القضائية الدولية، ومن جهتهما انتقدت استونيا وليتوانيا بمنطقة البلطيق منغوليا لاستقبالها الرئيس بوتين على الرغم من مذكرة الاعتقال، متهمين منغوليا بتقويض قرارات محكمة الجنايات الدولية والنظام القانوني الدولي.

ومن الجدير بالذكر أيضاً، أنه رغم الاستقبال الحافل الذي حَظِيَ به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منغوليا، فإن زيارة بوتين إلى أولان باتور، تحمل انعكاسات قانونية ودبلوماسية حساسة على منغوليا، فقد تواجه منغوليا ملاحقاتٍ قانونيةّ من المحكمة الجنائية الدولية بسبب عدم التزامها بتنفيذ مذكرة اعتقال بوتين، مما يعرضها لإجراءات داخل المحكمة بسبب عدم الامتثال لالتزاماتها الدولية، وعلى الرغم من أن العواقبَ المحتملة قد لا تشمل فرض عقوبات فورية، إلا أن هذه الخطوة تضع منغوليا في موقف صعب دولياً.

من جانب آخر، قد تؤدي هذه الزيارة إلى توترٍ في علاقات منغوليا مع الدول الغربية، خاصةً أوكرانيا، التي اعتبرت عدم توقيف بوتين “ضربة كبيرة” لشرعية المحكمة الجنائية الدولية، وقد تسعى كييف وحلفاؤها للضغط على منغوليا ومعاقبتها بسبب هذا الفعل، مما قد يؤثر على علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع الدول الغربية.

وفي الوقت نفسه، فإن منغوليا  تكون قد اختارت التعاملَ مع روسيا، جارها القوي، بوعيٍ كامل لما قد تواجهه من تداعيات دولية، فعلاقتها التجارية القوية مع موسكو، واعتمادُها الاقتصادي على روسيا قد يجعلها تُفضّل الحفاظ على علاقاتها مع موسكو على المخاطرة بالدخول في صراع مفتوح مع الكرملين، حتى لو كان ذلك يعني تحمل بعض العواقب الدولية.

لذلك، يمكن القول إن منغوليا تسير على حبلٍ مشدود بين رغبتها في الحفاظ على علاقاتها القوية مع روسيا ومخاوفها من التبعات الدولية لعدم تنفيذ مذكرة المحكمة الجنائية، وقد تحاول منغوليا التخفيف من حدّةِ هذه التداعيات من خلال دبلوماسية هادئة وتوازن دقيق بين مصالحها المتعددة.

دوافعُ التقرب الروسي لمنغوليا:

تتعددُ الأسباب التي دفعت موسكو للتقرب من منغوليا، وذلك في إطار عددٍ من المتغيرات الجيوسياسية والمصالح الاقتصادية، خاصةً بعد أن أصبحت منغوليا إحدى دول التنافس بين موسكو وبكين، ففي الوقت الذي تغيرت فيه النظرة العالمية لمنغوليا في السنوات الأخيرة، واتبعتْ سياسة الجار الثالث مع الولايات المتحدة وألمانيا والهند واليابان وكوريا الجنوبية وفرنسا وبريطانيا وكندا، سعت موسكو لتحقيق مصالحها عبر مدِّ أذرِعها تجاه منغوليا وتعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية. وفيما يلي أبرز دوافع التقرب الروسي تجاه منغوليا:

– مصالحُ وأهدافُ اقتصادية:

تأتي المصالحُ والأهداف الاقتصادية في مقدمة دوافع التقرب الروسي من منغوليا، خاصةً بعد أن أصبحت منغوليا شريكاً استراتيجياً مهماً بالنسبة لموسكو، إذ بلغت التجارة الروسية المنغولية ما يقرب من ثلث إجمالي واردات منغوليا، وفقاً لما توفره لها من احتياجاتِ الوقود والمشتقات النفطية بأسعار مناسبة، وهذا ما ظهر بوضوحٍ في الأشهر الأخيرة، حيث نمت التجارة البينية بين البلدين بأكثر من 21%، كما تتميز التعاملات التجارية بين روسيا ومنغوليا بأنها تجرى بعملات بديلة عن الدولار واليورو. وعلى المستوي التعليمي، فقد نجحَ البلدان في تطوير الأنظمة التعليمية عبر الدراسة والمِنَحِ المقدمة، حيث يدرس أكثر من 2000 طالب من منغوليا في الجامعات الروسية، فضلاً عن دعم موسكو لتعليم اللغة الروسية في منغوليا بما في ذلك المناطق الحدودية. ^[2]

فنظراً لموقع منغوليا الجغرافي والذي جعلها هدفاً استراتيجياً وموطئ قدمٍ مهمٍ لواشنطن والدول الأوروبية، سعت موسكو دائماً إلى إرضاء منغوليا عبر تعزيز العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري وإقامة شراكات استراتيجية استثمارية في مجالات الطاقة الكهربائية والنفط والغاز الطبيعي والبنية التحتية والقطاع الزراعي، وهذا ما أتى بثماره على الجانب الروسي، فمن ناحيةٍ تحقق موسكو مصالحها الاقتصادية من خلال تلك الاستثمارات، حيث لا تزال منغوليا تعتمد بشكلٍ كبير على الواردات الروسية عامة، وموارد الطاقة بشكل خاص، ومن الجهة الأخرى تسعى موسكو لتقليص التنافس الأمريكي والأوروبي المتنامي في منغوليا.

– مصالحُ أمنيةٌ وعسكرية:

إذ تتلاقى المصالح الروسية والمنغولية في التعاون الأمني والعسكري، فقد خطا البلدان خطواتٍ متقدمةً في مجال التعاون الأمني وإجراء التدريبات العسكرية وصفقات الأسلحة، وظهر ذلك بوضوح خلال الفترات الأخيرة، فقد بدأت روسيا ومنغوليا في تدريبات عسكرية مشتركة تضمنت التدريب على الطائرات المسيرة والتقليدية مثل ميغ-29، سو-25، وذلك في إطار مكافحة التنظيمات الإرهابية الدولية بما يضمن الأمن والاستقرار بمنطقة آسيا.^[3]

– تزايدُ الاهتمام الأمريكي والأوروبي بمنغوليا:

تكْمنُ دوافع التقرب الروسي من منغوليا أيضاً في التخوف المستمر لروسيا من فقدان نفوذها في منغوليا، خاصة بعد أن أصبحت منغوليا نقطةَ التقاءٍ للقوى العظمي العالمية، إذ غيرت الدول الكبرى الحسابات المتعلقة بمنغوليا على أساس الاستفادة القصوى من مواردها الطبيعية، واستخدامها كورقة ضغط على روسيا في عددٍ من الملفات، وظهر ذلك بوضوح خلال السنوات الأخيرة، فمن ناحيةٍ تلعب الولايات المتحدة على استخدام منغوليا لفرض سيطرتها على موسكو وتقويض مصالحها، عبر توقيع اتفاقيات مع منغوليا للتعاون في تنمية قطاع الموارد المعدنية، فضلاً عن ضم منغوليا إلى برنامج الشراكة لأمن المعادن في سبتمبر 2022، والذي يضم أمريكا واليابان والاتحاد الأوروبي وعدداً من الدول المتقدمة. كما سعت ألمانيا أيضاً إلى الاستفادة من منغوليا عبر إقامة شراكة استراتيجية شاملة معها، إلى جانب سياسة المشاركة الألمانية في تطوير معادن منغوليا خاصةً الأتربة النادرة والنحاس. أما بالنسبة لفرنسا فقد تعهّد ماكرون خلال زيارته الأخيرة لمنغوليا في مايو 2023، بدعمِ وتنمية المعادن الحيوية فيها، وفي أكتوبر 2023 وقّعَ الطرفان صفقةً بقيمة 1.7 مليار دولار لتعدين اليورانيوم. ومن ناحية أخرى سعى حلفاء واشنطن إلى الاستفادة من منغوليا، إذ قامت كوريا الجنوبية بتوقيع اتفاقيةٍ مع منغوليا في أغسطس 2022، لتعزيز التعاون في سلسلة التوريد العالمية، بالإضافة إلى التركيز على تطوير المعادن النادرة، كما دخلت الهند بقوة أيضاً، حيث استطاعت شركة ميجا للهندسة والبنية التحتية في الهند الحصول على عقدٍ لبناء أول مِصفاة لتكرير النفط الخام في منغوليا بقيمة 648 مليون دولار.^[4]

ومن هنا يبدو أن واشنطن وحلفاءَها يمددون أذرعهم داخل منغوليا لتحقيق أهدافٍ متعددة تتباين بين المصالح الاقتصادية وتقويض النفوذ الروسي والصيني، لذلك تسعي روسيا دائماً إلى كسب منغوليا وإرضائها للتصدي إلى تلك التحديات المتمثلة في النفوذ المتنامي لأمريكا والدول الغربية.

– التحالفُ الروسي الصيني المنغولي حول الطاقة:

يبدو أن تَزايدَ الاهتمام الروسي بمنغوليا لا يأتي في سياق الحدِّ من النفوذ الأمريكي والدول الغربية فحسب، بل يمتد أيضاً في إطار ملف الطاقة فقد دعمتْ موسكو الاقتصاد المنغولي لفترات طويلة بموارد الطاقة اللازمة، إذ وردت خلال العام الماضي نحو ما يقرب من 90 % من احتياجات منغوليا من البنزين والديزل، وما زالت تبحث أيضاً عن آفاقٍ جديدةٍ لتعزيز التعاون في قطاع الغاز والنفط مع منغوليا، فالشراكة بين البلدين فيما يتعلقُ بملف الطاقة لا تقتصرُ على تصدير المواد الهيدروكربونية فحسب، بل تنفتح نحو تنفيذ عددٍ من المشاريع النووية السلمية مع أولان باتور، بما في ذلك استخدام المفاعلات الصغيرة.

ويتمحورُ الاهتمام الروسي بمنغوليا حول مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي “قوة سيبيريا 2” الذي شرعت موسكو بإقامته في أعقاب الحرب على أوكرانيا كأداةٍ للالتفاف حول العقوبات الغربية التي فُرضتْ عليها برعاية واشنطن، ويعد هذا المشروعُ امتداداً لمشروع خط “قوة سيبيريا 1” وهو أكبر خط لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى الصين، وبالتالي فإن موسكو تسعي من خلال تلك المشاريع إلى فتح أسواقٍ جديدة للغاز الروسي مع الصين بما يحققُ مكاسبَ ضخمة تعود بالنفع على الاقتصاد الروسي، خاصةً بعد الانخفاض في امدادات الغاز إلى أوروبا على هامش الحرب في أوكرانيا. وقد جرى النقاش بشأن “مشروع قوة سيبيريا 2” في أكتوبر الماضي بين الرؤساء بوتين وشي وخوريلسوخ، في بكين خلال منتدى الحزام والطريق الثالث، ففي حالة إنشاء هذا الخط، سيتم نقل ما يقرب من 50 مليار متر مكعب من الغاز الروسي إلى الصين مروراً عبر الأراضي المنغولية، ولكن سرعان ما جاء قرار الحكومة المنغولية بعدم إدراج خط الغاز ضمن خطة التنمية 2028، وقد جاء هذا القرار بعد حوالى 20 يوماً من زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتونى بلينكن للبلاد، لذلك من المتوقع أن تحاولَ موسكو إرضاء منغوليا بكافة الطرق بهدف استكمال هذا المشروع، الأمر الذي يتطلب إقامةَ تحالف وثيق بين الدول الثلاثة “روسيا والصين ومنغوليا”.^[5]

– تداعياتُ الحربِ في أوكرانيا على الداخل الروسي:

فنظراً للتداعيات الناجمة عن الحرب في أوكرانيا والتي تُلقيِ بظلالها على مصالح موسكو الاقتصادية، خاصةً بعد سلسلة العقوبات المفروضة عليها والتي دخلت حيّزَ التنفيذ في مارس 2022، لذلك تسعي روسيا إلى إقامة تحالفات اقتصادية جديدة يمكن استخدامها لقلب موازين القوة لصالحها، فضلاً عن البحث عن فرص استثماريةٍ آمنه لتعويض الخسائر الناتجة عن الحرب، ومن هنا يبدو أن منغوليا أحد أهم الدول التي تسعي موسكو لاستقطابها وإقامة تحالفات وشراكات استراتيجية معها فيما يتعلق بملف الطاقة والأمن والتعدين والمواد الغذائية والبنية التحتية.

ووفقاً لما سبق، يبدو أن زيارةَ الرئيس بوتين إلى منغوليا، تحملُ في طياتها ثماراً إيجابية تنعكس على العلاقات الروسية المنغولية، إذ وقع الجانبان عدداً من الاتفاقيات المهمة تمثلت في؛ اتفاق تعاونٍ في مجال توريد المشتقات النفطية، بالإضافة إلى اتفاقية لتزويد منغوليا بوقود الطائرات واتفاقٍ آخر لتطوير محطة توليد الكهرباء الرئيسية في البلاد، وهو ما يُسهمُ في توطيد الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، فمن جانبه أشاد الرئيس بوتين بمساهمة منغوليا في الحرب ضد النازية والنزعة العسكرية، مؤكداً على احترام تقاليد حُسنِ الجوار والتي تُعدُ أساساً متيناً لتعميق العلاقات بين البلدين، وعلى الجانب الآخر أشاد الرئيس المنغولي أوخنانغين خورلسوخ، بوصول العلاقات بين روسيا ومنغوليا إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، مشيراً إلى أهمية تلك الزيارة في تطوير العلاقات وتعزيز التعاون بين البلدين خاصةً في مجال الطاقة.^[6]

التحدياتُ التي تَعصفُ بالعلاقات الروسية المنغولية:

يُعتبرُ الوجود الأمريكي والتركي في منغوليا بمثابة خطورةٍ وتحديٍ كبيرٍ يقف كعقبة أمام العلاقات الروسية المنغولية، فمع وجود الخطر الأمريكي الذي ينمو باستمرار داخل منغوليا ويقوض من المصالح الروسية، برزت تركيا أيضاً كتحدٍ أخر لروسيا، حيث نجحت مؤخراً في أن تضع نفسها على خريطة الحكومة المنغولية باستخدام دبلوماسيتها الناعمة، إذ قامت بإنشاء شراكات إستراتيجية تستهدف الاستثمار في المجال الزراعي المنغولي؛ فوجود أنقرة في منغوليا يتيح لها أوراق ضغط كثيرة تمكّنُها من مناورة موسكو في ملفات إقليمية عديدة مثل الصراع السوري، والليبي، والأوكراني. وبالتالي، فنظراً لتنامي النفوذ الأمريكي والتركي في منغوليا، فقد تسعى موسكو إلى التمسك بالصين في المعادلة المنغولية، لذلك يحاول الرئيس بوتين باستمرار خَلْقَ تحالفات ثلاثية بين روسيا والصين ومنغوليا، بهدف التصدي لتلك العقبات من ناحية، والتركيز على الملفات الاقتصادية والقضايا السياسية من الجهة الأخرى، خاصةً في ظل حربِ العقوبات الغربية على روسيا والتي تُجبرها على التوجه شرقاً نحو منغوليا والصين.^[7]

ختامًا:

يمكن القول، إن زيارةَ الرئيس بوتين إلى منغوليا، تحمل في طياتها ثماراً إيجابية تَنعكسُ على العلاقات الروسية المنغولية، إذ وقَّع الجانبان عدداً من الاتفاقيات المهمة تمثلت في؛ اتفاق تعاون في مجال توريد المشتقات النفطية، بالإضافة إلى اتفاقيةٍ لتزويد منغوليا بوقود الطائرات واتفاقٍ آخر لتطوير محطة توليد الكهرباء الرئيسية في البلاد، وهو ما يُسهمُ في توطيد الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

وعلى الجانب الآخر تعكسُ الزيارةُ التحديات الدبلوماسية والقانونية المعقّدةَ التي تواجهها موسكو على خلفية التوترات الدولية الحالية وما يَنْجمُ عنها من تداعيات، فبينما يسعى بوتين إلى بناء تحالفات جديدة وتعزيز علاقاته مع منغوليا، تظل التأثيراتُ الجيوسياسية لتفاعلات بوتين مع الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية محل اهتمام ومراقبة دقيقة. كما يبدو أن هذه الزيارة كانت بمثابة دليلٍ واضح على سَعْيِ موسكو للتأكيد على مكانتها العالمية، رغم الضغوط والعقوبات الغربية المكثفة، فبينما يُحَاصرُ بوتين قانونياً ودبلوماسياً، يواصل أيضاً توسيع شبكة تحالفاته الاستراتيجية، ضارباً عُرضَ الحائط بتحذيرات المحكمة الجنائية الدولية، ومدافعاً عن مصالح بلاده على الساحة الدولية. أما على صعيد منغوليا فيبدو أن تقاربها مع روسيا يعكسُ رغبةً متزايدةً في تعزيز العلاقات الدبلوماسية، والأمن القومي، والتنمية الاقتصادية، ومقاومة الضغوط الدولية، على الرغم من التحديات التي تواجهها بسبب هذه الزيارة.

المصادر:

^[1] عبد الهادي كامل، “رسالة تحد للغرب”.. ما أبعاد زيارة بوتين إلى منغوليا؟، إرم نيوز، 3 سبتمبر 2024، متاح على الرابط: https://goo.su/ptE3M

^[2]   RT، أبرز تصريحات ونتائج زيارة بوتين إلى منغوليا، 3 سبتمبر 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/JU0SOtjc

^[3] RT، روسيا ومنغوليا تجريان تدريبات عسكرية مشتركة، 27 أغسطس 2024، متاح على الرابط:

^[4] عمار ياسين، قيود الجغرافيا والاقتصاد: لماذا تسعى روسيا والصين لتعزيز علاقاتهما البينية مع منغوليا؟، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 29 فبراير 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/NbXPele1

^[5] اليوم السابع، الغموض يحيط بمصير خط الغاز الروسى الصينى.. هل تدخلت الولايات المتحدة لتعطيل “قوة سيبيريا 2″؟، 28 أغسطس 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/RR4JwoBg

^[6] مارسيل أيمن، خلال زيارته إلى منغوليا، بوتين يوقع اتفاقيات لتعزيز التعاون في مجال الطاقة، جريدة الجمهور، 3 سبتمبر 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/2Ea2KccX

^[7] مصطفى شلش، منغوليا نقطة التقاء القوى العظمى، مركز الدراسات العربية الأوراسية، 23 نوفمبر 2021، متاح على الرابط: https://2u.pw/Lvjx8999