إعداد: مروة سماحة، دينا لملوم
المقدمة:
يُعدُّ إرسال مبعوثين أمميين لمناطق الصراعات والنزاعات إحدى وسائل الأمم المتحدة؛ لدراسة بُؤَر الصراع الملتهبة في هذه المناطق، والمساعدة في تسويتها والخروج من هذا الموقف المتأزِّم بشكلٍ سلميٍّ، والجدير بالذكر، أن منطقة الشرق الأوسط كانت ولا تزال من الأماكن الأساسية لتواجد المبعوثين الأمميين، ويظهر ذلك في السويدي، فولك برنادوت، كأول مبعوث أممي للمنطقة عام 1948، على خلفية تسوية الوضع المستقبلي لفلسطين، ومنذ ذلك، توافد زخمٌ واسعٌ من المبعوثين إلى المنطقة.
وعلى مدار الاثنتي عشرة سنة الماضية، عزَّزت الأمم المتحدة من تواجدها بالبلدان العربية التي تعاني من الأزمات والصراعات، ولا سيما إبان السنوات التي خلَّفت أحداث عام 2011؛ حيث حكمت النزاعات المنطقة، وطالت الهشاشة النظام السياسي والأمني، وبناءً على ذلك؛ كان توجُّه الأمم المتحدة قائمًا على إرسال مبعوثيها لمناطق اندلاع الصراعات للعمل على تسويتها، والمساعدة في تجاوز الخلافات التي تؤدي بدورها لتجدُّد وتيرة الصراع.
ولكن ما يبدو اليوم لم يكن مرآةً لذلك، فلم ينجح مبعوثو الأمم المتحدة في وضْع نهايةٍ للنزاعات داخل المنطقة؛ ما أثار غضبًا كبيرًا داخل دول النزاعات من سياسة الأمم المتحدة، وأخذ البعض يشكك في نفوذها.
وفي تلك الورقة، سيتم مناقشة انخراط الأمم المتحدة المكثف في كل من اليمن وليبيا وسوريا والسودان، من خلال مبعوثيها، وأسباب عرقلتهم في تسوية النزاعات.
أولًا: اليمن
“اثنا عشر عامًا من فشل مبعوثي الأمم المتحدة في اليمن، ماذا فعل المبعوثون الأربعة؟”
يشهد الملف اليمني سلسلةً من التأزُّم والتعقيدات، تكتنفها إخفاقات مستمرة للأمم المتحدة، التي تشوبها شبهات بالتواطؤ مع أجندات إقليمية أخرى، وذلك على خلفية الانتفاضة الشعبية السلمية في الحادي عشر من فبراير 2011، فانطلق اليمنيون في الحادي عشر إلى الميادين، وثاروا على نظام الحكم؛ على أمل تشييد يَمَنٍ جديدٍ ينتهج المدنية والديمقراطية، والذي يبدأ بالإطاحة بنظام، عبدالله صالح، الذي تربَّع على عرش البلاد أكثر من ثلاثة عقود، وبالفعل جنت الثورة أُولى ثمارها، وتمَّت الإطاحة بـ”عبدالله صالح” بمبادرة خليجية، نقلت السلطة إلى نائبه، عبد ربه منصور الهادي، وتم تشكيل حكومة الوفاق، لكن “صالح” أطلق ثورة مضادة عقب عزله، وظل يعرقل سير العملية السياسية، قبل أن يتحالف مع الحوثيين، الذين انقلبوا على حُكم “هادي”، وسيطروا على العاصمة صنعاء، في سبتمبر 2014، قبل أن ينْقُضُوا تحالفهم مع “صالح” ويغتالوه، في ديسمبر 2017.
اثنا عشرة عامًا حتى الآن من جهود الأمم المتحدة وتدخلها لحل الأزمة اليمنية، وتعاقب خلال تلك الحقبة أربعة مبعوثين أمميين، شهدت فيها اليمن تصاعدًا في عمليات القتال، وتساقط على المبعوثين وابل من الاتهامات محلية كانت ودولية بإطالة أمد الصراع، والتراخي مع ميليشيات الحوثي الانقلابية، وظهر ذلك في تقاعسهم عن أداء عملهم؛ حيث كان يفترض أن يكون عملهم في إطار تنفيذ المرجعيات الثلاث الخاصة بالمبادرة الخليجية، بجانب مخرجات الحوار الوطني والقرارات الدولية المرتبطة بالملف اليمني، والتي أبرزها: القرار الدولي رقم 2216، الذي أملى عقوبات دولية على “عبدالله صالح” وبعض من قيادات في ميليشيات الحوثي، والذي نص على انسحاب الميليشيا من المدن التي استولت عليها بما فيها العاصمة صنعاء وما بها من مؤسسات، فضلًا عن الأسلحة الثقيلة التي سلبوها من مستودعات الجيش اليمني، بالتواطؤ مع “عبدالله صالح”،
وفي السطور التالية، سيتم تناول كل مبعوث على حدة وتجربته وأسباب فشله، بدءًا بـ”جمال بنعمر”، نهايةً بالمبعوث الحالي، “هانس غرونديرغ”.
جمال بنعمر
أبرز النجاحات
تم تعيين الدبلوماسي المغربي، جمال بنعمر، مبعوثًا للأمم المتحدة إلى اليمن، في أبريل 2011، واستمر في مهمته حتى أبريل 2015، والجدير بالذكر، أن تلك الشخصية ارتبطت بالثورة اليمنية، التي اندلعت في فبراير 2011م، ارتباطاً وثيقاً؛ حيث رافق جمال بنعمر محطاتها ومنعطفاتها منذ وقتٍ مبكرٍ، وبات عقب ثلاث سنوات من عمله كمبعوث للأمم المتحدة لليمن، بمثابة واحدٍ من أهم الشخصيات التي كان لها تأثيرٌ جليٌّ في المشهد اليمني، ورسمت معالم صورته المستقبلية.
عُين المبعوث الأممي جمال بنعمر، في وقتٍ كانت البلاد على شفا حفرة حرب أهلية مدمرة، وتوافق ذلك مع رغبة دولية مُجْمَعٍ عليها في أهمية ضرورة الانتقال السلمي للحكم في اليمن، ولذلك عمل “بنعمر” في اليمن بالتزامن مع ضغوط خليجية وأوروبية وأمريكية وأممية على نظام “صالح”؛ للتخلِّي عن السلطة، وهذا الأمر ساعده بشكلٍ واسعٍ في نجاح مهمته؛ حيث شكلت الضغوطات والتحركات السياسية الموازية لمهمته من قِبَلِ الدول الراعية للمبادرة رافدًا مساعدًا منحه قوة صلبة للتحاور، وموقعًا قويًّا للتفاوض، ومكَّنه من تمرير مبادرته على مختلف الأطراف، رغم ما كان يتمسك به كل طرف.
وفي نفس الوقت، غازل “بنعمر” الشباب في الساحات، كمكون شعبي حيوي، وعمل على تطمينهم، بأن المبادرات الأممية والخليجية المتكررة تأتي لصالحهم، وتخدم الثورة التي فجَّرُوها، وسعى للتنسيق وإجراء المشاورات مع كافة الأطراف المعنية في السلطة والمعارضة آنذاك، إضافةً إلى الشخصيات السياسية والشبابية والعسكرية والقبلية المؤثرة؛ للتعرف على وجهة نظرها في المرحلة الانتقالية، واستغرقت بعض زياراته لليمن أكثر من عشرة أيام، كما حرص على تنظيم مؤتمرات صحفية عقب كل زيارة؛ ليُعلن فيها نتائج مشاوراته التي أجراها، فقد قال في ختام رابع زيارةٍ له إلى اليمن في مؤتمرٍ صحفيٍّ: “مطالب الشباب المتعلقة بالتغيير مشروعة” و«اليمن يعاني من انهيار الدولة، وهناك مناطق باعتراف الدولة خارجة عن السيطرة وهذا وضع خطير».
قام “بنعمر” بأكثر من 37 زيارةً لليمن منذ تكليفه بتلك الوظيفة، وإبان تلك الزيارات، التقى بمجمل الشخصيات اليمنية، كما واكب مسار الأحداث التي شهدتها البلاد خلال السنوات الخمس التي استمر فيهما كمبعوث أممي إلى اليمن، وتنقَّل بين كل من دول الإقليم ومجلس الأمن الدولي، وقبل أن تنتهي مهمته أُقيل من الوظيفة، وذلك دون رغبة منه.
أثناء أداء مهمته لم يعمل “بنعمر” بالمرجعية التي اتخذتها الأمم المتحدة في ذلك الحين، وهي ‘المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية’، التي أصبحت محل تفاوض بين أطراف الأزمة حتى التوقيع عليها في الرياض، في نوفمبر من العام 2011.
عمل “بنعمر” على تدوير الأزمة اليمنية، وإدخال اليمن في ‘البند السابع’، والتهيئة للحرب والتدخّل الخارجي، وانتهت مهمته فوْر انطلاق الحرب التي قادها التحالف العربي بقيادة السعودية لدعم الشرعية وإنهاء انقلاب الحوثيين.
مظاهر الإخفاق
فشل “بنعمر” في صناعة انتقال سياسي للسلطة، وفقًا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وهو الفشل الذي كلّف اليمن انهيار الدولة وسيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، وعدم إدانته لذلك الانقلاب، بل قدّم تسهيلات للحوثيين، وعمل على إرضائهم للقبول بالمشاركة في ‘مؤتمر الحوار الوطني الشامل’، ومن ضمن ذلك، القبول بدخولهم المسلح إلى العاصمة صنعاء؛ بذريعة الحراسات الأمنية والمرافقين لمكتبهم السياسي ومؤسساتهم الإعلامية في العاصمة.
لاقى “بنعمر” اتهامات بالتساهل مع الحوثيين وإدخالهم العاصمة صنعاء، وعلى إثر ذلك، دخلت البلاد في براثن حرب أهلية دامية، وقامت السعودية بقيادة تحالف دولي ضد الحوثيين، تحت مسمى “عاصفة الحزم”، في 26 مارس 2015، قدّم على أعقابه “بنعمر” استقالته بعد خمس سنوات من تعثُّر مسار حل النزاع.
في الوقت الذي كان الحوثيون يضربون بمرجعيات السلام عرض الحائط ويتعنتون في تنفيذها، كان “بنعمر” في صعدة يفاوض زعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي، على منح جماعته مزيدًا من المناصب والمراكز في الحكومة الانتقالية، وكان الحوثيون، في الوقت نفسه، يكرّسون واقعًا جديدًا في البلاد باستكمال الانقلاب على الدولة وعلى الشرعية واحتلال صنعاء والمحافظات الأخرى.
كما اتُّهم “بنعمر” بشرعنة انقلاب الحوثي وترسيخ حكمهم، في الوقت الذي جاء بمهمة أممية لرعاية حوار سياسي يمني، وفقًا لمرجعيات سياسية، تمثلت في: المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ينتهي بالانتخابات، إلا أنه استبدل هذه المهمة الأممية بمهمة أخرى، هي إعادة تقسيم السلطة بين الأقوياء المستندين لقوة السلاح، فيما أخرج الشعب اليمني من المعادلة تمامًا.
وفي مفارقة لأداء مهمته، مكّن “بنعمر” الحوثيين من السيطرة على السلاح، واستخدامه لتثبيت وجودهم في السلطة، بعيدًا عما يريده الشعب، فالرجل الذي جاء في مهمة أممية؛ من أجل نزع السلاح من أيدي المتصارعين، وإبطال تأثيره على ما يجري في اليمن، أشرف على تنامي حركة ميليشياوية مسلحة أسقطت المدن حتى وصلت إلى العاصمة، وأسقطت الدولة، ولاذ الرجل بصمته إزاء كل هذا، وكأن مهمته كانت خنق السياسة بالعنف وليس توسيع التعامل بها.
إسماعيل ولد الشيخ أحمد
كلف الاقتصادي الموريتاني، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، كمبعوث للأمم المتحدة إلى اليمن، في أبريل 2015، فور انتهاء جمال بنعمر من مهمته، وفشله في حل الأزمة وتدخل التحالف في اليمن، واستمر “ولد الشيخ” في المنصب على مدار ثلاث سنوات متتالية، حتى فبراير 2018، باستقالة منه قبل سداد انتهاء فترته التي كان من المفترض أن تكون في مارس 2018، ويمكن القول: إنه بالرغم من شدة تعقيدات المشهد اليمني، فقد كان هناك آمال معلقة على عاتقه، بالمساهمة في حل الأزمة اليمنية، وأن يترك أثرًا إيجابيًّا بها، مثلما فعل في غانا وغيرها من الدول، وتجلى ذلك في جملته الشهيرة في بدايته في إحدى جولاته بالكويت “لن نعود إلا بالسلام والأمن إلى اليمن”، وبعد فشل تلك المشاورات تحوَّلت تلك العبارة إلى شاهد على فشل “ولد الشيخ”، وكذلك الأمم المتحدة في حل التأزُّم.
ومنذ أن تولَّى منصبه سار على درب سلفه “بنعمر”، وتمثل ذلك في مساعيه لحلحلة الأزمة لوضع نهاية للحرب، وذلك عن طريق جولات المفاوضات الثلاث بين الأطراف اليمنية، التي تم عقدها في كل من الكويت وسويسرا؛ لكنها لم تُكلَّل بالنجاح في صناعة عملية السلام؛ بسبب جمود وتشدُّد الحوثيين، ورفضهم كل مبادرات السلام.
حاول “ولد الشيخ”، خلال فترته، إحداث انفراجة في الأزمة اليمنية، والتوصل إلى حل سياسي سلمي، لكن الحوثيين رفضوا التعامل معه، ورغم تواطئه أيضًا مع الحوثيين، إلا أنه تعرَّض لمحاولة اغتيال في العاصمة صنعاء، في مايو 2017.
وإبان فترته، نجح “ولد الشيخ” في جلْب الانقلابيين الحوثيين إلى جنيف ‘ للمرة الأولى، وفشل في المرات الأخرى، إلا أن استمرار جمود الميليشيا، ورفضهم التعامل معه، والمطالبة بتغييره، رحل إسماعيل ولد الشيخ، في 22 يناير 2018، وعُيّن البريطاني، مارتن جريفيث، خلفًا له.
مارتن جريفيث
في فبراير 2018، عيّنت الأمم المتحدة البريطاني، مارتن جريفيث، الموافق فبراير 2018، كأول مبعوث غربي لليمن على عكس سابقيه، وقد تم اختياره بالأساس لخبراته في مجال حل النزاعات والتفاوض والشؤون الإنسانية، فهو واحد من أهم الدبلوماسيين الأوروبيين، وفقًا لما جاء في الأمم المتحدة، كما أنه يشغل منصب المدير التنفيذي للمعهد الأوروبي للسلام في بروكسل، واستنادًا على ذلك، تجدَّدت آمال اليمنيين مرةً أُخرى، بأن هناك حلًّا للحرب الأهلية باليمن؛ حيث بدأ عمله بعقد عدد من اللقاءات مع مختلف الأطراف والأحزاب السياسية اليمنية؛ حيث يرى أن مهمته الأساسية تتعلق بالإنصات إلى وجهات النظر المختلفة؛ لتكوين رؤية واضحة للتخلص من الصراع المستمر الذي تعيشه اليمن.
كما جدَّد “جريفيث” عزمه أمام مجلس الأمن الدولي، في أبريل 2018، عزمه على تقديم إطار عمل أمام المجلس لإجراء مفاوضات خلال شهريْن؛ بهدف وضع حدٍّ للصراع.
وفي أعقاب ذلك، صرَّح “جريفيث” عن ثلاثة ملامح هامة لهذه الخطة، تتمثل في سحب السلاح، ومرحلة انتقالية تشمل مشاركة الحوثيين في الحكومة، وتنتهي بانتخابات، لكن قام الحوثيون بضرب خطة “جريفيث” عرض الحائط؛ بسبب تعنتهم.
وفي 15 مايو 2019، قدم “جريفيث” إحاطة إلى مجلس الأمن، أثارت حفيظة الحكومة اليمنية، والرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي أرسل رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وصف فيها إحاطة “جريفيث”، بأنها “نموذج للخرق الفاضح للتفويض الممنوح إليه”، واحتج “هادي” فيها على تصرفات واستفزازات المبعوث الأممي.
كذلك اتهم الرئيس هادي المبعوث جريفيث، بالعمل على “توفير الضمانات للميليشيات الحوثية؛ للبقاء في الحديدة وموانئها تحت مظلة الأمم المتحدة”، وذكر أبرز تجاوزات المبعوث الأممي إلى اليمن، التي تضمنت تعامله مع الانقلابيين كحكومة أمر واقع، وإطالة أمد الصراع في الحديدة، عبر تجزئة اتفاق ‘ستوكهولم’، وإيقاف العمل على أمريْن أساسيين في الاتفاق، المتعلقين بالأسرى والمخفيين قسرًا، وبرفع الحصار عن مدينة تعز، فضلًا عن اتهامه لـ”جريفيث” بمحاولة التوافق مع الحوثيين على تعزيز شكل من أشكال الإدارة الدولية في الحديدة، في تجاوز صارخ للسيادة اليمنية”، ومخالفته بكل ذلك القراريْن الدولييْن 2216 و2451، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، واتفاق ستوكهولم.
مسببات الإخفاق
ويمكن القول: إن من أحد أسباب فشل “جريفيث” هو أنه لم يكن صريحًا وواضحًا في تحركاته بين أطراف النزاع وحتى في إحاطته أمام المجتمع الدولي، فقد كان يقول: إن هناك تقاربًا بين الفرقاء، وأن التوصل إلى توافق بات قريبًا في الوقت الذي تتباعد فيه الفجوة بين الأطراف، ولم يتحدث صراحة عن الطرف المعرقل، وكان واضحًا بشكلٍ كبيرٍ في تصرفاته وتحركاته، وكأنه لا يعرف ماذا يريد؟
وفي الآونة الأخيرة، أصبح مثار هجوم واتهام، وتحوَّل إلى شخص غير مرغوب فيه من كل الأطراف، ناهيك عن عدم المعرفة الكافية لـ”جريفيث” بخلفيات الصراع والتركيبة القبلية التي تُعدُّ أحد المُعوِّقات للوصول إلى أي تفاهمات، كما أنه كان لا يطرح حلولًا، والمعروف عن “جريفيث” إهداره للوقت والجهد على رهانات خاسرة، بدأها منذ كان مديرًا تنفيذيًّا للمعهد الأوروبي للسلام، معتقدًا أن مفتاح السلام في اليمن بيد شيوخ القبائل، بينما المعروف عن القبيلة اليمنية، أنها مع الأقوى دائمًا.
هانس غروندبرغ
هو سويدي الجنسية، وتم تعيينه في أغسطس 2021، ولايزال المبعوث الأممي الحالي إلى اليمن، وقام بتحقيق إنجازات مؤقتة أو منقوصة، تمثلت أغلبها في رعاية مباحثات تفاوض بين أطراف الأزمة، سواءً في جنيف أو الكويت أو ستوكهولم، والتي أسهمت في تهدئة التوترات لفترات وجيزة قبْل أن يتجدد الصراع مرة أخرى؛ بسبب التعنت الحوثي ورفض الميليشيا أيَّ محاولات للحل السياسي، بالرغم من التنازلات التي تقدمها الشرعية؛ في سبيل استعادة الاستقرار وتحسين الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في البلاد.
ثانيًا: ليبيا
” تعاقب مبعوثين دوليين بلا حلحلة الصراعات في ليبيا انتكاسة لجهود السلام”
توافد على ليبيا حتى الآن تسعة مبعوثين أمميين، وذلك منذ إسقاط نظام معمر القذافي 2011، في مساعٍ متتالية لإيجاد سبيل يُخرج البلاد من حالة الاقتتال والاستقطاب إلى تسوية عادلة يكون لها دور في إعادة الاستقرار إلى البلد، وهذا العدد الكبير يوضح طبيعة المأزق السياسي في ليبيا، الذي اصطدمت به بعثات الأمم المتحدة في البلاد؛ ما أسفر عن غياب أيِّ تقدم ملموس، في ظل تشبُّث الفاعلين بالمصالح الضيقة، فضلًا عن الخلافات الداخلية والخارجية، ولا يزال الملف الليبي قيْد التداول الأممي والدولي، إلا أن أيًّا منها لم تصل إلى حلٍّ يُنهي أزمات ليبيا السياسية والأمنية والاقتصادية المتلاحقة، وفيما يلي سيتم عرض أبرز مبعوثي الأمم المتحدة إلى ليبيا ومظاهر إخفاقهم .
عبد الإله الخطيب
في السادس من أبريل عام 2011، كلَّف الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت، بان كي مون، وزير الخارجية الأردني الأسبق، عبد الإله الخطيب، مبعوثًا لدى ليبيا لإجراء مشاورات عاجلة، في وقت كان الصراع محتدمًا والدماء ساخنة عقب الانتفاضة التي قوَّضت نظام معمر القذافي، لكنه لم يبقَ في مهمته أكثر من أربعة أشهر، وكان أثرُه في العملية السياسية بليبيا محدودًا للغاية.
إيان مارتن
في سبتمبر من العام نفسه 2011، تم تعيين الدبلوماسي البريطاني، إيان مارتن، مبعوثًا أمميًّا إلى اليمن، وقد شهد “مارتن” نجاح الثورة بالإطاحة بنظام معمر القذافي، في أكتوبر 2011، وإجراء أول انتخابات تشريعية في البلاد، في يوليو 2012، دخلت البلاد في فترة كانت أشبه بعنق الزجاجة، كان أبرز ملامحها؛ الاصطفافات والانقسامات التي شكلها غياب المؤسسات السياسية القادرة على بناء هياكل الدولة، بالإضافة إلى تعنُّت الثوار برفض وجود قيادات ومراكز عُليا من النظام السابق في مؤسسات الدولة، وما عمَّق تلك الفجوة هو إصدار المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق) قانون العزل السياسي، الذي زاد من شدة الخلافات والاستقطاب، وفي الأثناء لم تنجح المساعي الأممية لـ”مارتن”.
ظل “مارتن” مبعوثًا لدى ليبيا حتى أكتوبر 2012، بعد أقل من عام على تكليفه.
طارق متري
عين السياسي اللبناني الدكتور طارق متري، خليفةً للبريطاني إيان مارتن، مهمة رئاسة البعثة الأممية لدى ليبيا، في أغسطس 2012 واستمرت ولايته قرابة سنتيْن، ولقد أحدث طارق متري مباحثات على صعيد متسع مع جميع الأطراف في البلاد، ودعا إلى الحوار بينهم، لكن الحرب التي اندلعت في طرابلس وبنغازي لم تمهله طويلًا، ألَّف “متري” بعد ذلك كتابًا ضمَّنه تجربته في ليبيا، ونُسب له قوله: غادرت حين أصبحت مهمتي مستحيلة وفشلت في إقناع النخب السياسية بالتسوية، وطالتنا نحن البعثة التهديدات بالقتل،
وبالتالي، لم تنجح المساعي الأممية ومبادرة “المتري” في حلحلة ت الخلافات، على الرغم من المبادرات التي حاول إقناع الأفرقاء بجدواها.
برناردينو ليون
في أغسطس 2014، تسلم الدبلوماسي الإسباني، برناردينو ليون، مهمته الأممية، وساهم في جمْع غالبية الأطراف السياسية في البلاد؛ لتوقيع الاتفاق السياسي في منتجع الصخيرات بالمغرب، في نوفمبر 2015، ووصفت الفترة التي تولَّى فيها “ليون” عمله، بأنها الأصعب بين كل المبعوثين؛ إذ كان الاقتتال وتسلّط الميليشيات المسلحة على أشده، لكنه غادر منصبه تاركًا وراءه حالةً من الغضب؛ بسبب ما وصف بالتقسيمات التي أحدثها اتفاق الصخيرات.
مارتن كوبلر
تم تعيبن مارتن كوبلر الدبلوماسي الألماني كمبعوث أممي إلى ليبيا في الفترة من 17 نوفمبر 2015 إلى 21 من يونيو 2017، كانت مهمة مارتن، محددة، وهي تطبيق اتفاق الصخيرات، وفشلت جهود المبعوث الأممي، في دفع الأطراف إلى العودة للحوار، “خصوصًا مع حالة التخوين التي بدأت تظهر في تصريحات قادة الصراع للأمم المتحدة، وبأنها غطاء لتدخّل أطراف دولية في حالة الاحتراب والانقسام، أو على الأقل السكوت عن ذلك التدخّل”، وفق المحلل السياسي مالك هراسة، واعتبر “هراسة” في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الأمم المتحدة “أظهرت على الأقل في فترة كوبلر عجزها عن إقناع الأطراف بوجودها”.
غسان سلامة
تم تعيين الدكتور اللبناني غسان سلامة، في يونيو 2017، وهو مثل طارق متري، فهو ذو خلفية أكاديمية ووزير لبناني سابق، والجدير بالذكر، أنه أحدث تقدُّمًا ملحوظًا في ملفات المصالحة والحوار بين كثير من الأطراف والقبائل الليبية المتناحرة منذ تعيينه، كذلك نجح “سلامة” في إجراء تعديلات على اتفاق الصخيرات، معتمدًا على تراكم خبرات سابقة، بصفته وزيرًا وأستاذًا جامعيًّا، و لكن العملية العسكرية التي اندلعت في نوفمبر 2019، عطلت خطته الأممية لإجراء انتخابات نيابية ورئاسية في البلاد، وكان ذلك من مسببات تقدمه باستقالته في مارس 2020،
وكان له جهود في القمة التي استضافتها العاصمة الألمانية برلين، والتي شاركت فيها 12 دولة و4 منظمات دولية وإقليمية، كان من أبرز بنود بيانها الختامي، ضرورة الالتزام بوقف النار، والعودة إلى المسار السياسي لمعالجة النزاع، وكان استئناف القتال بعد ذلك سببًا من أسباب إحباطه ويأسه من حلحلة التأزم .
نيكولاي ملادينوف
اتفق مجلس الأمن الدولي على تعيين الدبلوماسي البلغاري نيكولاي ملادينوف، في ديسمبر 2020، مبعوثًا جديدًا للأمم المتحدة في ليبيا خلفًا للبناني غسان سلامة، بعد استقالته بعشرة أشهر، وشغل ملادينوف منصب مبعوث الأمم المتحدة بليبيا في فترة لا تتعدى سنة؛ ليقدم استقالته، ويمكن القول: إن “ملادينوف” انسحب قبل دخوله في معركة كبرى من عدة دول متداخلة في الأزمة الليبية، توقَّع أن يخسرها في النهاية، كما كانت له رؤية واقعية للملف لا تتماشى مع تعقيدات المشهد الليبي خارجيًّا وداخليًّا، لذلك قدم اعتذاره.
بجانب خوفه من سعي قطر وتركيا لتقويض محاولات الوصول إلى حل وإعادة الأزمة إلى نقطة الصفر، في ظل عدم وجود ردع دولي؛ ما سيفشل مهمته قبل أن تبدأ.
كما أن “ملادينوف” شعر بتقليص دوره بعد اقتراح بتكليف وسيط يحمل صفة رئيس الدائرة السياسية إلى جانب مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، والتي أوكلت إلى دبلوماسي أفريقي.
يان كوبيش
تسلم يان كوبيش، رسميًّا، مهام منصبه كمبعوث خاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، مطلع فبراير 2021، وهو دبلوماسي سلوفاكي، كان يعمل المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، وجاء تعيينه في أعقاب استقالتين متتاليتين لمبعوثين سابقين، هما “غسان سلامة، والبلغاري نيكولاي ملادينوف”.
وكانت استقالة “كوبيش” شبيهة لاستقالة غسان سلامة، فجاءت مفاجأة في نوفمبر 2021، وخلال تلك الفترة، أكد “كويبش” أن على جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب مغادرة ليبيا، طبقًا لقرارات الأمم المتحدة، كما أفاد “كوبيش”، خلال إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي حول المستجدات في ليبيا مؤخرًا، أن “المقاتلين الأجانب والمرتزقة في ليبيا لا يشكلون خطرًا على ليبيا فقط، بل على كل المنطقة”.
عبدالله باثيلي
بعد شغور في المنصب لمدة تسعة أشهر، تم تعيين السنغالي عبدالله باثيلي، كمبعوث للأمم المتحدة إلى ليبيا، عقب استقالة الدبلوماسي السلوفاكي، يان كوبيتش، وهو المبعوث الأممي الحالي الآن في ليبيا، ويُعدُّ “باثيلي” أول أفريقي يشغل منصب المبعوث الأممي في ليبيا منذ 2011.
ومنذ وصوله إلى ذلك المنصب، أكد “باثيلي” على عزمه إحياء عملية التواصل مع جميع الأطراف الليبية وتأكيده على مبدأ الحل “الليبي – الليبي”، ويمكن القول: إن عبدالله باثيلي يرافقه دعم دولي وداخلي كبير.
وحتى الآن لم يُثمر تواجد “باثيلي” عن إجراء انتخابات تشريعية، بالرغم من جهوده الحثيثة، وما أسماه مشاورات جميع أصحاب المصالح “الليبيين”، ناهيك عن إجراء حوار وطني توافقي ليبي، ومن المتوقع ألا يشكل “باثيلي” فارقًا كبيرًا على الأقل خلال المنظور القريب؛ بسبب المشهد المُعقَّد الليبي على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي.
وبغض النظر عن مدى نجاح الـ”باثيلي” في معالجة المأزق السياسي في ليبيا، فإن نتيجة هذا الجهد ستعتمد دائمًا على مجلس الأمن الدولي، وليس على مواهبه في تحقيق ما فشل أسلافه الثمانية في تحقيقه، ومن منظور آخر، تدل الأزمة الليبية المستأنفة، وتعيين تسعة مبعوثين أمميين خلال اثني عشر عامًا على انخفاض قوة ونفوذ منظومة الأمم المتحدة؛ بسبب تصرفات وتقاعس الدول الكبرى، التي تُعلي من مصالحها الشخصية.
ثالثًا: سوريا
توالى على سوريا أربعة مبعوثين أممين، بداية من “كوفي عنان” كأول مبعوث أممي وعربي إلى دمشق، مرورًا بـ “الأخضر الإبراهيمي”، الذي أعلن عن فشل مهمته في سوريا، بعدما وصلت مفاوضات جنيف ٢ إلى طريقٍ مسدودٍ، و”ستيفان دي ميستورا” الذي أُنهيت مهمته في أواخر ٢٠١٨، وصولًا إلى المبعوث الحالي “غير بيدرسون”؛ ليعيد بلورة الدور الأممي في دول الربيع العربي، وهل هذا الدور تمكَّن من إيجاد حلول تُلبِّي رغبات الشعوب العربية في الحرية والتحرر، أم أنه حال دون تحقيق أسس الديمقراطية في هذه الدول؟
أزمة المبعوثين في سوريا وأسباب الفشل:
- ثمة تشابك في المشهد السوري وتعقُّد نابع من ثورة طالت أمدها، وتعدد الأذرع الخارجية المتغلغلة في الصراع، فبالرغم من الخبرات والمعارف التي يمتلكها مبعوثو الأمم المتحدة في بلدان الربيع العربي، إلَّا أن فشلهم في هذه المهام ينبع من اتباعهم استراتيجية إدارة الأزمات، بدلًا من البحث عن حلول جادة وعادلة لها، واتباع نفس أساليب البعثات الأممية السابقة، والتي أثبتت فشلها في معظم الأزمات الدولية، ومن يحاول أن يحيد عن هذه الأساليب يجد نفسه أمام معضلة الاستسلام والإعلان عن فشل مهمته، وقد تعامل المبعوثون الأمميون مع القضية السورية على أنها نزاع مسلح وليس ثورة شعبية ضد نظام “الأسد”، كما أنهم لم يضعوا في الحسبان الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية؛ لذا فقد باءت هذه المحاولات بالفشل؛ لانعدام القدرة على التوصل لحل سياسي للأزمة، أيضًا كان للتضاربات الدولية وتناقض مواقف المجتمع الدولي دورٌ كبيرٌ في إحباط هذه المحاولات، فقد بذل “عنان، والأخضر” مهام عديدة؛ لمعالجة التصدعات التي انتابت سوريا، ولكن تشابك المواقف الدولية وتعقُّد الأزمة حال دون حلها، ومن ثم فشلت جهودهما.
- وعن الدور الروسي المتنامي في سوريا، تثار إشكالية كبيرة حول مدى فاعلية مهام المبعوث الأممي، في ظل امتلاك موسكو حق الفيتو للتصويت ضد أي قرارات تتخذها الأمم المتحدة لا تراعي مصالح روسيا، وبالتالي، فقد أصبحت مدى فاعلية الدور الأممي في هذا الصراع محكومًا بموقف روسيا ومصالحها الاستراتيجية في الداخل السوري.
- وبالنظر إلى طبيعة الانقسامات الداخلية في سوريا وغياب الإرادة والثقة، نجد أن ثمة عائقًا يُشكِّلُ حجر عثرة أمام مهام بعثات الأمم المتحدة في سبيل معالجة الصراع الدائر، وقد لجأ “بيدرسون” كما فعل المبعوث السابق عليه إلى القوى الخارجية كروسيا وإيران؛ نظرًا لامتلاكهم أوراقًا تُمكِّنُهم من إدارة الوضع في سوريا؛ وذلك من أجل محاولة إيجاد حل تفاوضي ينتج عنه إخراج الأوضاع من هذه الحلقة المفرغة، إلا أن سياسة الأمر الواقع فرضت ذاتها، ويبقى الحكم على مصير البعثة الحالية، وهل ستلقى مصير البعثات السابقة أم ستتغير مجرى الأحداث لتصب في صالح “بيدرسون”؟ وعليه؛ فإن الأنظار تترقب حال التعددية الدولية التي تتغلغل في الداخل السوري، فإذا ما تمكنت البلاد من التخلُّص من قبضة هذه القوى، يمكن الحديث حينذاك عن أمل نجاح عمل بعثة الأمم المتحدة الحالية.
كوفى عنان
تم تعيين “عنان” مبعوثًا خاصًّا مشتركًا بشأن الأزمة السورية، في فبراير ٢٠١٢، وقد أبلغ “عنان” الأمم المتحدة والجامعة العربية نيته عدم تجديد مهمته حين تنتهي مدتها في ٣١ أغسطس ٢٠١٢، وقد أرجأ ذلك إلى عدم تلقيه الدعم اللازم لاستكمال مهمته، في ظل احتدام المعركة بين المعارضة السورية وقوات النظام.
الأخضر الإبراهيمى
تولَّى مهمة حفظ السلام في سوريا خلَفًا لـ”كوفي عنان” عام ٢٠١٢، إلا أنه أقدم على تقديم استقالته، مايو ٢٠١٤؛ بسبب فشله في مهمته على خلفية حالة الانقسام في صفوف المجتمع الدولي حيال الطريقة المُثلى؛ لمعالجة الأزمة السورية.
ستيفان دى ميستورا
تم تعيين “ميستورا” كمبعوث أممي في سوريا خلفًا لـ”الإبراهيمي” عام ٢٠١٤، وقد أعلن عن انتهاء مهمته نوفمبر ٢٠١٨، التي باءت بالفشل، بعدما رفض النظام السوري تشكيل لجنة صياغة الدستور، التي كلفت بها الأمم المتحدة؛ لتشمل مندوبين من النظام والمعارضة وشخصيات مستقلة.
مبعوثو السودان:
توافد على السودان عدة مبعوثين تابعين للأمم المتحدة، كان آخرهم رئيس بعثة دعم الانتقال الديمقراطي في الخرطوم “فولكر بيرتس”، ولكن مؤخرًا شهدت العلاقات بينه وبين قادة الجيش السوداني نوعًا من فقدان الثقة، وإعلان هؤلاء القادة عن عدم رضائهم عن تحركاته، وتوجيه أصابع الاتهام إليه بانحيازه وتجاهله تنفيذ التفويض الممنوح للبعثة، مع التركيز على القضايا السياسية، والتغافل عن المسائل المتعلقة بدعم السلام والتحضير للانتخابات.
المهام المنوطة به:
تنصبُّ مهام البعثة الأممية التي اعتمدها مجلس الأمن الدولي يونيو ٢٠٢٠، على دعم أسس الانتقال الديمقراطي في السودان، ومساندة الحكومة التي كان يرأسها “عبد الله حمدوك”، في تعزيز حقوق الإنسان وأسس السلام الدائم، وذلك بداية من يناير ٢٠٢١، ولمدة عام، وقد تم تمديد عمل البعثة في يونيو ٢٠٢١ لمدة عام آخر؛ الأمر الذى تكرر في يونيو ٢٠٢٢، وفي مطلع يونيو ٢٠٢٣، أُصدِر قرار يقضي بتمديد مهام البعثة ٦ أشهر أُخَر، على أن تنتهى في الثالث من ديسمبر المقبل، كما تنطوي مهام البعثة على المساعدة في توفير الحماية المدنية، والحفاظ على سيادة القانون في كافة أنحاء البلاد، إضافةً إلى دعم تعبئة المساعدات الاقتصادية والإنمائية والإنسانية.
أسباب الفشل:
في بداية الأمر، نجحت جهود بعثة الأمم المتحدة في توقيع الاتفاق الإطاري بين المكونين “العسكري، والمدني”، وذلك في ديسمبر ٢٠٢٢، والتشاور حول وضع خارطة طريق تُنهي حالة التصادم التي شهدتها المرحلة الانتقالية، وتُعزِّز مسار الانتقال السياسي، ومن ثم إجراء الانتخابات، إلا أن هذه الجهود قد تعثرت وفشلت في ضمان استدامة هذا الاتفاق؛ نظرًا لتعارضه مع بعض القوى المؤثرة في المشهد، كما أنه أحدث نوعًا من الانقسام؛ ما أدى في نهاية المطاف إلى اندلاع المواجهات العسكرية، فبدلًا من تقديم المبعوث الأممي مبادرة للحل، أصبح هو ذاته جزءًا من الأزمة، وقد بدأت ثقة مجلس السيادة وثقة الجيش في “فولكر” تهتز، حتى وصل الأمر إلى الإعلان بعدم الرغبة فيه، ففي أبريل ٢٠٢٢، هدَّد “البرهان” بطرده؛ نظرًا لما أعدَّه تجاوزًا لصلاحياته التي حدَّدها له فيما يخص التحضير للانتخابات بعد المرحلة الانتقالية المتفق عليها، وقد بدا على العلاقات بين المبعوث الأممي والبرهان بعضًا من التوتر؛ وذلك بسبب انحياز “فولكر” إلى قوى الحرية والتغيير على حساب الجيش السوداني، وبالتالي، فهو بالتأكيد أقرب إلى قوات الدعم السريع من الجيش، على اعتبار أنها مؤيدة لهذه القوى، وذلك في ظل الاتفاق الإطاري الذي رعته البعثة الأممية، والتي أعطى مبعوثها “بيرتس” انطباعًا عن وجود إجماع حول هذا الاتفاق؛ ما أثار حفيظة قيادة الجيش، على أساس أن هذا الاتفاق لم يجمع كافة مكونات المشهد السياسي، فبدأت مهمة “فولكر” تتخذ منحى جعلها تنزلق في نفق مظلم، وتحول مسارها من سيءٍ إلى أسوأ، حتى باتت هناك حالة من الغضب العام والاحتقان ضد تواجد هذه البعثة، وانتهى الأمر إلى إعلان “فولكر بيرتس” كشخص غير مرغوب فيه، وتم استبعاده من جلسة مجلس الأمن المخصصة للسودان، وذلك وسط مطالبات بضرورة سحب هذا المبعوث وتعيين ممثل جديد؛ نظرًا لأن الخرطوم في حالة متردية لا تحتمل الانزلاق في معضلة جديدة، وفتح جبهات أخرى حول جدل المبعوث الأممي.
فولكر بيرتس:
تم تعيين الألماني فولكر بيرتس ممثلاً خاصًّا للسودان، ورئيسًا للبعثة الأممية المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في الخرطوم “يونيتامس”، وذلك في السابع من يناير ٢٠٢١، وقد كانت تجربته في سوريا وما صاحبها من إخفاق كفيلة بمنع استمراره في السودان، وقد فشلت مهمته في الخرطوم؛ نظرًا لاتهامه بعدم الحياد وتدخله في الشؤون الداخلية للبلاد.
ختامًا:
بالنظر إلى طبيعة عمل المبعوثين الأمميين في دول أنهكها الصراع، نجد أنهم قد كُلِّفُوا بمهام واضحة، حددتها قرارات مجلس الأمن؛ حيث يقومون بلعب دور الوسيط بين كافة أطراف الصراع، واتباع كافة السُّبُل الحيادية التي تتجرد من تبعات الانحياز لجانب على حساب آخر، مع ضرورة الوضع في الحسبان التشابكات الخارجية التي تدخلت في الأزمة؛ لكي تستولي على إرادة أحد الأطراف لصالحها، وحتى تتمكن من ضمان تحقيق مصالحها الشخصية، ولا يمكن الجزم بأن هؤلاء المبعوثين قد نجحوا في مهمتهم، فقد كان هناك بعض العقبات التي حالت دون ذلك؛ حيث نِدِّيَّة الأطراف الخارجية التي جعلت القوى المحلية تتشبث بها؛ أملًا في إنهاء حلقة الصراع، ولكن الأمر كان يزداد سوءًا، وفي الحالة السودانية، نلاحظ أن المبعوث الأممي لم يكن محايدًا، بل تدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، وأظهر مدى تحيُّزه لطرف على حساب نظيره؛ ما أدى إلى إفشال مهمته في البلاد، كما أن المبعوثين الأمميين ملتزمون بالدفاع عن مصالح الولايات المتحدة قبل أي شيء آخر، ولأن كفة واشنطن عادةً ما تميل مع طرف ضد الآخر في الأزمات المختلفة، فالنتيجة تكون واضحة؛ أيْ فقدان هؤلاء المبعوثين القدرة على إنتاج حلولٍ جذريةٍ تستجيب لمصالح الأطراف المنخرطة في الصراع، ومن ثمَّ تسريع عملية التسوية، ومازالت صرخات العالم العربي تتعالى؛ بسبب حلقات الصراع الملتهبة التي تعصف بها؛ منتظرةً مهام مبعوثين مختلفين تنجح مساعيهم في إيجاد مخرج لهذه الأزمات.