المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > الدراسات الأمنية والإرهاب > تأثيرُ الأيديولوجياتِ السياسيةِ والدينية على ممارسةِ العنفِ والتطرف
تأثيرُ الأيديولوجياتِ السياسيةِ والدينية على ممارسةِ العنفِ والتطرف
- يناير 6, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: إصدارات دورية الدراسات الأمنية والإرهاب
لا توجد تعليقات
إعداد: إلهام النجار
باحث مساعد في برنامج الإرهاب والتطرف
تُشير الأيديولوجيا المتطرفةُ إلى مجموعةٍ من المعتقدات أو المبادئ التي تتسمُ بالتطرف، والتي غالبًا ما تتطلبُ إجراءاتٍ عنيفةً لتحقيق أهدافٍ سياسيةٍ أو دينيةٍ أو اجتماعيةٍ محددة، كما أن الفكرَ المتطرفَ في الجماعات الإسلامية ظاهرةٌ معقدةٌ ومتعددة الأوجه، وتُعد الأيديولوجيات سواء كانت دينيةً أو سياسيةً، أدوات قوية للتأثير على المجتمعات وتحفيز الأفراد نحو أفعال مُحددة، ومع ذلك، يمكن أن تُستخدمَ أيضًا لتبرير العنف والتطرف من خلال خلق مبررات أخلاقية، اجتماعية، أو سياسية، وفي هذا السياق، يتم توظيف النصوص الدينية أو المبادئ السياسية لتغذيةِ أفكار الكراهية والصراعات، مما يجعل العنف يبدو مشروعًا بل ومطلوبًا.
وعليه، يُقدم التقرير الثالث عرضًا شاملًا عن الأيديولوجياتِ السياسيةِ ودورها في تبرير العنف وكذلك الأيديولوجيات الدينية وأيضًا توضيح تأثير العنف المُبرر دينيًا على المجتمع، ورصد أبرز التوصيات لمكافحة تبرير هذا العنف، وكذلك العلاقة بين الأيديولوجيات المتطرفة والإرهاب.
أولًا: الأيديولوجياتُ السياسيةُ ودورها في تبرير العنف:
تمثلُ الأيديولوجياتُ السياسيةُ منظوماتٍ فكريةً تُستخدمُ لتوجيه السياسات العامة والتحركات الجماعية، و على مرِّ التاريخ، لجأت حركاتٌ وأنظمةٌ سياسية إلى استخدام هذه الأيديولوجيات كوسيلة لتبرير العنف لتحقيق أهدافها، سواء كانت توسعيةً، إصلاحيةً، أو قمعية، وفيما يلي تحليل لكيفية توظيف الأيديولوجيات السياسية لتبرير العنف،كالتالي:
1- الشرعية السياسية كغطاءٍ للعنف:
تعني الشرعيةُ السياسية قدرة الحكومات أو الحركات السياسية على الحصول على القبول من المجتمع أو الفئات المُستهدفة لممارسةِ السُلطة، ومع ذلك، تُستخدمُ الشرعيةُ أحيانًا كغِطاءٍ لتبرير استخدام العنف، سواء لتحقيق أهدافٍ سياسيةٍ أو لترسيخ الهيمنة والسيطرة، هذا التوظيف يُثير تساؤلات حول العلاقة بين السُلطة والعنف ومدى قبول المجتمع لهذا التبرير، تُستخدمُ الأيديولوجياتُ السياسيةُ لإضفاء الشرعية على أفعال العنف من خلال تقديمها كوسيلةٍ لحماية الدولة، أو تحقيق أهدافٍ ساميةٍ مثل الحرية أو العدالة، كالأنظمة الشمولية مثل النازية والفاشية، التي استخدمت القومية المتطرفة لتبرير القمع، الحروب، والإبادة الجماعية.[1]
2- تصويرُ العنف كوسيلة للتغيير:
تسعى الحركاتُ الثوريةُ والسياسيةُ إلى تصوير العنف كأداةٍ ضرورية لتحقيق التغيير السياسي والاجتماعي، مثلما حدث أثناء الثورة البلشفية عام 1917، حيث اعتُبر العنف ضرورةً لتحطيم النظام الرأسمالي واستبداله بالنظام الاشتراكي[2] ويرتكز هذا التصور على عدد من الحجج، منها:
ضرورةُ العنفِ في مواجهة الظلم، حيث يرى بعضُ المفكرين أن العنفَ ضروريٌ لتحطيم الأنظمة القمعية التي لا تقبلُ التغييرَ السِلمي، حيث يُعتبر العنفُ جزءًا أساسيًا من عملية التحرر من الاستعمار[3] ، وكذلك العنف كخطوة انتقالية، حيث يُصور العنف كمرحلةٍ مؤقتةٍ لتحقيق نظامٍ جديد أكثر عدلاً، مثل الثورة الفرنسية، التي استخدمت العنف للإطاحة بالنظام الملكي وبناء جمهورية[4]، أيضًا الإلهام الجماعي، حيث يُستخدمُ العنف كوسيلةٍ لتعبئة الجماهير وإثارة الحماس لإحداث التغيير، كما حدث أيام الثورة البلشفية في روسيا عام 1917.[5]
3- بناءُ “العدو الداخلي” أو “الآخر”:
يُعد بناءُ صورة “العدو الداخلي” أو “الآخر” هو استراتيجيةٌ تُستخدم لتبرير سياسات القمع والعنف، وتعزيزِ الوحدة بين فئة اجتماعية أو سياسيةٍ على حساب استهداف فئة أخرى، تعتمدُ الأنظمةُ الأيديولوجية على تقسيم المجتمعات إلى “نحن” و”هُم”، حيث يُصور “الآخر” كخطرٍ يجبُ القضاءُ عليه في أثناء الحرب الباردة، استُخدمت الأيديولوجيا الشيوعية والرأسمالية لتبرير التدخلات العسكرية والانقلابات، حيث يشيرُ العدو الداخلي إلى أفراد أو جماعات داخل الدولة أو المجتمع يُنظر إليهم كتهديدٍ للنظام الحاكم أو للقيم السائدة، بينما يُشير الآخر إلى الجماعاتِ التي تُعرَّف بأنها تختلفُ عن الأغلبية من حيث الدين، العرق، الأيديولوجيا، أو الثقافة، ويتمُّ تصويرها كتهديدٍ خارجيٍ أو داخليٍ.[6]
4- الثورةُ والمقاومةُ:
إن الثورةَ والمقاومةَ ظاهرتان تعكسان رغبة الشعوب في تحقيق التغيير ومواجهة الظلم، لكن في بعض الحالات، يتم استخدامهما لتبرير أعمال العنف، ويعودُ هذا الاستخدام إلى السياق التاريخي، الأيديولوجي، والسياسي الذي يدفع الجماعاتِ أو الأفرادَ إلى اللجوء إلى العنف كوسيلةٍ لتحقيق أهدافهم، كما تستخدمُ الحركاتُ الثورية الأيديولوجيا لتبرير العنف كوسيلةٍ لتحقيق تغييرٍ جذريٍ، كالجماعات الماركسية مثل “الفارك” في كولومبيا التي لجأت إلى العنف المُسلح لتحقيق العدالة الاقتصادية.[7]
5- استخدامُ القوميةِ كأداةٍ للعنف:
ترتكزُ القوميةُ كفكرةٍ على تعزيز هِوية جماعة ترتبط بمفاهيم مثل الأرض، اللغة، الدين، والتاريخ المشترك، ورغم أن القوميةَ قد تكون أداةً لتوحيد الشعوب وبناء الدول، فإنها في بعض الأحيان تُستخدمُ كذريعةٍ لتبرير العنف، سواء داخل الدولة أو ضد أطراف خارجها، كما تُستخدم الأيديولوجيات القوميةُ لإثارة المشاعر الجماعية وتبرير العنف ضد الأقليات أو الدول الأخرى، فعلى سبيل المثال الإبادةُ الجماعية في رواندا 1994، حيث استُخدمت القومية العرقية لتبرير قتل التوتسي.[8]
ثانيًا: الأيديولوجياتُ الدينيةُ ودورها في تبرير العنف:
تُستخدمُ الأيديولوجيات الدينية لتبرير العنفِ في سياقاتٍ متعددة، سواء كانت سياسيةً، اجتماعية، أو ثقافية، رغم أن الأديانَ تهدفُ غالبًا إلى نشر السلام، فإن تفسير النصوص المقدسة وتأويل التعاليم الدينية بشكلٍ متطرف يُستخدم أحيانًا لتبرير أعمال العنف لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية ومن أبرزها:
1- مفهومُ العنفِ المُبَرر دينيًا:
إن العنف المُبَرَر دينيًا هو استخدامُ التفسيرات أو الرموز الدينية لتبرير ممارسةِ العنف ضد الأفراد أو الجماعات، وينطلقُ هذا النوع من العنفِ من الادعاءِ بأن التعاليمَ أو النصوصَ الدينية تدعو أو تسمحُ باستخدامِ القوة لتحقيق أهدافٍ دينيةٍ أو حماية العقيدة أو “تطهير المجتمع” مما يُعتبر تهديدًا للقيم الدينية، وترجع الدوافع في ذلك إلى مواجهة ما يُعتبر “تهديدًا دينيًا” أو “كُفرًا”، والسعي لإقامة نظام ديني معين أو فرض الشريعة، والدفاع عن المقدسات.[9]
2- آلياتُ استخدامِ الأيديولوجيات الدينية لتبرير العنف:
تلعبُ الأيديولوجياتُ الدينية دورًا كبيرًا في شرعنة العنف من خلال تأويل النصوص الدينية، التلاعب بالمفاهيم الدينية، واستخدام رموز ومعتقداتٍ مقدسةٍ، يتمُّ توظيفُ الدين كأداةٍ قوية للتعبئة والشرعية، حيث تضفي القداسة على الأفعال العنيفة وتجعلها تبدو واجبةً أو مُبررة أخلاقيًا، ويمكن توضيحها كالتالي:
أ) النصوصُ الدينيةُ والتفسير المتطرف: إن التحريفَ والتأويلَ من أبرز هذه الآليات، كما تعتمدُ الجماعات المتطرفة على تفسيرٍ حرفيٍ أو مجتزأ للنصوص الدينية لتبرير العنف، كتنظيم “داعش” الذي استخدم نصوصًا قرآنيةً وأحاديثً نبويةً لتبرير القتل والتوسع.[10]، وكذلك خلق “العدو الديني” حيث تصوير الفئات الأخرى كأعداء للدين لتبرير الهجمات عليهم.[11]
ب) الثنائياتُ الدينيةُ: تعني الثنائياتُ الدينيةُ تقسيمَ العالم إلى طرفين متعارضين: الطرفُ الأولُ ويتضمنُ (المؤمنين، أصحابَ العقيدة الصحيحة) مقابل الطرف الثانى وهم (الكافرين، الخارجين عن الإيمان)، تعتمد هذه الثنائيات على تبني نظرةٍ استقطابيةٍ تميز بين الجماعة الدينية وأي مجموعات أخرى خارج نطاقها، سواء كانوا أفرادًا أو مجتمعاتٍ أو أمماً، تُستخدم هذه الثنائيات لتبرير العنف أو التمييز ضد الآخر باعتباره “عدوًا” يجب مقاومتهُ أو تطهيره، وتُبني فكرة “الفرقة الناجية” واعتبار الآخرين خارج الدين أو العقيدة الحقيقية.[12]
ج) مفهومُ الجهادِ أو الحرب المقدسة: الجهاد، بمعناه الأساسي في الإسلام، هو الاجتهادُ في سبيل تحقيق أهدافٍ نبيلة، سواء كانت على المستوى الروحي (جهاد النفس) أو العملي (الجهاد في مواجهة الظلم) في السياقات المعاصرة، غالبًا ما يُفهمُ الجهادُ بشكلٍ ضيقٍ على أنه صراع عسكري، وفيما يتعلق بمفهوم “الحرب المقدسة”، يُشير المصطلحُ إلى نزاعاتٍ تُشرعَن باسم الدين، استخدمت مختلف الديانات هذا المفهوم، حيث يتم تصويرُ الحرب كوسيلةٍ لتحقيق إرادة إلهية، وحماية الإيمان، أو تطهير الأرض من “الكفار”، كما يتم استخدامُ مفاهيم مثل “الجهاد” في الإسلام أو “الحروب الصليبية” في المسيحية لتبريرِ العنف باسم الدفاع عن الدين أو نشره، مثل الحروب الصليبية، حيث استخدم المسيحيون الأيديولوجيا الدينية لاسترداد الأراضي المقدسة، وكذلك الجماعات الجهادية، حيث كانت تستخدمُ مفهومَ الجهادِ للدفاع عن المسلمين أو مهاجمة من يُعتبرون أعداء الإسلام.[13]
3- الحُجَجُ الدينية لتبرير العنف:
تاريخيًا، اعتمدت بعضُ الجماعاتِ الدينيةِ على حُجج مستمدة من النصوص والتقاليد لتبرير استخدام العنف كوسيلةٍ لتحقيقِ أهدافٍ دينيةٍ أو سياسيةٍ، هذه الحُجج تتنوع في مضمونها وآلياتها، لكنها تشتركُ في تأويل النصوص الدينية أو تكييف المعتقدات لخدمة أجندات معينة، ومن أبرزها “الدفاع عن العقيدة” حيث يتمُّ تصويرُ العنف كوسيلةٍ لحماية الدين والمقدسات، مثل: خطاب الجماعات الجهادية الذي يُبرر القتلَ لحماية المقدسات الإسلامية، و”العقاب الإلهي” حيث يُعتبر العنف أداة لتطبيق العدالة الإلهية على المرتدين والكفار[14]، بجانب “إقامة نظام ديني عالمي” إذ يتم تبريرُ العنف بضرورة إقامةِ حكمٍ دينيٍ شامل يعكس “إرادة الله”، كالسعي لإقامة “الخلافة” كما روَّج لها تنظيم “داعش”.[15]
وهناك عدةُ أمثلة تاريخية على العنف المُبَرر دينيًا ومن أبرزها:
أ) الحروبُ الصليبيةُ (1096-1291)، حيث وصفها البابا أوربان الثاني بأنها حربٌ مقدسةٌ لاستعادة الأراضي المقدسة من المسلمين.[16]،
ب) محاكم التفتيش الإسبانية (1478-1834) حيث استُخدمت الكاثوليكية لتبرير قمْعِ المسلمين واليهود الذين رفضوا التحولَ إلى المسيحية.[17]، ج) الحروب الطائفية في العصر الحديث، مثل الصراع السني-الشيعي في العراق وسوريا.[18]، د) الإرهابُ باسم الدين، حيث استخدمَ تنظيمُ القاعدة وداعش الأيديولوجيات الدينية لتبرير الهجمات الإرهابية.[19]
وعليه؛ فإن العنفَ المبررَ دينيًا له تأثيراتٌ بعيدة المدى على المجتمعات، حيث تمتد هذه التأثيرات لتشملَ الجوانبَ الاجتماعيةَ والسياسية والاقتصادية والثقافية، مما يؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي وتصاعد الصراعات، وفيما يلي تحليل لأهم الآثار المترتبة:
-
تصاعدُ الكراهية بين الطوائف، حيث يُعزز العنف الديني الانقساماتِ الطائفية والمذهبية.
-
زعزعةُ الاستقرار، الذي يُؤدي إلى صراعاتٍ دموية مستمرة، كما حدث في الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990).[20]
-
تشويهُ صورة الدين، الذي يُساهمُ في تنفير الناس من الدين ويُستخدمُ كأداة لتشويه الأديان في الخطاب الإعلامي.
ثالثًا: العلاقةُ بين الأيديولوجيات المتطرفة والإرهاب:
الأيديولوجيات المتطرفة هي أنظمةٌ فكريةٌ مغلقة تستندُ إلى تصوراتٍ مطلقةٍ وأحاديةٍ للعالم، تتسم بعدم التسامح مع الأفكار المخالفة، وترتكز على رفضِ الآخر وتبرير العنف كوسيلةٍ لتحقيق التغيير، وتشمل الأيديولوجيات المتطرفة كلًا من الدينية، السياسية، والقومية، مع توظيفها لتبرير العنف لتحقيق أهدافها، أما الإرهاب هو استخدامُ العنف أو التهديد به من أجل تحقيق أهداف سياسية، دينية، أو اجتماعية، غالبًا من خلال نشْرِ الرعب والفوضى، ويُعبر الإرهاب عن مرحلة تطبيقية تستخدم فيها الأيديولوجيات المتطرفة كأداة لتبرير العنف، ويمكن إبراز هذه العلاقة من خلال الآتي:
1- الأيديولوجياتُ المتطرفةُ كمحرك للإرهاب:
تُعد الأيديولوجيات المتطرفة، الأرضيةَ الفكرية التي ينطلقُ منها الإرهابُ، حيث توفر هذه الأيديولوجيات المبررات الدينية، السياسية، أو القومية لتشريع العنف ضد الأفراد أو المجتمعات المخالفة، كتفسيرِ الجماعات المتطرفة لآيات دينية خارج سياقها لتبرير الهجمات.[21]
2- بِناءُ هِويةٍ جماعية مُقسمة:
أ) “نحن مقابل هم”: تعتمد الأيديولوجيات المتطرفة على تقسيم المجتمع إلى مجموعتين متعارضتين أولهما”نحنُ”: تمثل الجماعة المنتمية إلى الأيديولوجيا، والثانية”هُم”: الآخرون الذين يُصورون كأعداء أو خطر يجب القضاء عليه، مثلما حدث في حالة الجماعات الإرهابية التي تصف المختلفين في العقيدة أو الفكر بأنهم “كفار” أو “خونة”.
ب) استغلالُ الشعورِ بالمظلومية: تُروج الأيديولوجيات المتطرفة أن الجماعة (نحن) تعاني من ظلم تاريخي أو اضطهاد مستمر، ما يُبرر العنف ضد الآخر، كتصوير الاحتلال أو التمييز كمبرر للعنف القومي أو الديني.
ج) بناءُ تصوراتٍ عن الآخر: يُصور “الآخر” بأنه مسؤولٌ عن كل المشكلات، سواء كانت سياسيةً، اقتصاديةً، أو اجتماعيةً، على سبيل المثال، خطاب الجماعات اليمينية المتطرفة الذي يُصور المهاجرين كتهديد للهوية الوطنية.
د) توظيف الرموز والأساطير: تُستخدمُ الرموزُ الدينية أو الوطنية لتقوية الشعور بالانتماء، ولتبرير التفوق على الجماعات الأخرى، كاستدعاء الرموز التاريخية مثل “الحروب الصليبية” أو “الجهاد” لتبرير العنف.[22]
3- تبريرُ العنفِ كضرورة لتحقيق الأهداف:
تصور الأيديولوجيات المتطرفة العنفَ كأداةٍ شرعية وضرورية لتحقيق التغيير المنشود، ومن أهمها:
-
الأيديولوجيا الدينية: تصويرُ العنف كواجبٍ ديني أو تكليف إلهي.
-
الأيديولوجيا السياسية: تصويرُ العنف كأداةٍ للتحرر أو الثورة.
-
الأيديولوجيا القومية: اعتبارُ العنف وسيلةً للدفاع عن الأمة أو تحريرها.
-
مثال: تبرير تنظيم “داعش” أعمال العنف باسم “إقامة دولة الخلافة”.[23]
4- استغلالُ الأزماتِ والتهميش الاجتماعي:
تعملُ الأيديولوجيات المتطرفة على استغلال الأزمات الاقتصادية أو الاجتماعية لتعزيز شعور الظلم والتهميش لدى الأفراد، مما يسهلُ تجنيدهم في أنشطة إرهابية، ويمكن استغلال الأزمات والتهميش الاجتماعي من خلال توجيه الغضب إلى “الآخر” حيث تُستخدمُ الأزماتُ كفرصةٍ لخلْقِ عدوٍ مشتركٍ يُلقى عليه اللوم، تحميل الأقليات مسؤولية الفقر أو البطالة، مما يُبرر الهجمات ضدهم، وكذلك تصوير العنف كوسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية حيث يُصور العنف كطريقةٍ لاستعادةٌ الحقوق أو تحقيق المساواة، خصوصًا عندما تفشل الحكومات في معالجة الأزمات، مثل الحركات الثورية التي تعتمد الكفاحَ المسلح كبديلٍ عن الحوار، وأيضًا استغلال الإحباط واليأس حيث يصبح الشباب المحبط نتيجة الفقر أو البطالة فريسةً سهلةً للتجنيد من قبل الجماعات المتطرفة التي تُقدم العنف كوسيلة لتحقيق الغاية، وانضمام الشباب العاطل إلى الجماعات الإرهابية التي توفر الدعم المالي والاجتماعي، بالإضافة إلى تأطير الأزماتِ كصراعٍ وجودي، وفيه يتمُّ تصويرُ الأزمة كتهديدٍ للهوية أو البقاء، مما يُبرر اللجوء إلى العنف كوسيلة “دفاع”، وكذلك الحركات القومية التي تُروج لفكرة “إعادة الحقوق التاريخية” بالقوة، مثل صعود الإرهاب في المجتمعات المهمشة سياسيًا أو اقتصاديًا.[24]
5- التحريضُ والدعاية:
تستخدمُ الأيديولوجيات المتطرفةُ وسائلَ الإعلام والدعاية لتجنيد الأفراد، وتعزيز الرسائل التي تُشرعن الإرهاب، وكذلك أيضًا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل تنظيمات إرهابية مثل “القاعدة” و”داعش”.[25]
وهناك عدةُ أمثلةٍ تاريخية على العلاقة بين الأيديولوجيات المتطرفة والإرهاب، يمكنُ الإشارةُ إليها فيما يلى:
1. الإرهاب الديني:
-
الجماعاتُ: تنظيمُ القاعدة، داعش.
-
الأيديولوجيا: استغلال التفسيرات الدينية المتشددة لتبرير العنف.
-
الأهداف: إقامةُ “دولة إسلامية” خاضعة لتفسير معين للشريعة.
2. الإرهاب القومي:
-
الجماعات: الجيشُ الجمهوريُ الإيرلندي (IRA)، حركة تحرير نمور التاميل (LTTE).
-
الأيديولوجيا: الدفاع عن الهوية القومية والتحرر من الاحتلال.
-
الأهداف: تحقيقُ الاستقلالِ أو إقامة دولة قومية.
3. الإرهاب السياسي:
-
الجماعات: جماعاتٌ ماركسيةٌ مثل “بادر ماينهوف”، الحركات الأناركية.
-
الأيديولوجيا: معاداةُ الرأسمالية أو السعي لإسقاط النظام السياسي.
-
الأهداف: إنشاء أنظمة اشتراكية أو تحررية بديلة.
رابعًا: توصياتٌ لمكافحةِ تبرير العنف:
للتصدي بفعالية لاستخدامِ الأيديولوجيات السياسية والدينية كأداةٍ لتبريرِ العنفِ والتطرف، يجب النظر في استراتيجيات متعددة تتكاملُ بين التعليم، الإعلام، السياسات العامة، والمؤسسات الدينية والاجتماعية، كالتالي:
1. التعليم كخطِ دفاعٍ .دأول، ويمكن توضيح ذلك كالتالي:
-
تعليم التفكير النقدي، وذلك من خلال تزويد الطلابِ بمهاراتِ التفكير النقدي لتحليل النصوص الدينية والسياسية، بحيث يمكنهم التمييزُ بين التأويلات المعتدلة والمتطرفة، كتطويرِ مناهجَ تعليميةٍ تركز على فهم النصوص في سياقها التاريخي واللغوي.
-
تعزيزُ فهم التعددية، وتضمينُ التعليم عن الأديان والثقافات الأخرى كجزء من المناهج لتعزيز قيم التسامح والتفاهم بين الأديان والمجتمعات، على سبيل المثال برامجُ التبادل الثقافي التي تساعدُ الطلاب على التعرف إلى الآخرين.
-
مواجهةُ الخطابات المغلوطة، من خلال تقديم منصاتٍ تعليميةٍ تُناقش بموضوعية الأيديولوجيات المتطرفة وتُفند حُججها بشكل علمي ومعتدل.[26]
2. دورِ الإعلام في مواجهة التطرف، والذي يقوم على عدة نقاط كالتالي:
-
تطويرُ خطابٍ إعلاميٍ معتدل، ويجب أن يروج الإعلام لخطابٍ متوازنٍ ومبني على قيم التسامح واحترام التنوع.
-
مراقبةُ الخطاب الإعلامي المتطرف، ووضعُ ضوابطَ قانونيةِ ومجتمعية للحد من انتشار خطاب الكراهية والتحريض على العنف في المنصات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي.
-
استخدامُ الإعلام كوسيلة للتوعية، وإنتاجُ برامجَ وأفلامٍ وثائقيةٍ تبرزُ الآثارَ السلبية للتطرف والعنف، مع تسليط الضوء على قصص النجاح في التعايش والسلام.[27]
3. تعزيزُ العدالة الاجتماعية والسياسية، من خلال:
-
معالجة المظالم الاجتماعية، وتحقيقُ العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للحد من شعور الأفراد أو الجماعات بالاضطهاد، الذي يُستخدم غالبًا كذريعة للعنف.
-
توفيرُ فرص العمل والتعليم، وتقليصُ التهميش الاجتماعي الذي يُعتبر أرضيةً خصبةً للتطرف من خلال برامج شاملة للدمج الاقتصادي والاجتماعي.
-
تحقيقُ الشفافية السياسية، حيث العمل على تحسين الحكم الرشيد ومكافحة الفساد الذي يؤدي إلى شعور المجتمعات بالخذلان والتهميش.[28]
4. دورُ المؤسسات الدينية، التى تلعب دوراً كبيراً من خلال:
-
إعادةُ تفسير النصوص الدينية من خلال قيام المؤسسات الدينية بتقديم تفسيراتٍ تتسمُ بالاعتدال والتوازن للنصوص الدينية، مع مواجهة الفتاوى المتطرفة وتفنيدها.
-
تدريبُ القادة الدينيين: حيث تدريب الأئمة والقساوسة وغيرهم من القادة الدينيين على التعامل مع الأفكار المتطرفة والرد عليها بأسلوبٍ علمي ومعتدل.
-
تعزيزُ الحوار بين الأديان: وتنظيمُ لقاءاتٍ مستمرة بين رجال الدين من مختلف العقائد لتعزيز التفاهم المتبادل والعمل المشترك ضد التطرف.
5. السياساتُ الأمنية والوقائية، من خلال الآتى:
-
تعزيز الأمن الفكري: وذلك من خلال العمل على منْعِ التجنيد الأيديولوجي في المدارس، السجون، والمؤسسات الاجتماعية من خلال رصد الأنشطة المتطرفة.
-
التركيزُ على إعادة التأهيل: عن طريق برامجَ لإعادةِ تأهيل المتطرفين الذين تخلوا عن الأفكارِ العنيفة، مع تقديم دعم نفسي واجتماعي لهم.
-
استخدامِ التكنولوجيا لمكافحة التطرف: عبر تطوير أدواتٍ لرصْدِ المحتوى المتطرف على الإنترنت وحجبه، مع تعزيز نشر محتوى مضاد بشكل فعال.[29]
6. تعزيزُ البحثِ العلمي حول التطرف، وذلك من خلال الآتي:
-
إجراءُ دراساتِ حالة معمقة، ودراسةُ ظاهرةِ العنف والتطرف في سياقاتٍ ثقافية واجتماعية مختلفة لفهم جذورها ودوافعها.
-
تطوير شراكاتٍ أكاديميةٍ ومؤسسية، والتعاون بين الجامعات ومراكز الأبحاث والمؤسسات الحكومية لتطوير سياسات مبنية على الأدلة لمكافحة التطرف.
-
تحليل الخطاب الأيديولوجي، واستخدام تقنياتِ تحليل النصوص لفهمِ كيفية بناء وترويج الأفكار المتطرفة، وتطوير استراتيجيات لمواجهتها.