بقلم: رنا رجب، باحثه في العلوم السياسية، جامعة الأسكندرية
مقدمة:
لقد اتفقت الدول منذ معاهدة (وستوفاليا) 1648م، باحترام سيادة الدول لأراضيها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ومن حينها، لم يعِشْ العالم إلا ويْلات الحروب، فمن حربٍ عالمية أولى لثانية، ومن حربٍ باردةٍ، لحروبٍ بالوكالة، حتى أعلن تفكُّك الاتحاد السوفيتي 1991م، جاء تفكُّك الاتحاد السوفيتي بدولٍ حديثة الاستقلال، منهم (أوكرانيا)، التي تمتلك تضاريس جغرافية مميزة، تتمثل في إطلالها على المياه الدافئة؛ حيث المنفذ الوحيد لتحرك الأسطول البحري الروسي، في البحر الأسود، وهي حزام الأمان الجغرافي، الذي يفصل روسيا عن الغرب ودول حلف الناتو، وعبر أوكرانيا تحقق روسيا مصالحها الاقتصادية؛ حيث إن نسبة الطاقة التي تسوقها روسيا لأوروبا عبر أوكرانيا، تبلغ 80 % ، فأوكرانيا هي معبر أنابيب الطاقة الروسي، ومن خلال أوكرانيا، تريد روسيا وضع يدها على نفط بحر قزوين، وتوريده نحو أوروبا، وقطع الطريق على المشروع الأوروبي التركي “تاناب”، وهو توصيل الغاز من أذربيجان عبر جورجيا إلى تركيا، والذي يعتبر مشروع القرن؛ بهدف تخلص أوروبا من الضغوط الروسية، فهل تتخلى روسيا عن أوكرانيا؟ فتسمح لها بالتقارب من حلف الناتو، وتسمح بتطويق نفسها في يد الغرب، خاصةً أن على حدودها دولًا أخرى، نجح حلف الناتو في جذبهم، مثل (تركيا، وبولندا)، ومن أجل فهم الحرب الروسية الأوكرانية 2022م، ومن أجل تحليلٍ أكثرَ دقة، وفهمٍ للأحداث الدولية، يجب أن نتساءل :-
– ماهو تاريخ بَدْء الأزمة الروسية الأوكرانية ؟
– لماذا احتلَّت روسيا أوكرانيا في هذا التوقيت تحديدًا؟
– ماهو تأثير هذه الحرب على دول الشرق الأوسط؟
– وماهو موقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من هذه الحرب؟
– ماعلاقة الحرب الأوكرانية الروسية بالشمال السوري والدبلوماسية الإنسانية، وتملُّك إيران للنووي؟
– ماهي التوقعات المستقبلة، بشأن هذه الحرب، هل سنكون أمام نسقٍ عالميٍ جديدٍ، أم حربٍ عالميةٍ ثالثة، أم مجرد حرب بالوكالة؛ لتحقيق مصالح روسية أو أمريكية في أوكرانيا والشرق الأوسط؟
الأزمة الأوكرانية الروسية :
استقلت أوكرانيا؛ نتيجةً لتفكُّك الاتحاد السوفيتي عام 1991م، فكانت أهم حدودها الجغرافية، تتمثل في ما يقطعه نهر دنيبرو من الشمال للجنوب، فجعلها تنقسم لنصفين، غربها كاثوليكي، وشرقها أرثوزوكسي، ينتشر فيه الحديث باللغة الروسية أكثر من اللغة الأوكرانية، ومنذ الاستقلال انقسم شعبها لتيارين، الأول: يريد الانضمام للاتحاد الأوروبي، والبُعْد عن روسيا، وذلك في محاولةٍ للوصول إلى نمطٍ ديمقراطيٍ أوروبيٍ حقيقيٍ، كالدول الغربية، وكان من داعميه (فياتشيسلاؼ كورولينكو)، والتيار الثاني: كان يرى أن أغلب الأوكرانيين يعودون لأصول روسية، وأن الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعيشها أوكرانيا ودول أوروبا الشرقية؛ نتيجةً لخروجها من الاتحاد السوفيتي، وكان من مؤيدي هذا الاتجاه، رئيس الوزراء، في حينو، ورئيس حزب الأقاليم، فيكتور يانكوفيتش، والحزب الشيوعي الأوكراني، بقيادة بيوتر سيمونينكو.
يمكن أن نُعيد جذور الأزمة الأوكرانية الروسية لعام 2004م، والتي ظهرت كنتيجةٍ للتنافس على السلطة، في فترة إعادة التصويت للانتحابات الرئاسية الأوكرانية؛ حيث أكدوا فيها، انتشار الفساد والتزوير الانتخابي المباشر، الذي قام به “ليونيد كوتشم”؛ حيث أعلن فوْز المرشح الرئاسي الموالي لروسيا الاتحادية، “فيكتور يانكوفيتش”، وخلفائه، الذين يمثلون زعماء الكتلة الأغلبية البرلمانية لحكم أوكرانيا، على معارضه “فيكتور يوشنكو”، وخليفته، زعيم كتلة المعارضة البرلمانية، والتي تمثل الأقلية، “بوليا تيموشنكو”، الذي تدعمه الدول الغربية، انطلقت الاحتجاجات بعد أن قام الرئيس، فيكتور يانكوفيتش، بتوقيع الاتفاق مع موسكو، والذي تمَّ على أساسه، منح أوكرانيا 15 مليار دولار، ويخفض سعر الغاز الذي تسلمها إياه، بمعدل الثلث، وهو مستوى تفضيلي لجمهوريات الاتحاد السوفيتي، في السابقة التي تعتبرها شريكته.
انطلقت الثورة البرتقالية؛ بهدف مواجهة طبقة فاسدة من رجال الأعمال، وقرصنة أموال البلاد، في شكل قروضٍ من البنوك الوطنية، وبعد ذلك يتهربون من سداد ديون القروض، إضافةً إلى سيطرة الأثرياء على قطاع المناجم، ومصانع الصلب، وانتهت الثورة البرتقالية في 2005، بعد أن استطاع مئات الآلاف من المتظاهرين من تغيير نظام الحكم في أوكرانيا سلميًّا، وأعلن تولي (يوشتشينكو) رئيسًا للبلاد، في عام 2010م، وأثناء الانتخابات الرئاسية الجديدة، حصل “فيكتور يوشنكو”، قائد الثورة البرتغالية، الأعلى نسبة 4.5 %، من الأصوات في الجولة الأولى، أما “يوليا تيموشينكو”، فقد تخلفت على زعيم المعارضة “فيكتور يانكوفيتش”، بفارق 11 % من الأصوات، وبعدها خسرت أمامه في الجولة الأخيرة، التي فاز بها “يانوكوفيتش”، وبتوليه لحكم البلاد، عاد التقارب الروسي الأوكراني مرةً أخرى، وعادت اللغة الروسية هي اللغة الرسمية في أوكرانيا، وفي عام 2013م، بدأت الانتفاضة الأوكرانية الثانية؛ نتيجةً لرفض (يانوكوفيتش) توقيع اتفاقية للتجارة الحرة والشراكة مع الاتحاد الأوروبي، دعم بوتين أوكرانيا، من خلال عرض مساعدات، بقيمة 15 مليار دولار، ووقَّع تسهيلات في أسعار الغاز؛ للحفاظ على أوكرانيا خارج النفوذ الأوروبي، واعتقده الرئيس (يانوكوفيتش) كافيًا؛ لوضع حدٍّ لحركة الاحتجاج، وفي عام 2014م، بدأت محاولات الدعاية الروسية، والتي تخاطب الجماهير الأوكرانية، ذوي الأصول الروسية، داخل شبه جزيرة القرم، وشرق أوكرانيا، بأن المتطرفين الأوكرانيين سيسيطرون على البلاد، ويرتكبون الجرائم والمجازر الدموية في حق الشعب الأوكراني، (صفية، 2018-2019)
أزمة شبه جزيرة القرْم 2014
تمتد شبه جزيرة القرْم، في شمال البحر الأسود، على مساحة 46 ألف كيلومترًا مربعًا، ولا تتصل بالبر القاري، إلا من خلال شريط ضيِّق من جهة الشمال، ويحدُّها من الشرق بحر أزوف، وفي عام 2014، أعلن الرئيس (يانكوفيتش)، إيقاف طلب الانضمام للاتحاد السوفيتي، وإلغاء لغات الأقلية، مثل (الروسية)، وإعلان اللغة الأوكرانية هي اللغة الوحيدة والرسمية للبلاد؛ ما أثار غضب سكان جنوب وشرق أوكرانيا، فاشتدت الاضطرابات في شبه جزيرة القرْم، واشتدت الاتهامات؛ حيث اتهمت روسيا الغرب، بدعم الانقلاب على الحكومة الشرعية المنتخبة، والغرب الذي يتهم روسيا، بأن أعمالها ماهي إلا أعمال عدائية، واشتدت الاتهامات من أوكرانيا، التي تتهم روسيا، بدعم الاضطرابات والصراع في شرق أوكرانيا، ودعمها لانفصالها؛ بهدف الانضمام لروسيا، أو الحصول على حكم ذاتي، حاولت الحكومة الأوكرانية التحرك بقوات عسكرية لشبه جزيرة القرْم؛ لمواجهة الأقلية التركية أو التتارية، الراغبة في الانفصال، دعم بوتين حق سكان شبه جزيرة القرْم، في التصويت بحرية الاستفتاء، فجاءت نسبة 95% بالانفصال عن أوكرانيا، والانضمام لروسيا.
كان الصراع بين روسيا والغرب، هو صراع ضمّ أكبر عدد من دول الاتحاد السوفيتي المفكّك لحلف الناتو؛ من أجل تطويق روسيا، وشلِّ حركتها، فعندما تدخل حلف الناتو العسكري في أزمة كوسوفو 1998م[1]، اعتبرته روسيا ضربة جيوسياسية من قِبَلِ الغرب، الذي يسعى إلى تهميش مكانة روسيا، كعضوٍ دائمٍ في مجلس الأمن، وقد فسَّرت موسكو مقاربة حلف الناتو الدفاعية بواسطة الصواريخ، على الرغم من توجيهها إلى بلدان أُخرى، إلا أنها محاولة للإضرار بالقدرة الروسية الثانية، على الضرب النووي ف29 . (علي، 2017) ص22_25
الحرب الروسية الأوكرانية 2022
في14 سبتمبرعام 2020م، اعتمد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، تطبيق إستراتيجية الأمن القومي الجديدة لأوكرانيا، وكان زيلينسكي يسعى إلى استعادة شبه جزيرة القرْم، التي استولت عليها روسيا، بطريقة غير قانونية، من وجهة نظره، كانت إستراتيجية الأمن القومي، تنصُّ على ضرورة تطويرِ شراكة مميزة مع الناتو؛ بهدف الحصول على عضوية داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لم يكن الرئيس زيلينسكي يسعى بانضمامه لحلف الناتو؛ للدخول في صراعٍ مسلحٍ مع روسيا، فيحوِّل بلاده لترسانة عسكرية، ولكنه كان يهدف للحفاظ على التوازن، من خلال الجمع بين الوسائل العسكرية وغير العسكرية؛ لضمان الأمن الأوكراني، كانت من أهم أهداف إستراتيجية الأمن القومي، حماية المصالح الوطنية من التهديدات العسكرية، ومنع أو ردع العدو من استخدام القوة العسكرية، على نطاق واسع ضد أوكرانيا، وكذلك إنهاء الاحتلال المؤقت من قِبَلِ روسيا، لجزءٍ من أراضي أوكرانيا، (الرئيس الأوكراني يعتمد استراتيجية عسكرية تنص على الانضمام لـ”الناتو”، 2021)
في 11مارس 2021، وافق مجلس الأمن القومي والدفاع (NSDC) على إستراتيجية؛ لإنهاء احتلال شبه جزيرة القرْم، وإعادة دمْج الأراضي المحتلّة لجمهورية القرْم، المتمتعة بالحكم الذاتي، ومدينة سيفاستوبول، (مجلس الأمن القومي والدفاع يوافق على استراتيجية لإنهاء احتلال شبه جزيرة القرم، 2021)؛ تأكيدًا لما قد تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 27 مارس 2014، بأن ما قد نصَّ عليه استفتاء ضمِّ القرم إلى روسيا، هو استفتاءٌ باطلٌ مخالفٌ للقوانين الدولية، وحقوق الإنسان، وازداد الصراع في أكتوبر 2021م، (19 دولة غربية تدين “انتهاكات” روسيا في شبه جزيرة القرم، 2021) في فبراير 2022م، بدأ التفاوض الروسي الأمريكي والأوروبي في طلب روسيا “الضمانات الآمنة”، وهي عبارة عن مقترحات ملموسة حول التثبيت القانونى لتخلي الحلف عن مواصلة التوسع شرقًا، ويجب إجبار أوكرانيا على تنفيذ اتفاقات مينسك[2]، ووقْف توريد الأسلحة لقواتها، والتدريبات معها، وسحْب جميع القوات الأمريكية من وسط أوروبا وشرقها، اشتد في ذلك الوقت، الصراع بين الولايات المتحدة ودول حلف الناتو، وما يتبعه من إصرارٍ على سحْب روسيا قواتها من مناطق معينة على أراضيها، والذي كان يعتبره الروس أمرًا غير مقبول، وأن وجود القوات الروسية على أراضيها لا يقوِّض الأمن الأمريكي، وبأن المخاطرة العسكرية ستزيد مع استمرار حلف الناتو بالتوسع، وتهديد الأمن الروسي، وفي فبراير 2022، وقَّع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مرسومًا بشأن اعتراف روسيا باستقلال منطقتي دونيتسك ولوغانسك[3] عن أوكرانيا، وبدأت روسيا في حشد (130-150) ألف جندي؛ للاعتداء على أوكرانيا، وبدأ الغزو الروسي لأوكرانيا، (ماذا تعرف عن دونيتسك ولوغانسك وهل تغيران مسار أزمة اوكرانيا، 2022)
تأثير الحرب على دول الشرق الأوسط
تهدد الحرب الروسية الأوكرانية الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط، ولكن كونها ليست كيانًا اقتصاديًّا واحدًا، فإن التأثير الناتج عن الحرب الروسية الأوكرانية يختلف من دولة لأخرى، تهيمن روسيا وأوكرانيا معًا على إنتاج حوالي ربع احتياجات العالم من القمح، وهو ما يقدر بحوالي 55 مليون طن، يمثل اعتماد دولة تونس على القمح الروسي حوالي 60%، بينما في مصر تصل حوالي 80%، فيما يعتمد المغرب على البلدين معًا، بحيث تزوِّده روسيا بحوالي 10.5%، وأوكرانيا بحولي 19%، فيما تعتمد السودان على روسيا بحوالي 46%، واليمن بـ31% من روسيا و 6.8% من أوكرانيا .
مصر هي من أكثر الدول العربية المتضررة من أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا (عالم، 2022)، تواجه الدولة المصرية 3 أزمات كبرى، بشأن الحرب الروسية الأوكرانية.
أولها: القمح، ولكن الدولة المصرية تحاول أن تستهلك من مخزونها، حتى ديسمبر 2022م.
ثانيًا: تأثُّر السياحة المصرية بالحرب، حيث يأتي 4.5 مليون سائح، بإجمالي نحو 5 مليار دولار سنويًّا.
ثالثًا: الطلاب المصريون العائدون من أوكرانيا، وعددهم الضخم، الذي يجب على الدولة المصرية أن تدرس حالتهم؛ لاستيعابهم في الجامعات المصرية، (خبير استراتيجي يكشف تأثير الأزمة الروسية الأوكرانية على مصر، 2022) ،
كما تستورد لبنان بين (600 و650) ألف طن سنويًّا، 80 % منها من أوكرانيا، والجزائر ثاني مستهلك للقمح في أفريقيا، وخامس مستورد للحبوب في العالم، وتعاني كذلك اليمن من أزمة الأمن الغذائي؛ حيث يكفي مخزونها من القمح 6 أشهر فقط، وهو ما أكَّد عليه المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، الموجود في اليمن، ديفيد بيسلي، في أن ما تحصل عليه اليمن يمثِّل نصف طلباتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، وهو ما يمثِّل أزمةً غذائيةً ومجاعةً مستقبليةً، (كيف تهدد الحرب الروسية على أوكرانيا الأمن الغذائي في عدة دول عربية؟، 2022)
تركيا: تعتبر الدولة التركية حالةً استثنائيةً، خاصةً في مواجهة الأزمة؛ نظرًا لموقعها الجيوسياسي في البحر الأسود، وارتباطها بطرفي النزاع، فبالنظر لروسيا قد حصلت منها تركيا على منظومة “إس 400” الدفاعية الروسية، ومجموعة “روساتوم” النووية الروسية، ببناء أول محطةٍ للطاقة النووية “آق قيويو” في تركيا، وفي يناير 2020م، تمَّ تدشين خط أنابيب “ترك ستريم”، الذي يمتد من روسيا إلى تركيا عبر البحر الأسود، وبالنظر لأوكرانيا، فإن تركيا ليست مضطرةً للدفاع عنها عسكريًّا؛ لأنها ليست دولةً من دول حلف الناتو المشتركة به، ولكن هذا لا يلغي أهمية الجانب الاستثماري لأوكرانيا؛ حيث إنه في عام 2021م، تنامت التجارة الثنائية بين الجانبين بنسبة 50%، حتى وصلت إلى حوالي 5 مليارات دولار، مع وجود أكثر من 700 شركة تركية استثمارية في أوكرانيا، لعل واحدةً من أبرز تلك الشركات، هى شركة “تركسل”، التي يعتبر فرعها في أوكرانيا، ثالث أكبر مشغل لشبكات المحمول، ويمتلك صندوق الاستثمار الوطني التركي أكثر من 26% من أسهم الشركة، وفي عام 2020م، تمَّ تدشين خط أنانبيب “ترك ستريم” من روسيا لتركيا، عبر البحر الأسود؛ ويهدف إلى نقل الغاز لتركيا ودول جنوب وجنوب شرق أوروبا، عبر الأراضي التركية، مُتجاوزًا أوكرانيا، فتصبح تركيا مركزًا لمبيعات الغاز الطبيعي الروسي في أوروبا. (فايد، 2022)
إسرائيل: حيث التخوُّف الإسرائيلي من انشغال دول العالم بالأزمة الأوكرانية؛ ما يسهل على الإيرانيين الإسراع نحو القنبلة النووية؛ ما يهدد الأمن القومي الإسرائيلي، فقد ترى الولايات المتحدة في الأزمة مع روسيا مبرِّرًا للتسويات في المفاوضات مع إيران، وذلك ما يضر بالمصالح الإسرائيلية، (الأزمة في أوكرانيا تزيد من القلق الإسرائيلي، 2022)
أما عن دول الاتحاد الأوروبي، فيمكنهم الحصول على الغاز من الولايات المتحدة الأمريكية، أو شرق البحر المتوسط، ولكن لن يجري تصدير أكثر من 30 مليار مترٍ مكعبًا، وهذا يعد 7% من احتياجات الغاز، ويمثل فقط 50% من النسبة التي تريدها أوروبا؛ ما يسبب أزمةً اقتصاديةً عالميةً (كيف تهدد الحرب الروسية على أوكرانيا الأمن الغذائي في عدة دول عربية؟، 2022)
الخاتمة:
إن المنتصر في حرب روسيا وأوكرانيا، هو المسيطر اقتصاديًّا؛ لأن الولايات المتحدة تحاول أن تغطي عجز السوق من النفط الروسي بالإيراني، بعد عدم استجابة الإمارات والسعودية لمطالبها، وإيران التي تسعى للتوسع إقليميًّا، من خلال برنامجها النووي، الذي يهدد إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط، فـ(أوباما) قرَّر رفع العقوبات الاقتصادية عنها، مقابل إيقافها للبرنامج النووي، أما (ترامب) فأعاد فرض العقوبات الاقتصادية، ولكن (بايدن) رفع العقوبات، مطالبًا بحدِّة التوسع النووي الإيراني، ولأن إيران لن تلتزم بأي معاهدات دولية، ولأن الولايات المتحدة تحتاج أن تغطي إيران فراغ السوق الذي تركته روسيا، بعد أن رفضت السعودية والإمارات الاستجابة لمطالبها؛ لأنها أدانتهم في ملف حقوق الإنسان، وأوقفت تصدير بعض الأسلحة العسكرية، خاصةً أن الإمارات هي عضو مؤقت في مجلس الأمن، لم يعلن إدانة الغزو الروسي الأوكراني، وبالتالي، يمكن التأكيد على أن قوة التحالف الإقليمي والدولي تتغير بتغير المصالح والأحداث، فبدلًا من كوْن إيران داعمًا لروسيا، ومن جهةٍ أُخرى، إسرائيل تدعم الولايات المتحدة، أصبحت – الآن – إيران تدعم الولايات المتحدة؛ لأنها تساعدها في السيطرة على السوق؛ لكي تغطي الفراغ الروسي، كذلك تحاول السعودية بيع ٢٥% من بترولها للصين بـ(اليوان الصيني)؛ حيث يتم التعامل بالبترول كاحتياطي، بدلًا من الدولار؛ ما قد يضرب قيمة الدولار دوليًّا، ويجعل الحرب الاقتصادية لصالح المعسكر الشرقي .
يتوقف حل الأزمة على تحقيق ما تريده روسيا، وما تستطيع أوكرانيا أن تمنحه من أراضيها وقواتها بما يتوافق مع مصالح الدول الغربية، ذلك أنه لطالما حذَّرت روسيا من أنه لا يجب المساس بأوكرانيا، أو اقتراب الناتو من حدودها، ومحاولة القيام بأي عملية تهديد للأمن القومي الروسي؛ لذا فإن الغزو الروسي لأوكرانيا لا يعني اندلاع حرب عالمية، بل هو أمرٌ كان متوقعًا من قِبَلِ كل السياسيين، خاصةً بعد التحذيرات الكثيرة، التي أعلنها بوتين، وليست أوكرانيا هي الدولة التي قد تُضحي القوى الكبرى، أو الناتو بقوته العسكرية؛ للدخول لحربٍ عالميةٍ من أجلها، خاصةً أن غزوها عسكريًّا قد أصدر حكمًا نهائيًّا بامتناع انضمامها للاتحاد الأوروبي، وأن بوتين قد حصل على ما يريد مبدئيًّا من تأمين حدوده، سينتهي النزاع الروسي الغربي في أوكرانيا، من خلال التفاوض لما يريده بوتين من مطالب، والذي يتمثل في إعادة أوكرانيا إلى المدار الروسي، وضمان عدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو أبدًا، وأن التحالف سيتراجع عن تواجده العسكري في شرق ووسط أوروبا، في محاولةٍ لتحليل الوضع القائم، فقد نجح الروس – نسبيًّا – في تحقيق أهدافهم، ولا توجد صورة أخرى لحل النزاع، سوى بالتفاوض عاجلًا أم آجلًا، تقوم فيه روسيا بنشر قواتها العسكرية في أوكرانيا؛ لتمنع قوات الولايات المتحدة وحلف الناتو من تهديد أمنها القومي، ويجب على أوكرانيا أن ترضخ وتستسلم مبدئيًّا لمطالب بوتين؛ لأن قوتها العسكرية والاقتصادية لا تتحمل تحقيق أيٍّ من أهدافها، في الانضمام للناتو، أو استعادة شبه جزيرة القرْم، ويجب أن يكون لديها هدف واحد، هوالحفاظ على ما تبقى من سلامة بلادها، وإلا فإن استمرار النزاع يعني زيادةً في تدهور الأوضاع الاقتصادية العالمية، وخسارة كل الأطراف، والوصول إلى نتائج غير محمودة، سواء للمعسكر الشرقي أو الغربي.
المراجع
[1] أزمة كوسوفو: هي أزمة تعرض بها سكان كوسوفو لإبادة جماعية على يد الصرب خلال الفترة من 1997_1999م، ودخلت على اثره في مفاوضات مع الصرب حتى عام 2008 أعلنت كوسوفو الاستقلال ولكن الصرب لم يعترفوا بذلك.
https://studies.aljazeera.net/ar/issues/2014/11/2014114101020460943.html
[2] هي اتفاقية تم توقيعها في بيلاروسيا بين روسيا وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا 13 بنداً، كان على رأسها وقف إطلاق النار في مقاطعات شرق أوكرانيا، وضرورة التقيد به بشكل صارم.
https://www.almayadeen.net/news/politics/706914/%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%87%D9%8A-
[3] منطقتا دونيتسك ولوغانسك في حوض دونباس الشرقية هي منطقتي مزقتها النزاعات فهي منطقة محتلة جزئياً من طرف الانفصاليين المدعومين من روسيا منذ 2014، وتعيش هذه المنطقة صراع مسلحة بين الجيش الأوكراني والروسي منذ أكثر من 8 سنوات.
[4] 19 دولة غربية تدين “انتهاكات” روسيا في شبه جزيرة القرم. (18 3, 2021). تم الاسترداد من https://www.aa.com.tr/ar/%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A/19-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%BA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AF%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%87%D8%A7%D9%83%D8%A7%D8%AA-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%B4%D8%A8%D9%87-%D8%AC%D8
[5] الرئيس الأوكراني يعتمد استراتيجية عسكرية تنص على الانضمام لـ”الناتو”. (25 3, 2021). تم الاسترداد من https://arabic.sputniknews.com/20210325/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%B9%D8%AA%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%
[6] مجلس الأمن القومي والدفاع يوافق على استراتيجية لإنهاء احتلال شبه جزيرة القرم. (11 3, 2021). تم الاسترداد من ukrgate: https://www.ukrgate.com/2021/03/11/%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%88%d9%85%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%81%d8%a7%d8%b9-%d9%8a%d9%88%d8%a7%d9%81%d9%82-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d8%b3/
[7] في ردها بشأن الضمانات الأمنية.. روسيا تحذر من صراع عسكري إذا انضمت أوكرانيا للناتو والمواجهة تتجدد في مجلس الأمن. (17 2, 2022). تم الاسترداد من https://www.aljazeera.net/news/politics/2022/2/17/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A8%D9%84%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%85%D8%B1%D8%A9-%D8%AC%D9%84%D8%B3%D8%A9
[8] ماذا تعرف عن دونيتسك ولوغانسك وهل تغيران مسار أزمة اوكرانيا. (21 2, 2022). تم الاسترداد من TRT Arabic: https://www.trtarabi.com/issues/%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%81-%D8%B9%D9%86-%D8%AF%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%AA%D8%B3%D9%83-%D9%88-%D9%84%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86%D8%B3%D9%83-%D9%88%D9%87%D9%84-%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%B
[9] دنفر صفية. (2018-2019). انعكاسات الأزمة الأوكرانية على العلاقات الروسية الأوكرانية 2013-2018. رةـبسك: جامعـة محمـد خيضر.
[10] منى محمد علي. (2 1, 2017). أزمة القرم وتداعيتها على العلاقات الروسية الأوكرانية. مركز دراسات المراة، الصفحات 22-25.