المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تتضمنُّ عقْد قِمَّةٍ ثلاثيةٍ بشأن غزة: قراءةٌ في زيارة الرئيس الفرنسي إلى القاهرة
تتضمنُّ عقْد قِمَّةٍ ثلاثيةٍ بشأن غزة: قراءةٌ في زيارة الرئيس الفرنسي إلى القاهرة
- أبريل 6, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: شيماء عبد الحميد
باحث في وحدة شؤون الشرق الأوسط
في سياقٍ إقليميٍّ محتدمٍ، وتزامنًا مع تفاقُم الأوضاع بقطاع غزة الفلسطيني، يتوجَّهُ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في مساء اليوم الأحد 6 أبريل 2025، إلى زيارة العاصمة المصرية القاهرة؛ لبحث مستجدَّات الإقليم، مع التركيز على جهود التهدئة في القطاع، وكذلك مناقشة أوجه التعاون مع مصر في عددٍ من المجالات، ولا شكَّ أن توقيت الزيارة يُثير تساؤلاتٍ عِدَّة، حول ما تحمله من دلالاتٍ وأبعادٍ إستراتيجية:
أولًا: قمَّةٌ ثلاثيةٌ تترأَّسُ جدول أعمال الزيارة
من المقرَّرِ أن تستمر زيارة الرئيس الفرنسي ثلاثة أيامٍ متواصلةٍ، تبدأ اليوم وتنتهي يوم الثلاثاء 8 أبريل 2025، يرافقُهُ خلالها وْفدٌ رفيع المستوى يضُّمُّ كُلًّا من: وزير الخارجية جان نويل باروت، وزير الدفاع سيباستيان ليكورنو، وزير الاقتصاد إريك لومبارد، وزيرة الصحة كاثرين فوتران، وزير التعليم العالي والبحث العلمي فيليب بابتيست، ووزير النقل فيليب تاباروت، وفيما يأتي جدول أعمال الزيارة[1]:
-
يبدأ “ماكرون” زيارته بلقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في صباح يوم الاثنين 7 أبريل، وذلك في إطار اجتماعٍ ثنائيٍّ مُغْلَقٍ، يتبعه لاحقًا اجتماعٌ مُوسَّعٌ يشمل عددًا من الوزراء من كلا البلديْن.
-
من المقرَّر أن تركز الاجتماعات على الأوضاع في قطاع غزة، وبحث سُبُل التوصُّل إلى وقْفٍ دائمٍ لإطلاق النار، وتعزيز الجهود المبذولة لإيصال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، كما ستتناول الأوضاع في ليبيا والسودان ولبنان وسوريا، وكذلك تطوُّرات الملف النووي الإيراني، فضْلًا عن بحْث فُرَص تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في مجالاتٍ متعددةٍ؛ أبرزها “الأمن والصحة والنقل والطاقة المتجددة”.
-
وفي اليوم نفسه؛ يزور الرئيس “ماكرون” جامعة القاهرة، وذلك في ضوْء التعاون المُثْمِر والبنَّاء بين البلديْن في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، لا سيما الشراكات بين الجامعات المصرية والفرنسية، ومن المقرَّر أن يرافقه وفْدٌ رفيع المستوى، على رأسه وزير التعليم الفرنسي، وعدد من مسؤولي الجامعات الفرنسية؛ لاستعراض الفُرَص المتاحة للتعاون مع الجامعات والمؤسسات التعليمية الفرنسية.
-
وفي مساء يوم الاثنين؛ سيتمُّ عقْد قمةٍ ثلاثيةٍ حول الوضع في غزة، تجمع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والعاهل الأردني عبد الله الثاني؛ لبحث سبل وقْف إطلاق النار الفوريِّ في قطاع غزة، واستئناف جهود التهدئة، مع التركيز على ضمان إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى القطاع، في ظلِّ التطوُّرات الراهنة.
-
كما سيتوجَّهُ الرئيس الفرنسي، يوم الثلاثاء 8 أبريل، إلى مدينة العريش، التي هي على بُعْدِ 50 كيلومترًا من قطاع غزة؛ حيث سيلتقي مع موظفين من منظمات غير حكومية فرنسية والأمم المتحدة والهلال الأحمر المصري، كما يلتقي عناصر الدَّرَك الفرنسي من بعثة المساعدة الحدودية الأوروبية “EUBAM”، والتي من المفترض أن تنتشر في رفح، فضلًا عن زيارة مستشفى العريش؛ لتفقُّدِ أحوال المصابين من الفلسطينيِّين الذين يتلقوْن العلاج هناك.
-
ومن المقرَّر أيضًا بحْث سُبُل تعزيز التعاون الاقتصادي؛ إذ سينعقد منتدى الأعمال المشترك برئاسة رئيسي الدولتيْن، والذي سيتناول قضايا الصحة والطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي والنقل؛ حيث من المرتقب أن تشهدَ الزيارة توقيع عِدَّة اتفاقيات تعاون جديدة؛ منها 10 اتفاقيات مؤسساتية ستُوقَّعُ أثناء اللقاء بين الرئيسيْن، و12 اتفاقًا آخريْن خلال أعمال المنتدى، منها توقيع مذكرة تفاهم صحية جديدة بين القاهرة وباريس، تهدف إلى معالجة الفلسطينيِّين الذين جرى إجلاؤهم من غزة منذ اندلاع الحرب.
-
من القضايا المهمة التي ستشهد تطوُّرًا خلال زيارة “ماكرون” أيضًا، تأكيد فرنسا مجدَّدًا دعمها لوزير الآثار والسياحة السابق خالد العناني، المرشح لمنصب المدير العام لمنظمة اليونيسكو في الانتخابات المقبلة، وفي هذا السياق؛ سيقوم “ماكرون” بجولةٍ خاصَّةٍ في المتحف المصري الكبير الذي يُجْرَى تجديده، وذلك قبْل افتتاحه رسميًّا، في الثالث من يوليو المقبل.
وجدير بالذكر، أنه قُبَيْل بدْء فعاليات الزيارة؛ تلقَّى الرئيس السيسي، يوم السبت 5 أبريل الجاري، اتصالًا هاتفيًّا من الرئيس “ماكرون”؛ حيث تمَّ التباحُث بشأن أهمِّ موضوعات التعاون المطروحة خلال الزيارة، وآفاق تعزيزها بما يتفق مع مصالح البلديْن، كما تناول الاتصال تطوُّرات الأوضاع في قطاع غزة، واستعراض الجهود المصرية لوقْف إطلاق النار بالقطاع.[2]
وقد أكَّد الرئيسان خلال الاتصال، على أهمية استعادة التهدئة، عبْر الوقْف الفوري لإطلاق النار في غزة، مُشدِّدين على ضرورة إنفاذ المساعدات الإنسانية دون تأخيرٍ، وعلى التمسُّك بحلِّ الدولتيْن، باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق سلامٍ دائمٍ وشاملٍ في المنطقة.
ثانيًا: توقيت يحمل دلالات عدة
يمُرُّ الإقليمُ بتوقيتٍ شديد الحساسية، وذلك على خلفية الانتهاك الإسرائيلي الفاضح لاتفاق وقْف إطلاق النار، واستئناف الحرب الغاشمة على قطاع غزة، فضْلًا عن اشتعال العديد من الجبهات في المنطقة، مثل “اليمن وجنوب لبنان وسوريا”، وبالنظر إلى هذا السياق، وإلى جدول أعمال الزيارة، يتضح مما لا شكَّ فيه، أنها تحمل دلالاتٍ كثيرةً، ذات أبعاد سياسية واقتصادية مختلفة، ومن أهمها:
1- محاولة جديدة لإيقاف الحرب الدامية في غزة؛ حيث تأتي زيارة الرئيس “ماكرون” إلى مصر، وما يتخللها من انعقاد قمة “مصرية- فرنسية- أردنية”، في سياق الجهود الإقليمية والدولية المتصاعدة لوقْف إطلاق النار في غزة، وتخفيف حِدَّة الأزمة الإنسانية التي يعاني منها القطاع، خاصَّةً أنها تتزامن مع المُعْطَيَات الآتية:
-
استئناف إسرائيل حربها على قطاع غزة، منذ يوم 18 مارس الماضي، من خلال تصعيدٍ عسكريٍّ واسعٍ، طال معظم مناطق القطاع، في خرْقٍ سافرٍ لوقْف إطلاق النار، الساري منذ 19 يناير 2025.
-
أسفر ذلك عن استشهاد وإصابة المئات؛ فمنذُ استئنافها الإبادة الجماعية بغزة، قتلت إسرائيل حتى صباح السبت 5 أبريل 2025، 1309 فلسطينيِّين، وأصابت 3184 آخرين، معظمهم أطفال ونساء، وذلك وفْقًا لبيانات وزارة الصحة بالقطاع.[3]
-
أعلنت إسرائيل انتشار قوات من الفرقة 36 في محور “موراغ” الأمني، الذي تمَّ إنشاؤه حديثًا بجنوب قطاع غزة؛ للضغط على حركة حماس. وجدير بالذكر، أن الممرَّ أُعلن عنه يوم 2 أبريل الجاري، من قِبَلِ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويمتدُّ بعرْض القطاع من الشرق إلى الغرب؛ إذ من شأنه، عزْل مدينة رفح جنوب قطاع غزة، التي أمر نتنياهو بإخلائها، عن باقي القطاع.[4]
-
هذا إلى جانب إعادة السيطرة على ممرِّ نتساريم، الذي يفصل الثلث الشمالي لغزة؛ بما في ذلك مدينة غزة، عن باقي القطاع، وكل ذلك يترك الفلسطينيِّين المدنيِّين دون حلٍّ أو مخرجٍ؛ ليلقَوْا حتْفَهم جرَّاء الضربات العسكرية الدامية والشرسة التي ينفِّذُها الجيش الإسرائيلي على القطاع.
2- تأييد فرنسي لموقف مصر الرافض للتهجير؛ وهذا يتضح من زيارة الرئيس الفرنسي المرتقبة إلى مدينة العريش المصرية؛ ليكون بذلك أول زعيم أوروبي يزور محافظة شمال سيناء؛ ما يشير إلى رفْض باريس لأيِّ محاولات لتهجير الفلسطينيِّين، ويُمثِّلُ تأييدًا واضحًا للسياسة المصرية، ولموقفها الثابت الرافض لتهجير الفلسطينيِّين من قطاع غزة.[5]
وجدير بالذكر، أن وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، كان قد التقى نظيره المصري بدر عبد العاطي، على هامش مؤتمر باريس بشأن سوريا، في 13 فبراير 2025؛ حيث أكَّدا رفضهما التَّام لأيِّ حلٍّ يتمثَّلُ في تهجير الفلسطينيِّين قسْرًا، معتبرين ذلك انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، ومُزَعْزِعًا لأمن واستقرار المنطقة بأكملها.
3- رغبة مشتركة لتعزيز العلاقات الثنائية بين الدولتيْن؛ تشير زيارة الرئيس الفرنسي، وحجم الوفد المرافق له، وكذلك فعاليات الزيارة المرتقبة، أن هناك رغبةً فرنسيةً حثيثةً في توسيع مجالات التعاون مع مصر، وذلك على مستوى الشراكات الاقتصادية والعسكرية والإستراتيجية، خاصَّةً أن الزيارة تأتي في ضوْء طفْرةٍ حقيقيةٍ شهدتها العلاقات “المصرية – الفرنسية”؛ حيث:
-
على الصعيد السياسي؛ تُعدُّ هذه الزيارة هي اللقاء الـ12 الذي جمع بين الرئيس الفرنسي ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، منذ تولِّيهِ منصبه في 2017؛ إذ تُعدُّ هذه الزيارة هي الرابعة لـ”ماكرون” إلى القاهرة، فيما قام الرئيس المصري بثماني زيارات إلى فرنسا، وهذا يعكس عُمْق العلاقات بين البلديْن، وحِرْص قيادتيْ الدولتيْن على تعزيز العلاقات ودفْعها نحو آفاقٍ أرحبَ، وكذلك استمرار التنسيق المشترك حِيَالَ مختلف القضايا الإقليمية والدولية.[6]
-
على الصعيد العسكري؛ هناك علاقات عسكرية متميزة بين الدولتين؛ تنعكس في الاتفاقات الدفاعية المُبْرَمة بين القاهرة وباريس؛ حيث كانت مصر أول دولةٍ تشتري 24 طائرةً مقاتلةً فرنسيةً من طراز رافال عام 2015، فيما وقَّعا عقْدًا ثانيًا يشمل 30 طائرةً إضافيةً.[7]
-
على الصعيد الاقتصادي؛ شهدت العلاقاتُ “المصرية – الفرنسية” الاقتصادية طفْرةً كبيرةً؛ تنعكس في كثيرٍ من المؤشرات؛ منها: يُقدَّر حجم الاستثمارات الفرنسية فى مصر بنحو 7.2 مليار دولار، ومن المتوقع أن يتجاوز حاجز الـ 8 مليارات دولار، خلال الفترة من أكتوبر 2024 وحتى نهاية 2025،[8] وذلك من خلال وجود نحو 165 شركةً فرنسيةً تعمل بالسوق المصرية وتوفر حوالي 350 ألف فرصة عمل[9]، فضْلًا عن ارتفاع حجم التبادُل التجارى بين مصر وفرنسا؛ لتسجل 2.9 مليار دولار، خلال عام 2024، مقابل 2.5 مليار دولار، خلال عام 2023، بنسبة ارتفاع قدْرُها 14.7%.[10]
-
حيث ارتفعت قيمة الصادرات المصرية إلى فرنسا لتصل إلى 1.1 مليار دولار، خلال عام 2024، مقابل 855.4 مليون دولار خلال عام 2023 بنسبة ارتفاع قدرها 22.4%، بينما بلغت قيمة الواردات المصرية من فرنسا 1.8 مليار دولار، مقابل 1.7 مليار دولار، خلال عام 2023، بنسبة ارتفاع قدْرُها 10.8%.
-
يُضافُ إلى ذلك التعاون المتقدم بين البلدين في مجال الطاقة، والذي شهد نموًّا ملحوظًا في ضوء خطة مصر للتحوُّل إلى مركزٍ إقليميٍّ لتداول وتجارة الغاز، إلى جانب انضمام فرنسا إلى منتدى غاز شرق البحر المتوسط.[11]
4- محاولة فرنسية لصياغة دور أوروبيٍّ جديدٍ في الشرق الأوسط؛ حيث يحاول الرئيس الفرنسي – من خلال الدور الذي يسعى للقيام به، سواء في ملف القضية الفلسطينية أو في ملف لبنان – إعادة تموْضع الدور الأوروبي في المنطقة، واستعادة صورة فرنسا كفاعلٍ سياسيٍّ مؤثرٍ في الإقليم، وهناك عدة مؤشرات تدُلُّ على ذلك؛ منها:
-
تأتي زيارة “ماكرون” في وقتٍ تبدو فيه الولايات المتحدة أقلّ اتساقًا في سياساتها تجاه الشرق الأوسط؛ حيث هناك حالةٌ من السَّخَطِ الإقليميِّ تجاهها؛ على خلفية دعمها المطلق للمجازر الإسرائيلية التي يشهدها القطاع الفلسطيني.
-
تأتي الزيارة في ضوْء حالةٍ من التوتُّر وتعكير صفْوِ العلاقات “الأمريكية – الأوروبية”؛ جرَّاء بعض السياسات والمواقف التي اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، منذ تولِّيه الرئاسة في يناير الماضي، وعلى رأسها “الحرب الاقتصادية وقرار فرْض الرسوم على واردات السلع”.
-
تتزامن الزيارة والقمة الثلاثية، مع زيارةٍ متوقعةٍ لرئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الولايات المتحدة في التوقيت نفسه، كما أنها تستبق زيارةً للمبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، إلى المنطقة خلال الأسبوع الجاري؛ حيث من المقرر أن يلتقي وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، والذي يرأس فريق التفاوُض الإسرائيلي، في أبوظبي، وقد يسافر “ويكتوف” أيضًا إلى الدوحة أو القاهرة.
-
كما تأتي الزيارة والقمة الثلاثية في ضوْء الاجتماع الذي تدعو إليه فرنسا والسعودية، والذي سيكون بإدارة الرئيس ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وسيُعقد بالأمم المتحدة في يونيو المقبل، ويهدف الاجتماع إلى العمل على مشروع الحلِّ السياسيِّ الذي عنوانه “حلّ الدولتيْن”.[12]