إعداد: منة صلاح
عقدت “النيجر، وبوركينا فاسو، ومالي” اتفاقًا، في 16 سبتمبر 2023م؛ لتشكيل تحالف الساحل الجديد، بدعمٍ روسيٍّ؛ للدفاع المشترك، والمساعدة المتبادلة بين الدول الثلاث، ولمواجهة التهديدات الداخلية والخارجية، إضافةً إلى مواجهة التنظيمات الإرهابية، ويعود ذلك إلى ما تشهده الدول الثلاث من اضطرابات وانقلابات، منذ عام 2020م، ابتداءً من انقلاب مالي، في عام 2020م، مرورًا بانقلابي بوركينا فاسو عام 2022م وحتى انقلاب النيجر في عام 2023م، ناهيك عن رفض تلك الدول تهديدات مجموعة “إيكواس” باستخدام القوة؛ لإعادة الحكم الدستوري في النيجر، وسوف يكون هذا التحالف مزيجًا من الجهود العسكرية والاقتصادية فيما بينهما.
جذور تشكيل تحالف الساحل الجديد
أنشأت “النيجر، وبوركينا فاسو، ومالي” قوةً مشتركةً، عام 2017م؛ لفرض الحماية إقليميًّا؛ لمواجهة الحركات الإرهابية، ولكن تم تعليق هذا المشروع، بعد قرار تجمُّع الدول الساحلية الخمس، بتشكيل قوات تدخُّل مشتركة، بدعم “أوروبي، وأمريكي”، ولكن هذه الخطوة لم تنجح أيضًا، وفي يوليو 2017م، عرضت “فرنسا، وألمانيا” فكرة إنشاء تحالف الساحل؛ لتنسيق الجهود الدولية، التي تهدف إلى دعم دول الساحل، وضم هذا التحالف 26 عضوًا، وأقر تنفيذ ألف مشروع في دول الساحل، بميزانية تقدر بما يقرب من 22 مليار دولار، ولكنه توقف بعد الانقلابات العسكرية، التي شهدتها المنطقة، ابتداءً من مالي 2021م.
يختلف تحالف الساحل الجديد في الدوافع والسياسات عن فكرة تحالف الساحل، التي كانت فكرةً فرنسيةً بالأساس، وتم تسويقها على الصعيد الدولي، وبرز التحالف الجديد لاستمرار التزام “مالي، وبوركينا فاسو” بالوقوف عسكريًّا مع النيجر إذا تعرضت لتهديدات عسكرية خارجية؛ إذ جاء تشكيل هذا التحالف؛ بناءً على تهديد مجموعة “إيكواس” بالتدخُّل المُسلَّح وفرض العقوبات الاقتصادية على النيجر، وجاء أيضًا مع تدهور علاقات تلك الدول مع فرنسا، إضافةً إلى تزايد خطر هجمات الجماعات المسلحة في منطقة (ليبتاكو غورما)، التي تشكل المثلث الحدودي للدول الثلاث.
ميثاق تحالف الساحل الجديد (ليبتاكو غورما)
يستند الميثاق إلى الشرعية الدولية والإقليمية، وخاصة ميثاق الأمم المتحدة ودستور الاتحاد الأفريقي واتفاقية الـ”إيكواس”، ونصت المادة الثانية منه، على هدف هذا التحالف، والذي يتمثل في إقامة منظومة دفاعية مشتركة بين الدول المتحالفة، وقد نصت المادة الرابعة، على التزام الدول الثلاث، بمواجهة كافة أشكال الإرهاب والجريمة المنظمة، كما نصت المادة الخامسة، على التزامهم بمواجهة كل أشكال التمرد المسلح، أو الخروج العنيف على الدولة، مع تفضيل الوسائل السلمية، واللجوء إلى استخدام القوة إذا استلزم الأمر ذلك.
ونصت المادة السادسة من الميثاق، على أن أيَّ اعتداء على وحدة وسيادة أحد الدول الثلاث، هو بمثابة اعتداء على الأطراف الأُخرى؛ ما يفرض تقديم المساعدة، بما فيها اللجوء إلى استخدام القوة المسلحة؛ لاستعادة الأمن، ونصت المادة الحادية عشرة، على أن التحالف مفتوح لكل دولة تشترك مع الدول الثلاث في نفس السمات الجغرافية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وتقبل أهداف ودوافع التحالف.
دوافع تشكيل تحالف الساحل الجديد
تعزيز الدفاع المشترك: يهدف ميثاق تحالف الساحل الجديد بالأساس إلى تعزيز التعاون والدفاع العسكري ضد أيِّ اعتداء على وحدة وسيادة الأطراف المتعاقدة؛ إذ تسعى الدول إلى تعزيز قدراتهم الدفاعية، واللجوء إلى استخدام القوة المسلحة ضد أيِّ انقلابات أو تدخلات عسكرية؛ بهدف استعادة الأمن في منطقة الساحل.
مواجهة التنظيمات الإرهابية: تأتي مكافحة الإرهاب في مقدمة ميثاق التحالف؛ نتيجةً للتهديدات الصادرة عن الجماعات المسلحة؛ إذ قامت التنظيمات الإرهابية باستغلال الاضطرابات الأمنية؛ للتوسُّع في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، خاصة منطقة (ليبتاكو غورما)، كما قامت تلك الجماعات المسلحة بتهديد الحكومات الجديدة؛ إذ تشهد مالي توترات من قِبَلِ الجماعات المسلحة، التي يسيطر عليها الطوارق، منذ عام 2013م.
تعزيز التعاون الاقتصادي: شهدت دول الساحل ضعف في معدلات النمو، وتفاقم في معدلات الفقر والبطالة، إضافةً إلى أزمات المناخ، ويعود ذلك إلى نهْب ثرواتهم من قِبَلِ الدول الأوروبية، وفي مقدمتها؛ فرنسا والنُّخب الحاكمة المتحالفة معها؛ لذا تسعى الدول الثلاث لاستغلال ثرواتها، في تحقيق التنمية الاقتصادية، باعتبار أن دول الساحل غنية بالموارد الطبيعية؛ إذ تمتلك كميات هائلة من المعادن، والتي أبرزها؛ اليورانيوم، وهو ما يُمكِّنُها من تحقيق التنمية.
التداعيات الناجمة عن تحالف الساحل الجديد
تراجع النفوذ الغربي وخاصة الفرنسي: تعتمد فرنسا بشكلٍ كبيرٍ على النيجر؛ نظرًا لأنها غنية باليورانيوم؛ إذ يأتي حوالي 17% من اليورانيوم؛ لتوليد الكهرباء داخل فرنسا من النيجر، ويشير وجود القوات العسكرية الفرنسية في “النيجر، وتشاد” إلى مصلحة فرنسا، في ضمان استقرار منطقة الساحل، كما يشير الدعم المقدم إلى النيجر من قِبَلِ النُّظُم العسكرية في الساحل إلى تحوُّل السياسات والتحالفات الإقليمية.
تراجع دور مجموعة الـ”إيكواس”: أثَّر انقلاب النيجر بشكلٍ كبيرٍ على دور مجموعة الـ”إيكواس”؛ نظرًا لأن المجموعة فرضت عقوبات تجارية على النيجر، وهدَّدت بأن التدخل العسكري محتمل، ولكن أبْدت الدول التي يغْلُب على نُظُمها الطابع العسكري، مثل “غينيا، ومالي، وبوركينا فاسو” اعتراضها لسُبل الـ”إيكواس” في حل الصراعات، وأدَّى الدعم الشعبي لبعض الانقلابات إلى تعقيد الأوضاع أيضًا.
وتواجه القدرات العسكرية لكل دولة من الدول الثلاث تحديًا، في مواجهة التهديدات السياسية والأمنية التي تواجه كل دولة منها على حدة، وخير دليل على ذلك؛ النيجر، التي لا تتمكن من تعبئة سوى عددٍ محدودٍ من القوات، على الرغم من الاستثمارات الأجنبية الكبيرة، ولاسيما من قِبَلِ “الولايات المتحدة، وفرنسا”؛ لتعزيز قوتها المسلحة، وبشكلٍ عامٍ، نجد أن للدول الثلاث حلفاء خارج القارة؛ بهدف تقليص النفوذ الغربي في المنطقة، وتسعى دول، مثل “روسيا، والصين، وإيران”، والتي لها مصالح في القارة الأفريقية لتقديم الدعم إلى دول الساحل.
تطور الدبلوماسية الأفريقية: لم تشهد القارة الأفريقية على مر التاريخ تحالفات عسكرية واسعة النطاق، وذلك على الرغم من كثرة الصراعات التي شهدتها بعض المناطق، مثل “السودان، والصومال، والكونغو”، فلم يكن بها تحالفات دفاعية، مثل القارة الأوروبية، على الرغم من الصراعات على الحدود والحروب الأهلية، وقد يعود عدم وجود تحالفات عسكرية واسعة النطاق في القارة الأفريقية إلى الإرث الاستعماري.
ولكن بعد شيوع الاستقلال في القارة الأفريقية، برزت منظمات إقليمية، مثل مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي (السادك) والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس)؛ لضمان الأمن والاستقرار، وكان للمخاوف المتعلقة بالسيادة دور في الحذر من تشكيل شراكات وتحالفات عسكرية؛ لذا يُشكِّلُ تحالف الساحل الجديد تحولًا كبيرًا في الدبلوماسية الأفريقية، فضلًا عن تأكيد ميثاقه على مبدأ الدفاع الجماعي.
السيناريوهات المحتملة لتحالف الساحل الجديد
تستند السيناريوهات المحتملة لتحالف الساحل الجديد إلى مستقبل الأنظمة العسكرية في منطقة الساحل، والقدرة على مواجهة التنظيمات الإرهابية، وسوف نتناول السيناريوهات المحتملة على النحو التالي:
نجاح تحالف الساحل الجديد وضمه لدول أخرى:
قد يتمكن الحلف من النجاح وتحقيق التنمية إذا توسَّع وانضمت له دول أخرى، وقد يحدث ذلك، إذا كثرت الانقلابات العسكرية في المنطقة، وتفاقمت التداعيات الناجمة عن الممارسات الإرهابية؛ إذ تسعى الدول لتعزيز تعاونهم العسكري والأمني مع دول الساحل؛ ما قد يساهم في دمْج هذا التحالف مع التحالف المشابه في حوض نهر تشاد، كما قد ينجح إذا انضمت باقي دول الساحل الخمس إلى التحالف؛ نظرًا لأن “تشاد، وموريتانيا” تم استثناؤهم، وهو السيناريو الأقرب.
إخفاق تحالف الساحل الجديد:
قد يخفق هذا التحالف في ضمان الأمن وتحقيق التنمية على غرار المبادرات السابقة في منطقة الساحل؛ إذ قد تفرض الأوضاع السياسية في الدول الثلاث، والتي سوف تعقد انتخابات تعيد المدنيين للسلطة، أو تترشح فيها القيادات العسكرية، بمُعطيات داخلية للعودة إلى التوازنات التقليدية، بعيدًا عن هذا التحالف المعادي للمصالح الغربية.
ختامًا
يُعَدُّ تحالف الساحل الجديد مزيجًا من الأهداف الدفاعية والاقتصادية؛ لضمان الأمن والاستقرار، ويُجسِّدُ وحدة المصالح المشتركة؛ ونشأ نتيجة تزايد الانقلابات العسكرية في المنطقة، وتصاعد الهجمات الإرهابية، وتهديد مجموعة الـ”إيكواس” بالتدخل في النيجر، ويُعَدُّ أيضًا انعكاسًا للتنافس “الروسي – الفرنسي” في المنطقة؛ إذ تشهد منطقة الساحل تحولات جيوسياسية، في ظلِّ تراجع النفوذ الفرنسي، وسعْي دول غرب أفريقيا، مثل “مالي، وبوركينا فاسو”؛ للتعاون مع روسيا؛ للتخلص من الاستغلال الفرنسي، ونظرًا لاهتمام القوى الكبرى بالمنطقة؛ سوف تظل محورًا رئيسًا في العلاقات الدولية، وتشير تداعيات هذا التحالف، المتمثلة في تراجع النفوذ الفرنسي، وتطور الدبلوماسية الأفريقية، إلى إمكانية نجاح التحالف، في تحقيق أهدافه، خاصة إذا توسَّع وانضمت له دول أخرى.