المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشؤون الدولية > تحالف كواد الرباعي: إستراتيجية الردع المرن في مواجهة الصعود الصيني
تحالف كواد الرباعي: إستراتيجية الردع المرن في مواجهة الصعود الصيني
- يوليو 5, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
لا توجد تعليقات

إعداد: إسراء عادل
باحث مساعد في وحدة الشؤون الدولية
في ظلِّ احتدام التنافس الجيوسياسي بمنطقة المحيطين الهندي والهادي، وتزايد التحولات في موازين القوى العالمية، برز التحالف الرباعي للحوار الأمني “كواد” كأحد أبرز أطر التعاون الإقليمي بين الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان، في محاولة لإعادة تشكيل التوازن الاستراتيجي في مواجهة صعود النفوذ الصيني. فبينما تروج الدول الأعضاء للكواد باعتباره تحالفاً من أجل الأمن والاستقرار والحرية والانفتاح في المنطقة، ترى فيه قوى أخرى، وفي مقدمتها الصين، مظلة غير رسمية لاحتواء تمددها الإقليمي، مما جعله في بؤرة التفاعلات الأمنية والدبلوماسية خلال السنوات الأخيرة.
انطلاقاً من ذلك، يبرز السؤال المحوري: إلى أي مدى يمثل تحالف كواد الرباعي إطاراً فعالاً لتحقيق التوازن الأمني في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وما هي أبرز دوافعه وحدود فاعليته، والتحديات التي تعترض مساره؟
أولًا: النشأة التاريخية للتحالف الأمني الرباعي (QUAD)
يُعرف تحالف “الحوار الأمني الرباعي” بأنه إطار استراتيجي غير رسمي يضم أربع دول هي: الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، ويهدف إلى تعزيز التعاون الأمني والدفاعي في منطقة المحيطين الهندي والهادي. وترجع الجذور الأولى للمجموعة إلى التنسيق الإغاثي المشترك بين الدول الأربع بعد كارثة تسونامي المدمرة عام 2004، والذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي آنذاك “جورج دبليو بوش”، مما أسس لثقة أولية بين هذه الدول في العمل الجماعي.
وفي عام 2006، عملت الدول الأربع على تطوير هذا الإطار الأولي نحو تعاون أوسع، وذلك عبر المناقشات الرسمية التي تمت بين الهند واليابان في ديسمبر من نفس العام، لتعزيز التعاون الأمني وتوسيع عضوية الـ كواد، فضلاً عن إجراء مناورات بحرية مشتركة كان أبرزها مناورات سبتمبر 2007 بالتعاون مع سنغافورة، والتي كانت بمثابة رسالة إقليمية واضحة للحد من النفوذ الصيني المتنامي في منطقة المحيط الهادي، والتصدي لتحركات بكين المتسارعة نحو تعزيز تعاونها العسكري مع دول آسيا الوسطى عبر منظمة شنغهاي للتعاون.
وعلى الرغم من المساعي المبذولة لتوسيع تحالف كواد وتحويله إلى إطار مؤسسي دائم، إلا أنه تعثر وتم انهائه عام 2007، بسبب انسحاب أستراليا لاحقاً تحت ضغط صيني، وتغير أولويات الإدارة الأمريكية والهندية آنذاك. ولكن عادت المبادرة إلى الواجهة مجدداً في عام 2012 مع عودة رئيس الوزراء الياباني “شينزو آبي” إلى الحكم، معلناً عن رغبته في بلورة تحالف أمني ديمقراطي في آسيا يضم نفس الدول الأربع، بهدف حماية منطقة المحيطين الهندي والهادي من التهديدات الجيوسياسية المتصاعدة. وخلال تلك المرحلة، كثفت الدول الأعضاء من أطر التعاون فيما بينها، وهو ما مهد الطريق لإعادة إحياء الحوار الأمني الرباعي رسمياً في نوفمبر 2017 على هامش قمة آسيان في مانيلا.[1]
ثانيًا: الأهداف والأهمية الاستراتيجية للحوار الأمني الرباعي
جاء تأسيس الحوار الأمني الرباعي كاستجابة للتحولات الأمنية المتسارعة وتصاعد التنافس الجيوسياسي في منطقة المحيطين الهندي والهادي، حيث سعت الدول الأربع المؤسسة إلى بناء إطار تشاوري مرن يعزز من التنسيق والتعاون المشترك لمواجهة التحديات الإقليمية المتنامية. وقد تنوعت أهداف تأسيس المجموعة بين اعتبارات أمنية واستراتيجية واقتصادية، تمثلت فيما يلي:
– احتواء التمدد الصيني المتسارع، خاصة في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادي، نظراً لما يمثله من تهديد لتوازن القوى الإقليمي ولحرية الملاحة البحرية والتجارية.
– تعزيز أمن واستقرار خطوط الملاحة الدولية، وحماية الممرات البحرية الحيوية الممتدة عبر المنطقة، في ظل ازدياد مخاطر القرصنة والإرهاب والكوارث الطبيعية.
– توسيع مجالات التعاون في التكنولوجيا والبنية التحتية والاتصالات الرقمية، بما يعزز القدرة التنافسية للدول الأعضاء لمواجهة المشاريع الاستراتيجية الكبرى، مثل “مبادرة الحزام والطريق” الصينية، التي تعتبرها دول الكواد تهديداً لمصالحها الاقتصادية والجيوسياسية.
– إرساء توازن قوى إقليمي يحول دون هيمنة قوة منفردة على النظام الآسيوي، وذلك عبر تعزيز الشراكة بين دول المنطقة واحترام القانون الدولي، بما يسمح بإعادة تشكيل البيئة الأمنية الآسيوية على أسس التعددية والتوازن.[2]
وانطلاقاً من هذه الدوافع، تجسدت أهمية تحالف الـ “كواد” كأداة استراتيجية متعددة الوظائف، توازن بين الردع والانخراط عبر تعزيز التعاون والتنسيق الأمني والدبلوماسي والتكنولوجي بين القوى الكبرى دون الانخراط في تحالف عسكري رسمي، الأمر الذي مكن الدول الأعضاء من توظيفه كأداة استراتيجية لاحتواء التمدد الصيني دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة، فضلاً عن تقديم نموذج شراكة بديل للدول الآسيوية يقوم على الانفتاح والحوكمة والتنمية المستدامة. كما برزت أهمية التحالف في إعادة تشكيل البيئة الأمنية الآسيوية عبر التزامه بحماية حرية الملاحة، وتعزيز التنسيق الدفاعي، وتطوير البنية التحتية الرقمية وسلاسل الإمداد، وهو ما جعله فاعلاً محورياً في المعادلة الجيوسياسية المتغيرة لمنطقة المحيطين الهندي والهادي.[3]
ثالثًا: أبعاد التقارب بين الدول الأعضاء
يعكس التقارب بين الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا في إطار تحالف “كواد” تشابكاً استراتيجياً متعدد الأبعاد، يتجاوز التنسيق الأمني إلى مجالات أوسع من التعاون. وذلك على النحو التالي:
– على الصعيد الجيوسياسي: تشترك الدول الأربع في قلق متصاعد من تنامي النفوذ الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادي، لا سيما في ظل تنامي المبادرات الصينية مثل “الحزام والطريق” وتعزيز القدرات العسكرية لبكين في بحر الصين الجنوبي. مع تأكيدهم على ضرورة الحفاظ على حرية الملاحة البحرية وسيادة القانون الدولي.
– البعد الأمني والعسكري: فقد عززت الدول الأعضاء من تنسيقها الدفاعي عبر تدريبات عسكرية ومناورات مشتركة مثل سلسلة مناورات مالابار التي شاركت فيها الدول الأربع بشكل متكرر منذ عام 2020، وتعد رمزاً للتكامل العسكري المتنامي داخل التحالف.[4]
– البعد الاقتصادي: تتلاقى مصالح الدول الأربع في تنويع سلاسل الإمداد، حيث تسعى تلك الدول إلى بناء شبكات اقتصادية وتقنية بديلة تكفل تنويع سلاسل الإمداد خاصةً في القطاعات الحيوية مثل أشباه الموصلات والاتصالات الرقمية والمعدات الطبية، من خلال مبادرات متعددة مثل شراكة سلاسل الإمداد المرنة، والتي أُطلقت بين اليابان والهند وأستراليا في عام 2021، بهدف تقليل الاعتماد على الاقتصاد الصيني.[5]
كما يُمثل التعاون في ملف المعادن الحرجة أحد أبرز صور التقارب الاقتصادي بين دول المجموعة، لا سيما بعد اجتماع وزراء خارجية الدول الأربع في الأول من يوليو 2025 في واشنطن، والذي أعلن خلاله المشاركون عن إطلاق مبادرات أساسية لتعزيز الأمن البحري والعابر للحدود والاقتصاد والتقنيات الحرجة، فضلا عن دعم المساعدات الإنسانية والاستجابة للطوارئ في المنطقة. وتُعد هذه الخطوة امتداداً لتوجه استراتيجي يسعى إلى تعزيز الأمن الاقتصادي للدول الأعضاء وتقليل الاعتماد على الصين في الصناعات الحيوية، وترسيخ استقلالية اقتصادية وجيو استراتيجية داخل التحالف.[6]
– البعد التكنولوجي: حيث يجمع الدول الاعضاء تطلع مشترك نحو تعزيز أطر التعاون التكنولوجي لا سيما في مجالات البنية التحتية الرقمية والذكاء الاصطناعي والاتصالات، بهدف تطوير أنظمة اتصال آمنة وتعزيز الابتكار في التكنولوجيا الحديثة، ومواجهة التهديدات السيبرانية.
رابعًا: التحديات التي تواجه تحالف كواد
رغم الزخم السياسي والدبلوماسي الذي رافق إعادة تفعيل التحالف الأمني الرباعي، إلا أنه يواجه جملة من التحديات التي تُلقي بظلالها على قدرته في التحول إلى إطار استراتيجي مستدام ومؤثر في موازين القوة الإقليمية والدولية. وذلك على النحو التالي:
الطابع غير المؤسسي للتحالف: إذ يفتقر تحالف “اكواد” إلى هيكل تنظيمي ملزم أو ميثاق قانوني واضح، بل يقوم على التنسيق المرن والتفاهمات السياسية غير الملزمة، مما يقوض من قدرته على اتخاذ قرارات حاسمة أو تنفيذ استجابات جماعية في أوقات الأزمات.
التباين في الرؤى الاستراتيجية والأولويات الوطنية بين الدول الأعضاء: فالهند تُركز على أمنها الحدودي في جنوب آسيا، بينما تميل أستراليا إلى التحالفات الدفاعية الغربية، لا سيما عبر شراكة “أوكوس” مع الولايات المتحدة وبريطانيا. وفي المقابل تتبنى اليابان سياسة أمنية حذرة تخضع لقيودها الدستورية، أما الولايات المتحدة فتواصل توظيف التحالف كأداة لخدمة استراتيجيتها الكبرى لاحتواء الصين وتكريس الهيمنة في منطقة الإندو-باسيف، الأمر الذي يخلق توازناً هشاً داخل مجموعة كواد.[7]
الخلافات البينية بين دول التحالف: حيث تمثل الخلافات بين الدول الأعضاء أحد العوائق الرئيسية أمام تطوير التحالف، وهو ما ظهر جلياً في العديد من المواقف كان أبرزها، رفض الهند انضمام أستراليا إلى تدريبات مالابار العسكرية التي تمت بين القوات البحرية الأمريكية واليابانية والهندية، وجاء ذلك رداً على رفض الحكومة الأسترالية إصدار تأشيرات عمل مؤقتة للهنود للعمل لديها في مايو 2017.[8]
الضغوط والتوازنات الإقليمية والدولية: قد يتعرض التحالف لضغوط متزايدة من القوى الإقليمية والدولية خاصة الصين وروسيا، اللتين تنظران إلى “الكواد” باعتباره أداة لمحاصرتهما استراتيجياً. وقد انعكس ذلك في انتقادات وتحذيرات دبلوماسية للتحالف، فضلاً عن محاولات لإعادة تشكيل تحالفات بديلة عبر منظمة شنغهاي للتعاون ومبادرات اقتصادية موازية. كما تواجه بعض دول التحالف ضغوطاً داخلية في الحفاظ على علاقاتها ومصالحها الاقتصادية مع بكين، مما يفرض عليها توازناً دقيقاً بين التعاون ضمن “كواد” وعدم استفزاز الصين بشكل مباشر.
المنافسة مع التحالفات الموازية: إذ يواجه الحوار الأمني الرباعي تحدياً متزايداً يتمثل في وجود تحالفات مماثلة أكثر فاعلية وتركيز مثل تحالف “أوكوس”، والذي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، ويتميز بطابع دفاعي فعال وتوجه عسكري صريح في احتواء الصين، وهو ما يشكل تنافساً على الأدوار ويُضعف وضوح هوية “كواد” الاستراتيجية، ويحد من استقلالية دوره في صياغة معادلات التوازن الإقليمي.
تعميق العلاقات الصينية – الإيرانية: فقد يشكل التعاون المتنامي بين بكين وطهران لا سيما في مجالات النقل وتطوير الممرات اللوجستية وأمن الطاقة، تحدياً كبيراً وتعقيداً لحسابات تحالف “كواد” في المنطقة، حيث تلعب طهران بموقعها الجغرافي وطاقاتها الجيوسياسية دوراً متميزاً في تنفيذ وتطوير مشروع الحزام والطريق الصيني، الأمر الذي يؤثر على فاعلية المبادرات المتنوعة التي يطرحها “كواد”، ويحد من قدرته على فرض بدائل استراتيجية قابلة للاستمرار.[9]