عقد مجلس الوزراء الصومالي اجتماعًا استثنائيًّا، وافق خلاله على اتفاقيةٍ دفاعيةٍ مشتركةٍ مع مصر؛ بهدف تعزيز التعاون «العسكري – الأمني» بين البلديْن، وذلك تزامنًا مع ما تشهده منطقة القرن الأفريقي من تطورات، تمثَّلَ أبرزها في توقيع مذكرة التفاهُم بين إقليم أرض الصومال وإثيوبيا؛ لإيجاد موطئ قدمٍ لها في البحر الأحمر، إضافةً إلى إغلاق قنصليتيْن تابعتيْن لإثيوبيا في الصومال؛ ما يشير إلى التضامن المصري مع الصومال ضد أيَّة محاولات رامية إلى انتهاك سيادته وسلامة أراضيه، علاوةً على الأهمية التي تُولِيها مصر لأمن واستقرار الصومال، وذلك على اعتبار أن الصومال دولة عربية لها حقوق ضِمْن الدفاع المشترك.
السياق الراهن للاتفاقية «المصرية – الصومالية»
جاءت اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والصومال في لحظةٍ شديدة الحساسية، سواء بالنسبة لأوضاع منطقة القرن الأفريقي أو بالنسبة للداخل الصومالي المُتأثر بالتحرُّكات الإثيوبية، ومن أبرز ملامح السياق المتزامن لهذه الاتفاقية، ما يلي:
1- توتُّر العلاقات بين الصومال وإثيوبيا:
بدأت تتوتر العلاقات بين البلديْن بعد توقيع إقليم أرض الصومال الانفصالي مذكرة تفاهم مع إثيوبيا، في مطلع العام الجاري، بما يمنح إثيوبيا الحق في استخدام واجهة بحرية بطول 20 كم من أراضي الإقليم لمدة 50 عامًا؛ لأغراضها البحرية والتجارية، وذلك مقابل الاعتراف بأرض الصومال دولة مستقلة، وهو ما قوبل بالرفض من جانب الصومال ومصر، وعُقد حينها اجتماعٌ طارئٌ لإدانة هذا الاتفاق، وذلك على اعتبار أنه باطلٌ وغيرُ مقبولٍ، وبالإضافة إلى ذلك، أمرت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في الصومال، بإغلاق قنصليتيْن تابعتيْن لإثيوبيا في كُلٍّ من غروي بولاية بونتلاند وهرغيسا بأرض الصومال.
2- زيارة وزير الخارجية المصري إلى الصومال:
أجرى وزير الخارجية المصري “بدر عبد العاطي” زيارةً إلى نظيره الصومالي “أحمد معلم فقي”، خلال الأسبوع الماضي؛ لافتتاح أول خط طيران بين مصر والصومال وجيبوتي؛ ما يعكس حرص مصر على تحقيق الترابُط مع دول القرن الأفريقي؛ نظرًا لما تُمثِّلُه من عُمْقٍ إستراتيجي للأمن القومي المصري، كما أكَّد الطرفان خلال هذه الزيارة على أهمية تعزيز آليات التشاور السياسي بين البلديْن، ومتابعة تنفيذ المشروعات التعاونية القائمة في مجالات التدريب وبناء القدرات.
3- زيارة الرئيس الصومالي إلى القاهرة:
قد زار الرئيس الصومالي “حسن شيخ محمود” القاهرة، في يناير الماضي؛ لعقْد مباحثات رفيعة المستوى، مع نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وذلك في أعقاب إقدام إثيوبيا على توقيع اتفاقية مع أرض الصومال، وأكَّد الرئيس السيسي خلال هذه الزيارة على عدم السماح بأيِّ تهديدٍ للصومال ولأمنه، على اعتبار أن الصومال دولة عربية ولها حقوق؛ طبقًا لميثاق جامعة الدول العربية في الدفاع المشترك بأيِّ تهديد، وأكَّد أيضًا على دعم مصر لوحدة وسلامة الأراضي الصومالية، ورفْض التدخُّل في شؤونه الداخلية.
أهداف الاتفاقية «المصرية – الصومالية» ودلالاتها
تهدف الاتفاقية إلى تعزيز العلاقات بين البلديْن في المجال الدفاعي، وتقديم كافَّة أوْجُه الدعم للصومال، وذلك من خلال تدريب الجيش الصومالي، لا سيما في ظل ما يواجهه من تحديات خاصة بالجماعات والتنظيمات الإرهابي، والتي تأتي في مقدمتها “حركة الشباب” المرتبطة بتنظيم القاعدة؛ ما يشير إلى حاجة الصومال إلى من يساعدها في الحفاظ على وحدتها، في ظل تنامي الإرهاب، وللاستفادة من خبرات الجيش المصري، سواء القتالية أو الدفاعية.
وتحمل الاتفاقية في طيَّاتها العديد من الرسائل والدلالات السياسية، خاصَّةً في ظل احتدام الصراع بين القوى الإقليمية والدولية في منطقة القرن الأفريقي؛ حيث تسعى مصر إلى إثبات حضورها وتعزيز تعاونها مع دول منطقة القرن الأفريقي؛ نظرًا لما تشهده هذه المنطقة من تنامٍ للدور الإثيوبي والتركي وغيرهما من الدول؛ الأمر الذي مثَّل دافعًا لمصر للتحرُّك بشكلٍ استباقيٍّ لمواجهة المخاطر والتهديدات الناجمة عن انخراط أيِّ قوى خارجية تحاول تهديد الأمن القومي المصري.
ومن المتوقع، أن يواجه التواجد المصري في الصومال ردًّا إثيوبيًّا؛ كسعيها لتعزيز علاقاتها مع دول أخرى في منطقة القرن الأفريقي، أو محاولاتها لإنشاء قواعد عسكرية في دول تُشكِّلُ اتجاهات إستراتيجية لمصر؛ نظرًا للصراع بين الدولتيْن حول مياه النيل؛ فالخلاف بين الدولتيْن حول سد النهضة الذي تبْنِيهِ إثيوبيا على فرع النيل الأزرق، يؤثر على حصص دولتيْ المصبِّ “مصر، السودان” من مياه النيل؛ حيث تتمسك الدولتان بحقهما في التوصُّل إلى اتفاقْ مُلْزِمٍ مع إثيوبيا، بشأن ملْء وتشغيل السد؛ بهدف ضمان تدفُّق حصصهما المائية من نهر النيل، ولكن تؤكد إثيوبيا على عدم استهدافها الإضرار بدولتيْ المصبِّ[1].
اتفاقية الدفاع العربي المشترك
تُعدُّ الصومال دولة عربية ولها حقوق في الدفاع المشترك المشترك لأيِّ تهديدٍ لها، وذلك وفقًا لميثاق جامعة الدول العربية، ولقد تمَّ إنشاء اتفاقية الدفاع العربي المشترك، في عام ،1950 بالقاهرة، وتمَّ إبرامُها بين 7 دول عربية “مصر، المملكة العربية السعودية، لبنان، اليمن، سوريا، الأردن، العراق”، واستمرت الدول العربية في الانضمام حتى شملت الصومال، وتهدف هذه الاتفاقية إلى حماية الأمن القومي العربي، وتجدر الإشارة إلى أنه في مارس 2015م، قرَّر مجلس جامعة الدول العربية، بناءًّ على طرْح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الموافقة على إنشاء قوةٍ عربيةٍ مشتركةٍ.
وتشمل هذه الاتفاقية حوالي 13 بندًا، وتتمثَّلُ أهم بنودها في أن أيَّ عدوان على أيِّ دولة موقّعة على البروتوكول هو عدوان على باقي الدول، وأيّ مساسٍ بدولة من الدول الموقعة على البروتوكول هو مساسٌ صريحٌ بباقي الدول الموقّعة، ولقد نصَّ البند الثاني من الاتفاقية على أن كل الدول المتعاقدة تعتبر أيّ اعتداءٍ مُسلَّحٍ يقع على أيَّة دولةٍ أو أكثر منها أو على قواعدها هو اعتداء عليها جميعًا، وفي السياق ذاته، تلتزم الدول الموقّعة بمساعدة الدولة المُعتدى عليها، من خلال اتخاذ كافَّة الإجراءات والتدابير، واستخدام كُلِّ ما لديها من وسائل، وفي حالة الحرب تعمل تلك الدول على توحيد خططها لاتخاذ التدابير، سواء الدفاعية أو الوقائية[2].
إجمالًا:
تعمل مصر على تعزيز علاقاتها بدول القرن الأفريقي، لا سيما جمهورية الصومال الفيدرالية؛ نظرًا لأهميتها الجيوسياسية، وتُعدُّ موافقة الصومال على اتقافية الدفاع المشترك مع مصر، بمثابة رسالة غير مباشرة لإثيوبيا، بعد اتفاقيتها مع أرض الصومال، وإشارة إلى أن الصومال لن يتردَّد في الدفاع عن سيادته وسلامة أراضيه، كما أنها خطوة في غاية الأهمية؛ لإرساء أُسُس الأمن والاستقرار في المنطقة بشكلٍ عامٍ؛ ما يُظهر مدى التزام مصر بدعم الدول العربية في مواجهة التهديدات والتحديات المشتركة، إضافةً إلى أن مصر والصومال تربطهما اتفاقية الدفاع العربي المشترك، والذي يمكن تفعيلها، متى تعرَّض الصومال إلى تهديد.
المصادر:
[1] الاتفاقية الدفاعية المصرية – الصومالية لاحتواء «الطموح» الإثيوبي وموازنة «النفوذ» التركي، جريدة الشرق الأوسط، 21 يوليو 2024م.
