المقالات
تحول في المشهد الإقليمي: قمة إيكواس الاستثنائية ترسم ملامح ما بعد انسحاب دول الساحل
- أبريل 24, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية

إعداد/ منة صلاح
باحثة في وحدة الشؤون الأفريقية
في تحول كبير يشهده المشهد الإقليمي، عقدت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس” جلسة استثنائية في العاصمة الغانية أكرا لمناقشة تداعيات انسحاب ثلاث دول من المنظمة، وتأتي هذه القمة في وقت حرج بعد إعلان “مالي، النيجر، بوركينا فاسو” انسحابها من إيكواس في يناير 2024، في خطوة اعتبرتها ردًا على ما وصفته بتأثير القوى الأجنبية على سياسات المنظمة، ورغم محاولات الوساطة من بعض الدول الأعضاء لإعادة الدول المنسحبة، إلا أن المواقف ظلت على حالها مما جعل القمة تمثل نقطة فارقة في مسار العلاقات الإقليمية المستقبلية.
توتر العلاقات بين “إيكواس“ ودول الساحل
شهدت العلاقات بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) وكل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر توترًا متصاعدًا خلال السنوات الأخيرة، لا سيما عقب الانقلابات العسكرية التي وقعت في هذه الدول، وما تبعها من عقوبات اقتصادية فرضتها المنظمة، وُصفت من قبل حكومات الدول الثلاث بأنها “مجحفة” و”لا إنسانية”، واتهمت دول الساحل الثلاث المنظمة بأنها خاضعة لتأثير قوى أجنبية وعلى رأسها فرنسا، وهو ما اعتبرته هذه الدول تعارضًا مع المبادئ التي تأسست عليها “إيكواس”[1].
وفي خطوة غير مسبوقة أعلنت الدول الثلاث في يناير 2024 انسحابها الجماعي من المنظمة عبر بيان مشترك باسم “تحالف دول الساحل”، الذي تم تأسيسه في سبتمبر 2023 كإطار بديل للتعاون بينها، ورغم موافقة “إيكواس” على الانسحاب، فإنها اقترحت مهلة ستة أشهر لإتاحة المجال للحوار وإمكانية التراجع عن القرار، إلا أن قادة دول الساحل قرروا تفعيل انسحابهم رسميًا في نهاية يناير 2025، مؤكدين أن العقوبات المفروضة عليهم “غير شرعية”[2].
وتكتسي هذه الخطوة أهمية كبرى بالنظر إلى الثقل الجغرافي والديمغرافي لهذه الدول ضمن “إيكواس”، إذ تشغل دول الساحل الثلاث أكثر من نصف مساحة دول المنظمة (حوالي 53%)، ويبلغ عدد سكانها نحو 73 مليون نسمة، أي ما يقارب 21% من إجمالي سكان المجموعة، وبالرغم من الانسحاب الرسمي، أبقت “إيكواس” على بعض الترتيبات المؤقتة، حيث أوصت الدول الأعضاء بالاعتراف حتى إشعار آخر، بجوازات السفر وبطاقات الهوية الصادرة عن هذه الدول، مع السماح لمواطنيها بحرية التنقل والإقامة دون تأشيرة التزامًا بالبروتوكولات السابقة بين الأطراف[3].
دلالات توقيت القمة
جاء انعقاد القمة الاستثنائية في لحظة رمزية بالغة الدلالة، إذ تزامنت مع الذكرى الخمسين لتأسيس المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، ما أضفى على الاجتماعات بُعدًا يتجاوز البعد الإجرائي إلى إعادة النظر في مسار التكامل الإقليمي، وفي هذا السياق تحولت الذكرى إلى منصة لمراجعة الإنجازات والإخفاقات على مدار نصف قرن، وتقييم الحاجة إلى إصلاحات مؤسسية تعزز قدرة المنظمة على مواجهة التحديات الراهنة.
ومن خلال الفعاليات المصاحبة للذكرى، التي شملت منتديات سياسية ولقاءات ثقافية، برزت غانا كفاعل محوري يسعى إلى إعادة ضبط بوصلة الجماعة نحو تعاون أكثر فاعلية خاصة في ظل المتغيرات الجيوسياسية الأخيرة، ويرى مراقبون أن هذا التوقيت يمنح المنظمة فرصة لإعادة صياغة استراتيجياتها في مجالات مثل الاتحاد النقدي والحوكمة الديمقراطية والتصدي للتحديات الأمنية، بما يعكس التزامًا متجددًا بروح التضامن الإقليمي في لحظة تتطلب استشرافًا دقيقًا للمستقبل[4].
كما جاءت القمة أيضًا تتويجًا لتحركات دبلوماسية سبقتها، قادها ماهاما بعد تكليفه مبعوثًا خاصًا إلى تحالف دول الساحل، حيث قام بجولة شملت عواصم الدول الثلاث “مالي، النيجر، بوركينا فاسو” بهدف تقريب وجهات النظر وتخفيف حدة التوتر بين الجانبين، كما استقبل في أكرا عددًا من مسؤولي هذه الدول، في خطوات عكست توجهًا عمليًا لإعادة إطلاق الحوار السياسي بعد سنوات من القطيعة التي غذتها الانقلابات العسكرية والعقوبات الإقليمية[5].
مخرجات القمة
عكست فعاليات الذكرى الخمسين لتأسيس المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، التي استضافتها العاصمة الغانية أكرا، مرحلة محورية في مسار التكامل الإقليمي، حيث طغت التطورات الأخيرة وعلى رأسها انسحاب ثلاث دول من المنظمة على مجريات القمة، لتتحول المناسبة من احتفال رمزي إلى محطة تقييم عميق للمسار الجماعي وآفاقه المستقبلية.
في هذا السياق أكد الرئيس الغاني جون دراماني ماهاما أن هذه الذكرى يجب أن تشكل منطلقًا لتحول نوعي نحو اندماج إقليمي أكثر شمولًا، يقوم على أسس الحوار والدبلوماسية والتضامن، وشدد على أن الانسحاب الجماعي لدول الساحل الثلاث “مالي، النيجر، بوركينا فاسو” أمر مؤسف داعيًا إلى تبني نهج يعيد دمجها بشكل يحترم الخصوصيات الوطنية ويصون المكتسبات الجماعية.
واستعرض ماهاما التحديات الماثلة أمام المنطقة، من تفاقم عدم الاستقرار السياسي وتصاعد المخاطر الأمنية في الساحل، إلى اختلالات التنمية وتداعيات التغير المناخي، مؤكدًا أن الحل يكمن في الدبلوماسية الأفريقية وفي تقوية مؤسسات الجماعة لتكون أكثر تمثيلًا لتطلعات شعوبها، كما أعلن عن مبادرة تمنح بموجبها غانا ألف منحة دراسية لطلبة دول إيكواس دعمًا لجهود التكامل البشري والثقافي[6].
وفي كلمة افتتاحية للجلسات الوزارية أقر وزير خارجية غانا، صمويل أوكودزيتو أبلاكوا، بواقع الانفصال القانوني لدول الساحل، لكنه أكد استمرار الترابط الشعبي والتاريخي، مشيرًا إلى أن فك ارتباط خمسين عامًا من التكامل لا يلغي المصير المشترك، وعرض رئيس مفوضية إيكواس، عمر عليو توراي، خطة طارئة من خمسة محاور للتعامل مع الانسحاب، شملت مراجعة الوثائق القانونية وإعادة هيكلة العلاقات التجارية وضمان استمرار التنسيق الأمني وتنفيذ برامج تنموية والحفاظ على حقوق التنقل والتعليم والرعاية الصحية عبر الحدود.
وأكد يوسف توغار، رئيس المجلس الوزاري ووزير الخارجية النيجيري، أهمية الإبقاء على قنوات التواصل مفتوحة مع الدول المنسحبة مشيرًا إلى أن طبيعة المخاطر الأمنية تفرض التعاون الإقليمي حتى في ظل الخلافات السياسية، وفي ظل غياب قرارات تنفيذية فورية تم تشكيل مجموعات عمل مختصة لبحث التداعيات القطاعية للانسحاب، وقد شدد المشاركون على ضرورة التوازن بين احترام السيادة الوطنية والحفاظ على وحدة واستقرار الإقليم.
وفي الخلفية طرحت القمة تساؤلات معمقة حول جدوى التكامل الإقليمي ونطاق فعاليته، في ظل انسحاب دول كانت من المؤسسين الأوائل للمنظمة عام 1975، مما يستدعي مراجعة شاملة لآليات الحوكمة وشروط الانخراط العادل في المنظومة، وأكدت التصريحات الختامية على التزام الدول الأعضاء المتبقية بمواصلة بناء إيكواس كمنصة جماعية للحوار والعمل المشترك، مع إبقاء باب المصالحة مفتوحًا أمام جميع الشركاء في المستقبل[7].
ختامًا، تُعد القمة الاستثنائية لإيكواس بما حملته من نقاشات وتوجهات محطة مفصلية في تاريخ العمل الإقليمي المشترك في غرب إفريقيا، خصوصًا في ظل الانسحاب الجماعي غير المسبوق لدول الساحل الثلاث والذي شكل تحديًا مباشرًا لوحدة المنظمة وقدرتها على الاستجابة للأزمات، فقد أصبح من الواضح أن مواجهة التحديات المتزايدة لم تعد ممكنة بالآليات التقليدية ذاتها، ما يستدعي اعتماد مقاربة أكثر شمولًا ومرونة توازن بين احترام السيادات الوطنية ومتطلبات التعاون الجماعي.
وفي خضم هذا التحول يظل مستقبل إيكواس معلقًا بقدرتها على تجديد بنيتها المؤسسية وتوسيع دائرة التوافق وبلورة عقد إقليمي جديد يُعبر عن تطلعات شعوب المنطقة في الأمن والتنمية، وإن نجاح المنظمة لن يُقاس فقط بقدرتها على احتواء الأزمات، بل بمدى قدرتها على ابتكار صيغ جديدة للتعاون تعكس تطور السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة، مع ضرورة إشراك المجتمعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني في هذا المسار.
المصادر:
[1] غانا تستضيف أول قمة تجمع “إيكواس” وتحالف دول الساحل، جريدة العربي الأفريقي، 23 أبريل 2025. https://n9.cl/kfjx8
[2] الإيكواس تبحث تداعيات انسحاب مالي والنيجر وبوركينا فاسو، تفاصيل، 2025/04/23. https://www.tefassil.mr/index.php/ar/node/3699
[3] قمة لـ”إيكواس” تناقش تداعيات انسحاب دول الساحل، أفريكا نيوز، 23/04/2025. https://africanews.dz/575-3/
[4] By Roger A. Agana, Ghana Calls for Stronger ECOWAS Unity as Bloc Marks 50 Years, News Ghana, April 23, 2025.
https://newsghana.com.gh/ghana-calls-for-stronger-ecowas-unity-as-bloc-marks-50-years/
[5] غانا تستضيف أول قمة تجمع “إيكواس” وتحالف دول الساحل، أفريكا نيوز، 22/04/2025.
[6] رئيس غانا يدعو إلى إعادة دمج دول الساحل ويعلن مبادرات لدعم شباب غرب أفريقيا، أخبار اليوم، أبريل 23, 2025.
https://akhbarelyom.info/archives/36730
[7] Roger A. Agana, ECOWAS Ministers Meet to Navigate Withdrawal of Three Member States, News Ghana April 23, 2025.
https://newsghana.com.gh/ecowas-ministers-meet-to-navigate-withdrawal-of-three-member-states/