المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تداعياتُ التعاونِ العسكري الأذربيجاني الإسرائيلي على الاستقرار الإقليمي
تداعياتُ التعاونِ العسكري الأذربيجاني الإسرائيلي على الاستقرار الإقليمي
- أكتوبر 27, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: أماني السروجي
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
مقدمة
تُعتبرُ منطقة القوقاز بثرواتها من النفط والغاز، ومرورِ طرق التجارة الدولية ونقْلِ الطاقة بين أوروبا وآسيا، أحدَ أهم الرهانات الاستراتيجية في هذه الفترة، كما تعُد من أكثر المناطق حساسية في العالم، حيث تتداخل فيها المصالح الجيوسياسية والأمنية للعديد من الدول، وفي هذا السياق يبرزُ التعاون العسكري بين أذربيجان وإسرائيل كعامل محوري من الممكن أن يؤثر على الاستقرار والأمن في المنطقة.
وقد استطاعت أذربيجان منذ بداية التعاون العسكري مع إسرائيل، تعزيزَ قدراتها العسكرية من خلال التكنولوجيا الإسرائيلية المتطورة والتدريب، وهو الأمرُ الذي ساهم في تغيير موازين القوى الإقليمية، لذا سوف نتناول في هذا التقرير آثارَ التعاون العسكري بين البلدين على أمن منطقة القوقاز، وتعزيز الردع أمام التهديدات المختلفة، وأيضًا تأثيره على العلاقات مع الدول المجاورة والفاعلين الدوليين.
تاريخُ العلاقاتِ الأذربيجانية الإسرائيلية
بدأتْ العلاقاتُ بين أذربيجان وإسرائيل بعد استقلال أذربيجان عن الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات، حيث كان هناك اهتمامٌ مشتركٌ من البلدين لمواجهة التهديدات الإقليمية، ثم تطورت العلاقات في العِقْد الأول من القرن ال21، لتشملَ مجالاتٍ متعددةً، تتمثل في بيع الأسلحة، وتحديث الأسلحة الذرية القديمة، وتبادل المعلومات الأمنية، والتعاون في مجالات ضبط الحدود الذرية، والتدريب للقوات الأمنية والعسكرية.
ومنذ عام 2016 سعت أذربيجان للاتفاق مع إسرائيل لشراءِ القبةِ الحديدية لمقاومة الصواريخ رداً على شراء أرمينيا لصواريخ اسكندر Iskander الروسية، كما استخدمت التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية في نزاعها مع أرمينيا لاسيَّما الطائراتُ بدون طيار، وبحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فقد زادت نسبة مشتريات السلاح الأذري من إسرائيل خلال الفترة من 2016:2020 إلى ما يساوي 69% من إجمالي صفقات السلاح الآذرية، و17% من إجمالي مبيعات السلاح الإسرائيلي، في المقابل تمد باكو، تل أبيب بنحو 40 بالمئة من احتياجاتها النفطية.
وترسّخت العلاقات الأذربيجانية الإسرائيلية بشكل كبير خلال الحرب الثانية في ناغورنو كاراباخ 2020، حيث لَعبتْ إسرائيل دورًا محوريًا في تزويد أذربيجان بالسلاح والذخيرة، وهو ما ساعد على نجاح باكو في ضمِّ إقليم ناغورني كارباغ إلى سيادتها، وتعزز التعاون العسكري بينهم بتوقيعِ وزيرِ الدفاع الإسرائيلي آنذاك بيني غانتس، في أكتوبر 2020، عدة اتفاقيات تعاون في المجالين العسكري والأمني.
أبرزُ دوافعِ التعاونِ العسكري بين البلدين:
تتعدُ دوافعُ التعاون العسكري بين أذربيجان وإسرائيل إلا أنه يمكن تلخيص أبرزها في التالي:
رغبةُ إسرائيل في حجْزِ موطئ قدم لها بالقرب من الحدود الإيرانية، حيث تعتقد إسرائيل أن إيران تشكّل تهديداً وجودياً لها، نتيجةً لخطاب طهران وتعزيزها لقوات بالوكالة في المنطقة، لا سيما جماعة حزب الله الشيعية اللبنانية التي تتعهدُ بتدمير إسرائيل، وكذلك تمويلها وتسليحها للجماعات الفلسطينية بما في ذلك حماس، كما تتهمُ إيرانَ بمحاولة تطوير أسلحة نووية سراً، وذلك رغم نفي إيران سعيها لصنع قنبلة نووية.
التوازنُ الإقليميُ: حيث تسعى أذربيجان لتعزيز التعاون العسكري مع إسرائيل لتطويرِ قدرتها العسكرية حتى تتمكنَ من مواجهة التهديدات الإقليمية، والتي يتمثّلُ أبرزها في النزاع المستمر مع أرمينيا حول إقليم ناغورنو كاراباخ والذي يُشكل تهديدًا للأمن والاستقرار في المنطقة، بالإضافة إلى العلاقات المتوترة بين أذربيجان وإيران، فقد اتهمت إيرانَ بتقديم الدعم الضمني لأرمينيا.
كما ترى إيران في تحوّلِ أذربيجان إلى دولة قوية، تهديداً يستهدفُ السلامةَ الإقليمية الإيرانية، وقد ازداد التوتر بين البلدين بشكل ملحوظ بعد حرب قره باغ الثانية، حيث ترى إيران أنّ العلاقات المتنامية بين أذربيجان وإسرائيل تشكّل “تهديدًا صهيونيًا” يقترب تدريجيًا من أراضيها.
الأمنُ والطاقةُ: على الرغم من تَعددِ دوافع إسرائيل من علاقاتها مع دول منطقة القوقاز ولا سيما أذربيجان، إلا أنه يبقى أمنُ الطاقة في مقدمةِ دوافعها، حيث تسعى إسرائيل إلى تأمين منابع النفط التي تغذّي خطَ الأنابيب الذي يمتد من أذربيجان، ثم جورجيا حتى ميناء جيهان التركي ثم إلى ميناء عسقلان المحتل، والذي ينقلُ النفطَ الأذربيجاني الذي يزودها بما يُقاربُ 40% من حاجاتها النفطية.
كما تسعى تل أبيب إلى زيادة كمية النفط والغاز التي تحصل عليها من باكو، وإضافة سوائل الديزل إلى قائمة الواردات، بدلاً من الاعتماد على روسيا، كما تَطمحُ إلى دخول سوق الطاقة المتجددة عبْرَ البوابة الأذرية، وهو الأمرُ الذي عبّرَ عنه السفير الإسرائيلي لدى أذربيجان جورج ديك إن إسرائيل تأمل أن تكونَ شركاتُها جزءًا من مشاريع الطاقة المتجددة في أذربيجان.
جوانبُ التعاونِ العسكري بين البلدين:
يمثّل التعاون العسكري بين أذربيجان وإسرائيل نموذجاً مثالياً للشراكات الاستراتيجية في منطقة القوقاز، فعلى مدار العقود الثلاثة الماضية تطورت العلاقات بين البلدين لتشملَ مجالاتٍ متعددةً، خاصة في المجال الدفاعي والتقني، ويجسّدُ هذا التعاونُ بوضوح المصالح المشتركة لكلا البلدين، حيث تسعى أذربيجان لتعزيز قدراتها العسكرية، بينما تستفيد إسرائيل من توسيعِ نفوذِها الأمني في منطقةٍ هامةٍ، وتتمثل أبرز جوانب التعاون العسكري بين البلدين في عدة مجالات رئيسية:
التسليحُ: فقد أقامت أذربيجان وإسرائيل تعاونًا كبيرًا في قطاع الصناعات الدفاعية، وهو ما عزّزَ مكانةَ إسرائيل كموردٍ رئيسي للمعدات العسكرية لأذربيجان، ففي عام 2012، اشترت أذربيجان أنظمةً دفاعيةً بقيمة إجمالية 1.6 مليار دولار من إسرائيل، كما كانت الأسلحة الإسرائيلية جزءاً لا يتجزأ من نجاح أذربيجان في ناغورنو كاراباخ خلال حرب عام 2020، حيث استخدمت باكو طائرات هجومية بدون طيار من طراز هاروب كاميكازي، وطائرات استطلاع بدون طيار من طراز هيرميس-450 وأوربيتر-1ك وأوربيتر-2 وأوربيتر-3″، وجميعها من إنتاج شركات أسلحة إسرائيلية، كما حمَتْ المجال الجوي الأذربيجاني بصواريخ “باراك-8” أرض-جو، كما زودت تل ابيب باكو بأنظمة دفاع جوي متطورة.
المعلوماتُ الاستخباراتيةُ: يتمُّ تَبادلُ المعلومات الاستخباراتية بين البلدين، حيث توفر أذربيجان لإسرائيل إمكانية الوصول إلى حدودها مع إيران، وتسمح بإنشاء قواعدَ استخباراتيةٍ تنقل معلومات قيمة إلى تل أبيب”، وهو ما يعزّز من قدرة إسرائيل على متابعة التهديدات المحتملة، ويعزز من قدرة أذربيجان على مواجهة التهديدات الإقليمية.
وفي أكتوبر 2023، وقّعتْ صناعة الطيران الإسرائيلية اتفاقيةً مع وكالة “أذراكوموس” لبيع قمرين صناعيين للتجسس من نوع أوبتسات 500، وهي أقمار ذات عُمرٍ طويل وقدراتٍ تصويرية عالية، وسوف تستخدم إسرائيل هذه الأقمار الصناعية لمراقبة الأنشطة في إيران من خلال الأراضي الأذربيجانية، مما يساعدها على جَمْع المعلومات الاستخباراتية حول الأنشطة العسكرية والتقنية الإيرانية.
وأيضًا يشملُ التعاونُ العسكري مجالاتٍ أخرى كالتدريب العسكري، حيث تتعاون الدولتان في تدريب القوات المسلحة، وتقدمُ إسرائيل برامجَ تدريبيةً وتكتيكاتٍ عسكريةً لأذربيجان، كما يشمل التعاون في مجالات البحوث العسكرية وتطوير التكنولوجيا الدفاعية، مما يسهم في تعزيز قدرات أذربيجان العسكرية.
تداعياتُ التعاونِ العسكري على أمن منطقة القوقاز:
يُعدُ التعاون العسكري بين أذربيجان وإسرائيل نقطةَ تحولٍ مهمة في ديناميات الأمن الإقليمي في منطقة القوقاز، حيث يُسهمُ في تعزيز القدرات الدفاعية لأذربيجان، مما يمكنّها من مواجهة التحديات الأمنية والتهديدات المحتملة من جيرانها، كما يعكس هذا التعاون الرغبة في تحقيق استقرارٍ أكبر في المنطقة وتعزيز موازين القوى، وعلى الرغم من الآثار الإيجابية لهذا التعاون، إلا أنه يحملُ آثاراً سلبيةً أيضًا، فبينما يعزز الاستقرار والتعاون الاستخباراتي، إلا أنه قد يؤدي إلى زيادة التوترات مع دول مثل أرمينيا وإيران، ويمكن تلخيص أبرز التداعيات المحتملة في التالي:
زيادةُ التوترات مع الدول المجاورة: قد تؤدى الشراكةُ الاستراتيجية بين أذربيجان وإسرائيل إلى زيادةِ التوتر مع إيران، حيث تعتبرُ إيران التعاون العسكري بين أذربيجان وإسرائيل تهديدًا لأمنها القومي، خاصة في ظل مخاوف من وجود قواعد عسكرية أو أنشطة استخباراتية إسرائيلية بالقرب من حدودها، كما أن إيران تخشى من أن تستخدمَ أذربيجان الأسلحة الإسرائيلية ضدها في حال اندلاع نزاع، نظراً لوجود تاريخٍ من العلاقات المتوترة بين إيران وأذربيجان بسبب قضايا حدودية وقومية.
كما تخشى إيران في حال اندلاع حربٍ مع إسرائيل أن تَميلَ أذربيجان إلى دعم إسرائيل بشكلٍ غير مباشر، حيث إن أذربيجان تخشى من تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة، خاصةً في ظل وجود أقلية أذرية في إيران، لذلك، قد تتردد أذربيجان في اتخاذ موقفٍ علني ضد إسرائيل، وبالتالي سيكون على إيران ان تتبنى استراتيجياتٍ لتعزيز وجودها العسكري أو الأمني على حدود أذربيجان، مما قد يؤدي إلى تعزيز الأنشطة العسكرية في المنطقة.
دخولُ دول المنطقة في سباق تسلح: حيث إن الشراكةَ الاستراتيجية بين أذربيجان وإسرائيل، وتعزيزَ أذربيجان لقدراتها العسكرية قد يشجعُ دولاً أخرى في منطقة القوقاز على زيادة تسليحها، مما يزيد من عسكرة المنطقة ويجعلها أكثرَ عرضةً للصراعات، فقد تتجه أرمينيا لتعزيز شراكتها مع فرنسا بشكل أكبر وتعزيز قدراتها العسكرية هي الأخرى، لا سيما في ظل دعمٍ غير مشروط من فرنسا لأرمينيا من خلال بيعها للصواريخ والرادارات ومساعدتها في تدريب قوات الدفاع.
التأثيرُ على الأمنِ القومي لدول المنطقة: حيث إن دخولَ الدول في موجةٍ من سباق التسليح، سيؤدى إلى الشعور بالتهديد من قِبلِ الدول المجاورة، وهو ما يمكن أن يؤثرَ سلباً على الأمن القومي للدول المجاورة، ويؤدي إلى تركيز الدول بشكل أكبر على زيادة الاستعدادات العسكرية، مع إهمال مجالاتٍ أخرى كالتنمية الاقتصادية للدول وغيرها، فضلاً عن إمكانية تزايد الجماعات المسلحة، وظهور جماعات مسلحة قوى متمردة جديدة تستفيد من التوترات، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني.
تقويضُ الحلولِ السلمية: تركيز الدول على التعاون العسكري وزيادة قدراتهم العسكرية قد يقوّضُ جهودَ الحلول السلمية للنزاعات القائمة، مما يعطّلُ أيَّ محادثات دبلوماسية، لا سيما عملية السلام بين أرمينيا وأذربيجان، والتي ما زالت في خطر، في ظل غموض التزام ارمينيا بها، ففي الوقت الذي تتطلبُ فيه عملية السلام قدراً عالياً من الثقة لتحقيق تقدمٍ ملموسٍ تسعى كل من أذربيجان وأرمينيا لزيادة قوتهم العسكرية.
زيادةُ تدخلِ القوى الكبرى في المنطقة: فقد تُفسر روسيا هذا التعاون كتحالف ضد مصالحها، حيث إن تعزيز القدرة العسكرية الأذربيجانية يُعتبرُ تهديداً للنفوذ الروسي في القوقاز، مما يدفعها لتعزيز وجودها العسكري أو الدبلوماسي في المنطقة، كما أن أذربيجان وجنوب القوقاز يعتبران منطقةً هامةً بالنسبة لروسيا، والتعاون العسكري مع إسرائيل قد يُعقّد الصراعات القائمة، مثل نزاع ناغورنو كاراباخ، مما قد يزيد من تدخل روسيا لدعم حلفائها.
خاتمة
يمثلُ التعاون العسكري بين أذربيجان وإسرائيل تحولًا استراتيجيًا بارزًا في الأمن الإقليمي بمنطقة القوقاز، حيث يعزز قدراتِ أذربيجان العسكرية ويعيدُ تشكيلَ موازين القوى، كما يُسهمُ هذا التعاون في تحسين الاستقرارِ والردعِ أمام التهديدات الإقليمية، مما يمكّن أذربيجان من مواجهة التحديات المحتملة، وخاصةً في ظل النزاعات القائمة مع أرمينيا والتوترات مع إيران، ومع ذلك، يرافق هذا التعاون تحديات كبيرة، حيث يمكن أن يؤديَ إلى زيادة التوترات مع الدول المجاورة، وقد يُشعلُ سباقاتِ تسلحٍ جديدة في المنطقة، وبالتالي قد تقوّضُ هذه الديناميات جهودَ السلام وتزيد من تعقيد الوضع الأمني.
المراجع
- Nazrin Abdul, Azerbaijan-Israel strengthen strategic alliance through economic cooperation, Azernews, 19 October 2024. https://www.azernews.az/analysis/228766.html
- Max Saltman, As Azerbaijan claims final victory in Nagorno Karabakh, arms trade with Israel comes under scrutiny, CNN world, 4 October 2023. https://2h.ae/RRzo
- Murad Muradov, Ilkin Guliyev, Azerbaijan-Israel Relations Shifting the Geopolitics of the Middle East, Geopoliticalmonitor, 26 may 2023. https://2h.ae/XdxM
- Huseyn Sultanli, The European Union’s involvement in the peace process between Azerbaijan and Armenia – A path destined to fail, Center of Analysis of International Relations, April 2024, https://aircenter.az
- وليد عبد الحى، مكانة أذربيجان في الاستراتيجية الدولية لـ”إسرائيل“، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2مايو 2023. https://2h.ae/CyUO
- ” دعم فرنسا لأرمينيا غير مشروط وكامل ودائم وسيستمر هذا الدعم بشكل حاسم-السفير الفرنسي في أرمينيا أوليفييه ديكوتيغني بالعيد الوطني الفرنسي-“، 14 يوليو 2024، https://armenpress.am