إعداد: أحمد محمد فهمى
باحث متخصص فى الشؤون التركية والإقليمية
أثار تصريح أبو عبيدة، الناطق العسكرى باسم كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكرى لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، حول التهديد بإعدام الأسرى الإسرائيليين لدى الحركة بالصوت والصورة والذين يقدر عددهم بين 100 إلى 150 أسيرًا، سيناريوهات كارثية ستكون لها انعكاسات خطيرة على حركة حماس أولًا، وعلى القضية الفلسطينية ثانيًا، وعلى الدول العربية وأبرزها مصر ثالثًا.
أولًا: تحذير كتائب القسام
أعلن أبو عبيدة – خلال إصدار صوتى – أنه على الرغم من التزام حركة القسام بالمبادئ الأخلاقية والعسكرية التى أشار إليها محمد الضيف، القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، خلال إعلانه عملية “طوفان الأقصى”، وكذلك التزامها بتعاليم الدين الإسلامى حول الحفاظ على حياة الأسرى، إلا أن القصف العنيف والعشوائى من قبل الاحتلال الإسرائيلى على قطاع غزة، الذى أدى إلى وقوع قتل جماعى للأهالى فى منازلهم نتيجة لهذا القصف، جعل الحركة ترى أنه نتيجة لذلك ومن أجل وضع حدًا لتلك العمليات الإسرائيلية، ونظرًا لعدم فهم الاحتلال الإسرائيلى للغة الأخلاق والإنسانية، فقد قررت الحركة من هذه اللحظة فصاعدًا أنها ستقوم بمقابلة كل استهداف لأبناء الشعب الفلسطينى الآمنين فى منازلهم دون سابق إنذار بـ “آسفين” بإعدام رهينة من رهائن العدو المدنيين لديهم، وسيتم بث ذلك بالصوت والصورة، وقد حملت الحركة إسرائيل وقادتها مسؤولية هذا القرار أمام العالم.
ثانيًا: أبرز التداعيات والنتائج المحتملة
- تحول مفاجئ: هذا التطور يمكن أن يُستخدم من قبل إسرائيل للترويج لفكرة أن حركة المقاومة الفلسطينية لم تعد مجرد حركة مقاومة، بل أصبحت تنظيمًا إرهابيًا يتبع نفس الأساليب التى كانت تُستخدم من قبل تنظيمات إرهابية مثل تنظيم “داعش” وتنظيم “القاعدة” وغيرها، مثل القيام بقطع رؤوس الرهائن والسجناء، واستغلال إسرائيل لذلك بهدف جذب المزيد من التأييد والتعاطف من المجتمع الدولى، وخاصة الغربى، خاصة بعد نشر مقاطع فيديو والتى تُظهر اعتقال عناصر المقاومة للمستوطنين المدنيين.
- دعوة للتدخل: قد تتجه إسرائيل نحو دعوة التحالف الدولى المعنى بمكافحة تنظيم “داعش” الإرهابى للتدخل عسكريًا لدعم القوات الإسرائيلية فى ضرب معاقل حركة “حماس”، خاصة إذا نفذت الحركة تهديدها بإعدام الرهائن (المدنيين) كما أشارت. مع الإشارة إلى أن بعض هؤلاء المدنيين يحملون جنسيات أمريكية وأوروبية حسبما أشارت تقارير إعلامية، كما يجب أخذ نقطتين مهمتين فى الاعتبار:
(1) تصريح وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستن، فى الساعات الأخيرة، بشأن توجيه حاملة الطائرات “يو إس إس جيرالد آر فورد” وصواريخ كروز وأربع مدمرات صواريخ إلى المنطقة، بالإضافة إلى إرسال مقاتلات جوية أمريكية.
(2) إعلان التحالف الدولى ضد “داعش” فى يوليو الماضى بأنه سيشن عمليات جديدة فى غرب إفريقيا بهدف منع انتشار تنظيم “داعش” الإرهابى فى تلك المنطقة.
- حرب إعلامية موجهة: سوف تستغل اللوبيات اليهودية فى الخارج هذا التهديد إن وقع، فى توجيه حملات إعلامية ضد القضية الفلسطينية وأنصارها وكافة المجتمعات الإسلامية والعربية فى الخارج، وهذه الحملات قد تسهم فى تمكين المجتمعات والكيانات العنصرية من تنفيذ حملات مستهدفة ضد العرب والمسلمين، وتزامنًا مع ذلك سوف تتزايد الدعوات لوقف كافة المساعدات الموجهة إلى الشعب الفلسطينى، وخاصة فى قطاع غزة.
- تضاؤل فرص مشاركة “حزب الله”: فى حال تأكد مشاركة قوات دولية خارجية، بما فى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، فى ضرب حركة “حماس”، ستتناقص بشكل كبير فرص مشاركة “حزب الله” فى المعركة، وهو ما أصبحت تعول عليه المقاومة الفلسطينية كثيرًا لتخفيف قسوة الضربات الإسرائيلية عليها، ويعود هذا التضاؤل إلى مخاوف من تداعيات واسعة قد تؤدى إلى القضاء على “حزب الله” وتأثيره العسكرى والسياسى، خاصة داخل لبنان أولاً، ومشاركته العسكرية فى الجبهة السورية ثانيًا.
- تأثيرات كبيرة على مسارات الحل السياسى للقضية: ستؤدى إلى القضاء على كافة فرص حل القضية الفلسطينية، بالإضافة إلى إعادة فرض قواعد جديدة للتفاوض وتصميم سياسات مستهدفة لقطاع غزة، تهدف إلى إذلال شعب القطاع وتدمير مستقبله، ومن المتوقع فى إطار ذلك أن تتزامن هذه السياسات مع مواقف مشابهة تجاه القدس ومدن الضفة الغربية.
ثالثًا: السيناريوهات المحتملة
السيناريو الأول “كارثى”: إن التداعيات المذكورة، بجانب التحذيرات الصادرة من مصادر مصرية رفيعة المستوى التى كشفت عنها وسائل إعلام مصرية، والتى تحذر من دفع الفلسطنيين العزل تجاه الحدود المصرية وتغذية بعض الأطراف لدعوات بالنزوح الجماعى، والتى شددت على خطورة تلك الدعوات وأنها كفيلة بتفريغ القطاع من سكانه وتصفية القضية الفلسطينية ذاتها فضلًا عن كون السيادة المصرية ليست مستباحة. ونتيجة لذلك، فإن ما سبق يشكل تهديدات متعددة ترتبط أبرزها بتصفية القضية الفلسطينية، وتهديد الأمن القومى المصرى والعربى، والاضطرابات المتوقعة جراء ذلك فى دول الجوار وخاصة فى المخيمات الفلسطينية، نظرًا للانعكاسات المتوقعة.
السيناريو الثانى “تفاؤلى”: والذى ينقسم إلى توقعين:
1- قيام إسرائيل بتوجيه عمليات القصف نحو أهداف غير مدنية، أو استمرارها فى عمليات القصف ضد أهدافها بوجود سابق إنذار، ولن تلجأ إسرائيل إلى هذه الخطوة إلا إذا كان هناك ضغط خارجى للحفاظ على حياة الأسرى وتجنب سحب المنطقة بأكملها إلى صراع إقليمى ومستقبل غامض.
2- احتمال تراجع حركة حماس عن تهديدها، وذلك بعد استشارة الحكماء والسياسيين حول عواقب تلك الخطوة وتداعياتها، ومن الممكن أن تتدخل أطراف عربية وإقليمية للضغط على الحركة للتراجع عن هذه الخطوة، ويجب أن نشير إلى أن تهديد حماس جاء نتيجة الضغط الداخلى من شعب غزة بسبب القصف العنيف والعشوائى وسقوط المئات من الشهداء.
رابعًا: التوصيات
- ضرورة تدخل مصرى وعربى عاجل ومؤثر لتهدئة الأوضاع عبر الدعوة إلى هدنة إنسانية تهدف إلى منح المنظمات الإغاثية الفلسطينية الفرصة للتعامل مع الضحايا والمصابين جراء القصف الإسرائيلى والتعامل مع التصاعد الحالى، مع بحث ضرورة التوصل إلى اتفاق مبدئى بشأن صفقة لتبادل الأسرى بين الطرفين.
- قيام المنظمات الإغاثية العربية فى تقديم مساعدات إنسانية وطبية عاجلة إلى قطاع غزة، على غرار المساعدات التى قدمها الهلال الأحمر المصرى.
- التواصل الفعّال مع قادة حركة حماس لتسليم الأسرى الذين يحملون الجنسيات الأمريكية والأوروبية إلى بلدانهم من دون مقابل، بهدف تهدئة الرأى العام الدولى تجاه الأزمة الحالية.
- زيارة وفد عربى إلى لبنان لعقد مشاورات سريعة وعاجلة مع حزب الله اللبنانى والمنظمات الفلسطينية الفاعلة فى الجنوب اللبنانى، وكذلك مع الأحزاب القومية اللبنانية التى أعلنت استعدادها للمشاركة فى المعركة ضد القوات الإسرائيلية، ويهدف هذا اللقاء إلى محاولة ضمان عدم تفاقم التطورات فى الجبهة الشمالية والتأثير على لبنان والمنطقة بشكل عام.