المقالات
تراجع التأييد: كيف ألقت الحرب فى غزة بظلالها على الحزب الديمقراطى؟
- مايو 21, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشؤون الدولية
إعداد: ميار هانى
باحثة فى الشأن الدولى
عقب أحداث السابع من أكتوبر وبداية العدوان الإسرائيلى على غزة، ولفترة وجيزة، اتسم المشهد الأمريكى بتعاطف واسع مع إسرائيل، ولكن مع تصاعد حدة العدوان الإسرائيلى على القطاع، والذى أسفر عن مقتل أكثر من 34000 فلسطينى، 70 بالمئة منهم من النساء والأطفال، وفقًا لهيئة الأمم المتحدة للمرأة[1]، وتهجير مليونى فلسطينى وتدمير البنية التحتية بشكل واسع، بدأ هذا التعاطف يتراجع، والذى بلغ أدنى مستوياته فى مارس 2024، حيث أشارت استطلاعات الرأى إلى أن غالبية الأمريكيين بنسبة 55٪ يعارضون استمرار العدوان الإسرائيلى على غزة. وعليه، يثير تساؤل، مع استمرار دعم الإدارة الأمريكية لإسرائيل سياسيًا وعسكريًا واقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، كيف ألقت الحرب فى غزة بظلالها على الحزب الديمقراطى وفرص الرئيس جو بايدن فى السباق الرئاسى فى نوفمبر، وذلك على النحو التالى:
تداعيات عديدة
أولًا – تزايد الانقسام داخل الحزب الديمقراطى:
بينما ألقى الرئيس جو بايدن خطاب حالة الاتحاد، ارتدى بعض الديمقراطيين التقدميين الكوفية الفلسطينية ورفعوا لافتات مؤيدة لفلسطين، وارتدى ديمقراطى آخر شارة بيضاء كتب عليها “153”، وهو عدد الأيام التى مرت منذ احتجاز حماس للرهائن. وبالتالى تكمن توترات داخل الحزب الديمقراطى مع تزايد الانقسامات بين ناخبيه، كون الحزب موطنًا لكل من الدوائر الانتخابية المؤيدة لفلسطين ولإسرائيل، حول السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل، واستمرار تدفق الدعم الأمريكى لمساندة إسرائيل، والتفاوت من حيث دعم الحراك الجامعى الحالى، بالإضافة إلى الجدل حول التمييز بين حرية التعبير والانتقاد المشروع لإسرائيل، وخطاب الكراهية ومعاداة السامية.
وأظهر استطلاع رأى تم إجرائه من قِبل مجلس شيكاغو للشؤون العالمية وشركة إبسوس، فى الفترة من 8 إلى 11 مارس 2024، انقسام الرأى العام الأمريكى فيما يتعلق بكيفية رد إسرائيل على هجوم حماس فى 7 أكتوبر 2023 بشكل عام، وعبر الخطوط الحزبية، يقول الجزء الأكبر من الحزب الديمقراطى إن إسرائيل أفعالها غير مبررة (51٪)، وبالنظر إلى الديمقراطيين المعتدلين والليبراليين معًا، نجد أن بينهم اختلافات، إذ نجد أن (61٪) من الديمقراطيين الليبراليين يرون أن إسرائيل تمادت فى عملياتها العسكرية، مقابل (36٪) من الديمقراطيين المعتدلين.
وفيما يتعلق بالاعتقاد أن الولايات المتحدة الأمريكية عليها ممارسة الضغط على إسرائيل إذا استمرت فى تصعيدها العسكرى بقطاع غزة، يرى أغلبية الديمقراطيين أن تمارس الولايات المتحدة نوعًا من الضغط على إسرائيل (57٪)، وترى الأغلبية من تلك النسبة أن الولايات المتحدة يجب أن تقلل من تدفق المساعدات العسكرية لإسرائيل (38٪)، بينما يفضل (19٪) الضغط الدبلوماسى فقط، وواحد فقط من كل 10 ديمقراطيين يرون إن الولايات المتحدة لا يجب أن تمارس أى ضغوطات على إسرائيل (11٪)، ويفضل الديمقراطيون الليبراليون ممارسة الضغط على إسرائيل، إما عن طريق تقليل تدفق المساعدات العسكرية (44٪)، أو من خلال ممارسة الضغط الدبلوماسى وحده (24٪)، ويرى (10٪) أن على الولايات المتحدة السماح لإسرائيل باتباع أى سياسة دون ممارسة أى ضغوطات، وبالنسبة للديمقراطيين المعتدلين، يميل (29٪) إلى تأييد الضغط على إسرائيل من خلال خفض المساعدات العسكرية، بينما يؤيد (13%) ممارسة الضغط الدبلوماسى وحده، ويرى (15%) أن الولايات المتحدة لا يجب أن تمارس أى ضغوطات على إسرائيل.
ووفقًا لاستطلاع رأى تم إجراؤه من قِبل المجلس وشركة إبسوس، فى فبراير، عما إذا كان الأمريكيون يؤيدون أو يعارضون فرض قيود على المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل حتى لا تتمكن من استخدامها فى العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين، أيد (70٪) من الديمقراطيين الليبراليين، بينما عارض (28%) منهم، وكان الديمقراطيون المعتدلون أكثر انقسامًا، إذ أيد (53%) منهم، مقابل (40%) معارضون.
ثانيًا – تراجع دعم المجتمعات العربية والإسلامية الأمريكية للحزب الديمقراطى:
أعلن العرب والمسلمون الأمريكيون، منذ بدء القوات الإسرائيلية فى قصف قطاع غزة، رفضهم التام لإستراتيجية الرئيس بايدن فى إسرائيل، وذلك من خلال توقيع عرائض، كتابة الرسائل، استخدام وسائل التواصل الاجتماعى، وتنظيم احتجاجات مناصرة لفلسطين، كما أعرب الموظفون بالحكومة الفيدرالية عن إحباطهم من الرئيس، فضلًا عن تعهد الناخبين بشكل متزايد بعدم التصويت لإعادة انتخابه.
إذ كشف استطلاع رأى تم إجراؤه من قِبل المعهد العربى الأمريكى على مستوى البلاد للناخبين العرب الأمريكيين، أكتوبر من العام الماضى، تراجع الدعم لإعادة انتخاب بايدن، حيث انخفض من 59٪ إلى 17٪، وذلك بانخفاض 42٪ عن عام 2020، وقد قال 17% إنهم سيصوتون لبايدن فى الانتخابات الرئاسية، كما تقلص معدل تأييد بايدن بشكل كبير من 74٪ فى عام 2020 إلى 29٪ فى عام 2023.
ويعد هذا الاستطلاع الأول من نوعه منذ 26 عامًا من استطلاع آراء الناخبين العرب الأمريكيين التى لم تفضل الأغلبية فيها الحزب الديمقراطى.[3]
كما أظهر استطلاع رأى ثان، تم نشره فى نوفمبر، أن ثلثى الديمقراطيين العرب والمسلمين فى ولاية ميشيغان قالوا إنهم يخططون للتصويت ضد بايدن، وعلى الرغم من أن المسلمين يشكلون 1٪ فقط من إجمالى السكان، إلا أن العديد منهم يقيمون بالولايات الانتخابية الرئيسية، مثل أوهايو وبنسلفانيا وميشيغان، حيث فاز بايدن فى الأخيرة بفارق 150 ألف صوت فقط فى عام 2020، وهى موطن لما يقدر بنحو 240,000 مسلم.
كما أظهر استطلاع رأى آخر، تم إجراؤه من قِبل شركة Lake Research Partners، أن ثلثى الديمقراطيين العرب والمسلمين تقريبًا سيصوتون لاستبدال بايدن، وقال ثلاثة أرباعهم إنهم مستعدون للتصويت لمرشح حزب ثالث، وأعطى تقريبًا الناخبون بالإجماع بايدن تصنيفًا “ضعيفًا” لتعامل إدارته مع التصعيد الحالى فى غزة.[4] وعليه، على عكس الناخبون الأمريكيون، يصنف العرب والمسلمون الأمريكيون القضايا الخارجية، فيما يتعلق بالتصعيد الإسرائيلى فى غزة، كواحدة من أهم أولوياتهم التصويتية.
ثالثًا – احتمالات تراجع تأييد الشباب للحزب الديمقراطى:
تُخاطر الإدارة الأمريكية، باستمرارها دعمها السخى لإسرائيل، إلى جانب إخفاقها حتى الآن فى التعامل مع الاحتجاجات التى تشهدها الجامعات الأمريكية، فضلًا عن جُملة من الأسباب الأخرى، بتراجع تأييد الشباب للحزب الديمقراطى، وتراجع شعبية الرئيس بايدن بينهم.
إذ وجد استطلاع للرأى أجراه مركز بيو للأبحاث، أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا أكثر عرضة للتعاطف مع الفلسطينيين فى الصراع بثلاث مرات من أولئك الذين تزيد أعمارهم على 65 عامًا، إلا أن الشباب انقسموا على أسس حزبية، حيث يتعاطف الجمهوريون والمستقلون الذين تقل أعمارهم عن 30 عامًا ذوو الميول الجمهورية مع الجانب الإسرائيلى، وذلك بنسبة 28% مقابل 12%. بينما يتعاطف الشباب ذوو الميول الديمقراطية مع الجانب الفلسطينى بنسبة 47% مقابل 7%. [5] وفى استطلاع رأى آخر أجراه معهد هارفارد للسياسة، وذلك قبل فترة وجيزة من موجة الحراك الجامعى، انتقد 76% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 29 عامًا بايدن بسبب تعامله مع الصراع فى غزة، بينما وافق 18% منهم. وعليه، قد يؤدى استمرار دعم الإدارة الأمريكية للسياسات الإسرائيلية إلى تراجع دعمهم للرئيس بايدن، وارتفاع احتمالية توجههم للتصويت لترامب أو مرشح أخر، أو حتى لعدم المشاركة فى الانتخابات.
إلا أن يذهب رأى آخر، يقلل من تأثير القضية الفلسطينية على تصويت الناخبين الشباب، وذلك نتيجة لمركزية قضايا الداخل الأمريكى فى الانتخابات مقارنة بقضايا السياسة الخارجية، طالما لا يوجد تهديد خارجى يهدد الأمن القومى الأمريكى، إلى جانب عدم انخراط البلاد فى حرب خارجية لها تداعيات داخلية. فوفقًا لاستطلاع معهد هارفارد للسياسة، 2% من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 29 عامًا صنفوا ذلك على أنه مصدر قلقهم الأكبر فى الانتخابات، مقارنة بـ 27% قالوا إنهم أكثر قلقًا بشأن القضايا الاقتصادية، ووفقًا لاستطلاع رأى آخر أجرته مجلة الإيكونوميست، فى أواخر أبريل المُنصرم، اعتبر 22% من الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 29 عامًا التضخم أهم قضيتهم، بينما ذكر 2% أن السياسة الخارجية هى مصدر قلقهم الأكبر، وبالتالى تشير استطلاعات الرأى تلك إلى أن هذا التعاطف لم يترجم بعد إلى إعطاء القضية الفلسطينية أولوية بالانتخابات الرئاسية. [6]
رابعًا – استغلال جمهورى لانتقاد الحزب الديمقراطى:
شكلت انعكاسات حرب غزة على الداخل الأمريكى، من احتجاجات واسعة مناهضة للسياسات الإسرائيلية، أرضية للحزب الجمهورى لشن هجوم واسع على الحزب الديمقراطى خلال الحملات الانتخابية؛ إذ استغل ترامب الاضطرابات فى حرم الجامعات لمهاجمة الرئيس بايدن لفشله فى احتواء التظاهرات الطلابية وتقديم رد ضعيف على معاداة السامية، وذلك كدلالة على ضعف بايدن والديمقراطيين، كما ادعى أن العديد من المتظاهرين كانوا مدعومين من قبل مانحى بايدن.
وانتقدت كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحفية الوطنية لحملة ترامب، بايدن لاستغراق “أسابيع للحديث عن احتجاجات حرم بايدن” وعدم إدانة ما وصفته بـ “الغوغاء المؤيدين لحماس والإبادة الجماعية”، قائلة “الحقيقة المحزنة هى أنه يحتاج إلى أصواتهم”.[7]
وخلاصة القول، ألقت الحرب فى غزة بظلالها على الحزب الديمقراطى والرئيس جو بايدن، مُشكِلة جُملة من التحديات السياسية، نتيجة لتدعيم سياسات إسرائيل وتبرير استخدام القوة بدلًا من حل الصراع القائم، وهو ما انعكس على تزايد الانقسام داخل أروقة الحزب الديمقراطى، إلى جانب تراجع تأييد المجتمعات الإسلامية والعربية الأمريكية، والذى على الرغم من قلة عددهم، إلا أنهم يشكلون كتلة تصويتية فى عدد من الولايات المتأرجحة لا يُستهان بها، قد تؤثر على فرص الرئيس “بايدن” فى الانتخابات المقبلة، كما بات الرئيس بايدن محور انتقادات من الشباب بشكل متزايد، الذين كان لهم دور كبير فى فوزه بالانتخابات الرئاسية السابقة 2020، فضلًا عن استغلال الجمهوريين الاضطرابات الحالية لتعزيز صورة الحزب الديمقراطى كونه غير قادر على ضمان الأمان والاستقرار فى البلاد، وهو ما قد يضر بفرص التصويت لصالح الحزب الديمقراطى بوجه عام، والرئيس بايدن بوجه خاص.
المصادر:
[1] Frau, Lucas. “Why Are College Students Protesting Nationwide? Campus Demonstrations Explained.” The Arizona Republic, May 2, 2024. https://www.azcentral.com/story/news/2024/05/01/why-are-college-students-protesting-israel-gaza-hamas-explainer/73530963007/
[2] El Baz, Lama, and Dina Smeltz. “American Public Divided over US Approach to Israel’s War in Gaza.” Chicago Council on Global Affairs, April 4, 2024. https://globalaffairs.org/research/public-opinion-survey/american-public-divided-over-us-approach-israels-war-gaza.
[3] “Arab Americans Special Poll: Domestic Implications of the Most Recent Outbreak of Violence in Palestine/Israel.” Arab American Institute, November 1, 2023. https://www.aaiusa.org/library/arab-americans-special-poll-domestic-implications-of-the-most-recent-outbreak-of-violence-in-palestineisrael.
[4] Wald, Alex Seitz. “Poll Shows Biden Support Slumping among Michigan Muslims.” NBCNews.com, November 6, 2023. https://www.nbcnews.com/politics/2024-election/poll-shows-biden-support-slumping-michigan-muslims-rcna123732.
[5] Silver, Laura. “Younger Americans Stand out in Their Views of the Israel-Hamas War.” Pew Research Center, April 2, 2024. https://www.pewresearch.org/short-reads/2024/04/02/younger-americans-stand-out-in-their-views-of-the-israel-hamas-war/
[6] Homans, Charles, and Neil Vigdor. “Gaza Isn’t Root of Biden’s Struggles with Young Voters, Polls Show.” The New York Times, May 6, 2024. https://www.nytimes.com/2024/05/06/us/politics/biden-trump-gaza-college-protests.html.
[7] Price, Michelle L., and Adriana Gomez Licon. “Donald Trump Calls Joe Biden Weak on Antisemitism, Ignoring His Own Rhetoric.” AP News, May 7, 2024. https://apnews.com/article/trump-biden-antisemitism-israel-gaza-55de1e89627bc9721798d469e9569e5b.