المقالات
ترامب يواصل خطى كلينتون ويدعو سوريا للتطبيع مع إسرائيل.. فهل تستجيب دمشق ردًا على رفع العقوبات الأمريكية؟
- مايو 31, 2025
- Posted by: mostafa hussien
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط

إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
“شاب رائع وجذاب، وله ماضٍ قوي للغاية، ومقاتل”، هكذا وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نظيره السوري أحمد الشرع؛ ذلك الجهادي الذي لا يزال على قوائم الإرهاب الأمريكية منذ 2013 وكانت واشنطن حتى وقت قريب ترصد مكافأة 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، وذلك في أعقاب لقاءهما الأول الذي راعته واستضافته العاصمة السعودية الرياض يوم 14 مايو 2025، وذلك بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سالمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي انضم للقاء عبر الهاتف، حيث جرى تناول مستقبل الأوضاع في سوريا، وتأكيد أهمية استقرارها وسيادتها ووحدة أراضيها.[1]
ويمثل هذا اللقاء تطورًا نوعيًا غير مسبوق في مسار العلاقات السورية الأمريكية؛ نظرًا لأنه أول اجتماع بين رئيس أمريكي ورئيس سوري منذ 25 عامًا، حيث كان أخر لقاء يجمع رئيسي الدولتين قد تم عام 2000، بين الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون ونظيره السوري حينها حافظ الأسد، إلى جانب أنه جاء بعد يومًا واحدًا من إعلان الرئيس ترامب رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا بشكل مفاجيء.[2]
وبخلاف التداعيات الاقتصادية التي تترتب على القرار الأمريكي، وأهمها تحسين أوضاع الاقتصاد السوري الذي دمرته الحرب، وجذب الاستثمار الخارجي، وتعزيز جهود إعادة الإعمار في دمشق، ودمج سوريا مجددًا في النظام المالي العالمي، يبدو أن قرار الرئيس الأمريكي له أبعاد سياسية وأمنية عدة، خاصةً وأن سياسة ترامب تقوم دائمًا على فكرة “الصفقة”؛ أي لا بد أن يكون هناك مقابل تدفعه إدارة الشرع ثمنًا للانفتاح الأمريكي عليها، وكذلك لرفع العقوبات عن الدولة السورية.
وفي ضوء هذا؛ وتزامنًا مع كثرة الأقاويل التي تتردد حول احتمال التطبيع بين سوريا وإسرائيل، يُثار تساؤلًا رئيسًا مفاده “هل يكون الثمن السوري لرفع العقوبات الأمريكية هو انضمام دمشق إلى اتفاقات إبراهام للتطبيع مع تل أبيب؟”، أي خروج سوريا من محور الممانعة الإيراني، لتصبح جزء من المحور الأمريكي الإسرائيلي:
أولًا؛ خطوات في طريق التطبيع السوري الإسرائيلي:
حاول الرئيس دونالد ترامب خلال لقاءه مع نظيره السوري أحمد الشرع، تحقيق ما فشل فيه كلينتون عام 2000؛ فبينما لم يستطع الأخير إقناع حافظ الأسد بالتطبيع مع إسرائيل، يبدو أن ترامب مهد الطريق لتهدئة الصراع بين دمشق وتل أبيب.
حيث طرح ترامب خارطة مطالب أمريكية من القيادة السورية لتكون ثمنًا لتطبيع العلاقات السورية الأمريكية بشكل كامل، إلى جانب قرار رفع العقوبات وإعادة دمج سوريا في الاقتصاد العالمي، وتضمنت هذه الخارطة خمسة مطالب؛ أولها؛ انضمام سوريا إلى اتفاقيات إبراهام وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وترحيل عناصر المقاومة الفلسطينية المتواجدة في البلاد.
ولم يأتي الطلب الأمريكي من فراغ، بل جاء مصحوبًا بمجموعة من الخطوات والمؤشرات التي تدل على وجود مساعي حقيقية لتطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل، بوساطة دولية تقودها الولايات المتحدة وتركيا، ومنها:
-
انفتاح الإدارة السورية على فكرة “السلام” مع إسرائيل؛ عبر مسؤولو سوريا عن انفتاحهم بشكل واضح على فكرة إقامة علاقات دبلوماسية مع تل أبيب؛ حيث:
-
نشرت صحيفة “التايمز” تقريرًا يفيد بأن الرئيس السوري أحمد الشرع، تعهد قبل لقائه مع الرئيس دونالد ترامب، بالتوصل لسلام مع إسرائيل، من خلال الاعتراف بها، والانضمام إلى اتفاقيات إبراهام.
-
أقر الرئيس الشرع نفسه بوجود محادثات غير مباشرة مع إسرائيل بوساطة دولية، تهدف إلى تهدئة التوترات في الجنوب السوري، مؤكدًا التزام حكومته باتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، كأساس لضمان أمن الحدود بيد دمشق وتل أبيب.[3]
-
أكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، يوم 15 مايو الجاري، أنه تلقى تأكيدات من الإدارة السورية تفيد بأن دمشق على استعداد للسلام مع إسرائيل، مشيرًا إلى أن واشنطن تعطي أولوية كبرى لهذا الملف.
-
في المقابل؛ صرح وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، يوم 12 مايو 2025، بأن إسرائيل تسعى لعلاقات جيدة مع الحكومة السورية الجديدة.[4]
-
تجميد إسرائيل لضرباتها العسكرية على سوريا؛ حاولت واشنطن الحفاظ على التوازن بين دعمها للتحرك الإسرائيلي في الأراضي السورية، وبين رغبتها في ألا يصل التصعيد العسكري الإسرائيلي للحد الذي يعرقل عملية الانتقال السياسي التي تمهد لها إدارة أحمد الشرع، وهذا ما يفسر التهدئة النسبية التي تبديها تل أبيب الآن نحو النظام السوري الجديد، والتي يمكن الاستدلال عليها في تجميد إسرائيل لغاراتها الجوية على دمشق، منذ اللقاء بين ترامب والشرع.[5]
-
انعقاد اجتماعات سورية إسرائيلية في أذربيجان بوساطة تركية؛ أوضح تقرير نشرته شبكة “سي إن إن” الأمريكية، يوم 16 مايو الجاري، واستنادًا على معلومات للقناة الـ”12″ الإسرائيلية الرسمية، أنه قد جرت لقاءات مباشرة بين إسرائيل وسوريا في أذربيجان، بحضور رئيس عمليات الجيش الإسرائيلي أوديد باسيوك، وكذلك مسؤولين في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، وتحت إشراف مسؤولين أتراك.[6]
تهدف هذه الاجتماعات إلى اعتراف إسرائيل بالحكومة السورية الجديدة ووقف هجماتها داخل الأراضي السورية، في مقابل انضمام سوريا إلى اتفاقات إبراهام، وقد أوضح موقع “واينت” العبري، أن هذه الاجتماعات جاءت كجزء من المحادثات التي أجرتها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية مع تركيا حول الوضع في سوريا، والتي سبق وأن شارك فيها رئيس المجلس نفسه تساحي هنغبي.[7]
-
الكشف عن وساطة إماراتية تعزز التواصل السوري الإسرائيلي؛ أكد تقرير لوكالة “رويترز”، صادر يوم 7 مايو الجاري، أن تل أبيب تجري محادثات سرية مع النظام السوري الجديد، في إطار عملية إقليمية سلمية تتم بوساطة الإمارات.[8]
وأفاد التقرير أن قناة الاتصال الإماراتية بين دمشق وتل أبيب، جاءت في أعقاب زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى أبوظبي في 13 أبريل الماضي، مشيرًا إلى أن هذه المحاثات قد ركزت على القضايا الأمنية والاستخباراتية وبناء الثقة بين البلدين.
ولكن في المقابل؛ صرحت مساعدة وزير الخارجية الإماراتي للشؤون السياسية لانا نسيبة، بأن الإمارات لم تتوسط في أي محادثات سرية بين سوريا وإسرائيل، وأن هذا الأمر ما هو إلا ادعاء كاذب تمامًا.
-
الإعلان عن عملية استعادة رفات الجندي الإسرائيلي تسيفي فيلدمان من سوريا؛ تُعتبر هذه العملية دليلًا واضحًا على أنه بات هناك تفاهمات أمنية سرية بين دمشق وتل أبيب، خاصةً وأنها تأتي في توقيت حساس بالنسبة للعلاقة بين الدولتين.[9]
وجدير بالذكر أن فيلدمان كان قد قُتل في معركة السلطان يعقوب في لبنان عام 1982، وبالتالي استعادة رفاته من سوريا، عبر عملية خاصة لجهاز الموساد كما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم 13 مايو الجاري، يثير كثير من التساؤلات حول دلالات هذه العملية، وما تتضمنه من مؤشرات حول سياسة الإدارة السورية الجديدة نحو تل أبيب.
-
إجراء محادثات مباشرة بين الجانبين داخل سوريا؛ أفادت وكالة “رويترز”، يوم 27 مايو 2025، ونقلًا عما وصفته بالمصادر المطلعة، أن إسرائيل وسوريا أجرتا لقاءات مباشرة داخل الأراضي السورية في الأسابيع القليلة الماضية، موضحة أن المسؤول الأمني أحمد الدالاتي، المُعين حديثًا كمحافظ لمحافظة السويداء، هو من تولاها من الجانب السوري، حيث اجتمع مع مسؤولين أمنيين من تل أبيب.[10]
ثانيًا؛ دوافع إسرائيل من التطبيع المحتمل مع دمشق:
لا شك أن الدافع الأبرز الذي يوجه الإدارة السورية برئاسة أحمد الشرع، نحو الانفتاح على التطبيع مع إسرائيل، هو محدودية الخيارات المتاحة أمام دمشق، واحتياجها الشديد لرفع العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة عليها، وكل ذلك يمر من بوابة “السلام” مع تل أبيب. ولكن في المقابل؛ تتعدد المكاسب التي قد تحصل عليها إسرائيل من تطبيع علاقاتها مع النظام السوري الجديد، ومن بينها:
-
ترسيم الحدود بين إسرائيل والجنوب السوري بما يخدم مصالح تل أبيب؛ عملت إسرائيل منذ اللحظة الأولى على استغلال حالة الفراغ السياسي والأمني التي شهدتها سوريا في أعقاب إسقاط النظام السابق، وذلك لخدمة مصالحها الأمنية والسياسية في هذه المنطقة، بل أنها كثفت ضرباتها الجوبة التي دمرت المقدرات العسكرية لسوريا، كما عززت توسعاتها في الداخل السوري، وكان الغرض من ذلك هو فرض أمر واقع، باتت الإدارة السورية اليوم تفاوض على أساسه.
وبالتالي؛ تفوم تل أبيب الآن بالتفاوض على التطبيع من موقع القوة، ولا شك أن هذا يضغط على الإدارة السورية، ويجبرها على قبول تقديم تنازلات لإسرائيل، وهذا يعني أنه في حال تم تطبيع العلاقات بين دمشق وتل أبيب؛ فقد يتضمن ذلك اقتطاع إسرائيل مزيد من الأراضي السورية، وربما إغلاق صفحة الجولان والتنازل كليًا عنه، ومن ثم؛ رسم خريطة جديدة للجنوب السوري، وللحدود السورية الإسرائيلية.
-
السيطرة على الموارد المائية التي يتمتع بها الجنوب السوري؛ قامت إسرائيل بالسيطرة على المرتفعات السورية الحيوية، وعلى رأسها قمة جبل الشيخ التي تطل على سوريا وفلسطين والأردن ولبنان، وما تشمله من منابع للمياه العذبة، لتكون ورقة ضغط مهمة للغاية في يد تل أبيب، خاصةً وأن هذه المنطقة تعاني من حالة عجز مائي.
وجدير بالذكر في هذا الشأن؛ أن إسرائيل بالفعل سيطرت على: سد المنطرة والذي يُعد أحد السدود الصغيرة التي تُستخدم لتجميع مياه الأمطار لري الأراضي الزراعية في ريف القنيطرة وتغطي نحو 2% من احتياجات المنطقة، وعين الزيوان والذي يغطي قرابة 1.5% من مياه الجولان الزراعية، ومنابع نهر الرقاد الذي يُعتبر الرافد الرئيسي لنهر اليرموك ويغطي نحو 8% من موارد الجنوب المائية، ومجرى نهر اليرموك الذي تغطي مياهه نحو 20% من مصادر الجنوب.[11]
كما سيطرت إسرائيل على سد الوحدة، أهم خزان مائي مشترك بين سوريا والأردن، وتبلغ سعته 110 ملايين متر مكعب، ويغطي قرابة 10% من احتياجات الجنوب السوري والشمال الأردني، بالإضافة إلى السيطرة على سد الجبيلية في مدينة نوى، والذي يغطي نحو 3% من الري المحلي في غرب درعا.
-
خروج سوريا تمامًا من محور الممانعة الإيراني؛ ترى إسرائيل في تطبيع العلاقات مع النظام السوري الجديد، الكثير من الدلالات التي تخدم مصالحها، وأهمها:
-
خروج سوريا من “محور الشر” الإيراني، وطمأنة مخاوف إسرائيل بشأن علاقات النظام السوري السابق مع إيران وحزب الله.
-
تحييد الخطر المتمثل في شن هجوم مباغت من طهران على تل أبيب عبر سوريا، وخاصةً عبر منطقة الجولان كما كان الوضع سابقًا.
-
القضاء على الخطر الذي كانت تمثله الفصائل الفلسطينية المتمركزة في سوريا، وذلك بعد أن اشترط ترامب طردهم من أراضي الدولة السورية.
-
قطع الإمدادات العسكرية لحزب الله عبر الحدود السورية، والتي كانت من أخطر الثغرات الأمنية التي هددت الأمن القومي الإسرائيلي.
-
إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة بإخراج ضلع أساسي من مشروع الهلال الشيعي.
-
تجنب أي مواجهة بين إسرائيل والنظام السوري الجديد ذات النزعة الإسلامية المتطرفة، وبالتالي؛ تأمين الحدود الإسرائيلية الممتدة مع الجنوب السوري.
-
مجابهة النفوذ التركي المتنامي في سوريا؛ تدرك إسرائيل جيدًا أن التغيرات التي طرأت على المشهد السياسي السوري، تمنح تركيا حرية حركة غير مسبوقة في سوريا، وهو ما تنظر له تل أبيب بعين الشك والريبة، خاصةً في ضوء الحديث عن اتفاق عسكري محتمل بين دمشق وأنقرة، ورغبة الأخيرة في بناء قواعد عسكرية عدة على أراضي الدولة السورية.
ولذلك؛ تريد إسرائيل من التطبيع مع النظام السوري الجديد، أن تضمن نفوذها في دمشق، وعدم ترك الساحة السورية لتنفرد بها تركيا وحدها، باعتبارها الشريك الاستراتيجي لأحمد الشرع.
ثالثًا؛ عقبات في طريق التطبيع السوري الإسرائيلي:
رغم المؤشرات الإيجابية التي تلوح في الأفق بشأن احتمالية تطبيع العلاقات بين إسرائيل والنظام السوري الجديد، إلا أن الأمر ليس بالسهولة التي يبدو عليها، حيث هناك العديد من العقبات التي تقف أمام أي تقارب محتمل بين دمشق وتل أبيب؛ ومنها:
-
صعوبة تسوية ملف المقاتلين الأجانب وجماعات المقاومة الفلسطينية المتواجدين في سوريا؛ من بين القضايا التي ترتبط بشكل أساسي بالتطبيع السوري الإسرائيلي، وجاءت كجزء من الاشتراطات الأمريكية التي طالب بها الرئيس ترامب نظيره السوري أحمد الشرع؛ ترحيل المقاتلين الأجانب، الذين سبق وأن اتخذوا صف المعارضة للقتال ضد النظام السوري السابق، وكذلك ترحيل المسلحين الفلسطينيين وخصوصًا أعضاء حركتي حماس والجهاد الإسلامي القائمين في دمشق.
ولا شك أن هذا الملف يضع الشرع في مأزق؛ لأن هؤلاء سبق وأن شاركوا معه خلال الحرب السورية التي استمرت على مدار سنوات طويلة، وترحيلهم الأن سيكون بمثابة تخلي واضح عنهم، مما قد يؤدي إلى اندلاع مواجهات بينه وبين هؤلاء المقاتلين، ومن ثم تدهور الأوضاع الأمنية في سوريا بشكل أكبر من الوضع الراهن.
-
انعدام الثقة الإسرائيلية في النظام السوري الجديد؛ سارعت تل أبيب برفض إدارة الشرع منذ أيامها الأولى، مؤكدة أنها لا تثق في الخلفية الإسلامية المتشددة للقيادة السورية الجديدة، والتي قد تكون تهديدًا خطيرًا للأمن القومي الإسرائيلي.
ورغم أي محادثات بين الجانبين، لا تزال إسرائيل تنظر إلى الشرع على أنه “قائد جماعة إسلامية جهادية، لا يمكن التعامل معها إلا بطرق أمنية وعسكرية”، وهذا يتضح في تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في مارس الماضي، بأن “الشرع هو إرهابي جهادي من مدرسة القاعدة”، متهمًا إياه بارتكاب فظائع ضد المدنيين من الطائفة العلوية.[12]
-
تباين المواقف حول الجولان المحتل والمناطق التي دخلتها إسرائيل بعد سقوط النظام السابق؛ تبقى قضية الجولان المحتل وانسحاب تل أبيب من المناطق التي دخلتها إسرائيل بعد سقوط النظام السابق، ملفًا أساسيًا في أي نقاش حول العلاقات السورية الإسرائيلية، فبينما ترغب دمشق في خروج القوات الإسرائيلية من هذه المناطق واستعادة الجولان مرة أخرى، لا تنوي إسرائيل التنازل عن مكتسباتها في الجنوب السوري، ولا تفكر في الانسحاب من محيط درعا والمناطق التي احتلتها مؤخرًا.
وفي ضوء هذا التباين، يبدو أن إدارة الشرع لن تقدم على خطوة التطبيع مع إسرائيل، إلا في حال تسوية هذا الملف، وإلا سيكون أي تطبيع سياسي بين دمشق وتل أبيب بمثابة قبول الإدارة السورية بالتنازل عن الجولان رسميًا، وكذلك قبول اقتطاع مزيد من أراضي الجنوب لصالح إسرائيل، وخاصةً قمم جبل الشيخ المطلة على العاصمة السورية دمشق، وما تتمتع به موارد طبيعية مائية شديدة الأهمية بالنسبة للدولة السورية.
-
عدم وجود رغبة حقيقية من جانب إسرائيل في تطبيع العلاقات؛ إسرائيل ليس لديها نية حقيقية في التطبيع مع سوريا، لأنها ليست في حاجة للتوصل إلى أي اتفاقات، بل أنها ترغب في استمرار الفوضى والاضطرابات الداخلية التي تشهدها دمشق، وذلك يرجع إلى رغبة تل أبيب في شرعنة تحركاتها بالجنوب السوري، بينما أي اتفاقات سلام بين الدولتين، ستعني الحد من مساحة الحركة المتاحة لتل أبيب، وسيعرقل مخططاتها في إقامة منطقة عازلة بالجنوب السوري، مع سيطرة القوات الإسرائيلية عليها.
-
الرفض الشعبي من جانب السوريين لفكرة التطبيع مع تل أبيب؛ لا يزال الكثيرين من الشعب السوري يعتبرون إسرائيل العدو الأول للدولة السورية، خاصةً وأن دمشق من دول المواجهة التي خاضت حروبًا طويلة مع تل أبيب، وبالتالي؛ إقدام الإدارة السورية الجديدة على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وخصوصًا في ضوء استمرار المجازر الإسرائيلية في غزة، واحتلال تل أبيب لمناطق في سوريا، إلى جانب موقف النظام السوري السابق الرافض لمبدأ التطبيع، سيحمل إدارة الشرع تكلفة سياسية وشعبية كبيرة للغاية، ومن ثم؛ زيادة الضغط الداخلي على القيادة السورية، إلى جانب تشويه صورة النظام السوري الجديد، وتحديدًا لدى الفصائل المؤيدة له، والتي أغلبها ذات خلفية إسلامية محافظة، وداعمة للمقاومة الفلسطينية.
-
اختلاف المصالح للأطراف الإقليمية المتداخلة في ملف التطبيع؛ حيث سواء تركيا وأذربيجان من جانب، أو الوساطة الإماراتية من جانب آخر، فإن لكل طرف من هؤلاء لديه حسابات المصلحة الخاصة به، والتي تختلف عن بعضها البعض؛ فبينما تسعى محادثات باكو في إيجاد صيغة تفاهمية بين أنقرة وتل أبيب بشأن تقاسم خريطة النفوذ في سوريا، تسعى وساطة أبوظبي إلى خلق تفاهمات أمنية بين دمشق وإسرائيل، تمهد لاحقًا إلى التطبيع بين البلدين.
وإجمالًا؛ يبدو أن هناك رغبة أمريكية واضحة في ضم كثير من دول المنطقة إلى اتفاقات إبراهام للتطبيع مع إسرائيل، وخاصةً دول الجوار الحدودي لتل أبيب وعلى رأسها سوريا ولبنان، وذلك لخدمة مصالح الأمن القومي الإسرائيلي، ولكن تحقيق مثل هذا التطبيع على أرض الواقع ما زال حلم بعيد المنال، يصعب تحقيقه على المدى القصير، أو على أقل تقدير، حتى وقف الحرب في قطاع غزة الفلسطيني.
وبالتالي؛ أي محاولة تطبيع بين إسرائيل وسوريا ستكون مشروطة بمواقف واضحة من القضية الفلسطينية، وبتفاهمات حول وضع الجولان السوري المحتل، وانسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها في الجنوب السوري، وكل ذلك يرتبط بضمانات إقليمية ودولية غير متوفرة حاليًا، مما يجعل أي تطبيع بالوقت الحالي، في حال حدوثه بالأساس، تطبيع شكلي وغير حقيقي، ولا يحدث أي تسوية حاسمة بالعلاقات السورية الإسرائيلية. ولكن يبقى السؤال هنا؛ ماذا سيكون موقف الرئيس الامريكي دونالد ترامب في حال عدم استجابة إدارة أحمد الشرع لهذا المطلب، وهل هذا سيعني عودة دمشق للعزلة مرة أخرى؟
المصادر:
[1] احتضان ترامب لسوريا ورئيسها “الجهادي السابق” قد يُحدث هزة في الشرق الأوسط، سي إن إن عربية، 14/5/2025، متاح على الرابط: https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2025/05/15/trumps-embrace-of-
[2] ترامب يطلب من الشرع تطبيع العلاقات مع اسرائيل في لقاء تاريخي بالرياض، ميدل إيست أونلاين، 14/5/2025، متاح على الرابط: https://www.middle-east-online.com/%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%
[3] ما هي مطالب ترمب الخمسة من الشرع بعد رفع العقوبات؟، صحيفة الشرق الأوسط، 14/5/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/
[4] إسرائيل تعلن رغبتها في تحسين العلاقات مع السلطات السورية الجديدة، صحيفة هآرتس الإسرائيلية، روسيا اليوم، 12/5/2025، متاح على الرابط: https://arabic.rt.com/world/1672823-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%
[5] تقرير: التقارب الأميركي ـ السوري يُربك حسابات إسرائيل العسكرية، صحيفة الشرق الأوسط، 27/5/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%B4%D8%A4%D9%88%D9%86-%D8%A5%D9%82%D9%84
[6] محادثات «مباشرة».. إسرائيل وسوريا على طريق التطبيع؟، صحيفة العين الإخبارية، 18/5/2025، متاح على الرابط: https://al-ain.com/article/syria-israel-normalization-direct-talks
[7] مصادر إسرائيلية: محادثات مباشرة بين تل أبيب ودمشق جرت في أذربيجان، صحيفة العربي الجديد، 17/5/2025، متاح على الرابط: https://www.alaraby.co.uk/politics/%D9%85%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D8
[8] إعلام عبري يكشف هوية دولة تجري فيها محادثات سرية بين سوريا وإسرائيل برعاية دولتين إحداهما عربية، روسيا اليوم، 15/5/2025، متاح على الرابط: https://arabic.rt.com/world/1674006-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9
[9] صبا عبد اللطيف، ترامب والشرع.. ماذا تريد أميركا من سوريا؟، الجزيرة القطرية، 18/5/2025، متاح على الرابط: https://www.ajnet.me/politics/2025/5/18/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%82%
[10] إسرائيل وسوريا عقدتا محادثات مباشرة ركزت على الأمن، صحيفة الشرق الأوسط، 27/5/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-
[11] تسليم سوري بـ«منطقة إسرائيلية عازلة» جنوباً: الشرع يهرول نحو اتفاقية إذعان، صحيفة الأخبار اللبنانية، 17/5/2025، متاح على الرابط: https://www.al-akhbar.com/arab/835553/%D8%AA%D8%B3%D9%84%D9%8A%D9%85
[12] باسل المحمد، سوريا والتطبيع مع إسرائيل بين تحقيق المصالح والتفريط بالثوابت، الجزيرة القطرية، 5/5/2025، متاح على الرابط: https://www.ajnet.me/politics/2025/5/5/%D9%87%D9%84-%D8%AA%D9%86%D8%AC%D8%AD-%