رضوى رمضان الشريف
مقدمة
على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعًا في نيويورك، في الخامس والعشرين من فبراير الماضي؛ للتصويت على مشروع القرار، الذي قدمته الولايات المتحدة وألبانيا، والذي كان يُدين العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وكما كان متوقعًا، تم رفض النص؛ بسبب استخدام روسيا حق النقض “الفيتو”، لكن الخطوة في جوهرها، كانت تهدف إلى إظهار العزلة الدولية الجماعية لـ(فلاديمير بوتين).
وخلال جلسة مجلس الأمن الدولي، امتنعت الصين عن التصويت، في خطوة تعتبرها الدول الغربية انتصارًا لإظهار عزلة روسيا على الصعيد الدولي، ولكن القارئ للسياسة الصينية، يجد أن بكين دائمًا تنتهج مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول، وبجانب الصين، امتنعت الإمارات والهند أيضًا عن التصويت على النص الذي صاغته الولايات المتحدة، فيما صوَّت الأعضاء الآخرون بمجلس الأمن، وعددهم 11 لصالح مشروع القرار.
بالرغم من أن امتناع تلك الدول عن التصويت هو تحصيل حاصل؛ لأن روسيا استخدمت حق النقض ضد القرار، ولكن امتناع الإمارات في حد ذاته بالنسبة للعديد من المحللين ورجال الساسة الغربين كان مفاجأة؛ فبينما تتمتع الهند والصين بعلاقات كبيرة مع روسيا، فإن تصويت الإمارات جاء من العدم، خاصةً بعلاقات الأمارات الغنية عن التعريف بالغرب؛ فلعقود من الزمان، تسير دول الخليج على إيقاع الولايات المتحدة، لكن قرار امتناع الإمارات عن التصويت في جلسة مجلس الأمن، أبرز كيف تنتهج (أبو ظبي) سياسات خارجية أكثر استقلاليًة، في الوقت التي تعمّق فيه علاقاتها مع خصمي (واشنطن) في (موسكو وبكين).
ويذكر بأن الإمارات منذ بدْء عضويتها في مجلس الأمن الدولي، في شهر يناير الماضي، أخذت على عاتقها دعم الأمن والسلم الدوليين، خلال فترة ولايتها التي ستستمر عامين؛ وهو ما تعمل على تحقيقه الآن بشتى السبل، وقبل التصويت، عبرت السفيرة (لانا نسيبة)، المندوبة الدائمة لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة، عن إستراتيجية دولة الإمارات تجاه الأزمة، وشدَّدت بوضوح على ضرورة الامتثال للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة كأساس للحوار، وطالبت في كلمتها، بالتهدئة في أوكرانيا، ووقف الأعمال العدائية، وأن تظل القنوات الدبلوماسية مفتوحة.
استياء غربي
الحقيقة التي لا يمكن نُكرانها، أن امتناع الإمارات صاحبه استياء غربي، حتى وإن لم تعلن عنه الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة رسميًّا في المحافل الدولية، فبالرغم من اتصال وزير الخارجية الأمريكي (أنتوني بلينكن) بنظيره الإماراتي (عبد الله بن زايد آل نهيان)؛ للتأكيد على “أهمية بناء رد دولي قوي؛ لدعم السيادة الأوكرانية، ولكن عندما تعلّق الأمر بالتصويت في مجلس الأمن الدولي، تجاهلت الإمارات مناشدات (واشنطن)، وانضمت بدلًا من ذلك إلى الصين والهند في الامتناع عن التصويت؛ ما أبرز إحباط (أبو ظبي) من السياسات الأمريكية.
الموقف الإماراتي في جلسة مجلس الأمن، جاء صادمًا ليس فقط للولايات المتحدة، وإنما للأوربيين أيضًا، الأمر الذي أكده عدد من الدبلوماسيين الغربيين، للقول: “إن الأوربيين أُصيبوا بخيبة أمل كبيرة، إزاء امتناع الإمارات عن التصويت على قراراتٍ في مجلس الأمن تتعلق بالحرب في أوكرانيا.
ومن مظاهر الاستياء الغير معلنة أيضًا، ما ذكره موقع “أكسيوس” الإخباري، أن وزارة الخارجية الأمريكية سحبت برقية أُرسلت إلى السفارة الإماراتية، عبر دبلوماسييها، تصف الموقف المحايد الذي تبنته (أبو ظبي) تجاه العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، بأنه يضع الدولة الخليجية في صف “المعسكر الروسي”.
كما برر أحد الدبلوماسيين الغربيين في تصريح لوكالة (فرانس برس) الموقف الإماراتي، بعد جلسة مجلس الأمن، بنوعٍ من المبادلة «غير النظيفة» مع روسيا لقرار ضد الحوثيين.
لم تخفِ الدول الغربية شعورها بالإحباط من الموقف المتردد الذي اتخذته الإمارات وقتها، وهي ردّة فعل قد تكون أحد دوافع الإمارات إلى تغيير موقفها لاحقًا في الجلسة الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تم عقدها في اليوم الثاني من شهر مارس الجاري، وتصويتها مع مشروع قرار إدانة روسيا.
أثار التغير في الموقف الإماراتي من الامتناع إلى التصويت ضد قرار إدانة روسيا، خلال جلستي مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، العديد من التساؤلات، حول إشكالية ذلك التردد؛ حيث توجد أمور عدة، يجب أخذها في الحسبان؛ لفهم رؤية الإمارات في التعامل مع الأزمة الروسية الأوكرانية.
الصورة الكبيرة والبحث عن البدائل
بينما كانت تنسحب واشنطن من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشكل مطرد، وهذا خلق فراغًا في المنطقة، وجدت معظم دول المنطقة، وخاصةً الإمارات، هذا الفراغ مُقْلِقًا للغاية؛ حيث لا يشجع تراجع الولايات المتحدة إيران فحسب، بل يصاحبها أيضًا عوامل مزعزعة للاستقرار، وبالتالي، يزيد من احتمالية نشوب حروب أهلية، وهكذا، تشعر دول المنطقة بالحاجة إلى البحث عن خيارات بديلة.
شرخ في العلاقات الأمريكية الإماراتية
بعد التوسط في اتفاقات (أبراهام) بين إسرائيل والإمارات، اتخذ الرئيس الأمريكي السابق(دونالد ترامب) العلاقات الأمريكية الإماراتية خطوة إلى الأمام، من خلال إبرام اتفاق لبيع طائرات الجيل الخامس إلى الإمارات، ولكن بمجرد وصول (جو بايدن) إلى السلطة منذ العام الماضي، والذي شهد تغيرًا ملحوظًا في العلاقات الأمريكية، تجاه حلفائها في الشرق الأوسط، وخاصةً في منطقة الخليج، ويمكن وصف ذلك التغيير، بأنه بمثابة “شرخ” في علاقات واشنطن مع حلفائه.
والدلالة على ذلك، أوقفت الإمارات المحادثات بشأن عقد بقيمة 23 مليار دولار؛ لشراء خمسين طائرة مقاتلة من طراز( F-35 )، في ديسمبر الماضي، بعد تحذير الولايات المتحدة من إلغاء الصفقة، وبدلًا من ذلك، قدمت الإمارات طلبيةً لشراء 80 طائرة مقاتلة، من طراز (رافال) من فرنسا؛ ما عزَّز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع البلدين، من خلال صفقة أسلحة بقيمة 19.20 مليار دولار، إذن يمكن الاستنباط بأن طلب الأسلحة من فرنسا جزءٌ من التغيير الأكبر في سياسة الإمارات؛ حيث قررت الابتعاد كليًا عن الاعتماد على الولايات المتحدة؛ لتنويع وارداتها من الأسلحة، وبالتالي، زيادة استقلاليتها الإستراتيجية.
قفزات مهمة في التعاون الاقتصادي الروسي الإماراتي
تمثل روسيا أحد أبرز الشركاء الاقتصاديين للإمارات؛ حيث تجمع البلدين شراكةٌ إستراتيجيةٌ شاملةٌ، وحقق التعاون الاقتصادي قفزات مهمة في حجمه وتنوعه، خلال السنوات القليلة الماضية في العديد من القطاعات الحيوية، مثل الطاقة المتجددة والفضاء والتكنولوجيا الحديثة والثورة الصناعية الرابع، فضلًاعن المشاريع والاستثمارات الناجحة لشركات البلدين في (العقارات، والصناعة، والأمن الغذائي، والبنية التحتية، والبتروكيميائيات، والموانئ، والطيران).
وتعد الإمارات أكبر شريك تجاري خليجي لروسيا، وتستأثر بنسبة (55%) من تجارة روسيا الخليجية، وتُصنّف الإمارات ضمن أهم الدول العربية في التجارة الروسية؛ حيث تأتي بالمرتبة الثانية، وبلغ التبادل التجاري غير النفطي في النصف الأول 2021 نحو ملياري دولار، بنمو يتجاوز (80%)، مقارنةً مع النصف الأول 2020، في حين بلغت المبادلات في 2020 نحو 2.6 مليار دولار.
أما بالنسبة لمجال الاستثمارات، تُعد الإمارات الوجهة الأولى عربيًّا للاستثمارات الروسية، وتستحوذ على (90%) من استثمارات روسيا بالدول العربية، وفي المقابل، فالإمارات هي أكبر مستثمر عربي في روسيا، وتساهم بـ (80%) من الاستثمارات العربية فيها، ويبلغ رصيد الاستثمارات المتبادلة بين الإمارات وروسيا نحو 1.8 مليار دولار، وحققت الاستثمارات الأجنبية الروسية المباشرة في الإمارات نموًا بنسبة (13%) خلال 2019، مقارنةً بـ 2018، كما يربط بين البلدين خطة لتنمية حجم التبادل التجاري، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في أنشطة التجارة والاستثمار المتبادلة، وتعزيز التعاون، من خلال مجلس الأعمال الإماراتي الروسي.
وبالنظر في هذه المعطيات، تعتمد التحليلات على عدة عوامل في تفسير الموقف الإماراتي المتردد مما يجري تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، وعدم مجاراتهم للموقف الغربي الذي صعّد في إدانة موسكو، وفرض العقوبات عليها؛ نتيجة العمليات العسكرية.
فيمكن الذهاب بتلك التحليلات إلى مسألة المقايضة بين الإمارات وروسيا حول قراراتٍ في مجلس الأمن، من خلال عدم عرقلة موسكو قرارًا يدين الحوثيين في اليمن، مقابل امتناع (أبوظبي) عن التصويت فيما يخص قرار الإدانة المدعوم غربيًّا.
ويجب الأخذ بعين الاعتبار مسألة أهمية التحالفات في منظمة أوبك+ (منظمة الدول المصدرة للنفط)، والتي على رأسها روسيا، وأهمية هذا التحالف بالنسبة للإمارات؛ من أجل الحفاظ على استقرار أسواق النفط، فإنّ الرغبة باستقرار أسعار النفط ليس السبب الوحيد لتردّدها في اتخاذ موقف معادٍ لـ(موسكو).
كما قد يكون هذا الموقف رسالة إماراتية إلى واشنطن؛ نتيجة عدم اتخاذ الأخيرة مواقف متشددة من التعديات الإيرانية والحوثية، ومن الضربات التي تستهدف عُمْق الأراضي الإماراتية.
في نهاية القول: لا شك بأن الغزو الروسي لأوكرانيا ستمتد تباعته على ملفات الشرق الأوسط على جميع الأصعدة؛ حيث تؤثر حالة التجاذب الكبيرة بين الولايات المتحدة وبين روسيا على أغلب قضايا الشرق الأوسط.
وفي الواقع، إن تردد الموقف الإماراتي يعكس موقف معظم دول الشرق الأوسط تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية، ومن المتوقع، أن معظم دول تلك المنطقة، وخاصةً دول الخليج التي مازالت تربطها علاقات مع الولايات المتحدة – حتى وإن كانت مشوبةً بنقدٍ سلبيًّا- ستسعى خلال الفترة القادمة بتوازن علاقاتها مع جميع الأطراف.