المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تشكيل “الحرس الوطني” في السويداء: هل يكون البداية لتكرار تجربة “قسد” في الجنوب السوري؟
تشكيل “الحرس الوطني” في السويداء: هل يكون البداية لتكرار تجربة “قسد” في الجنوب السوري؟
- أغسطس 27, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: شيماء عبد الحميد
باحث في وحدة شؤون الشرق الأوسط
في ظِلِّ استمرار تأزُّم العلاقات واتساع فجوة الثقة بين الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع وأهالي محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، أعلنت عدة فصائل محلية في السويداء، يوم السبت 23 أغسطس 2025، الاندماج في جيشٍ مُوَحَّدٍ يُسمَّى “الحرس الوطني”، يقوده الشيخُ حكمت الهجري؛ مما أثار الكثير من المخاوف حول تَبِعَات هذه الخطوة، وما إذا كانت ستُمهِّدُ الطريق لانفصال الجنوب السوري، أو تكرار تجربة الإدارة الذاتية الكردية القائمة في الشمال الشرقي للبلاد، وانعكاسات ذلك على وحدة الأراضي السورية:
أولًا: البيان التأسيسي لتشكيل “الحرس الوطني” المُوَحَّد
تَمَّ الإعلانُ عن تشكيل “الحرس الوطني” من خلال بيانٍ نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي من قِبَلِ صفحة باسم “الحرس الوطني- المكتب الإعلامي”، وفيما يأتي أبرز ما جاء بالبيان[1]:
قوات “الحرس الوطني” ستكون المؤسسة العسكرية الرسمية للطائفة الدرزية، وستتولَّى مهامها الدفاعية بالتعاون مع مختلف القوى الرديفة، مع الالتزام بقرارات الرئاسة الرُّوحية للطائفة الدُّرْزِيَّة، ممثلة بالشيخ حكمت الهجري، باعتبارها المرجعية الشرعية الوحيدة.
يضُمُّ “الحرس الوطني” 31 فصيلًا عسكريًّا، قد وقَّعُوا على وثيقة الاندماج تحت لوائه؛ وهم: تجمُّع أبناء الجبل، فزْعة شباب الجبل، سرايا الجبل، قوات مكافحة الإرهاب، قوات شيخ الكرامة، قوات العليا، القوى المحلية، قوات طود الجبل، القاهرون، قوات عرين الجبل، قوات فرسان حمزة، قوات شمس الجنوب، قوات ذياب حمزة، قوات الفهد، حماة الثغور، قوات السلطان، قوات سيف الحق، فزْعة الغيارى، فزْعة النشامى، قوات درع اللجاة، عمليات السويداء، مجموعة خيال، بيرق الرعد- تعارة، قوات درع الجبل- زين الدين، بيرق فزعة- مفعلة، خوال الجبل، وحدات الحماية الدرزية، قوات الأصايل، جيش الموحدون، واللواء 164.[2]
يهدف تشكيل “الحرس الوطني” إلى: ملْء الفراغ الأمني الذي تشهده محافظة السويداء منذ سقوط النظام السوري السابق برئاسة بشار الأسد، ضمان عدم انزلاق المنطقة إلى الفوضى بعد غياب الأجهزة الرسمية، توحيد الصفوف من خلال جمْع الفصائل المحلية تحت قيادة واحدة بَدَلًا من التشتُّت والتنافُس، ضبْط السلاح لمنْع أيِّ حالة فوضى قد تنتج عن انتشار السلاح العشوائي، إضفاء طابع مؤسسي ومنظم على العمل العسكري والأمني في المحافظة، كخطوة تمهيدية لدمْج هذه القوات ضمن أيِّ هيكلٍ أمنيٍّ للدولة المستقبلية؛ بما يضمن توحيد الصفوف، وتحقيق استقرارٍ مُسْتَدَامٍ في السويداء.
تتركز مهام “الحرس الوطني” على عدة محاور رئيسية؛ تشمل: ضبْط الأمن الداخلي، حِفْظ الاستقرار في المدن والقرى، منْع الانفلات الأمني، التصدِّي لأيِّ أعمال إجرامية، حماية الحدود والمناطق البرية مع البادية لمنْع تسلُّل العناصر المسلحة أو تهريب السلاح والمخدرات، مكافحة الإرهاب والتصدِّي لأيِّ تنظيمات متطرفة تحاول التمدُّد نحْو السويداء وخصوصًا فلول تنظيم داعش والتنظيمات المشابهة، والتنسيق الإقليمي والدولي في مجال تبادُل المعلومات الاستخباراتية والعمليات العسكرية ضد التنظيمات الإرهابية.
وجدير بالذكر أن؛ تُفيد بعض المصادر، بأن عدد مقاتلي تشكيل “الحرس الوطني” يتراوح بين 4-5 آلاف مقاتل، فيما رأت مصادر أخرى، أن هذا الرقم مبالغ فيه، وأن الفصائل المنضوية تحت لواء هذا التشكيل الجديد، صغيرة جِدًّا؛ بحيث لا يتجاوز عدد أفراد كل واحدٍ منها الـ20 مقاتلًا.
ثانيًا: هل هي بداية لـ”قسد” أخرى في السويداء؟
مع إعلان تشكيل “الحرس الوطني” الدُّرْزِيِّ، سُرْعَان ما تردَّدت التساؤلات حول ما إذا كان هذا التشكيل العسكري الجديد هو بدايةٌ لانفصال الجنوب السوري بشكلٍ تامٍّ عن إدارة دمشق، أو الحصول فقط على إدارةٍ ذاتيةٍ تُشْبِهُ الإدارة الذاتية الكُرْدِيَّة التي أقامتها قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في الشمال الشرقي للبلاد.
حيث رأى كثيرُ من المحللين، أن حكمت الهجري يحاول أن يستنسخ تجربة قائد قوات “قسد” مظلوم عبدي، من خلال فرْض أمرٍ واقعٍ جديدٍ على الإدارة السورية، وذلك بتكريس لامركزية عسكرية، يتبعها حُكْمٍ ذاتيٍّ أو قرارٍ انفصاليٍّ عن الدولة السورية الوطنية.
ويقوم هذا الرأي على مجموعة من المؤشرات والدلائل؛ أهمها:
1- غياب الثقة وتضارُب الرُّؤَى حول أعمال العُنْف التي شهدتها السويداء مؤخرًا؛ منذ أن سقط نظام بشار الأسد، والهجري يُبْدِي مواقف معارضة ورافضة للإدارة السورية الجديدة ورئيسها أحمد الشرع.
وتفجَّرَتْ المواجهة الكُبْرَى بين الجانبيْن، خلال الاشتباكات العنيفة التي شهدتها محافظة السويداء في منتصف يوليو الماضي، والتي دارت بين العشائر البدوية والدروز؛ حيث اتهمت القيادة الدرزية، وبالأخص حكمت الهجري، إدارة دمشق، بأنها ارتكبت جرائم إبادة بحق أهالي المحافظة الدروز، وأن تدخُّل الأمن العام السوري في ذلك الوقت؛ كان بغرض السيطرة على المحافظة وليس إيقاف الاشتباكات، وكذلك اتهم الهجري، الحكومة السورية أيضًا، بفرْض حصار على الدروز بالجنوب السوري، مطالبًا بفتْح ممرٍّ إنسانيٍّ للسويداء، وبحماية دولية تحمي الطائفة الدُّرْزِيَّة من “جرائم الإبادة المتعمدة التي ترتكبها إدارة أحمد الشرع”[3].
في المقابل؛ تنفي الإدارة السورية اتهامات حكمت الهجري، وتؤكد أن تدخُّلها في السويداء؛ كان بغرض فضِّ الاشتباك، وأن الدليل على ذلك؛ هو انسحابها الكامل من المحافظة بعد إرساء وقْف إطلاق النار بين العشائر البدوية والدُّروز، كما تنفي إدارة دمشق اتهامات فرْض الحصار على المحافظة، مؤكدةً أن قوافل المساعدات مستمرة دون انقطاع.
2- تشكيل لجان دُرزية من شأنها التمهيد لانفصال إداري بين السويداء ودمشق؛ حيث أعلنت الرئاسة الروحية للطائفة الدرزية، في أواخر يوليو 2025، تشكيل ما يُسمَّى بـ”اللجنة القانونية العليا” و”لجان الإدارة المحلية في السويداء”، وفي الأسبوع الأول من أغسطس الجاري؛ قرَّرَتْ تشكيل مجلس تنفيذي جديد للمحافظة، وتعيين قائد للأمن الداخلي.
ووفْقًا للناطقة باسم اللجنة القانونية العليا في السويداء صفاء جودية، فإن تشكيل تلك اللجان جاء نتيجة التخريب والتدمير الممنهج للبُنَى التحتية في المحافظة، وقطْع الكهرباء والماء والإنترنت، فضْلًا عن الحصار ومنْع دخول المواد الغذائية والأدوية، مؤكدةً على الآتي[4]:
أهالي السويداء تعرَّضُوا إلى جرائم إبادة جماعية، وحرْق منازل وسيارات ومحالّ تجارية، وفُرِضَ عليهم حصارٌ خانقٌ.
أيُّ تفاهم مع دمشق، لن يُبحث قبْل التعويض عن الأضرار وفكّ الحصار.
السويداء تُدار اليوم من قِبَلِ لجنة قانونية عُلْيَا مدنية مؤقتة فرضتها الحالة الطارئة والفراغ الحكومي.
تتمثَّلُ مهام هذه اللجان في قيادة الإدارات، وتسيير المرافق الخدمية لتلبية احتياجات المواطنين.
3- المطالبات العلنية بالانفصال تحت شعار “حق تقرير المصير”؛ في واقعة غير مسبوقة، خرج مئات المتظاهرين من أهالي محافظة السويداء إلى ساحة الكرامة، يوم 16 أغسطس 2025؛ ليطالبوا بانفصال المحافظة عن الدولة السورية، وبالاستقلال الإداري والسياسي التَّام، وذلك تحت شعار “حق تقرير المصير”.[5]
وما زاد الوضْع خطورةً؛ هو أن المتظاهرين رفعوا أعلام الطائفة الدُّرْزِيَّة إلى جانب أعلام إسرائيلية، وذلك في لافتة تفسر الكثير حول الدور الإسرائيلي فيما يشهده الجنوب السوري من توتُّرات وأزمات.
4- الحديث عن اتفاق “سوري – أمريكي – إسرائيلي” يمنح السويداء حُكْمًا ذاتيًّا؛ أفادت صحيفة “يديعيوت أحرونوت”، ونقْلًا عن مصادر وصفتها بالمُطَّلِعَة، بأن السويداء على وشْك الحصول على “حُكْمٍ ذاتيٍّ”؛ بشرط تخلِّيها عن مطلب الانفصال النهائي عن الدولة السورية؛ حيث أوضحت الصحيفة الآتي[6]:
تَمَّ الاتفاق على هذا خلال اجتماع في باريس بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، وبرعاية ودعم المبعوث الأمريكي توماس باراك.
شَمِلَ الاتفاقُ عدة بنود؛ على رأسها حصول محافظة السويداء على “حُكم ذاتي كامل”، مقابل التخلِّي عن مطلب الانفصال، وبناءً على ذلك؛ سيُشكِّلُ أهل المحافظة جهازهم الأمني الخاص بهم، ودون أيِّ تدخُّل من دمشق.
على الجانب الاقتصادي؛ ينُصُّ الاتفاق على أنه يمكن للسويداء، أن تعقد صفقات اقتصادية مع شركات أمريكية وإسرائيلية، تتعلق بالاستثمار والخدمات، وعلى رأسها الكهرباء.
كما ينُصُّ الاتفاق على فتْح ممرٍّ بريٍّ دائمٍ لتأمين التواصل بين إسرائيل والدُّروز في السويداء، وتقديم المساعدات الإنسانية لأهالي المحافظة.
5- تنامِي دور حزب اللواء السوري الداعي إلى انفصال الجنوب؛ حيث أصبح الأمين العام للحزب مالك أبو الخير، يصرح بهذا المطلب علنًا، وخاصَّةً بعد أحداث يوليو الماضي التي شهدتها السويداء.[7]
وفي 16 أغسطس الجاري، أعلن الحزب في بيانٍ رسميٍّ، الشروع في تطبيق نموذج الإدارة الذاتية، مُؤَكِّدًا أن الجنوب السوري أصبح كيانًا سياسيًّا وأمنيًّا مستقلًّا عن سوريا، وأن العمل جارٍ على إلحاق درعا بهذا النموذج، وإلى جانب ذلك؛ شارك الحزب في المظاهرات سالفة الذكر، مطالبًا بانفصال السويداء، مُبرِّرًا هذا الطلب، بأن إدارة دمشق لا تمثل الحالة الوطنية السورية، وبأن الطائفة الدرزية تتعرَّضُ لهجمات طائفية.
6- الحديث الإسرائيلي العلني عمَّا يُسمَّى بـ”ممر داوود”؛ وهو ممرٌّ جغرافيٌّ تسعى إسرائيل إلى إنشاءه لربْط أراضيها بالمناطق الكردية في سوريا والعراق؛ وذلك بغرض توسيع النفوذ الإسرائيلي في الشرق الأوسط، وتأمين مصالح تل أبيب الجيوسياسية والاقتصادية؛ والتي على رأسها تأمين خطوط الطاقة والنقل.[8]
حيث تعتمد تل أبيب على استيراد النفط والغاز، ولذلك؛ تسعى إلى تأمين ممرٍّ بريٍّ يربطها بمناطق إنتاج الطاقة في العراق، لا سيما الحقول التي تسيطر عليها حكومة إقليم كردستان، وكذك الحقول التي تقع تحت سيطرة قوات “قسد” في الشمال الشرقي السوري.
وهذا يتسق مع تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، والتي أكَّدَ فيها على “أهمية إنشاء تحالف ثلاثي “إسرائيلي – كردي – درزي”، يعطي إسرائيل ما تريده في سوريا، في إطار مشروع الرَّبْط “الجغرافي – الديمغرافي” بين المُكوِّنين “الدُّرْزي والكُرْدي”، وتحويله إلى تكتُّل “سياسي – عسكري” في مواجهة الإدارة السورية الجديدة”.[9]
7- مطالبة حكمت الهجري بدعْمٍ دوليٍّ لمشروعه الانفصالي؛ طالب الشيخ حكمت الهجري، يوم 25 أغسطس الجاري، مختلف الدول بتقديم الدعم لإقامة إقليمٍ منفصلٍ في الجنوب السوري، زاعمًا أن ذلك بغرض حماية الطائفة الدُّرْزية.[10]
كما أكَّدَ الهجري، أن تشكيل الحرس الوطني سيكون الذِّرَاع العسكرية الدُّرْزية التي تحمي وتصُون أرض السويداء، مُوَجِّهًا الشُّكْر للدول التي وقفت مع دروز سوريا في أزمتها الأخيرة، وأخُصُّ بالذكر كُلًّا من “الولايات المتحدة وإسرائيل”.
ثالثًا: تحديات في طريق انفصال السويداء عن سوريا
يبدو من التحرُّكات المتسارعة والدعوات العلنية الأخيرة للشيخ حكمت الهجري، أن ملف انفصال السويداء عن سوريا، سواء بشكلٍ كُلِّيٍّ أو بالحصول على حُكْم إدارةٍ ذاتيةٍ، مثل “إدارة الأكراد في الشمال الشرقي للبلاد”، بات يكتسب زَخَمًا متزايدًا، بل إنه وصل إلى الحدِّ الذي أصبح فِعْلِيًّا يهدد وحْدة الأراضي السورية، وخاصَّةً في ظلِّ الدعم الأمريكي والإسرائيلي لهذا الأمر.
ولكن؛ بالرَّغْم من كُلِّ العوامل والمؤشرات الداعمة سالفة الذكر، إلا أن هناك عدة تحديات قد تحُولُ دون تنفيذ ما يمكن تسميته بـ“مشروع قسد السويداء” على أرض الواقع، ومن أبرزها:
1- تبايُن الآراء بين فصائل السويداء بشأن الحرس الوطني؛ لم يُلَاقِ مشروع حكمت الهجري قَبُولًا من جميع فصائل الطائفة الدُّرْزِيَّة، وأكبر دليلٍ على ذلك؛ أن كبرى فصائل الجنوب لم تنضم رسميًّا إلى الحرس الوطني حتى الآن؛ حيث:
أعلنت حركة “رجال الكرامة”، والتي تُعَدُّ أكبر التشكيلات المسلحة في السويداء، أنها تتحفظ على الاندماج في تشكيل الحرس الوطني بالوقت الراهن؛ نظرًا لغياب الرُّؤْية الكاملة حول ماهية ودور ومبادئ هذا التشكيل، ولكن أكَّدَتْ دعمها الكامل لأيِّ خُطْوةٍ من شأنها توحيد جهود الدفاع عن السويداء.[11]
وكذلك؛ لم يشارك المجلس العسكري بقيادة العقيد طارق الشوفي، في التشكيل الجديد؛ إذ تمَّ إبعادُه عمْدًا على خلفية الخلاف الذي وقع بين الشوفي والهجري في الآونة الأخيرة.
من جانبه؛ أكَّدَ القيادي الممثل لمضافة الكرامة في السويداء ليث البلعوس، أن تشكيل الحرس الوطني، والذي يمثل تسمية مستنسخة من الحرس الثوري الإيراني، يعكس غياب صوْت العقل والمواقف الوطنية التي يحتاجها أبناء السويداء في هذه المرحلة العصيبة، كما يحمل رسالة “خراب ودمار”، مُشدِّدًا على أن هذا التشكيل يزيد من حالة الانقسام بَدَلًا من لمِّ الشَّمْل.[12]