في خطوة مفاجئة وتصعيد ملحوظ، قررت الحكومة السودانية وقف استيراد جميع المنتجات الواردة من كينيا، مما يعكس تصاعد التوترات بين البلدين في الفترة الأخيرة، ويأتي هذا القرار في وقت حساس، حيث تتزايد الخلافات بين السودان وكينيا في عدة ملفات سياسية واقتصادية، مما قد يؤثر بشكل كبير على العلاقات التجارية والدبلوماسية بين البلدين، ويزيد من تعقيد الوضع في منطقة شرق أفريقيا، التي تتطلب تكاتفًا إقليميًا لمواجهة التحديات المشتركة، وفي ظل هذه التطورات، يبرز التساؤل حول مستقبل العلاقات بين كينيا والسودان، وما إذا كانت هذه الإجراءات ستؤدي إلى مزيد من التصعيد أم سيتم البحث عن حل دبلوماسي للخلافات.
قرار السودان بوقف استيراد جميع المنتجات الواردة من كينيا
أعلنت الحكومة السودانية في ١٣ مارس الجاري، وقف استيراد جميع المنتجات الواردة من كينيا عبر كافة الموانئ والمعابر والمطارات والمنافذ، ونتيجة لهذا القرار تواجه صناعة الشاي في كينيا أزمة غير مسبوقة بعد فرض السودان حظرا مفاجئا على واردات الشاي الكيني، مما أدى إلى خسائر مالية جسيمة، حيث احتُجزت شحنات تقدر قيمتها بنحو 1.3 مليار شلن كيني في الموانئ، مما يهدد معيشة آلاف العاملين في هذا القطاع الحيوي، بينما تواجه شحنات أخرى عراقيل جمركية في الموانئ السودانية، كما أن بعض الشحنات لا تزال عالقة في البحر في انتظار تصريح الدخول، مما يزيد تعقيد الوضع ويؤثر سلبا على تدفق التجارة بين البلدين[1].
والجدير بالذكر أن السودان يُعد ثالث أكبر سوق للشاي الكيني عالميا، إذ يستورد نحو 10% من إجمالي إنتاج كينيا سنويا ولذلك، يشكل هذا الحظر ضربة موجعة للصناعة، إذ تجد الشركات المصدرة صعوبة في استرداد مستحقاتها المالية أو إعادة توجيه البضائع إلى أسواق بديلة، كما أن بقاء الشاي المخزن لفترات طويلة قد يؤثر على جودته، ومن ثم يزيد من حجم الخسائر المحتملة.
ونتيجه لهذا القرار تكبد المصدرون الكينيون خسائر غير مسبوقة نتيجة لهذا الحظر، وسط مخاوف من أن يؤدي استمرار الأزمة إلى تسريح واسع للعمال في مزارع الشاي ومصانعه، بينما ويواجه المزارعون الصغار الذين يعتمدون على التصدير وضعا ماليا حرجا، خاصة في ظل غياب أسواق بديلة قادرة على استيعاب الفائض بسرعة، وأمام حجم الخسائر، وجه المصدرون نداء عاجلا إلى الرئيس الكيني وليام روتو للتدخل الفوري، وسط مطالبات للحكومة باستخدام القنوات الدبلوماسية لتخفيف الأزمة[2].
وفي السياق ذاته قد يكون لهذه الخطوة تأثير كبير على الاقتصاد السوداني، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية التي يواجهها البلد، حيث سيزيد هذا القرار من الضغط على الأسواق المحلية وقد يؤدي إلى نقص في بعض السلع الأساسية، كما أن القرار قد يعرقل العديد من المشروعات الثنائية بين البلدين، مثل تلك المتعلقة بالنقل والبنية التحتية، ويزيد من تعقيد العلاقات التجارية الإقليمية في منطقة شرق أفريقيا.
أسباب الحظر السوداني
جاء هذا الحظر عقب تعليق السودان لجميع الواردات من كينيا، احتجاجا على استضافة نيروبي مؤخرا اجتماعا لقوات الدعم السريع التي وقعت اتفاقا مع حلفائها السياسيين والمسلحين لتأسيس حكومة موازية في السودان، واعتبرت الخارجية السودانية أن كينيا، باستضافتها هذه الاجتماعات، تنكرت لالتزاماتها بموجب القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والأمر التأسيسي للاتحاد الإفريقي ومعاهدة منع الإبادة الجماعية، واعتبرت أن هذا التصرف يشجع أأذلك على تقسيم الدول الأفريقية وانتهاك سيادتها والتدخل في شؤونها الداخلية.
وأكدت كينيا أن استضافتها اجتماعات مجموعات سودانية في نيروبي، تأتي في إطار سعيها المستمر لإيجاد حلول توقف حرب السودان، بالتنسيق مع الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، وقالت إن الأزمة في السودان تتطلب اهتمامًا إقليميًا وعالميًا عاجلاً، وأوضحت أنه بفضل دورها كمحرك للسلام في المنطقة وحول العالم، تظل كينيا في طليعة البحث عن حلول للأزمة الإنسانية في السودان؛ مشيرة إلى أنها التزمت بتقديم مليوني دولار للمبادرات العالمية والإقليمية للمساهمة في تخفيف الوضع الإنساني الحرج في السودان.
العلاقات السودانية الكينية عقب اندلاع الحرب السودانية
تشهد العلاقات السودانية الكينية تدهورا مستمرا منذ اندلاع الحرب في السودان في منتصف أبريل 2023م، وتتهم الخرطوم نيروبي بتوفير الدعم السياسي لقوات الدعم السريع ، وصعدت الحكومة السودانية من لهجتها ضد كينيا واتهمتها باتخاذ مواقف عدائية ضد السودان على حد تعبيرها، بعد توقيع قوات الدعم السريع وكيانات سياسية وعسكرية في 22 فبراير الماضي في نيروبي ميثاقا تأسيسيا لتشكيل حكومة موازية، حيث تخطط هذه الكيانات لإطلاق “تحالف السودان التأسيسي”، الذي يهدف إلى إدارة شؤون المناطق التي تسيطر عليها عبر مهام سيادية مثل شراء الطيران الحربي وطباعة عملة جديدة واستخراج وثائق هوية وسفر[3].
مظاهر انخراط كينيا في أزمة السودان
نجد أن كينيا قد حاولت الانخراط في أزمة السودان من خلال طرحها مبادرة للتسوية بين طرفي الصراع في أبريل 2023م، فقد أقترح الرئيس الكيني وليام روتو استضافة طرفي الصراع للقيام بعملية وساطة لوقف القتال، والذي أدى إلى تدهور الأوضاع الإنسانية في السودان، وتعمل كينيا على التنسيق مع دول الإقليم والمنظمات الإقليمية والدولية، فقد حاولت نيروبي التحرك في إطار الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية “الايجاد”، فقد ناشدت كينيا طرفي الصراع لضمان الامتثال الكامل لقرار قمة رؤساء دول الإيجاد المنعقدة في 16 أبريل2023، بما في ذلك وقف القتال، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، وعملت كينيا على التنسيق مع الدول المجاورة للسودان، حيث تواصل الرئيس الكيني مع الرئيس المصري خلال شهر أبريل 2023، بشأن أزمة السودان، ونجد أن هناك رؤى مشتركة بين الدولتين بشأن وقف إطلاق النار، ودعم مساعي الحوار السلمي واستئناف المرحلة الانتقالية.
تأثير توتر العلاقات بين نيروبي والخرطوم على الاستقرار الإقليمي
يمتد تأثير توتر العلاقات بين كينيا والسودان على منطقة شرق أفريقيا إلى عدة مجالات حيوية، سواء كانت اقتصادية أو أمنية أو سياسية، وبالتالي فإن أي توتر بينهما يمكن أن يكون له تداعيات كبيرة على الاستقرار الإقليمي بشكل عام، وسيخلق توتر العلاقات بين البلدين تأثيرات اقتصادية مثل تعطيل حركة التجارة عبر الحدود، مما يضر بالأعمال التجارية في البلدين ويزيد من تكلفة السلع والخدمات، على سبيل المثال، يعتمد كل من السودان وكينيا على التبادل التجاري في القطاعات الزراعية والطاقة، وأي قيود تجارية أو إغلاق للحدود قد يؤدي إلى ندرة بعض المنتجات وارتفاع أسعارها في الأسواق، كما أن مشروعات البنية التحتية المشتركة مثل الطرق والموانئ قد تواجه صعوبة في الاستمرار أو التوسع بسبب تدهور التعاون بين البلدين.
وفي حال تدهور العلاقات بين السودان وكينيا، قد يصبح التنسيق الأمني أكثر تعقيدًا، مما يضعف قدرة البلدين على مواجهة هذه التهديدات المشتركة، بالإضافة إلى ذلك، فإن التوتر بين البلدين قد يعطل التعاون في مجال الاستخبارات، مما يعزز فرص تصاعد الأنشطة الإرهابية في المنطقة.
على الجانب الآخر يشكل هذا القرار تهديدًا للمنظومة الإقليمية والتعاون بين دول شرق أفريقيا، حيث أن زيادة التوترات بين السودان وكينيا، يخلق تحديات جديدة أمام الجهود الإقليمية للتعاون في مواجهة الأزمات المشتركة مثل الأمن، واللاجئين، والتجارة، ولذلك فإن وقف الاستيراد من كينيا يعكس تصعيدًا في العلاقات بين البلدين، وقد تكون له تداعيات خطيرة على الاستقرار الاقتصادي والسياسي في المنطقة.
ختامًا
تعكس التوترات الحالية بين كينيا والسودان تحديًا كبيرًا في مستوى العلاقات الثنائية بين الدولتين مما قد يؤثر على المستوى الدبلوماسي والاقتصادي والأمني، وإذا لم تُتخذ خطوات حاسمة لتخفيف التوترات عبر الحوار والتفاهم، فقد تنعكس هذه القضايا سلباً على الاستقرار الإقليمي والعلاقات بين دول منطقة شرق إفريقيا، ولذلك من الضروري أن تعمل الحكومتان على الحوار والتفاوض من أجل إيجاد حلول دبلوماسية تساعد في تخفيف حدة التوتر وتعزيز التعاون الاقتصادي في المستقبل، والعمل على إعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح بما يعزز التعاون في المستقبل.
