تصريحات “الحدود الوهمية”: هل يهدد التشكيك بمعاهدات السلام أمن الشرق الأوسط؟

الدكتور أيمن سلامة

أستاذ القانون الدولي العام

عضو الهيئة الاستشارية في مركز شاف

أثارت تصريحات حديثة لمسؤول رفيع في إدارة ترامب، وصف فيها حدود إسرائيل الحديثة بأنها “وهمية”، جدلاً واسعاً وشكوكاً عميقة حول الاستقرار الإقليمي.

لم تقتصر التصريحات على التشكيك في ترسيم الحدود، بل امتدت لتلقي بظلالها على بقاء بعض الدول القومية في الشرق الأوسط، وتحميل أوروبا مسؤولية تقسيم المنطقة، والإشادة بالإمبراطورية العثمانية.

تأتي هذه التصريحات في سياق جهود الإدارة لإقامة علاقات دبلوماسية بين الحكومة السورية الجديدة وإسرائيل، ورفع العقوبات عن سوريا.

وصف المسؤول، في إحاطة إعلامية، الخطوط التي رُسمت في أعوام 1948 و1926 و1967 و1974 بأنها “أوهام”، مشيراً إلى أنها رسمت “استناداً إلى الحقائق التي كانت موجودة في ذلك الوقت”. هذه التواريخ، التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالصراعات العربية الإسرائيلية والحروب التي توسعت فيها أراضي إسرائيل، تثير قلقاً كبيراً.

فهل يمكن لدبلوماسية “وقف الأعمال العدائية” أن تتجاهل التراكم القانوني والتاريخي لهذه الحدود؟

قدسية المعاهدات الدولية: حجر الزاوية في القانون الدولي

إن مبدأ قدسية المعاهدات الدولية (Pacta Sunt Servanda) هو أحد أهم المبادئ الأساسية في القانون الدولي العام. ويعني هذا المبدأ أن المعاهدات التي يتم التوقيع عليها بين الدول ملزمة قانونًا ويجب على الأطراف الوفاء بالتزاماتها بموجبها بحسن نية.

إن التشكيك في صحة الحدود المعترف بها دولياً، والتي نشأت عن معاهدات أو اتفاقيات، يقوض هذا المبدأ الجوهري.

تعد المعاهدات التي تحدد الحدود الدولية ذات أهمية قصوى لضمان السلم والأمن الدوليين.

فالمعاهدات الدائمة، مثل معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية لعام 1979 واتفاقية السلام الإسرائيلية الأردنية لعام 1994، لم ترسخ فقط السلام بين الأطراف، بل حددت أيضاً بوضوح الحدود الدولية بينها.

إن هذه المعاهدات هي نتاج مفاوضات مضنية وتضحيات، وتمثل إطاراً قانونياً راسخاً لا يجوز التنصل منه.

الحدود المؤقتة: هل هي أقل قدسية؟

حتى اتفاقيات الهدنة، مثل اتفاقية الهدنة في رودس عام 1949 التي عينت الحدود الدولية المؤقتة بين سوريا وإسرائيل، وبين إسرائيل ولبنان، تحمل وزناً قانونياً.

على الرغم من أن هذه الاتفاقيات قد تكون مؤقتة في طبيعتها، إلا أنها تحدد خطوط الفصل المعترف بها والتي تساهم في منع التصعيد والصراع.

إن أي محاولة لإعادة صياغة هذه الرؤى “التي لم تُجدِ نفعاً طوال مئة عام”، كما ذكر المسؤول، يجب أن تتم عبر قنوات دبلوماسية وقانونية معترف بها، وليس عبر التصريحات الانفرادية التي تقوض الاستقرار.

التبعات الوخيمة للتشكيك في الحدود

إن التشكيك في شرعية الحدود الدولية المعترف بها، أو التلميح بإمكانية تغييرها خارج إطار القانون الدولي، يحمل تبعات وخيمة:

تهديد السلم والأمن الدوليين: يمكن أن يؤدي ذلك إلى تأجيج الصراعات الإقليمية وزعزعة الاستقرار، مما يقوض جهود السلام ويفتح الباب أمام مطالبات إقليمية جديدة.

فقدان ثقة المجتمع الدولي في إسرائيل: إذا بدت إسرائيل مستعدة للتنصل من الاتفاقيات التي ترسخت فيها حدودها، فإن ذلك سيؤدي إلى فقدان الثقة بها كشريك موثوق في المستقبل، وسيقوض أي جهود دبلوماسية أخرى.

تقويض الجهود الدبلوماسية: كيف يمكن إقامة علاقات دبلوماسية جديدة عندما يتم التشكيك في الأساس القانوني لأحد الأطراف؟ إن الدعوة إلى “اتفاقية شبيهة باتفاقية سيناء” لوقف القتال، بينما يتم وصف الحدود الحالية بأنها “وهمية”، يخلق تناقضاً يعيق أي تقدم حقيقي

لقد قامت إسرائيل ولبنان مؤخراً بتعيين حدودهما البحرية بوساطة أمريكية في عام 2022، مما يدل على أهمية المفاوضات والاتفاقيات في حل النزاعات الحدودية.

إن الحلول المستدامة تكمن في احترام القانون الدولي والمعاهدات القائمة، وليس في التشكيك في شرعيتها أو وصمها بأنها “أوهام”. يجب أن ترتكز أي جهود لتعزيز السلام على أسس راسخة من الاحترام المتبادل للقانون الدولي والمواثيق والاتفاقيات التي تحكم العلاقات بين الدول.