إعداد: عنان عبد الناصر
عُقِدَ الاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول جوار السودان، في مقر البعثة الدائمة لمصر لدى الأمم المتحدة بنيويورك، في 19 سبتمبر 2023، وكان ذلك وفقًا لنتائج اجتماع ندجامينا، الذي انعقد في أغسطس الماضي 2023، وقد أكَّد الاجتماع اعتماد خارطة الطريق التي تبلورت خلال الاجتماع الأول، فضلًا عن التأكيد على تضافُر كافَّة الجهود لتنفيذ بنودها، عبر اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تغطي كافة الأبعاد السياسية والأمنية والإنسانية للتعامل مع المشهد في السودان، مع التأكيد في المقام الأول على ضمان واحترام سيادة واستقرار الدولة السودانية.
الاجتماع الوزاري الثاني لدول جوار السودان
استكمالًا لمسار قمة دول جوار السودان، وتنفيذًا للبيان الصادر عن الاجتماع الوزاري الأول، الذي انعقد في العاصمة التشادية ندجامينا، عُقد الاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول جوار السودان، بمشاركة كُلٍّ من (مصر- أفريقيا الوسطى- ليبيا- إريتريا- جنوب السودان- تشاد- إثيوبيا)، وذلك يوم 19 سبتمبر 2023، من خلال التنسيق بين كُلٍّ من (مصر، وتشاد) على هامش مُخْرجات اجتماع ندجامينا، وقد شارك في الاجتماع أيضًا، ممثلان من الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية المعتمديْن لدى المنظمة الدولية.
كان الاجتماع الأول قد أعلن عن خطة عمل، تتكون من ثلاث نقاط؛ لتسوية الأزمة السودانية، وقد تمثلت في إجراء حوارٍ شاملٍ بين أطراف الأزمة، والتوصُّل إلى وقْفٍ نهائيٍّ لإطلاق النار، وإدارة وحلِّ كافَّة القضايا الإنسانية، وفي ضوء تلك الخطة، أكد الاجتماع الثاني على استكمال ذلك المسار، واعتماد هذه الخطة التي تمَّ إقرارها في الاجتماع الأول، وبذْل كافة الجهود لتنفيذ خارطة الطريق.
هناك حرْصٌ دائمٌ من قِبَلِ دول جوار السودان لحل الأوضاع داخل السودان، من خلال بذْل كافَّة الجهود لتسوية الأزمة الراهنة، فضلًا عن تواصلهم المستمر مع مختلف أطراف الصراع، والعمل على التنسيق الدائم بين مختلف الآليات التي تتناول الأزمة في السودان، بالإضافة إلى تعزيز التشاور وتبادل الرُّؤى حول مسار التحرُّك خلال المرحلة القادمة، في إطار احترام سيادة السودان، وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، مع التحذير من أيِّ تدخلات خارجية، من شأنها أن تُسْهِم في تأجيج الصراع وإطالة أمد الأزمة الراهنة.
مشاركة فعَّالة من “البرهان” في الاجتماع الوزاري الثاني
توجَّه الفريق عبد الفتاح البرهان، إلى نيويورك؛ للمشاركة في أعمال الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك في 20 سبتمبر 2023م؛ لبحث التعاون متعدد الأطراف؛ لإنهاء الحرب الدائرة في البلاد، وقد أعرب “البرهان” عن أن هذه الحرب التي تواجهها بلاده، باتت تهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي، وقد وجَّه مجموعة من الاتهامات لقوات الدعم السريع، فيما يخص قيامها بجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بشنِّها حربًا على أغلب مناطق السودان، ودعا المجتمع الدولي إلى اعتبار قوات الدعم السريع مجموعات إرهابية، فضْلًا عن كوْنها استعانت بمجموعاتٍ من عدة دول، وُصفت بأنها خارجة عن القانون، وكان هناك تحذيرات أيضًا من قِبَلِ “البرهان”، بأن الجرائم التي تمارسها قوات الدعم السريع ستكون بمثابة شرارةٍ لانتقال الحرب لدول جوار السودان.
وكان هناك تشديدات حول التأكيد على سيادة ووحدة السودان، مهما بلغت تكلفة الأمر، وقد أكد “البرهان” على أن التدخلات الدولية والإقليمية تبْذُل أقصى جهودها لوقف الحرب، في مقابل إصرار قوات الدعم السريع على تدمير الدولة، وفي إطار الحديث عن المساعدات الإنسانية، فقد أشار “البرهان” إلى أن وقْف المساعدات الإنسانية والدولية أثَّر سلبًا على أهداف التنمية داخل السودان، وفاقم من أوضاع النازحين واللاجئين، وفيما يخص انتقال السلطة داخل السودان، فقد تعهَّد أيضًا بنقْل السلطة إلى الشعب السوداني، من خلال توافق وطني يُفْضِي بخروج القوات المسلحة بشكلٍ نهائيٍّ من العمل السياسي.
متابعة دورية للخارجية المصرية للمشهد في السودان
أعربت وزارة الخارجية المصرية عن متابعتها الدورية للمشهد في السودان، فضْلًا عن سعيها الدائم لوضع حلولٍ تُسْهِم في الحفاظ على وحدة واستقرار السودان، وقد اتضح ذلك بمشاركتها الفعَّالة في إجراء عددٍ من الاجتماعات بشكلٍ دوريٍّ للتعامل مع تطورات الأزمة، وأكدت الخارجية المصرية أيضًا، أن تنظيم ذلك الحدث يأتي في إطار متابعة دورية لمخرجات المؤتمر رفيع المستوى؛ لمناقشة الأوضاع في السودان، ومدى تضامن الدولة المصرية مع الشعب السوداني؛ لتجاوز هذه الأزمة، وقد أكدت الدولة المصرية على حق الشعب السوداني في الحصول على ما يستحقه من حياة كريمة داخل دولة آمنة ومستقرة.
ومن هذا المنطلق، فقد دعت الخارجية المصرية المجتمع الدولي إلى تحمُّل كافة المسؤوليات تجاه الأزمة السودانية بمختلف أبعادها، بالإضافة إلى التأكيد على جهود مصر السياسية والإنسانية، منذ بداية الأزمة، من خلال مؤتمرات دول جوار السودان، فهناك حرْصٌ من الدولة المصرية على تقديم كافَّة المساعدات الإنسانية للشعب السوداني، فقد استقبلت مصر أعدادًا متزايدةً من المواطنين السودانيين، وعملت على توفير كافَّة سُبل الدعم الإنساني والطبي والنفسي للوافدين السودانيين، وتلبية كافة احتياجاتهم، وتوفير كافَّة الخدمات لهم.
وقد اتضح مدى حرص الدولة المصرية على حلِّ وتهدئة الأوضاع داخل السودان، فضْلًا عن تشديدها على أنه لا ينبغي أن تتحمل دول جوار السودان وحدها وطأة الأزمة؛ حيث إن تفاقُم الأعباء والضغوط على تلك الدول، من شأنه أن يؤدي إلى زيادة هشاشة المجتمعات المضيفة، على نحْوٍ قد يهدد التعايش السلمي، ويدفع إلى اتباع الهجرات غير الشرعية، وفي هذا الصدد، فهناك ضرورة لتضافر الجهود والتقاسم العادل للأعباء والمسؤوليات؛ لاعتبار أن ذلك الحل الأول للتخفيف من الأعباء التي تقع على عاتق هذه الدول.
مخرجات الاجتماع الوزاري في تشاد
توصَّل الاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول جوار السودان إلى مجموعةٍ من البنود للتعامل مع تطورات الأزمة السودانية، وقد تمثَّلت تلك البنود فيما يلي:
- التأكيد على تنفيذ خارطة الطريق التي تم وضعها خلال الاجتماع الوزاري الأول في العاصمة التشادية ندجامينا، والتوافق حول تنفيذ جميع بنودها.
- ضرورة اتخاذ مجموعة من التدابير الفعَّالة؛ للتوصُّل إلى اتفاقٍ حول وقْف إطلاق نارٍ مُسْتَدامٍ في السودان.
- إتباع إجراءات محددة لتشمل كافَّة الأبعاد الأمنية والسياسية والإنسانية؛ للتعامل مع المشهد في السودان، مع التأكيد على احترام سيادة واستقرار الدولة السودانية.
- حشْد كافَّة الجهود الدولية للتعامل مع الأزمة الإنسانية في السودان، مع توفير كافة سُبل الدعم لدول الجوار، التي تستضيف أعدادًا متزايدةً من الشعب السوداني.
- اتفاق وزراء الخارجية على استمرار التنسيق والتواصل فيما بينهم، والتأكيد على عقْد الاجتماع الوزاري الثالث لدول جوار السودان في القاهرة، في موعدٍ يتم الاتفاق عليه من قِبَلِ وزراء خارجية دول الجوار؛ لتقييم ما تمَّ إحرازُه من نتائج في سبيل تنفيذ بنود خارطة الطريق.
ويمكن ضمان تنفيذ نتائج هذا الاجتماع، من خلال الالتزام بتنفيذ بنود خارطة الطريق، التي تمَّ إعلانها في الاجتماع الوزاري الأول، الذي انعقد في ندجامينا، بالإضافة إلى السعي – في المقام الأول- لحلِّ الخلافات القائمة بين طرفيْ الصراع، فضلًا عن التوصُّل إلى اتفاقٍ من قِبَلِ القيادات داخل السودان، حول مُخرجات الاجتماعات المنعقدة على هامش الأزمة، والتي هدفت في المقام الأول لحل الأزمة داخل السودان، وعدم تفاقم الأوضاع سوءًا.
تحديات نجاح الآلية الوزارية في حل الأزمة
أشارت بعض الآراء إلى أنه بالرغم من وجود تقدُّمٍ ملموسٍ بشأن حلحلة الأزمة السودانية، لكن ذلك التقدُّم مرهون بالقدرة على تحقيق مخرجات الاجتماعات الوزارية المنعقدة، وخارطة الطريق التي تم الاتفاق عليها وتطبيقها على أرض الواقع، بالإضافة إلى حالة الانفلات الأمني التي تشهدها السودان، واستمرار إطلاق النار من قِبَلِ طرفيْ الصراع، وعدم القدرة على إقناع القيادات الميدانية بإلقاء السلاح، بالإضافة إلى عمليات تهريب الأسلحة عبر الحدود؛ ما فاقم من سوء الأوضاع؛ فتدفُّق المزيد من الأسلحة يُسْهِم في تفاقم الأزمة وإطالة أَمَدِ الصراع، فضلًا عن غياب الإرادة السياسية لحل الأزمة داخل السودان، وعدم التوافق بين طرفيْ الصراع.
وقد تمثَّلت أبرز التحديات أيضًا، في كيفية تجاوز عقبة تقبُّل الشعب السوداني لقوات الدعم السريع في المرحلة القادمة؛ نظرًا لأن الحل العسكري الذي تحدَّث عنه البعض ليس نهائيًّا؛ حيث يتم العودة للتفاوض والسياسة مرةً أُخرى، ولكن المشكلة الكبرى تكْمُنُ في أن توجُّهات الدعم السريع أسهمت في تعقُّد المشهد بصورةٍ كبيرةٍ؛ ما أثَّر على فعالية نجاح الآلية الوزارية.
ختامًا
لازالت الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة السودانية مستمرة، وهو ما اتضح في الاجتماعات الدورية التي تعقدها دول جوار السودان لمناقشة تطورات المشهد في السودان ومدى تداعياتها على دول الجوار، فضلًا عن وجود متابعة مستمرة لتنفيذ مخرجات هذه الاجتماعات، فيما يُسْهِم في حلحلة الأزمة الراهنة، بجانب التخفيف من المعاناة الإنسانية التي يشهدها الشعب السوداني، فقد امتلكت دول جوار السودان القدرات السياسية واللوجستية التي لها تأثير كبير في مساعدة السودان، في إنهاء الأزمة الراهنة، فهذه القدرات لا تقتصر على الجوانب الميدانية فقط، بل إن التنسيق والاتصالات السياسية لها تأثيرٌ جوهريٌّ كبيرٌ في محاولة الوصول إلى تسويةٍ سلميةٍ للأزمة السودانية.