إعداد: عنان عبد الناصر
لايزال المشهد في السودان يزداد تعقيدًا، فمع دخول الأزمة شهرها السادس، تصاعدت وتيرة عمليات القصف المتبادل بين قوات الدعم السريع والجيش، وذلك في محيط القيادة العامة للقوات المسلحة في وسط الخرطوم وقاعدة جبل أولياء العسكرية أقصى جنوب الخرطوم، وقد قامت قوات الدعم السريع بتكثيف قصفها المدفعي العنيف، مستهدفةً في ذلك مقر قيادة الجيش، وهو ما تم مقابلته بشنِّ هجمات بالمدفعية الثقيلة والمسيرات من قِبَلِ قوات الجيش على مواقع الدعم السريع في شرق النيل ووسط وجنوب الخرطوم.
هجمات الدعم السريع تسيطر على المشهد الميداني
تصاعدت هجمات واسعة النطاق من قِبَلِ قوات الدعم السريع لعدة مناطق؛ حيث تعرَّض حي الجرافة شمال أم درمان مجددًا للقضف العشوائي، وهي المنطقة التي شهدت منذ أسبوع على الأقرب حادثة قصْف موقف للحافلات؛ أسفر عنها ما يقرب من 10 مدنيين، وقد استمرت الاشتباكات في حي الحلفايا بمدينة الخرطوم بحري شمال شرق العاصمة السودانية، بالإضافة إلى الاشتباكات البرية المتقطعة في محور أم درمان القديمة والمنطقة الصناعية وسلاح المهندسين.
وقد شنَّت قوات الدعم السريع هجومًا على بلدة ود عشانا، التي تقع على الحدود بين ولايتيْن بوسط السودان، بالإضافة إلى قيام الدعم السريع بمهاجمة قوات الجيش، ومن ثمَّ إعلان الدعم السريع السيطرة على بلدة ود عشانا، وقد انسحب الجيش إلى بلدة تندلتي بولاية النيل الأبيض، التي تقع على بُعْد 35 كم شرق ود عشانا، وقد أدى ذلك إلى فرار الآلاف المواطنين جرَّاء ذلك الهجوم، بالإضافة إلى انتشار الجثث في شوارع البلدة، وتفاقم عمليات النَّهْب والسرقة.
موقف قوات الجيش من تصاعد هجمات الدعم السريع
أوضحت بعض المصادر العسكرية، أن مسيرات الجيش استهدفت أماكن تموْضع قوات الدعم السريع، من خلال هجمات واسعة النطاق، شَمِلَت مدن العاصمة السودانية الثلاث (الخرطوم، وأم درمان، والخرطوم بحري)، وقد استمر قصف الجيش لتجمعات قوات الدعم السريع بالمدفعية الموجهة في مداخل أحياء وسط وجنوب غربي أم درمان ومحيط المنطقة الصناعية، وقد تواصلت الاشتباكات التي سعى الجيش من خلالها إلى القيام بعملية تنظيف المنطقة من قوات الدعم السريع.
وفيما يخُصُّ طبيعة المشهد الميداني بجنوب دارفور، فقد أعلن المتحدث الرسمي للقوات المسلحة في بيانٍ له، عن تصدِّي الجيش لهجوم جديد للميليشيات على الفرقة 16 مشاة بمدينة نيالا جنوب دارفور، وتكبيدها خسائر فادحة، بالإضافة إلى تصدِّيه لمحاولة هجوم على بلدة ود عشانا؛ فتشكيلات الجيش بمنطقة العاصمة المركزية، تقوم بكافة جهودها تجاه العدو، الذي يلجأ إلى القصف العشوائي داخل وخارج العاصمة؛ ما أدى إلى وقوع الكثير من الضحايا.
وكان هناك تحذيرات من قِبَلِ الجيش للمواطنين، حول الانتباه إلى أن العدو أصبح يلجأ إلى ارتداء أزياء خاصة بالقوات النظامية، مثل «زي الجيش، وجهاز الأمن والاستخبارات»؛ من أجل ارتكاب المزيد من الانتهاكات، وقد أكَّدت قوات الجيش أنها أفشلت كافَّة المحاولات الهجومية من قِبَلِ الميليشيات في هجومها على بعض المواقع داخل البلاد.
على الجانب الآخر، سادت مجموعة من الاتهامات المتبادلة بين الجيش وقوات الدعم السريع، حول قصف السفارة الإثيوبية؛ ما ألحق بها دمارًا كبيرًا، وقد نفت وزارة الخارجية بالسودان، قيام قوات الجيش بقصف مبنى السفارة الإثيوبية بالخرطوم؛ ما يُوحي أن ما تُردده قوات الدعم السريع ليس له أساس من الصحة، وأنها بمثابة محاولة فاشلة؛ لتشويه صورة قوات الجيش، وتم اعتبار ذلك الاعتداء بمثابة امتداد لجرائم الدعم السريع السابقة؛ نظرًا لاستهدافها منذ الأيام الأولى للحرب مقارَّ البعثات الدبلوماسية والقنصلية، ناهيك عن استهدافها المؤسسات العامة والمراكز الخدمية والقصف العشوائي للأحياء السكنية، على الجانب الآخر، اضطلعت قوات الجيش بكامل مهامها في حماية البعثات الدبلوماسية، والتي كانت محلَّ تقدير وإشادة من قِبَلِ الجميع.
وقد تصاعدت الاشتباكات في مدينة جنوب دارفور مجددًا، فقد استمرت المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع، بالتوازي مع الاقتتال القَبَلَيّ المستمر بين قبيلتيْ البني هلبة والسلامات، وقد أعلنت منظمة شباب من أجل دارفور (مشاد)، عن مبادرة كبرى؛ للصلح بين القبيلتيْن؛ لفتح المجال أمام عودة السلام الاجتماعي في الإقليم والمنطقة، وقد ناشدت المنظمة القبيلتيْن إلى وقف القتال الذي نجم عنه مئات القتلى وآلاف الجرحى والمصابين المفقودين؛ فهناك الكثير من الأطراف التي تسعى إلى تأجيج الصراع القَبَلَيّ والإثْنِيّ داخل الإقليم، والعمل على إثارة الفتن بين المُكوِّنات الاجتماعية المختلفة؛ حتى تُحقِّقَ أقصى استفادة ممكنة من حالة الفوضى وغياب الدولة داخل الإقليم.
تفاقم الأزمة الإنسانية داخل السودان
تسبَّبت الاشتباكات المستمرة بين قوات الجيش والدعم السريع في تهجير قسري لعشرات الآلاف من المواطنين، بالإضافة إلى تعرُّضهم للنهب وحرق الممتلكات، فضلًا عن عدم تمكُّن مجموعات كبيرة من المواطنين، الفارّين من العودة إلى بيوتهم؛ جرَّاء انتشار الجثث، وقاموا بمناشدة الجهات الفاعلة في المنظمات الإقليمية والدولية؛ للتدخل لمعالجة الوضع؛ تجنُّبًا لتفاقم التداعيات الصحية الخطيرة؛ جرَّاء انتشار الجثث في الشوارع.
وفي ظل انتشار الأوبئة، والسعي نحو السيطرة عليها، كان هناك تحذيرات من قِبَلِ وزارة الصحة والتنمية الاجتماعية، من تفاقم الأوضاع الصحية، خاصة في ظل انتشار حُمَّى الضنك وأوبئة الحميات، وكان هناك تشديدات على ضرورة الالتزام بالاشتراطات المطلوبة والإرشادات الخاصة بمكافحة الأوبئة، وتمَّ الإعلان عن تنفيذ عددٍ من الأنشطة الصحية، من خلال التعاون مع منظمات المجتمع المدني المحلية والإقليمية والدولية؛ لمواجهة الأوضاع الإنسانية المتدهورة؛ حتى لا يخرج الوضع عن السيطرة.
الموقف الأوروبي من الأوضاع الراهنة في السودان
تيقَّن المجتمع الدولي من عدم رغبة وجِدية طرفيْ الصراع في إنهاء الحرب، أو الجلوس على مائدة التفاوض؛ ما يُرجِّح اللجوء إلى ترتيبات إقليمية ودولية جديدة في مواجهة الطرفين، وقد بدأ بالفعل فرْض عقوبات فردية على أشخاص وكيانات، ويتوقع أن تتبعها عقوبات أخرى، أكثر شدةً؛ من أجل تكثيف الضغوط على الطرفيْن؛ للعودة إلى مائدة التفاوض، ناهيك عن وجود مقترح للعقوبات، تم طرحه في يوليو الماضي، ولكن لم تتم الموافقة عليه من قِبَلِ السفراء.
ومع تفاقم الأوضاع سوءًا، اتجه المجتمع الدولي نحو فرْض عقوبات تستهدف الأطراف الرئيسية في حرب السودان، فقد اتفق سفراء من الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات تتضمن تجميد أصول وحظْر سفر، ولكن يتعين موافقة وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قبْل أن يتمكن التكتُّل من البدْء في إضافة أفراد وكيانات إلى القائمة، وقد اعتزمت كُلٌّ من “الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، والنرويج، وألمانيا” تقديم طلب لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة؛ لإجراء تحقيقات حول الفظائع المرتكبة في السودان، التي تضمنت القتال على أساس عِرْقي.
ختامًا
تعتبر الحرب في السودان من أسرع الحروب والأزمات نموًا، ومن هذا المنطلق، فإن توحيد الجبهة الداخلية وصفوف القوى السياسية والمدنية، يعتبر بمثابة ركيزة أساسية؛ للخروج من حالة الفُرْقة والتشرذُم، وتحقيق عملية التفاوض من جديد، في مواجهة كافة المخاطر الفعلية، التي تعرقل وحْدة ومصير البلاد، وإنهاء حالة الحرب، بالإضافة إلى وضْع كافَّة الأُسُس التي تكْفُلُ عدم تجدُّد واشتعال النزاع مرةً أُخرى، أو ما يؤدي إلى إعادة إنتاج الأزمة السياسية التي أفْضَتْ إليها مرةً أُخرى.