إعداد: وسام العربي
تُعدُّ تطورات الوضع في السودان محطَّ اهتمام المجتمع الدولي؛ حيث تتزايد المخاوف حول تداعيات هذه الأزمة على المدنيين واللاجئين، وتأثيرها على الأمن الإقليمي والاستقرار، ووفقًا لتقارير منظمة العفو الدولية والأمم المتحدة، تحتدم معارك عنيفة في عددٍ من المناطق، وتتفشَّى جرائم الحرب والقتل المتعمد والعشوائي، إلى جانب جرائم الاعتداء الجنسي والنَّهْب الممنهج، وتتصاعد التحديات الإنسانية كذلك؛ حيث يعاني الملايين من السكان من انعدام الأمن الغذائي، وتتزايد أعداد النازحين واللاجئين إلى دول مجاورة، مثل “مصر”، وتزداد صعوبات وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة؛ بسبب استمرار النزاع والتوترات.
في هذا التقرير، سنستعرض أبرز تطورات المشهد السوداني وتأثيراتها الإنسانية والأمنية، كما سنسلط الضوء على الأوضاع الميدانية في مناطق النزاع والتحديات التي يواجهها المدنيون والنازحون.
أبرز تطورات المشهد السوداني:
أعلن الجيش السوداني عن مواصلة ضرباته المدفعية، تجاه نقاط وتجمعات قوات الدعم السريع، في عددٍ من المواقع بمدن “الخرطوم، وأم درمان، والخرطوم بحري”؛ ما خلَّف عشرات القتلى من قوات الدعم السريع والمدنيين؛ إذ قصفت قوات الجيش مراكز لقوات الدعم السريع جنوب وشرق الخرطوم، وسقطت قذائف مدفعية على أهداف أرضية، تابعة للدعم السريع في أحياء مختلفة من العاصمة، كما اندلعت معارك عنيفة في محيط سلاح المدرعات جنوبي الخرطوم؛ حيث تحاول قوات الدعم السريع السيطرة على الموقع، وتتمترس قوات الجيش للحيلولة دون سقوطه واحتلاله، وقد قال الناطق الرسمي باسم الجيش: إن قواته نفذت ضربات جوية ناجحة في منطقة سوبا ومواقع جنوبي الخرطوم، استهدفت تجمعات لقوات الدعم السريع، وأدَّت إلى عشرات القتلى والجرحى، وتدمير العشرات من العربات القتالية، بالإضافة إلى إعلان الجيش عن تحييد عددٍ من القناصين واشتباكات برية مع من يعمل لصالح قوات الدعم السريع في مناطق مختلفة، وشن غارات جوية على تمركزات الدعم السريع في مناطق جنوب الخرطوم، كما قد جرى تباين لتصريحات كُلٍّ من الجيش الوطني وقوات الدعم السريع حول الجهة المسيطرة على وسط دارفور؛ حيث كذَّب المتحدث باسم الجيش ادعاءات الدعم، وأقرَّ سيطرة الجيش على الإقليم، فضلًا عن سيطرته على مقر القيادة العامة للجيش، ومطار الخرطوم، وقد صرح وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، سعيه للوصول إلى تسوية في الشأن السوداني بالتعاون مع مصر، كما استضافت التشاد أول اجتماع وزاري لقمة دول جوار السودان.
رؤية “قحت”:
تبنَّت قوى الحرية والتغيير رؤية جديدة، تشمل بناء جبهة مدنية موسعة بالتعاون مع أحزاب وحركات مسلحة، باستثناء حزب المؤتمر الوطني المحلول؛ بهدف التشاور مع قوى مدنية وسياسية أخرى؛ لتوسيع الجبهة المدنية، والمساهمة في تحقيق الحل المستقبلي، ووقف الحرب بمسارات تفاوض، مثل “التشكيل الدستوري بعد انتهاء الحرب، واستعادة المسار الديموقراطي المدني”، ووفقًا لمسؤولين، فقد تواصلت مع حزب البعث العربي الاشتراكي منذ اندلاع الحرب، كما أن هناك جهودًا لتوحيد الجبهة المدنية، بالتعاون مع الحزب الشيوعي وقوى مدنية وسياسية أخرى لوقف الحرب، وقد تضمنت مفاوضات جدة نقاشًا حول آليات المراقبة بين طرفيْ النزاع، وتم الموافقة على دخول قوات حفظ سلام بقيادة المملكة العربية السعودية، وتكْمُن الأولوية القصوى حاليًا في وقف إطلاق النار الدائم؛ لعودة المواطنين إلى منازلهم، والبدء بالإعمار وتقوية الجبهة المدنية الموسعة، وقد تواصلت قيادة الجيش السوداني مع قوى الحرية والتغيير؛ حيث أجرى قائد الجيش اتصالًا هاتفيًّا مع عمر الدقير، هذا التواصل يهدف إلى التزام القوات المسلحة بالعمل على وقف الحرب، عبر منبر جدة.
تتطلع قوى الحرية والتغيير، وفق تصريحاتها، إلى تحقيق وقف إطلاق نار دائم أو طويل الأمد، وتمثل هذه الاتصالات خطوةً أُولى بعد انقطاعها؛ بسبب القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، كما تم عقد اجتماع موسع لقوى الحرية والتغيير في القاهرة، وتبنوا خطةً للدعوة إلى وقف الحرب، والمطالبة بتصنيف المؤتمر الوطني كجماعة إرهابية، بالإضافة إلى اجتماعات بروكسل، التي حضرها عددٌ من القيادات السياسية من قوى الحرية والتغيير والقوى المدنية، بناءً على دعوة من الاتحاد الأوروبي، والتي تناولت سُبُل وقف الحرب في السودان، والعودة إلى المسار المدني، وقد أعلن الاتحاد الأوروبي عن دعمه للجهود التي تهدف لوقف الحرب، ويمارس ضغوطًا على الطرفيْن، كما أكد دعمه لخيارات الشعب السوداني في تحقيق السلام والاستقرار، واستعادة الحكم المدني الديمقراطي.
الحرب تهدد الأمن الغذائي السوداني:
يواجه مواطنو السودان تهديدًا كارثيًّا بانعدام الأمن الغذائي الحاد؛ فوفقًا للأمم المتحدة ومنظمة الأغذية والزراعة، ازداد عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في البلاد بشكلٍ ملحوظٍ؛ بسبب الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، ويشير التقرير إلى أن أكثر من 20.3 مليون شخص؛ أي أكثر من 42% من سكان السودان، يعانون من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، كما يواجه ما يقرب من 6.3 مليون شخص مرحلة الطوارئ من مراحل الجوع الحاد؛ ما يعني أن هؤلاء الأشخاص يعانون من نقص حاد في التغذية، وعدم القدرة على الحصول على الطعام الكافي؛ لتلبية احتياجاتهم الغذائية اليومية، كما أن نازحي الحرب الذين بلغت أعدادهم نحو 4 ملايين شخص موزعين بين الداخل و الخارج السوداني، هذه الأعداد أدَّت إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، وزاد من حِدَّة انعدام الأمن الغذائي، والجدير بالذكر، أن المناطق التي تشهد النزاع النَّشِط، بما في ذلك “الخرطوم، وجنوب وغرب كردفان، ووسط وشرق وجنوب وغرب دارفور” هي الأكثر تهديدًا، وقد طالبت منظمة الأغذية والزراعة بتدخل لدعم أكثر من مليون مزارع؛ لإنتاج ما يكفي من الغذاء للشعب السوداني، ومواجهة أزمة الأمن الغذائي الحادة، ولكن النزاع الحالي، وصراع السلطة في السودان؛ جعل من الصعب وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة؛ ما يزيد من صعوبات التخفيف من الأزمة الإنسانية في البلاد.
تفاقم تداعيات الأزمة على مصر
أعلنت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، الأربعاء الماضي، أن أعداد الفارين من أعمال العنف في السودان إلى مصر قد تجاوز حاجز 279 ألف لاجئ، منذ اندلاع الصراع في السودان، كما أن الأعداد في تزايد، وفي ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية في مصر مع تزايد أعداد اللاجئين والمهاجرين؛ بسبب النزاع في السودان أصبح التدخل المصري لمعالجة الأزمة، والتوصل إلى تسوية سلمية مع تسوية ملف اللاجئين مسألة أمن قومي بالنسبة لمصر.
وختامًا:
تتطلب التطورات الحالية في السودان تحرُّكًا عاجلًا وجادًا من المجتمع الدولي والأطراف المعنية؛ لإيجاد حلول سياسية وإنسانية لهذه الأزمة المتصاعدة؛ فمن المهم أن تركز الجهود على وقْف التصاعُد في العنف، وتنفيذ اتفاقات وقف إطلاق النار، والعمل على تحقيق السلام والاستقرار، وفي هذا الصدد، نوصي بالآتي:
- دعم وتوفير المساعدات الإنسانية العاجلة: يجب على المجتمع الدولي زيادة الجهود؛ لتوفير وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين ونازحي الحرب في السودان، وذلك عن طريق التعاون مع منظمات الإغاثة والهيئات الإنسانية، مع تعهُّد الأطراف المتنازعة بعدم التعرُّض للإغاثات؛ لضمان وصول المساعدات إلى المناطق المتضررة.
- تسهيل التوصل إلى تسوية سلمية: يجب على المجتمع الدولي العمل مع جميع الأطراف المعنية؛ لتسهيل التوصل إلى حلول سياسية وتسويات سلمية للصراعات الحالية في السودان، كما ينبغي على كُلٍّ من الجيش وقوات الدعم السريع تحييد المصالح، والبدء في المفاوضات الجدية للتسوية السلمية، والاستجابة للمبادرات المطروحة، مثل “منبر جدة، والمبادرة المصرية”.
- تقديم الدعم للدول المستضيفة للاجئين: يجب على المجتمع الدولي تقديم الدعم، والمساعدة للدول المستضيفة للنازحين واللاجئين من السودان، مثل “مصر”؛ وذلك لتخفيف الأعباء الاقتصادية والاجتماعية عنها.