المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تطورات وآفاق الشراكة الدفاعية بين تركيا والإمارات
تطورات وآفاق الشراكة الدفاعية بين تركيا والإمارات
- أغسطس 11, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: أماني السروجي
باحث في برنامج دراسات الدول التركية
شهدتْ العلاقاتُ بين تركيا والإمارات العربية المتحدة تحولًا لافتًا في السنوات الأخيرة، انتقلت خلاله من التوتر والتنافس الإقليمي إلى مسارٍ متسارعٍ من التقارب والتعاون المتعدد الأبعاد، فعَقِبَ سنواتٍ من الخلافات السياسية الحادة، بدأت الدولتان بإعادة بناء الثقة وتوسيع مجالات الشراكة، مدفوعة بتغيرات إقليمية ودولية فرضت واقعًا جديدًا من البراغماتية والبحث عن توازن المصالح.
وفي هذا السياق، برزَ التعاونُ الدفاعيُ كأحد أبرز مؤشرات هذا التحول، حيث شهدت العلاقات تطورًا لافتًا في المجال العسكري، خاصةً فيما يتعلق بالصفقات التسليحية ونقْلِ التكنولوجيا، ما يعكسُ رغبةً متبَادلةً في بناء شراكةٍ تقَنيةٍ واستراتيجيةٍ، تواكب التحولات الجيوسياسية في الإقليم، وتعيدُ رسْمَ التموضع الاستراتيجي لكل طرفٍ ضمن خارطة الأمن الإقليمي والدولي.
لذا يتناول هذا التقرير أبرز مراحل تطور الشراكة الدفاعية، ويحلل مرتكزاتها التقنية والاستراتيجية، ويستشرف آفاقها المستقبلية.
أولاً: مسار التطور المرحلي في العلاقات الدفاعية
يمكن تقسيم تطور العلاقات الدفاعية والعسكرية بين تركيا والإمارات خلال الفترة منذ 2021، إلى ثلاث مراحل رئيسية، تمثّلُ كلٌ منها نقلةً نوعيةً في مستويات التعاون وحجم الثقة المتبادلة:
المرحلة الأولى: التقارب وبناء الأسس (2021–2022)
شهد عام 2021 انطلاقةً جديدةً في العلاقات التركية–الإماراتية، حيث بدأت العلاقات في الخروج من حالة الجمود السياسي نحو التقارب عبر الزيارات رفيعة المستوى، بدأت بزيارة الشيخ طحنون بن زايد، مستشار الأمن الوطني الإماراتي، إلى أنقرة في أغسطس، والتي حملتْ طابعًا تاريخيًا، حيث التقى خلالها الرئيس رجب طيب أردوغان، ما مثّل نقطةَ تحوّلٍ لفتْحِ صفحةٍ جديدةٍ في العلاقات الثنائية بعد سنواتٍ من التوتر، وتم التركيز خلال اللقاء على التعاون الاقتصادي والدفاعي، باعتباره محورًا رئيسيًا لإعادة بناء الثقة.[1]
تواصلَ الزخمُ الدبلوماسي في نوفمبر من العام ذاته، حين أجرى الشيخ محمد بن زايد – ولي عهد أبو ظبي آنذاك – زيارةً رسميةً إلى تركيا، نتَجَ عنها توقيع 12 اتفاقيةً ومذكرة تفاهم، من أبرزها الإعلانُ عن تأسيس صندوقٍ استثماريٍ إماراتيٍ بقيمة 10 مليارات دولار، خُصص للاستثمار في قطاعاتٍ استراتيجيةٍ مثل الصناعات الدفاعية والطاقة، والصحة، والأمن الغذائي،[2] وفي فبراير 2022، ردَّ الرئيس أردوغان الزيارةَ من خلال أولِ زيارةٍٍ رسميةٍ له إلى الإمارات منذ قرابة عقدٍ من الزمان، ما عزز المسار التصالحي، وتم توقيع 13 اتفاقية تعاون شملتْ مجالاتٍ متعددةً أبرزُها الدفاعُ، ما وضع الأسس الأولية لبناء الثقة.[3]
تطورتْ العلاقاتُ بشكلٍ ملحوظٍ في مايو من العام نفسه، مع زيارة وزير الدولة الإماراتي لشؤون الدفاع محمد البواردي لتركيا، حيث التقى نظيره التركي خلوصي أكار، وبحثا تطويرَ التعاون في مجالاتِ التدريب العسكري والصناعات الدفاعية، وقد شملتْ الزيارةُ اطلاع الجانب الإماراتي على مستجدات الصناعة الدفاعية التركية، من خلال جولاتٍ في شركات مختصةٍ، تلا ذلك في يوليو زيارة رئيس أركان القوات المسلحة الإماراتية الفريق الركن حمد الرميثي إلى تركيا، حيث ناقشَ مع رئيس الأركان التركي سبل تعزيزِ التعاونِ العسكري واستعرضا القضايا ذات الاهتمام المشترك،[4] وفي سبتمبر 2022 قامت شركة “بايكار” التركية بتسليم 20 طائرة مسيّرة من طراز “بيرقدار TB2” للإمارات، في خطوةٍ تمثّلُ بداية التعاون العملي في قطاع الطائرات بدون طيار.[5]
المرحلة الثانية: الشراكة الاستراتيجية (2023)
شهد هذا العام ترسيخًا فعليًا للشراكة عبر توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة في مارس، خلال قمة عُقدت عبر الاتصال المرئي، أعقبها إعلانٌ ضخمٌ عن 13 اتفاقيةً بقيمة 50.7 مليار دولار خلال زيارة محمد بن زايد إلى تركيا في يوليو بصفته رئيسًا لدولة الإمارات،[6] إلى جانب إنشاء “اللجنة الاستراتيجية العليا” يترأسه رئيسا تركيا والامارات، في خُطوةٍ رمزيةٍ لرفْعِ العلاقات إلى مستوى “الشراكة الاستراتيجية الشاملة”،[7]
وكان لقطاعِ الصناعات الدفاعيةِ نصيبٌ كبيرٌ من الاتفاقيات، إذ تمَّ توقيعُ مذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي بين “مجلس التوازن” الإماراتي و”هيئة الصناعات الدفاعية التركية”، في مجال الصناعات الدفاعية، كما جرى توقيعُ مذكرةِ تفاهمٍ بين وكالة الإمارات للفضاء ووزارة العلوم والصناعة والتكنولوجيا التركية ووكالة الفضاء التركية للتعاون في مجال تطوير قدرات مركبة الإطلاق المشتركة للأغراض التجارية.[8]
وفي أكتوبر 2023 قامت الدولتان بتوقيع 24 اتفاقيةً إطاريةً لتعزيز التعاون الصناعي الدفاعي، خلال فعاليةٍ لصناعة الدفاع في أنقرة، نُظِّمت بالتعاون بين شركة معارض الدفاع SAHA، ومقرُها إسطنبول، ومجموعة إيدج، شاركت فيها 125 شركةً تركيةً إلى جانب 10 فروع لمجموعة “إيدج” الإماراتية، وفي إطار هذه الاتفاقيات، أنشأت مجموعة إيدج شركة “مالاث” في الإمارات لإدارة تعاونها مع شركة SAHA بهدف تنسيق برامج الدفاع بين البلدين، وستشمل هذه البرامج مشاريع مشتركة، وتجارة مباشرة في صناعة الدفاع، واستثمارات، وإنتاجًا مشتركًا”.[9]
المرحلة الثالثة: التعمق والتوسع ( 2024- حتى الآن )
مع مَطلعِ عام 2024، بدأت الشراكة الدفاعية بين الطرفين تدخل طورًا جديدًا يتسمُ بالتعمق الهيكلي والتوسّع التقَنيِ، وأكثر تركيزًا على النتائج الملموسة، حيث افتتحت شركة “أسيلسان”إحدى أعمدة الصناعات الدفاعية التركية مكتبًا لها في أبو ظبي، في خُطوةٍ عكست رغبةً تركيةً واضحةً في التمركز داخل السوق الإماراتي كفاعلٍ صناعيٍ دائمٍ.[10]
في السياق ذاته، شهد أكتوبر 2024 توقيعَ اتفاقياتٍ نوعيةٍ بين شركة “كالدس” الإماراتية وكل من “أسيلسان” و”هافيلسان”، خلال فعاليات معرض “ساها إكسبو 2024، وهي تهدف إلى تنفيذِ مشاريع تحديثٍ شاملةٍ لقُمرةِ القيادة، تضمن تقديمَ حلولٍ مبتكرةٍ تلبّي المتطلباتِ التشغيليةَ الحالية والمستقبلية،[11] ولم تكنْ هذه الاتفاقيات تكميليةً أو رمزيةً، بل جاءت في وقتٍ حاسمٍ لتكريس مسار التصنيع المشترك، خاصةً بعد أن بدأت نتائج التعاون تأخذ طابعًا عمليًا واضحًا، ولعل أبرزَ هذه النتائج تمثّلَ في تسليم الإمارات أول طائرة من طراز “بيرقدار أقنجي” في ديسمبر من العام ذاته.[12]
أما في عام 2025، فقد اتّسمَ باستمرارية الدفع السياسي والعسكري للعلاقة، في صورةٍ ديناميكيةٍ تُبرزُ أن الشراكةَ بين البلدين أصبحت جزءًا من هندسةٍ استراتيجيةٍ متواصلةٍ، حيث عُقدت اجتماعاتٌ بين مسؤولين عسكريين من الجانبين لبحث سبل تعزيز التعاون الثنائي،[13] وتَبِعَ ذلك مشاركة تركية فاعلة في معرض “آيدكس 2025” في أبو ظبي، وتُوّج العامُ في يوليو بزيارةٍ رسميةٍ جديدةٍ أجراها الشيخ محمد بن زايد إلى تركيا، أسفرت عن توقيع 7 اتفاقيات جديدة تؤكد استمرارية الشراكة وتوسعها في أفق متعدد المجالات.[14]
ثانيًا: مرتكزات التعاون الدفاعي بين البلدين
يمتدُ التعاونُ الدفاعيُ بين تركيا والإمارات على عدة مستوياتٍ مترابطةٍ، تعكس توجّهًا نحو بناءِ شراكةٍ تقنيةٍ–صناعيةٍ شاملةٍ تتجاوز مفهوم التوريد العسكري التقليدي، وتتمثل أبرز مجالات التعاون بين البلدين في التالي:
التعاون في الصناعات الدفاعية المتخصصة
الطائرات المسيّرة والقتالية
شهد التعاون التركي–الإماراتي في مجال الطائرات المسيّرة تطورًا ملحوظًا، حيث وقّعت الإمارات في عام 2023 عقدًا شاملًا مع شركة بايكار التركية لشراء 120 طائرةً من طراز بيرقدار TB2، تمَّ تسليم أكثر من 20 طائرة منها خلال نفس العام، كما عززت أبو ظبي قدراتها الجوية عبر استلامِ أولِ طائرةِ بيرقدار أقنجي في ديسمبر 2024، لتنضمَّ إلى قائمةٍ تضم 12 دولة تستخدم هذا الطراز المتقدم بقدرات تشمل التحليق على ارتفاع 40,000 قدم، وسرعة 250 عقدة، وحمولة أسلحة تصل إلى 1,500 كجم مع أنظمة توجيه متطورة.[15][16]
الطائرات التدريبية
في قطاع التدريب، وقّعت شركة TAI التركية وشركة كالدس الإماراتية اتفاقيةً لتطويرٍ مشتركٍ لطائرة التدريب HÜRKUŞ، بهدف تحديث قدرات التدريب في القوات الجوية الإماراتية ودمج ترقيات تقنية متقدمة.[17]
الشراكات الصناعية والتقنية ونقل التكنولوجيا
التعاون بين الشركات الكبرى
تضمّن التعاونُ شراكةً بين شركة بايكار ومجموعة إيدج الإماراتية لتطوير أنظمة الطيران بدون طيار، إضافةً إلى التعاون مع أكثر من 125 شركة دفاعية تركية، شملت شركة أسيلسان المتخصصة في الإلكترونيات العسكرية، وهي أكبرُ شركةٍ دفاعيةٍ في البلاد؛ وشركة الصناعات الجوية التركية العملاقة في مجال تكنولوجيا الطيران؛ وشركةِ إنتاجِ المحركات توساس إندستريز؛ وشركة صناعة الصواريخ روكيتسان؛ وشركةِ تصنيعِ الطائرات بدون طيار بايكار؛ وشركةِ إنتاجِ البرمجيات العسكرية هافلسان؛ وشركة إس تي إم وهي شركة مُتحكَّم بها حكوميًّا لتقنيات الدفاع.[18]
كما عقدتْ شركةُ كالدس الإماراتية اتفاقياتٍ مع أسيلسان في مجال الحلول الإلكترونية المتطورة، ومع هافيلسان في أنظمة التدريب، ومع TAI في تطوير طائرة HÜRKUŞ،[19] فضلًا عن مذكرة تفاهمٍ مع شركة Ctech التركية، لاستكشافِ مشاريعَ مشتركةٍ في مجال الاتصالات عبر الأقمار الصناعية وأنظمة ربط البيانات للتطبيقات العسكرية.[20]
نقل التكنولوجيا والتوطين الصناعي
يرتكزُ التعاونُ على دعم سلاسل التوريد وبرامج التوطين الصناعي، وتطوير القدرات المحلية في الصناعات الدفاعية، وتعزيزِ الابتكارِ المشترك وتبادل الخبرات، مع العمل على تصنيعِ مكوناتٍ دفاعيةٍ داخل الإمارات بالاعتماد على التكنولوجيا التركية.[21]
التدريبات العسكرية المشتركة
مثّلت مشاركة الإمارات في تدريبات نسر الأناضول 2023 نموذجًا عمليًا للتعاون الدفاعي، حيث أسهمت في تبادل الخبرات والتكتيكات العسكرية بين قوات البلدين، ووفرت بيئة لاختبار قدرات المنصات المشتركة في ظروف عملياتية.[22]
التعاون في المعارض والمنتديات الدفاعية
معرض آيدكس 2025
حظيتْ شركاتُ الدفاع التركية الكبرى باهتمام ملحوظ، خلال هذا المعرض، وهو يُمثّل منصةً عالميةً لعرْضِ أحدثِ التقنيات الدفاعية، وتعزيز التعاون بين الجهات الدفاعية الدولية، كما توصلت أيضًا إلى صفقاتٍ جديدةٍ للتعاون، حيث وقّعت شركة FNSS التركية مذكرةَ تفاهمٍ مع شركة AL TAIF، وهي إحدى شركات مجموعة إيدج، لتحديث أسطول محدد من مركبات القتال المشاة التابعة للقوات المسلحة الإماراتية لتعزيز جاهزيتها التشغيلية وأدائها في ساحة المعركة، فضلاً عن توقيع مذكرة تفاهم بين TUSAŞ وشركة كالدس، مع اتفاقيات لنقل التكنولوجيا وتطوير قدرات الإنتاج، بحضور رئيس الصناعات الدفاعية التركية هالوك غورغون.[23]
معرض IDEF التركي
شهدَ معرضُ IDEF 2025 مشاركةً إماراتيةً موسّعةً بجناحٍ وطنيٍ متكامل تحت إشراف مجلس التوازن، وعرض أكثر من 15 منتجًا وتقنية متقدمة من الصناعات الإماراتية، مع توقيع مذكرات تفاهم جديدة بين البلدين، حيث وقّعت رئاسة الصناعات الدفاعية التركية مذكرة تفاهم مع مجموعة كالدس القابضة الإماراتية، تشمل دعم التعاون في سلاسل التوريد وبرامج التوطين الصناعي.[24]
كما وقّعت كالدس مذكرة تفاهمٍ مع شركةCtech التركية لاستكشاف مشاريع مشتركةٍ في مجال الاتصالات عبر الأقمار الصناعية وأنظمة ربط البيانات للتطبيقات العسكرية، بالإضافة إلى اتفاقيةِ تعاونٍ استراتيجيٍ مشتركٍ مع شركة “أسيلسان “، بهدف تعزيز أوجه التعاون التكنولوجي والصناعي بين الشركتين، وتطوير سلاسل التوريد الخاصة بمكونات الأنظمة الدفاعية المصنعة من قِبلِ الطرفين، بما يفتحُ آفاقاً جديدةً للتكامل الصناعي والتقَني في مجالات التكنولوجيا والدفاع.[25]
الاتفاقيات الأمنية