المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > تطورُ الدورِ التركيِ في ليبيا
تطورُ الدورِ التركيِ في ليبيا
- ديسمبر 22, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات
إعداد: أماني السروجي
باحث مساعد في برنامج دراسات الدول التركية
تمثلُ ليبيا أهميةً استراتيجيةً بالغةً لتركيا، ليس فقط بسبب قربها الجغرافي وعلاقاتها التاريخية والثقافية، بل أيضًا لدورها المحوري في تأمين المصالح التركية في شرق المتوسط، حيث تُعتبرُ ليبيا بوابةً حيويةً لتوسيع النفوذ التركي في المنطقة، فضلاً عن ارتباطها المباشر باتفاقيات ترسيم الحدود البحرية التي تسعى أنقرة من خلالها إلى تعزيز مكانتها الجيوسياسية والاقتصادية. كذلك، تُعد ليبيا ساحةً استراتيجيةً لترسيخ النفوذ التركي في شمال أفريقيا وتوسيع نطاق التعاون السياسي والاقتصادي.
وفي هذا الإطار، تبنتْ تركيا سياسةً برجماتيةً تجاه ليبيا خلال المرحلة الراهنة التي تشهدُ انتقالَ البلاد من الصراع المسلح إلى التنافس السياسي والدبلوماسي. ومع استمرار الانقسامات بين شرق وغرب ليبيا، تعملُ تركيا على تعزيز المصالحة السياسية ودعم الاستقرار من خلال مبادراتٍ متوازنةٍ تشملُ تعزيز العلاقات مع كلا الطرفين، فقد عززت أنقرة حضورها عبر الانفتاح على معسكر الشرق الليبي، مع الحفاظ على شراكاتها الاستراتيجية مع الغرب الليبي، لذا يهدفُ هذا التقرير إلى تسليط الضوء على أبرز تطورات الدور التركي في ليبيا خلال الفترة الأخيرة، واستشراف تأثير هذا التطور على مستقبل النفوذ التركي في ليبيا.
الانفتاحُ التركيُ على معسكر الشرق الليبي:
منذُ الإطاحةِ بنظام القذافي عام 2011، تعيش ليبيا في فوضى سياسيةٍ شديدةٍ، ولاحقا تنازعت حكومتان على السلطة: واحدة في الشرق، والأخرى في الغرب، وفي إطار هذه الفوضى اتجهت تركيا نحو تعزيز وجودها العسكري والسياسي في ليبيا، خاصةً منذ عام 2019، من خلال دعم حكوماتِ الغربِ المتتالية عبر صفقات الأسلحة وإرسال المرتزقة. ورغم الخلافات وحالة العداء التي ترسّختْ بين قيادات الشرق الليبي وتركيا، لا سيما بعد توقيع اتفاقية الحدود البحرية بين تركيا وحكومة الوفاق عام 2019، واتفاقيات التعاون الأمني والاقتصادي مع حكومة طرابلس عام 2020، بدأ الوجود التركي في الشرق الليبي بالتزايد تدريجيًا خلال الفترة الأخيرة، واتجهتْ أنقرة إلى تبنّي سياسة موازنةٍ بين الجانبين لتحقيقِ مصالحها في البلاد.
بدأتْ ملامحُ المرحلةِ الجديدةِ من العلاقات بين تركيا ومعسكر الشرق الليبي من خلال عدة خطواتٍ هامة، منها عقْدُ لقاءاتٍ استكشافية غير معلنةٍ بين مسؤولين أتراك وآخرين من شرق ليبيا، كما تمَّ الإعلان عن إعادة فتح السفارة التركية في بنغازي، بعد إغلاقها منذ عام 2014، كما تم التأكيد على خططٍ لاستئنافِ الرحلات الجوية بين تركيا ومطارات شرق ليبيا، التي توقفت منذ سنوات، وهو ما يعكسُ تطورًا في العلاقات بين الجانبين وتعزيزًا للتعاون الثنائي.
واتجهت العلاقات بين الطرفين نحو مرحلةٍ أكبر من الانفتاح بعد زيارة مدير عام صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا بلقاسم نجل حفتر إلى أنقرة في يوليو 2024، ولقائهِ وزير الخارجية هاكان فيدان، حيث ناقشا سُبل تطويرِ التعاونِ الثنائي بين البلدين، وهو ما يمثلُ نقلةً نوعيةً في علاقات أنقرة بأطراف الصراع في ليبيا، لا سيَّما في ظل تمسكها بالاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية المسيطرة على العاصمة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، كما ساهمَ في تغييرِ الصورةِ النمطية للوجود التركي في المنطقة، كما أنه من الجدير بالذكر أن نشيرَ إلى أنه قد سبق هذه الزيارة، توقيعُ بلقاسم حفتر عقودَ عملٍ مع شركاتٍ تركيةٍ لتنفيذ عدة مشاريع في مجال المقاولات العامة والتجهيزات والبنية التحتية في مدينة بنغازي، وذلك تمهيدًا لمباشرة أعمالها بالمدينة.
التعاونُ التركيُ المصري في الملف الليبي:
يشكلُ الوضعُ في ليبيا أحدَ المحاور الرئيسية للتعاون بين تركيا ومصر، لا سيما مع تعقيدات الأزمة الليبية وتعددِ الأطرافِ الفاعلةِ في المنطقة، لذا تسعى كلٌ من أنقرة والقاهرة إلى التنسيق المستمر لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية التي تهددُ استقرارَ ليبيا، ومن خلال التعاون الثنائي، يتطلع البلدان إلى تقديم حلولٍ تضمن وحدة ليبيا، وتدعم مؤسساتها الشرعية، وتحدُّ من التدخلات الخارجية، مما ينعكس إيجابًا على الأمن الإقليمي والمصالح المشتركة للبلدين.
وفي هذا الإطار وقّعت كلٌ من تركيا ومصر على الإعلان المشترك حول إعادة تشكيل اجتماعات مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى في 14 فبراير 2024، خلال زيارة الرئيس التركي أردوغان إلى القاهرة، ويُعتبر المجلسُ منصةً لتوسيع التعاون في قضايا ذات أهمية إقليمية ودولية، مثل الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، والقرن الإفريقي، ومواجهة التحديات الإقليمية، لا سيَّما الأزمة الليبية.
وعُقدَ الاجتماعُ الأول للمجلس في 4 سبتمبر 2024، برئاسة كل من الرئيس السيسي ونظيره التركي أردوغان، وتم التأكيدُ خلال الاجتماع على التعاون لمواجهةِ التحديات الإقليمية والأزمات في القرن الأفريقي ومنطقة الشرق الأوسط، وبشكلٍ خاص مثّلَ الملف الليبي أحدَ أهم القضايا التي تمَّ التحدثُ عنها، حيث أتفق الطرفان علي طيِّ صفحةِ الأزمة الممتدة في ليبيا عبر إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن، وأكد الطرفان تطلعَهما لدعم عمليةٍ سياسيةٍ بملكية وقيادة ليبية، وبتسهيلٍ من قِبلِ الأمم المتحدة بهدف الحفاظ على أمن واستقرار وسيادة ليبيا وسلامتها الإقليمية ووحدتها السياسية.
وعُقدتْ الجولة الثانية من المشاورات بين البلدين حول الأوضاع في أفريقيا بشكلٍ عام وليبيا بشكل خاص في القاهرة في 11 نوفمبر 2024، وتمَّ التأكيدُ خلال هذا الاجتماع على أهميةِ إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في أقرب وقتٍ ممكن، لتحقيق الاستقرار السياسي في ليبيا وتجاوزِ الأزمةِ المستمرة منذ سنوات، كما تمَّ التأكيد على ضرورة تعزيز الثقة بين مختلف الأطراف الليبية لضمان قبولِ نتائج الانتخابات، التي ستشرفُ عليها المفوضية العليا للانتخابات.
استضافةُ اجتماعِ اللجنةِ العسكرية الليبية المشتركة (5+5)
استضافت تركيا اجتماعَ اللجنة العسكرية الليبية المشتركة 5+5 في وزارة الدفاع التركية في أنقرة، في نوفمبر 2024 وقد جاءت هذه الخطوةُ في سياق السعي التركي للحفاظ على استقرار ليبيا ووحدةِ أراضيها، وتضمُ اللجنة 5 أعضاء من المؤسسة العسكرية في غرب ليبيا، و5 آخرين من طرفِ قائدِ قواتِ الشرق الليبي، خليفة حفتر، وقد تمَّ تأسيسُها منذ أعوامٍ لتوحيد المؤسسة العسكرية، تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا.
أبرزُ أسبابِ التحولِ الاستراتيجي في سياسة تركيا تجاه ليبيا:
شهدتْ السياسةُ التركيةُ تحولًا استراتيجيًا في ليبيا، فبعد سنواتٍ من دعم المعسكر الغربي اتجهت تركيا خلال السنوات الأخيرة نحو تعزيز العلاقات مع شرق البلاد، وذلك مع الحفاظ على علاقاتها ودعمِها لمعسكرِ الغرب الليبي، وهذا التحولُ يعكسُ سعيَ أنقرة إلى إعادة تموضعها بما يخدمُ مصالحَها الاقتصاديةَ والسياسيةَ، في ظل تغيراتٍ إقليميةٍ ودوليةٍ كبيرة. من خلال موازنة علاقاتها مع الأطراف المختلفة في ليبيا، حيث تسعى تركيا للحفاظ على نفوذها في منطقة حيويةٍ غنيةٍ بالموارد الطبيعية، وتعزيز مكانتها كوسيطٍ أساسيٍ في الشرقِ الأوسط وشمال أفريقيا، وتتمثلُ أبرزُ أسباب تحول السياسيات التركية في ليبيا في التالي:
1- التقاربُ الإقليميُ كعاملٍ رئيسي: حيث إن التحولاتِ في العلاقات التركية مع قوىً إقليميةٍ مثل مصر والإمارات دفعت أنقرة لإعادة النظر في استراتيجيتها في ليبيا، هذا التقاربُ خففَ التوتراتٍ وأتاحَ لتركيا فرصةً لتوسيع وجودها في الشرق الليبي، ما يُسهمُ في بناء شراكاتٍ جديدةٍ تعزز الاستقرار الإقليمي.
2- المصالحُ الاقتصاديةُ كمحركٍ أساسي: تمثلُ المواردُ الغنيةُ في الشرق الليبي، لا سيما النفط والغاز، دافعًا رئيسيًا لتركيا لتعزيز وجودها في المنطقة، حيث تسعى تركيا لتعزيز دورها في هذا القطاع من خلال استثماراتٍ في مشاريع الطاقة، كما تأملُ في حال نجاح المشاورات مع مصر وتحقيق الاستقرار في ليبيا، أن تحصلَ على عقودٍ جديدةٍ في مجالات التنقيب عن النفط والغاز، لا سيما في المناطق البحرية التي تشهدُ نزاعاتٍ حول الحدود البحرية، مثل التي تشملُ البحر الأبيض المتوسط.
كما ترغبُ أنقرة في الحصول على نصيبٍ كبيرٍ من مشاريع إعادة الإعمار، لا سيما بعد الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية خلال النزاع، وذلك فضلاً عن سعيها لحماية اتفاقية ترسيمِ الحدودِ البحريةِ مع حكومة طرابلس، التي تمنحُ تركيا حقوقًا واسعةً في التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط.
3- موازنةُ النفوذِ الدولي: فمع وجودِ عدةِ أطرافٍ دوليةٍ وإقليميةٍ في المشهد الليبي، تسعى تركيا لتعزيز موقعها عبر الانخراط مع مختلف الأطراف، وهذا التحركُ يدعم مكانتها كوسيطٍ محوريٍ ويتيحُ لها الاستفادةَ من التغيرات السياسية المقبلة، مثل الانتخابات الليبية.
4- توفيرُ بيئة استثمار آمنةٍ لتركيا في ليبيا: ففي حال نتجَ عن المشاورات بين مصر وتركيا تسويةُ بعض القضايا السياسية والأمنية في ليبيا، فإن ذلك سيؤدي إلى تحسّنٍ في بيئة الاستثمار بشكلٍ عام، ويساهمُ الاستقرارُ السياسي والأمني بشكلٍ كبيرٍ في تعزيز ثقة الشركات التركية في الاستثمار في مشاريعَ طويلةِ الأمد في ليبيا، خاصة في مجالات مثل الطاقة والبنية التحتية.
5- تعزيزُ النفوذِ السياسي التركي في ليبيا: فتعزيزُ الدورِ التركي في ملف الأمن والطاقة في ليبيا، من الممكن أن يفتحَ أمامها مزيدًا من الفرص السياسية، فوجودها المستمر في ليبيا، يمكنُ أن يجعلها جزءًا أساسيًا من الحلول السياسية المستدامة في ليبيا، وهو ما يمكن أن يعززَ من قدرتها على التأثير في القرارات الداخلية والخارجية الليبية.
6- تعزيزُ دورِ تركيا كفاعلٍ رئيسي في التسوية الليبية: فقد أثبتت تركيا نفسها كلاعبٍ رئيسيٍ في الأزمة الليبية، من خلال دعم حكومة الوفاق الوطني السابقة وحكومةِ الوحدةِ الحالية، ومن خلال المشاورات مع مصر، وتعزيز علاقاتها مع معسكر الشرق الليبي، يمكنُ الوصولُ إلى تسويةٍ سياسيةٍ شاملة في ليبيا، وتحقيقِ توافقٍ بين الأطراف الليبية المختلفة، وبالتالي سيُنظرُ إلى تركيا كمساهمٍ أساسيٍ في الحلول السياسية المستدامة، كما يمكن أن تستفيدَ من العلاقات الجيدة مع معظم الفصائل السياسية والعسكرية الليبية، مما ما يتيح لها دورًا فاعلًا في أي عمليةٍ تفاوضية، والتعاون مع مصر في هذا الملف أن يعززَ من دور تركيا كوسيطٍ محايدٍ وقويٍ في معالجة الخلافات بين الأطراف الليبية، وهو ما يُعززُ مكانتَها كفاعلٍ رئيسيٍ في استقرار المنطقة.
مستقبلُ تنامي النفوذ التركي في ليبيا:
منذ تبنّت تركيا سياسةَ الانفتاحِ على أفريقيا في عام ٢٠٠٥، وهي تعملُ على ترسيخ تحالفاتها وتعزيز نفوذها في ثلاثِ مناطقَ حيويةٍ في أفريقيا، القرن الأفريقي، وليبيا وامتدادها في الساحل والصحراء، وساحل غينيا، وذلك لما تتمتعُ به هذه المناطق من مواردَ طبيعيةٍ وحيويةٍ مثل الغاز والنفط، فضلاً عن وجودِ فرصٍ استثماريةٍ واعدةٍ وسوقٍ استهلاكية ضخمة أمام البضائع والأسلحة والمعدات العسكرية التركية، واليوم أصبحت تركيا لاعباً في أفريقيا يُؤخذُ على محمل الجد، وشريكا مرغوباً فيه من الدول الأفريقية، وذلك بفضل ماضيها غير الاستعماري، ومشاريعها في مجال الطاقة والدفاع، لذا من المتوقع أن تشهدَ السنوات القادمة تنامي للنفوذ التركي في جميع أنحاء القارة، وتعاظم لنفوذها في مناطق تواجدها الحالية.
وفي هذا السياق يُتوقعُ أن يستمرَ تصاعد النفوذ التركي في ليبيا، حيث تُعدُ ليبيا دولةً ذات أولويةٍ كبيرةٍ في السياسة الخارجية التركية، لا سيما بعد توقيع عدة اتفاقيات مع حكومات الغرب الليبي، وهو ما يساعدُ أنقرة على تعزيز نفوذها الإقليمي والهيمنة على ممرات التجارة والطاقة شرق المتوسط، حيث إن ما تتمتعُ به ليبيا من احتياطيات نفط وغاز يجعلها شريكا أساسيًا لأنقرة التي تستورد نحو 90٪ من احتياجاتها من النفط والغاز، كما أن الاتفاقياتِ الأمنية والعسكرية بين تركيا وحكومة طرابلس توفر لأنقرة فرصةً لتوسيع تواجدها العسكري في المنطقة، ما يعززُ قدرتها على التأثير في مستقبل ليبيا ويؤمن مصالحها البحرية والبرية على المدى الطويل.
كما أن تصاعد النفوذ التركي بشكل كبير في المنطقة خلال الفترة الأخيرة، لا سيما بعد نجاح الوساطة التركية في الأزمة بين أثيوبيا والصومال، لضمان وصول أثيوبيا إلى المياه الدولية عبر الصومال دون المساس بسيادة الصومال الإقليمية، وتوقيعِ إعلانِ أنقرة في ديسمبر 2024، لحلّ الخلافاتِ بين البلدين، بالإضافة إلى تنامي النفوذ التركي في سوريا لا سيما بعد سقوط نظام بشار الأسد، بعد دعم أنقرة لفصائل المعارضة التي كانت تسيطر على الخطوط الأمامية وخاصةً الجيش الوطني السوري، من الممكن أن ينعكسَ إيجابيًا على النفوذ التركي في ليبيا، حيث من الممكن أن يخلقَ حالةً من الثقة في الأطراف المتصارعة للعمل مع تركيا كشريكٍ موثوقٍ وقادرٍ على حل الأزمات بالطرق الدبلوماسية.
ويمثل انفتاح أنقرة على معسكر الشرق الليبي بالتوازي مع الحفاظ على علاقاتها القوية مع معسكر الغرب الليبي، استراتيجية تركية لتعزيز نفوذها في ليبيا، حيث إن استضافةَ تركيا مسؤولين بارزين من الشرق، مثل بلقاسم حفتر، بالإضافة إلى لقاءات اللجنة العسكرية المشتركة “5+5” في أنقرة، تعكسُ طموحَ أنقرة لتقديم نفسها كوسيطٍ موثوقٍ يجمع الفرقاء الليبيين.
وقد يمنحُ هذا الانفتاحُ المزدوجُ تركيا دوراً أكثر قوةً في إعادة تشكيل المشهد الليبي. معسكر الشرق لا يزال متحفظاً على بعض القضايا مثل الوجود العسكري التركي والاتفاقيات الموقعة مع حكومة الغرب، لكن تركيا تسعى لاستثمار هذه العلاقات لتحسينِ فرصها الاقتصادية والسياسية، خصوصاً في مجال إعادة الإعمار وإقامة مشاريع استثمارية كبيرة في الشرق الليبي، مع احتمال افتتاح قنصلية في بنغازي قريباً.
وإما فيما يتعلقُ بمستقبل التعاون المصري التركي في الملف الليبي، فعلى الرغم من وجود أرضيةٍ مشتركةٍ ومساحاتٍ من التفاهم، إلا أن المشاورات ستواجهُ تحدياتٍ تتعلقُ بالتواجد العسكري التركي في ليبيا، حيث تطالبُ مصر بانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، وهو ما ترفضهُ تركيا لا سيما بعدما حققت نفوذاً عسكرياً واسعاً في ليبيا.
الخاتمة
تُشيرُ التطوراتُ الأخيرةُ إلى أن تركيا تتبنى نهجًا استراتيجيًا متعدد الأبعاد لتعزيز نفوذها في ليبيا، عبر تحقيق توازنٍ دقيقٍ في علاقاتها مع مختلف الأطراف الليبية، وفي الوقت ذاته تعزيز شراكاتها الإقليمية والدولية، ولا سيما مع مصر، ويبدو أن أنقرة تسعى لاستثمار موقعها الجغرافي وإمكاناتها السياسية والعسكرية لتحقيق أهدافها الاقتصادية والجيوسياسية في ليبيا، خاصة في مجالات الطاقة وإعادة الإعمار.
ومع استمرار تركيا في لَعبِ دورِ الوسيط في الصراعات الإقليمية واستغلال الفرص الاقتصادية والسياسية المتاحة، فإنها تمضي قدمًا نحو ترسيخ مكانتها كفاعلٍ رئيسيٍ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن المتوقع أن تواصل أنقرة خطواتها لتوسيع نفوذها في أفريقيا، ولا سيما في ليبيا، خاصةً إذا لم تطرأْ تغييراتٌ داخليةٌ وجوهريةٌ على المشهد السياسي والاقتصادي التركي في المستقبل القريب.
المراجع
-
Fuat Emir Şefkatli, Türkiye’nin Libya’nın Doğusu ile Normalleşme Adımları ve Muhtemel Getiriler, Rokestan, 31/7/2024. https://linksshortcut.com/EcabL
-
Hakan Fidan, Hafter’in oğlu ile görüştü, Harici, 26/7/2024. https://linksshortcut.com/YzPUG
-
غدي قنديل، كيف نفهم تحول تركيا الاستراتيجي نحو شرق ليبيا؟، مركز الدراسات العربية الأوراسية، 15 اغسطس https://linksshortcut.com/iyFzR
-
أحمد خليفة، بعد زيارة وزير الخارجية التركي ليبيا.. ماذا بجعبة أنقرة؟، موقع الجزيرة، 10 فبراير https://linksshortcut.com/zTlLK
-
حكومة الوحدة الليبية توقع مذكرة تفاهم عسكرية مع تركيا، موقع الجزيرة، 2 مارس https://linksshortcut.com/Xvqcu
-
ضياء عودة، نجل حفتر في أنقرة.. تقارب بعد عداء تحركه المصالح و”الصندوق”، موقع الحرة، 26 يوليو https://linksshortcut.com/VsnEP
-
جمال جوهر، سلطات شرق ليبيا توسّع انفتاحها على تركيا، الشرق الأوسط، 25 يوليو https://linksshortcut.com/DIIWD
-
سعيد عبد الرازق، تركيا: هدفنا النهائي ليبيا موحدة، الشرق الأوسط، 29 نوفمبر https://linksshortcut.com/PtspT
-
تركيا تعزز دورها في ليبيا عبر دعم لجنة “5+5″، ميدل إيست أون لاين، 28 نوفمبر https://linksshortcut.com/kpZlr