تعزيز التعاون «المصري – السعودي»: زيارة ولي العهد في خِضَمِّ الأزمات الإقليمية

إعداد: ريهام محمد

باحثة في وحدة شؤون الشرق الأوسط

في خِضَمِّ أحداث متسارعة تشهدها المنطقة، تتألق العلاقات «المصرية – السعودية» كأحد أبرز محاور الاستقرار والتعاون، تجلَّى ذلك في زيارةٍ هي السادسة خلال الست سنوات الماضية لولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى القاهرة، أمس الثلاثاء 15 أكتوبر، وتبرز أهمية هذه الزيارة في سياقٍ تاريخيٍّ ودقيقٍ؛ حيث ذروة التهديد الإسرائيلي على الأمن القومي العربي لما يحدث في غزة وجنوب لبنان، فضلًا عن التصعيد بين إسرائيل وإيران؛ بما يستدعي تعزيز أواصر التعاون بين الدولتيْن الشقيقتيْن.

وسعى هذا اللقاء إلى فتْح آفاق جديدة لتعزيز الشراكة الإستراتيجية؛ من خلال توسيع التعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية، ومن ثمَّ كانت الزيارة بمثابة دعوةٍ لإعادة التفكير في إستراتيجية العمل المشترك، وبناء جسور جديدة من التعاون في زمنٍ يتطلب الوحدة والتضامن.

مصر والسعودية: تنسيق أمني وتبادل خبرات عبر عقود:

وعلى مرِّ عقودٍ طويلةٍ، حافظت السعودية ومصر على تعاونٍ وثيقٍ وتنسيقٍ عسكريٍّ وأمنيٍّ منتظمٍ، يشمل زيارات دورية بين قادة ومسؤولين عسكريين؛ لتبادل الرُّؤَى والخبرات والمعلومات ذات الصلة بأمْن البلديْن؛ إذ تسعى كلا الدولتيْن إلى تعزيز التعاون، عبْر مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع والبيئة والفنون؛ بما يتلاءم مع تطلُّعاتهما تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي وخادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.[1]

استثمارات سعودية متزايدة:

شهدت العلاقات «المصرية – السعودية» العديدَ من اللحظات البارزة مؤخرًا، منها الإعلان عن صفقات استثمار تزيد قيمتها عن 30 مليار دولار، خلال زيارة الأمير محمد بن سلمان للقاهرة، عام 2021 حتى نوفمبر 2023، تجاوز حجم الاستثمارات الخاصَّة السعودية في مصر الـ35 مليار دولار، وفي سياق دعم الاقتصاد المصري، قدَّم الصندوق السعودي للتنمية نحو 32 قرْضًا تُقدَّر بحوالي 3 مليارات دولار؛ لتمويل مشاريع متعددة القطاعات، كما رصدت الحكومة السعودية ودائع للبنك المركزي المصري، بقيمة تصل إلى 10.3 مليار دولار.

بدورها تبْذُلُ الحكومة المصرية جهودًا لجذْب المزيد من الاستثمارات السعودية عبْر إزالة أيِّ عقباتٍ تعترض ذلك وتعزيز النمو فيها، تُعتبر المملكة الشريك التجاري الثاني لمصر؛ حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلديْن نحو 3.8 مليار دولار خلال أول خمسة أشهر من عام 2024، مقارنةً بـ2.9 مليار دولار للفترة نفسها من العام السابق، بزيادةٍ تصل نسبتها إلى حوالي 29.3%، حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، كذلك تبلغ قيمة الاستثمارات المصرية داخل المملكة حوالي أربعة مليارات دولار عبْر6410 شركة مصرية، بينما تُعدُّ مصر سابع أكبر شريكٍ تجاريٍّ للسعوديِّين، بإجمالي استثمارات تتجاوز الـ26 مليار دولار، تضُمُّ نحو805 شركات سعودية تعمل بمصر.[2]

كما تطمح الحكومتان لزيادة حجم الاستثمار المشترك واستكشاف فُرَصٍ جديدةٍ للشراكات الاستثمارية، عبْر إنشاء مجلسٍ تنسيقيٍّ كبيرٍ، يناقش الفُرَص الواعدة ويسعى لاكتشاف مجالات جديدة، مثل الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، بالإضافة إلى التعاون القائم بالفعل، بشأن التنقيب عن الغاز مع “أرامكو” الشركة العالمية الكبرى للطاقة.

مُخْرَجات الزيارة:

– تناولت المباحثات بين الرئيس السيسي وولي العهد السعودي الأمير بن سلمان التطوُّرات الإقليمية، لا سيما الأوضاع في غزة ولبنان؛ حيث تمَّ الاتفاق على خطورة الوضع الإقليمي والحاجة إلى إنهاء التصعيد، وأكَّد الرئيسان على أهمية احترام سيادة لبنان وأمنه واستقرار أراضيه، كما شدَّدا على أن “إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، وفقًا للقرارات الدولية المعترف بها، هي الطريقة الوحيدة لتحقيق التهدئة والسلام والأمان الدائم في المنطقة.”

وحذَّرا من أن “محاولات تجاهل القضية الفلسطينية قد تؤدي إلى استمرار الصراع في المنطقة”، وتمَّ تبادل الآراء بشأن عددٍ من القضايا الإقليمية، مثل أمن البحر الأحمر والأوضاع الحالية في السودان وليبيا وسوريا.

– كما شهد الاجتماع توقيع اتفاقٍ لتشكيل (مجلس التنسيق الأعلى «المصري – السعودي») برئاسة كلا البلديْن، بالإضافة إلى إبرام اتفاقٍ لحماية وتعزيز الاستثمارات المتبادلة.

– من جانبه؛ شدَّد السيسي على عُمْق العلاقات الإستراتيجية بين مصر والسعودية، خاصَّةً مع التحديات التي تواجهها المنطقة، وأكَّد ضرورة استمرارية التنسيق والتعاون المشترك لتجاوز الظروف الدقيقة التي تمُرُّ بها المنطقة والعالم الإسلامي.

– بدوره، أكَّد بن سلمان على أهمية تعزيز العلاقات الثنائية واستمرار البناء على الروابط التاريخية الغنيَّة بين الدولتيْن وشعبيهما لتحقيق المصالح المشتركة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية، وفي هذا السياق، تمَّ استعراض الجهود المبذولة لتعزيز الشراكة الاقتصادية «المصرية – السعودية»، خاصَّةً فيما يتعلق بتبادل الاستثمارات والتجارة والتكامل الاقتصادي في مجالات الطاقة والنقل والسياحة.[3]

في الختام:

يمكن القول: إن زيارة ولي العهد السعودي إلى مصر تُشكِّلُ خطوةً إستراتيجية تحمل آمالاً جديدةً، وتعكس عُمْق العلاقات التاريخية بين البلديْن، كما تُسلِّطُ الضوء على دورهما البارز في المنطقة وتنسيقهما المستمر، فيما يتعلق بالقضايا المشتركة ذات الاهتمام للطرفيْن، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي، ويأتي في مقدمة هذه القضايا القضية الفلسطينية والتطورات في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط بشكلٍ عامٍ، ضِمْن جهود كلا البلديْن؛ لتعزيز الأمن والاستقرار على المستوييْن الإقليمي والدولي؛ نظرًا لما يَحْظَيَان به من مكانةٍ رفيعةٍ ضِمْن السياقات العربية والإسلامية والعالمية؛ حتى بات التعاون بين مصر والسعودية ضرورةً مُلِحَّةً تتجاوز التحالفات التقليدية لتتحول إلى شراكةٍ فعَّالةٍ ومؤثرةٍ، وفي عالمٍ سريع التغيُّر، يظلُّ الحوار والتعاون مِفْتَاحًا لتحقيق الأهداف المشتركة وتجاوز الأزمات؛ وقد تُعزِّزُ هذه الزيارة هذا المفهوم؛ ما قد يفتح آفاقًا جديدةً نحو السلام والاستقرار في المنطقة.

المصادر:

[1] أخوة الدم: العلاقات المصرية السعودية تاريخ من التعاون والمساندة، اليوم المصري، 15 أكتوبر 2024.

 https://linksshortcut.com/pPtgf

[2] هبة سعيد، العلاقات المصرية ــ السعودية صمام «الأمن العربى»، مركز الأهرام، 16 أكتوبر 2024.

https://linksshortcut.com/LOcXw

[3] تحذير سعودي – مصري من «سياسات حافة الهاوية»، صحيفة الشرق الأوسط، 16 أكتوبر 2024.

 https://linksshortcut.com/YVorh