بعد ثلاث سنوات من تطبيقها، قامت إدارة بايدن برفْع الحظْر على بيْع الأسلحة الهجومية للملكة العربية السعودية، وقد أفادت صحيفة “وول ستريت جورنال”، بأن هذا التغيير في السياسة يعكس “الأهمية الكبيرة للسعودية في إستراتيجية بايدن تجاه الشرق الأوسط.”
ووفقًا لتقرير صدر في 13 أغسطس الماضي، فإن “إدارة بايدن” ستقوم بإرسال شحنات من القنابل إلى السعودية بقيمةٍ تتجاوز 750 مليون دولار في الأشهر المتبقية من عام 2024؛ ما قد يساهم في تخفيف التوتُّرات بين واشنطن والرياض، وستشمل الشحنات 3000 قنبلةٍ صغيرة القطر و7500 قنبلةٍ من نوع “Paveway IV”، وتعكس تلك الشحنات التي تنوي واشنطن إرسالها، الأهداف التي تسعى السياسة الأمريكية لتحقيقها؛ حيث إن قنابل SDB تُستخدم لاستهداف المواقع الثابتة أو المتحركة، مثل المخابئ ومنشآت الاتصالات والدفاعات الجوية؛ ما يُعزِّزُ القدرات العسكرية السعودية.[1]
يأتي هذا القرار قبل شهريْن فقط من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ويتزامن مع ماتشهد منطقة الشرق الأوسط من توتُّرات إقليمية متصاعدة، على خلفية استمرار الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، واستمرار التهديدات الإيرانية بشنِّ ردٍّ انتقاميٍّ لمقتل رئيس المكتب السياسي السابق، إسماعيل هنية.
يُثير هذا التراجُع في سياسة إدارة بايدن تساؤلاتٍ بشأن دوافعه ودلالة توقيته، التي تتزامن مع الحرب المستمرة على غزة من قِبَلِ إسرائيل، وتصاعد التوتُّرات في الشرق الأوسط.
تغيير في الإستراتيجية
قامت إدارة بايدن بتجميد بيع فئات معينة من الأسلحة الهجومية، في أوائل عام 2021 ،مبررةً ذلك بعدم رضاها عن الحرب التي كانت دائرة آنذاك في اليمن بين قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية و الحوثيين، ولكن منذ الهُدْنة التي توسَّطت فيها الأمم المتحدة، في ربيع عام 2022، “لم تكن هناك ضربة جوية سعودية واحدة إلى اليمن، وتوقَّفت إلى حدٍّ كبيرٍ إطلاق النيران عبْر الحدود من اليمن إلى السعودية”، طبقًا لمسؤولٍ أمريكي في إدارة بايدن.[2]
يأتي قرار رفْع الحظر بعد ما تصفه الحكومة الأمريكية بتحسُّناتٍ كبيرةٍ في جهود السعودية لتقليل الأضرار المدنية خلال العمليات العسكرية في اليمن؛ حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية، فيدانت باتيل، خلال مؤتمر صحفي: “كجزء من هذه السياسة، جمّدت إدارتنا بيع بعض فئات الأسلحة الهجومية، مع الاستمرار في بيْع الأنظمة المطلوبة للمملكة للدفاع عن نفسها من الهجمات”، كما أضاف باتيل: “أوفت السعودية بجزئها من الصفقة، ونحن مستعدون للوفاء بجزئنا؛ ما يعني إعادة هذه الحالات إلى النظام العادي، مع الإخطار والتشاور المناسبيْن مع الكونغرس.”[3]
يخُصُّ رفع الحظر تحديدًا بعض أنواع الذخائر الجوية إلى أرضيةٍ، مع تقييم عمليات النقل المستقبلية على أساس كل حالة على حِدَةٍ، وأشار باتيل إلى أن قرار وزارة الخارجية يعكس الالتزام الأوسع للإدارة بالحفاظ وتعزيز شراكة الدفاع بين الولايات المتحدة والسعودية.
دوافع تغيير القرار
يوجد عدة عوامل وراء قرار إعادة تصدير الأسلحة الهجومية الأمريكية إلى السعودية من أهمها مايلي:
المحاولات السعودية في البحث عن شركاء آخرين:
تسلط ورقة حقائق من وزارة الخارجية الأمريكية حول العلاقة «الأمريكية – السعودية» الضوء على الأهمية الإستراتيجية لهذه الشراكة؛ حيث جاء فيها، “العمل مع السعودية لضمان الاستقرار الإقليمي يظل ركيزةً لعلاقتنا الثنائية؛ فالولايات المتحدة هي المورد الأول للدفاع للسعودية، وتظل المؤسسة الدفاعية السعودية أكبر عميل لمبيعات الأسلحة الخارجية الأمريكية.”[4]
ولكن في السنوات القليلة الماضية، منذ قيام إدارة بايدن بحظر مبيعات الأسلحة الهجومية إلى السعودية، بدأت الرياض في البحث عن شركاء آخرين، وقامت بتقليص اعتمادها على الولايات المتحدة؛ حيث توجَّهت نحو الصين وروسيا، وهذا التوجُّه قرأته واشنطن، بأنه قد يؤثر على علاقاتها الإستراتيجية مع الرياض، علاوةً على ذلك، لم يكن التعاون بين السعودية والولايات المتحدة منذ تولِّي بايدن الرئاسة بالقوة نفسها، كما كان في السابق؛ فبعد أن شعرت الرياض بالتخلِّي من واشنطن في لحظاتٍ حاسمةٍ تهدد أمنها، بدأت في إعادة بناء علاقاتها مع إيران وفتْح قنوات الحوار مع الحوثيين.
تصاعد التوترات الإقليمية:
إن الاضطرابات الجيوسياسية التي يشهدها الشرق الأوسط، وخاصَّةً بعد الصراع بين حماس وإسرائيل، أسهمت في تغيير الأولويات الأمريكية، كُلُّ ذلك يجعل من الضروري بالنسبة للولايات المتحدة تعزيز العلاقات مع السعودية، التي تُعدُّ شريكًا مهمًا في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة؛ لذا يمكن القول: بأن الصفقة تأتي استجابةً لاحتياجات الأمن السعودي المستقبلية، والتأخير في تقديم المساعدة قد يُعقِّدُ جهود البحث عن حلٍّ للحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
الانتخابات الأمريكية:
تلعب الانتخاباتُ الأمريكيةُ دورًا في ديناميات منطقة الشرق الأوسط؛ حيث يمكن أن يؤثر فوْز دونالد ترامب على العلاقة مع السعودية، بما قد يؤدي إلى تحميل إدارة بايدن مسؤولية تزايُد الخطر الإيراني والأحداث التي وقعت في 7 أكتوبر، فضلًا عن استمرار الحرب في أوكرانيا.
البُعْد الزمني:
قد يكون البُعْد الزمني من العوامل الأخرى الواجب طرْحها فيما يتعلق بقرار إدارة بايدن برفْع حظْر الأسلحة الهجومية عن السعودية في هذا التوقيت؛ حيث التزمت المملكة بعدم تنفيذ أيِّ غارات جوية على الأراضي اليمنية منذ توقيع الهدنة، في مارس 2022؛ لذا كان من المفترض على أن تفي الولايات المتحدة بالتزاماتها برفْع حظْر الأسلحة الهجومية، وقد لايكون علاقة لهذا القرار بمواضيع أخرى، مثل التطبيع مع إسرائيل أو الصراع في غزة، خاصَّةً أن السعودية لن تُقْدِمَ على خطوة التطبيع إلا بعد تحقيق هُدْنة كاملة في غزة، وإيجاد حلٍّ يُرْضِي الفلسطينيين بشأن مستقبل القطاع.
هل لدى القرار تأثير على مستقبل الصراع في اليمن؟
يمكن تفسير هذا التحوُّل في السياسة من قِبَلِ إدارة بايدن على أنه اعترافٌ بعدم فعالية عملية “حارس الازدهار” في مواجهة الحوثيين، وبأن هناك حاجة لدعم القدرات العسكرية للسعودية؛ للحفاظ على الوضع الحالي مع الحوثيين، وحماية الهُدْنة المستمرة منذ عامين، وتجنُّب أيِّ تصعيدٍ محتملٍ، ومع ذلك، يجب التأكيد بأن هذا القرار ليس بمثابة “ضوء أخضر” للسعودية لاستئناف الضربات ضد الحوثيين.
أما في سياق مستقبل الأزمة اليمنية، قد يُسهم هذا التحوُّل في السياسة في دفْع عملية السلام إلى الأمام، متجاوزًا الهدنة الحالية، ومع ذلك، يظل الحوثيون غير متأثرين بالقوة العسكرية، كما أظهرت الضربة الإسرائيلية على خزَّانات الوقود في الحديدة؛ حيث تتحول الأعمال العدائية إلى انتصارات دعائية للحوثيين؛ ما يُعزِّزُ مكانتهم بين قواعدهم في اليمن، وفي إطار محور المقاومة الإيراني.
ومع ذلك، قد لا يترتب على التحوُّل في العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية أيّ فوائد ملموسة للأطراف اليمنية التي تواجه الحوثيين على الأرض؛ فرفْع القيود عن السعودية لن يؤثر بشكلٍ مباشر ٍعلى الحوثيين، ولن يقدم الدعم لمنافسيهم على الأرض.
ففي إطار ذلك، سبق وأن حذَّر المسؤولون في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا من أن التعامل مع الحوثيين بدون دعم عسكري داخلي قد يؤدي إلى فشلٍ عسكريٍّ آخر، بينما طلبت هذه الحكومة والمجلس الانتقالي الجنوبي دعم الولايات المتحدة ضد الحوثيين، لكن تظل إدارة بايدن مترددةً في التحرُّك، بعيدًا عن موقف الدفاع والانخراط كطرفٍ فعَّال في الصراع، خاصَّةً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.
ومن ناحيةٍ أُخرى، يفتقر الحوثيون إلى إستراتيجية واضحة لما بعد الصراع، وهم غير مستعدين للتحرُّك نحو حكم البلاد خارج إطار الصراع المسلح؛ فهم يستخدمون التهديدات بالتصعيد كتكتيك رئيسي في مفاوضاتهم مع السعودية والأمم المتحدة، ويظهر احتجازهم لموظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وفشلهم في التوصُّل إلى اتفاقٍ بشأن إطلاق سراح الأسرى، أنهم غير مهتمين بالسلام.
لذا يمكن القول: بأن السعودية ترسم كافَّة السيناريوهات أمامها، وتضع كافَّة استعدادتها لاحتمالية انهيار الهدنة مع الحوثيين في أيِّ وقتٍ، خاصَّةً إذا توسَّعت الحرب في غزة قبْل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر القادم.
في الختام:
يأتي التراجع الأمريكي برفْع الحظر عن تصدير الأسلحة الهجومية للسعودية، في وقتٍ تسعى فيه الولايات المتحدة إلى عقْد اتفاقات دفاعية وأمنية مع السعودية تشمل ضمانات رسمية أمريكية للدفاع عنها وحصولها على أسلحة أمريكية متقدمة، كما يعكس هذا القرار مجموعةً من العوامل التي تؤثر في السياسة الإقليمية، من أهمها؛ أن الاضطرابات الجيوسياسية التي يشهدُها الشرق الأوسط قد أسهمت في تغيير الأولويات الأمريكية، لذا يمكن القول: بأن الصفقة تأتي استجابةً لاحتياجات الأمن السعودي المستقبلية، والتأخير في تقديم المساعدة قد يُعقِّدُ جهود البحث عن حلٍّ للحفاظ على الاستقرار الإقليمي في المنطقة.
المصادر:
[1] تقرير: أمريكا سترسل إلى السعودية شحنة ذخيرة تزيد قيمتها عن 750 مليون دولا، موقع نبض، 13 أغسطس، متاح على الرابط: https://shorturl.at/b98o0
[2] إدارة بايدن ستلغي سياسة استمرت لسنوات للضغط على السعودية، الحرة، 9 أغسطس، متاح على الرابط: https://shorturl.at/DDsg9
