المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > تقاسم المياه : دور الترتيبات القوية لتقاسم المياه في الإدارة المتكاملة للموارد المائية
تقاسم المياه : دور الترتيبات القوية لتقاسم المياه في الإدارة المتكاملة للموارد المائية
- سبتمبر 9, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات
لا توجد تعليقات
مصطفي مقلد
باحث فى العلوم السياسية
تستعرض ورقة بحثية صادرة عن برنامج “الشراكة العالمية للمياه”، وهي شبكة دولية تم إنشاؤها في عام 1996 لتعزيز تطبيق الإدارة المتكاملة لموارد المياه بهدف تعزيز التنمية والإدارة المنسقة للمياه والأراضي والموارد ذات الصلة من أجل تعظيم الرفاهة الاقتصادية والاجتماعية دون المساس باستدامة النظم البيئية والبيئة، وتوفر منصة للحوار السياسي والتطوير من القاعدة إلى القمة لخطط العمل والبرامج، وتوفير صوت للمجتمعات بشأن إدارة المياه.
الورقة البحثية جاءت بعنوان “تقاسم المياه” مقدمة من البروفيسور “مايك يونغ”، عضو اللجنة الفنية لبرنامج “الشراكة العالمية للمياه”، وباحث من مركز الأغذية والموارد العالمية بجامعة أديليد في أستراليا، ويقدم البروفيسور “يونج” إطارًا ومجموعة من الأسئلة المصممة لمساعدة المجتمعات المحلية ومسئولي المياه على النظر في قضية السعي إلى تحسين ترتيبات تقاسم المياه الحالية، ويلاحظ أنه في كثير من الحالات، تم تطوير أنظمة تقاسم المياه الحالية خلال عصور وفي ظل ظروف لم تعد موجودة، لذا يقترح يونج أن هناك فوائد في البحث عن أنظمة قوية تعمل بشكل جيد عندما تكون التوترات عالية والإمدادات نادرة، وتأخذ بالاعتبار الحقائق الهيدرولوجية والمتطلبات المتغيرة، بما يسمح بالتحسين الاستباقي لترتيبات نظام تقاسم المياه، بذلك تسعى تلك الدراسة إلى فتح نافذة على الأساليب والأدوات لتنفيذ الإدارة المتكاملة للموارد المائية وبالتالي إظهار كيف “تقدر المجتمعات المياه”.
تقاسم المياه:
أشارت الدراسة إلى تقرير الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2018 الذي أوضح أنه إذا استمرت الضغوط على موارد المياه، فسوف يعيش أكثر من نصف سكان العالم في أماكن لم تعد بها إمدادات وفيرة للمياه، وهو ما يتم تعريفه على أنه الإجهاد المائي، أو ندرة المياه، أو الجفاف، لذا أصبح تطوير طرق قوية لإدارة الوصول إلى المياه واستخدامها ضرورة ملحة، خاصة إذا علمنا أنه تم توثيق تجارب “قليلة” تتعلق بإصلاح أنظمة تقاسم المياه، وأن أنظمة تقاسم المياه الضعيفة تؤدي إلى الإفراط في الاستخدام، وعادة ما ترتبط بأضرار اجتماعية واقتصادية وبيئية.
وأوضحت الدراسة أن تطوير أنظمة تقاسم للمياه لتكون قوية شرط ضروري، ولكن ليس كافياً، لتجنب مشاكل الأمن المائي، وفيما أكدت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومنظمة الأغذية والزراعة، والأمم المتحدة، والعديد من الجهات الأخرى المهتمة بتحسين طريقة إدارة موارد المياه أن “وضع الإدارة المتكاملة للموارد المائية موضع التنفيذ سيكون الخطوة الأكثر شمولاً لتحقيق الأمن المائي، إلا أنه من المؤكد أنه لا يوجد “نظام واحد يناسب الجميع” لتقاسم المياه.
ومع ذلك، هناك عدد من السمات المشتركة التي يمكن استخدامها لتقييم قوة الترتيبات القائمة والسعي لتحسينها، فعندما تصبح المياه شحيحة، يتم تحفيز الحكومات والمجتمعات للبدء في البحث عن طرق لتحسين استخدام الموارد المتاحة، وزيادة كمية المياه التي يمكن الوصول إليها حيثما أمكن. ويشتمل الأمر على خطوتين:
الخطوة الأولى: تأمين إمدادات المياه
بينت الدراسة أنه غالباً ما تكون الخطوة الأولى هي البحث عن السبل لتأمين المزيد من الإمدادات من خلال بناء سد جديد على سبيل المثال أو نقل المياه من مكان إلى آخر مثل قرار الصين ببناء سد الممرات الثلاثة “أكبر سد مائي في العالم” وإقامة مشروعها جنوب شمال لنقل المياه. وفي بعض الأحيان، من خلال الوصول إلى مصدر مياه جوفية غير مستغل بشكل كامل.
وتوفر هذه الخطوة بعض الوقت وتساعد في الحد من مخاطر الفيضانات وفوائد أخرى، ولكن يظل من الضروري تعزيز الترتيبات الإدارية، ووضع حدود على مستوى النظام، والاتفاق على قواعد المشاركة، وهو ما قامت به أيضا الصين عبر وضع ترتيبات تقاسم المياه من خلال تطوير سجلات استحقاق المياه والتي مفادها أنه بالتوازي مع مبادرات تعزيز البنية الأساسية والإمدادات، هناك حجة قوية للنظر في فوائد تحسين أو حتى إعادة تصميم الترتيبات الأساسية للتخصيص والحوكمة والإدارة.
الخطوة الثانية: الاستثمار في تدابير إدارة الطلب والعرض
وذكرت الدراسة أنه مع تزايد ندرة المياه وانتشارها واستنفاد أو تناقص الفرص المتاحة لزيادة تخزين المياه ونقلها من مكان إلى آخر، فإن الخطوة الثانية تتمثل في الاستثمار في التدابير التي تسعى إلى الحد من الطلب وزيادة كفاءة العرض.
وتشمل بعض الآليات:
-
رفع مستوى الوعي: عبر استخدام البرامج التعليمية والتوعوية التي تسعى إلى تغيير السلوك تجاه استخدام المياه.
-
اللوائح: إدخال اللوائح التي تحد من الاستخدامات غير الضرورية للمياه.
-
الحوافز “الناعمة”: الترتيبات المؤسسية التي تشجع على الاستخدام الأكثر كفاءة للمياه.
-
التسعير: رفع رسوم التوريد بحيث يكون لدى مستخدمي المياه حافز اقتصادي “لتوفير” المياه.
-
الإعانات: استخدام الإعانات الانتقالية التي تشجع الاستثمار في التقنيات والمعدات الأكثر كفاءة في استخدام المياه.
وفي نهاية المطاف، مع نمو الطلب، وانخفاض الإمدادات أو ظهور الجفاف على نحو أكثر شيوعا، يبدأ المسئولون في البحث عن سبل للحد من الوصول إلى المياه وتقاسم الوصول إليها.
عندما يكون ترتيبات الحد والتقاسم قويًا بمعنى أن النظام يعمل جيدًا ويُنظر إليه أيضًا على أنه عادل ومنصف وفعال ومستدام، فإن فرص تغييره تكون ضئيلة. وفي المقابل، عندما تشمل الترتيبات المستخدمة لتقييد الوصول قيودًا مؤقتة على الري، أو حظر خراطيم المياه، أو وقف مؤقت لتعميق الآبار وحفرها، فقد تكون فرص التغيير كبيرة.
ومن ناحية أخرى، كلما شعر المسئولون بأن الوصول إلى مورد مائي على وشك أن يصبح محدودًا، فإن تعديل نظام قائم أو وضع نظام جديد يميل إلى أن يصبح صعبًا سياسيًا ومكلفًا، بالتالي فإن جميع الأطراف ستكون في وضع أفضل إذا تم التوصل إلى اتفاق بشأن التغييرات الإدارية التي يجب إجراؤها قبل أن تصبح ندرة المياه “مطلقة”.
وأكدت الدراسة أنه تاريخيا تم تطوير معظم أنظمة إدارة المياه وأنظمة حقوق المياه عندما كانت المياه وفيرة، ومن ثم، فإن الأنظمة القائمة تميل إلى التطور بطريقة لا تراعي فرص ظهور الندرة أو الظواهر المناخية المتطرفة الناشئة. ونتيجة لهذا، فإن العديد من أنظمة إدارة المياه في العالم غير مناسبة للمتطلبات والتغيرات التي يمكن التنبؤ بها الآن في السنوات القادمة وهو أمر يجب أخذه بالاعتبار عند تصميم نظام تقاسم قوي للمياه.
سمات قوة نظام التقاسم:
أشارت الدراسة إلى أن أنظمة التقاسم القوية مصممة للعمل حتى في الظروف القاسية مثل التعامل مع أسوأ حالات الجفاف، حيث سيسمح نظام تقاسم المياه القوي بالتعديل السريع وتشجيع الاستخدام الرشيد للمياه، كما سيكون قادر على توفير الأمن المائي للمتشاركين في المياه على مدار زمني طويل، وعادةً ما تتضمن أنظمة تقاسم المياه القوية أيضًا آليات تسمح بإعادة تخصيص المياه من قطاع إلى آخر، وكذلك من مستخدم إلى آخر.
تطوير أنظمة تقاسم المياه:
أوضحت الدراسة أنه على الرغم من أن العديد من أنظمة تقاسم المياه قد تبدو وكأنها تفشل، إلا أن عددًا من الأمثلة التاريخية لأنظمة تقاسم المياه القوية نجحت في الاستمرار وتوفير الأمن المائي، وتمتلك تلك الأنظمة مبادئ مشتركة مثل أن المشاركة والشعور القوي بالمسؤولية الجماعية عن الصيانة يشكلان عنصراً أساسياً في نجاح نظام تقاسم المياه، كذلك كلما كانت الإمدادات محدودة، يُسمح لطرف ما بأخذ المزيد من المياه فقط، عندما يوافق باقي المتشاركين على ذلك.
ومن الملاحظ أنه عندما تكون المياه وفيرة، يتم تأجيل المناقشات حول الحاجة إلى تطوير ترتيبات قوية لتقاسم المياه، لكن هناك دائما ضرورة لوضع حدود للاستخدام وتخصيص الفرص للوصول إلى موارد المياه المحدودة وتحديدها لضمان إدارة التغيرات المستقبلية في الطلب والعرض، ويتطلب ذلك دراسة متأنية للتوقعات الثقافية والقانونية والاجتماعية والمعايير الإدارية، ولتجنب الأزمات، فيجب الاتفاق على ترتيبات التقاسم بين جميع أصحاب المصلحة المعنيين واحترامها، ففي أوقات الندرة تنشأ النزاعات إذا تركت دون حل، وتتسبب في استنزاف الموارد، والضرر البيئي.
وفي الأنظمة الكبيرة، قد تكون هناك حاجة إلى وضع حدود محلية وإقليمية وعلى مستوى النظام وتصميم آليات التقاسم للسماح بتنويع كمية المياه التي يمكن لكل منطقة وكل مستخدم محلي أخذها بسرعة مع تغير الإمدادات، وهذا يعني أن نظام المشاركة لابد وأن يتمتع بالتماسك الإداري والشفافية والنزاهة.
وعندما نضيف تأثير زيادة تقلب العرض أو تغير الطلب إلى مجموعة العوامل التي يتعين أخذها في الاعتبار، يصبح من الواضح أن قوة أي نظام لتوزيع المياه تعتمد جزئياً على قدرته على التعامل مع التحولات السريعة في العرض، لذا من الضرورة الإلتفات الى احتمالية حدوث التحولات المناخية التي قد تسبب تغييرات مفاجئة في عرض المياه على مستوى النظام الهيدروليكي للنهر، مثل صدمة العرض المفاجئة في مدينة بيرث الأسترالية، حيث حدث تحول مناخي مفاجئ في عام 1974، وأصبح مناخ المدينة أكثر جفافاً بشكل دائم.
وهناك دروس يمكن استخلاصها من هذه التجربة..
-
قد تكون التحولات المناخية المعاكسة مفاجئة وقد تكون دائمة.
-
يكون تأثير انخفاض هطول الأمطار على الجريان السطحي شديداً للغاية.
-
إذا كان من الضروري الحفاظ على تدفقات المياه أسفل السد، فإن الكمية التي يمكن استهلاكها تنخفض بنسبة أكبر كثيراً من الانخفاض في التدفقات الواردة.
وفي حالة بيرث، تضمنت الاستجابة طويلة الأجل مزيجاً من الإجراءات، بما في ذلك بناء محطتين لتحلية المياه، وإعادة تحديد مواصفات حقوق المياه ولوائح استخدامها، ومؤخراً إعادة مياه الصرف الصحي المعالجة إلى طبقات المياه الجوفية في بيرث.
وهذا يكشف أن كمية المياه اللازمة للتدفقات الأساسية، والنقل، والبيئة ثابتة نسبياً، ورغم أن بعض التخفيضات قد تكون ممكنة، فإن تخصيصات التدفق الأساسي نادراً ما يمكن تخفيضها، وعندما يحدث انخفاض دائم في العرض لأول مرة، يمكن المساس بالأهداف البيئية، ولكن في نهاية المطاف، يجب إيجاد التوازن بين الأهداف البيئية والاجتماعية والاقتصادية.
وأخيراً، تجدر الإشارة إلى أن الجريان السطحي هو أيضاً وظيفة لاستخدام الأراضي. فالأحداث مثل اندلاع حريق على مساحة كبيرة، وتحويل الأراضي العشبية إلى مزارع ، كلها يمكن أن تترك تأثيرات ضارة دائمة على تدفق الأنهار وإعادة شحن طبقة المياه الجوفية.
كفاءة استخدام المياه:
تطرقت الدراسة إلى إن استخدام المياه ينطوي على قدر من الهدر عن طريق التبخر والنتح، وتسرب جزء آخر إلى طبقة المياه الجوفية، ومع الإضطرار إلى إيجاد حل سريع لمشكلة ندرة المياه، فمن الشائع أن يوصي قادة المجتمع بتبني ممارسات “أكثر كفاءة” على افتراض أن هذا من شأنه أن “يوفر” المياه، على الرغم من أن هذا نادرًا ما يحقق نتائج إيجابية، والسبب في ذلك هو أن معظم أنظمة تخصيص المياه تسمح بأخذ كمية “إجمالية” من المياه دون مراعاة الكمية التي تعود إلى النهر و/أو طبقة المياه الجوفية.
ومن أجل حماية تلك التدفقات الضرورية التي تعود لطبقة المياه الجوفية، فإن أحد الأساليب البديلة هو تحديد “صافي” حق كل مشارك وحساب التغييرات في كمية المياه التي تعود إلى طبقة المياه الجوفية رسميًا على أساس كل مستخدم أو مشارك على حدة لتمرير تلك الكميات، حيث تزداد كفاءة استخدام المياه عادةً إما بالتوسع في الموقع للمنطقة المروية مع بقاء إجمالي استخدام المياه كما هو، أو نقل المياه الموفرة إلى مستخدم آخر.
إن التحسينات الأخيرة في تكنولوجيا الاستشعار عن بعد تعني أنه من الممكن الآن تقدير الاستهلاك على مستوى الحقل بشكل موثوق، وعادة ما ينطوي هذا على استخدام برامج تجمع بين البيانات المستشعرة عن بعد وبيانات ملكية الأراضي لتقدير التبخر والنتح، ونظرًا لأن البيانات المستشعرة عن بعد على مستوى الحقل متاحة الآن كل بضعة أيام، فيمكن تحقيق درجة عالية من الدقة، ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى أجهزة قياس لفصل استخدام المياه الجوفية عن استخدام المياه السطحية وتتبع الاستخدام داخل المباني، وتتطلب هذه الأساليب الجديدة أيضًا الوصول المستمر إلى بيانات ملكية الأراضي الحالية.
تصميم النظام:
عبرت الدراسة عن أن نسبة كبيرة من الأنهار التي تعبر الحدود الدولية لا توجد بها اتفاقية لتقاسم المياه[1]، وقد تم تجربة مجموعة متنوعة من أنظمة التقاسم في العديد من هذه الأنهار، وهناك اهتمام متزايد بتحسين أنظمة التقاسم في أنهار أخرى مثل حوض نهر ميكونج[2]، وعلى نحو مماثل، بدأت ولاية كاليفورنيا الأمريكية وضع قيود على استخدام المياه الجوفية بسبب الاستنزاف الكبير، وتسلل مياه البحر.
وأياً كانت الطريقة المختارة لتخصيص المياه للمستخدمين، فإن الخطوة الأولى عادة ما تكون تحديد المياه التي يمكن استخدامها والمياه التي يجب تركها للحفاظ على تدفق مناسب وتوفير الخدمات البيئية الأساسية، وتُعرف هذه الكمية من المياه بشكل مختلف باسم “مياه النقل” أو “التدفق الأساسي” اللازمة للحفاظ على النهر[3].
قد يكون من الأفضل فصل الترتيبات المستخدمة للوصول إلى مياه الفيضانات عن الترتيبات المستخدمة لإدارة الاستخدام خلال الفترات التي تكون فيها المياه شحيحة، والسبب في ذلك هو أنه في بعض الأنظمة القانونية، إذا مُنح شخص الحق في أخذ مياه الفيضانات، فقد يجد نفسه مسؤولاً عن الأضرار التي يفرضها “مياهه” على الآخرين، ومن المفيد بناء المزيد من السدود، حيث تزداد نسبة المياه التي يمكن إدارتها، وبالتالي يمكن زيادة الحد الأقصى لحجم المياه التي يمكن توفيرها للاستخدام الاستهلاكي.
أنظمة التقاسم على مستوى الحوض مقابل الأنظمة المحلية:
تحدثت الدراسة عن أنه بعد تحديد حدود النظام، فإن الخطوة المنطقية التالية في تطوير نظام تقاسم قوي هي تحديد ما إذا كان النظام بأكمله يمكن إدارته من قبل كيان واحد أو ما إذا كانت هناك حاجة إلى هيكل هرمي، فهناك حجة قوية للفصل قواعد التقاسم بين المستوى المحلي ومستوى النظام، فمثلا لإنهاء مجموعة كبيرة من مشاكل استنزاف المياه الجوفية وتسرب مياه البحر، أصدرت ولاية كاليفورنيا تشريعًا في عام 2014 من شأنه أن يمكن المجتمعات المحلية من وضع أنظمة تخصيص وإدارة المياه الجوفية الخاضعة لسيطرتها المحلية، وقد تم تشكيل عدة مئات من الوكالات الآن، وكل هذه الوكالات في طور العمل على كيفية تقاسم الوصول إلى ذلك الجزء من موارد المياه الجوفية العديدة في الولاية.
وعند إنشاء نظام لتقاسم المياه، فإن أحد الأسئلة الرئيسية التي يتعين حلها هو كيفية تحديد حقوق كل مستخدم أو مشارك، وما إذا كان ينبغي البدء في إصدار حقوق لأخذ الحد الأقصى للحجم، أو حصة من الموارد المتاحة، ويشير التاريخ إلى أن المستخدمين يفضلون أن يتم تخصيص حق لهم في الحصول على الحد الأقصى للحجم الذي يحافظ على خياراتهم، وهو ما يؤدي غالبًا إلى الإفراط في الاستخدام.
من منظور المجتمع وليس الفرد، سيكون الجميع في وضع أفضل عندما يتم منح جميع المستخدمين الحق في الحصول على حصة ويتم تخصيص الحجم بشكل دوري بما يتناسب مع عدد الأسهم المملوكة، تمكن هذه العملية، المعروفة باسم “النظام غير المجمع”، من إجراء تعديلات سريعة ومنخفضة التكلفة، وتجعل من الممكن تلبية المطالب الجديدة، ويمكن استخدامها لتشجيع الاستثمار.
ويتألف نظام تقاسم المياه غير المجمع من العناصر التالية:
-
تُستخدم الخطط القانونية لتحديد حدود كل مورد مائي سيتم تقاسمه، والطرق التي سيتم بها توزيع المياه بين كل مورد مائي متصل، وتحديد الحد الأقصى لعدد الأسهم التي يمكن إصدارها، وتحديد كيفية إجراء التخصيصات مع تغير الإمدادات.
-
تُصدر الأسهم للمستخدمين أو لشركة المياه المسؤولة عن صيانة البنية الأساسية المستخدمة لتزويد المستخدمين بالمياه.
-
يتم تحديد ملكية الأسهم من خلال تسجيل الأسماء في سجل أسهم مشابه في الشكل لسجلات الأسهم المستخدمة لتحديد من يملك أي نسبة من الشركة.
-
يتم إنشاء حسابات المياه واستخدامها لتسجيل كمية المياه المخصصة لأي مستخدم للمياه، وكمية المياه المستخدمة، وكمية المياه الإضافية التي يمكن أخذها.
-
يتم إجراء تخصيصات المياه بالتناسب فقط مع عدد الأسهم التي يمتلكها حامل الحساب أو الأسهم، ويتم إضافة المياه إلى الحساب بمجرد توفرها ويتم خصمها إما عند استخدامها أو عند نقلها، من حساب إلى آخر.
-
يتم استخدام موافقات/تصاريح الاستخدام لترخيص أخذ واستخدام المياه في موقع محدد بشرط إمكانية خصم الكمية المأخوذة من حساب مياه معين والالتزام بجميع شروط الاستخدام الخاصة بالموقع وعلى مستوى النظام.
-
يتم تسهيل التعديل (أ) داخل مورد مائي محدد من خلال السماح بنقل الحصص والتخصيصات من مستخدم إلى آخر و(ب) بين الموارد المتصلة من خلال السماح بنقل التخصيصات بسعر صرف مناسب وتأخير زمني للسماح بالسحب من المورد الآخر دون تأثير سلبي على المستخدمين الآخرين.
إن الأسهم عادة ما تصدر كحق مستمر أو دائم، ويتم تخصيصها على أساس يومي أو أسبوعي أو سنوي، وتستخدم الموافقات لتحديد أماكن وكيفية أخذ المياه واستخدامها، ومع تطور الأنظمة، غالباً ما تكون الخطوة الأولى هي تخصيص الأسهم للمناطق أو المجتمعات ثم للأفراد.
نقل الأسهم وإعادة تخصيصها:
في نظام تقاسم المياه غير المجمع، تمكن الأسهم المساهمين من حماية مصالحهم طويلة الأجل في مورد مثل بستان البرتقال أو حقل الأرز أو إمدادات المياه إلى مدينة، فبمجرد تخصيص الأسهم وإصدارها للمستخدمين و/أو مجموعات المستخدمين، لا يمكن إجراء التعديل إلا من خلال إعادة تخصيص الأسهم.
وفي الأحواض والطبقات المائية الجوفية التي يتم فيها اتباع هذا النهج، فإن الإداريين المهتمين بتسهيل التعديلات الهيكلية لديهم عدد من الخيارات المتاحة لهم. حيث يمكنهم:
-
السماح بالنقل الطوعي للأسهم من طرف إلى آخر.
-
استعادة نسبة من كل حصة بشكل دوري.
-
استرداد نسبة من الأسهم كلما تم نقل حيازة من طرف إلى آخر.
-
تقويض التقاسم الحالي بإصدار المزيد من الأسهم دون زيادة القدرة على العرض.
عند النظر في كل من هذه الخيارات، فإن الخيارين الأول والثاني – النقل الطوعي وخفض النسب المئوية – يتمتعان بميزة الكفاءة الاقتصادية وتشجيع الاستثمار الفعّال، أما الخيار الثالث، الذي يتلخص في فرض “ضريبة على التحويلات”، غير فعال اقتصادياً لأنه يفرض ضرائب، وبالتالي يثبط عزيمة التعديل، ورغم أن الخيار الرابع شائع في العديد من البلدان، فإنه يميل في نهاية المطاف إلى الإفراط في الاستخدام مع الآثار السلبية على المستخدمين الآخرين و/أو البيئة.
إدارة مخاطر العرض:
أشارت الدراسة الى أنه في المناطق التي تتفاوت فيها كمية المياه المتاحة للاستخدام بشكل كبير، تتضمن أنظمة المشاركة القوية مجموعة من الترتيبات المصممة لتشجيع جميع المستخدمين على التخطيط للتحوط ضد الجفاف وغيره من أشكال مخاطر العرض، فإدراج فرصة لنقل التخصيصات من مستخدم إلى آخر هو أحد هذه الترتيبات، ولكن المستخدمين غالبًا ما يفضلون نظام “متدرج الأولوية” بحيث يمكن إدارة مخاطر العرض الطويلة والقصيرة الأجل بشكل منفصل.
من الناحية النظرية، يمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء فئتين على الأقل من الحصص: فئة ذات أولوية عالية وفئة ثانية ذات أولوية أدنى، ثم يتم تخصيص حجم معين من التخصيصات لهذه الحصص قبل تخصيص أي مياه لفئة الأولوية الأدنى، وبشرط أن تكون تكاليف نقل التخصيص منخفضة، ويبدو أن هناك حجة اقتصادية قوية لإنشاء ثلاث مجموعات أولوية على الأقل وتحديد حد أقصى لحجم المياه التي يمكن تخصيصها لجميع المجموعات باستثناء المجموعة ذات الأولوية الأدنى، وفي ظل مثل هذا الترتيب، يمكن إدارة مخاطر العرض بكفاءة من خلال تمكين كل مستخدم للمياه من تحديد عدد الأسهم التي ينبغي له أن يحتفظ بها من:
-
الأسهم ذات الأولوية العالية
-
الأسهم ذات الأولوية المتوسطة
-
الأسهم ذات الأولوية المنخفضة.
وفي ظل مثل هذا الترتيب، يتوقع المساهمون ذوو الأولوية العالية الحصول على الحد الأقصى من التخصيص لكل سهم في كل عام تقريباً، ويحصل المساهمون ذوو الأولوية المتوسطة على التخصيص الكامل في غضون 8 من كل 10 سنوات، أما المساهمون ذوو الأولوية المنخفضة، فلن يتوقعوا الحصول على تخصيصهم الكامل إلا في غضون 5 من كل 10 سنوات.
الترتيبات الإدارية:
عند مناقشة الترتيبات الإدارية الأكثر ملاءمة التي ينبغي وضعها موضع التنفيذ، من الضروري توخي الحذر، لأن كل ترتيب إداري يعتمد على طبيعة الترتيبات القانونية والعادات الوطنية والإقليمية والمحلية، والتي تميل إلى التباين من بلد إلى آخر، كما ينبغي تجنب الارتباك حول ما إذا كانت كلمة “الحوكمة” تشير إلى نظام الإدارة بأكمله أم مجرد الهياكل الإدارية المستخدمة لإدارة استخدام المياه، وفي هذه الدراسة، يشير مصطلح الحوكمة إلى الترتيبات الإدارية، وعندما يتم اتباع هذا النهج، فمن الممكن البدء في تطوير قوائم المراجعة والبحث عن الثغرات في الترتيبات الإدارية القائمة، وهنا تبرز مبادئ توجيهية مثل تلك التي أعدتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تؤكد على:
-
وجود كيان لصنع القرار على مستوى النظام بأكمله يعالج الاعتبارات التي لا يمكن تناولها محلياً، مع ترك باقي الاعتبارات لصناع القرار المحليين.
-
زيادة القدرة على التكيف من خلال إنشاء آليات إدارية واستشارية تمكن من اتخاذ القرارات بسرعة مع تغير ظروف العرض والطلب.
فرض رسوم مقابل تقديم الخدمة:
كما كشفت دراسات الحالة العديدة حول التجارب في إدارة موارد الملكية المشتركة، أنه يمكن زيادة قوة نظام التقاسم من خلال ضمان التوافق بين الفوائد المستلمة وتكاليف الاحتفاظ بحق المياه واستخدام المخصصات، وفي تحدٍ للممارسة الشائعة، يشير خبراء إلى أن نظام تقاسم المياه سيكون أكثر قوة إذا كان النظام ممولًا ذاتيًا، أي أن الأشخاص المشاركين في إدارة النظام لا يعتمدون على التمويل من الحكومة المركزية أو المانحين. وتحقيقًا لهذه الغاية، يوصي خبراء الاقتصاد غالبًا بتقسيم تكلفة صيانة أي نظام إلى تكاليف ثابتة ومتغيرة وأن:
-
يتم استرداد التكاليف الثابتة بما يتناسب مع عدد الأسهم المملوكة.
-
يتم استرداد التكاليف المتغيرة بما يتناسب مع حجم المياه المأخوذة.
-
يتم استرداد متوسط تكلفة معالجة عمليات نقل الأسهم، ونقل المخصصات من حساب مياه إلى آخر، وما إلى ذلك، من الأشخاص المشاركين في كل معاملة.
إضافة القيمة، والكشف عن القيمة، وزيادة الفرص:
تضمنت الدراسة تأكيد العديد من الخبراء على الحاجة إلى إعطاء مزيد من الاهتمام لتقدير قيمة المياه، وقد تشمل خيارات تقاسم المياه التي تزيد من الاعتراف بقيمة المياه، إنشاء سجل أسهم يتمتع بالنزاهة، وبمجرد وضع نظام رسمي للمشاركة، يمكن زيادة القيمة من خلال رهن هذه الأسهم بنفس الطريقة التي يمكن بها رهن الأرض، وبذلك يمكن توقع ارتفاع قيمة كل سهم وقد يتم استخدامه لتمويل الاستثمار.
الأسهم البيئية:
من الممكن بناء أنظمة تعترف بحق نظام النهر أو طبقة المياه الجوفية، عبر تمرير حصة من المياه تعمل علي استمرار واستدامة النظام والمياه الجوفية كما تمت المناقشة بنجاح مؤخراً في حالة نهر وانجانوي في نيوزيلندا، وذلك يكون بتخصيص أو نقل أسهم إلى صندوق يهدف للحفاظ على البيئة، وعلى الرغم من أن هذا التوجه لا يزال جديدًا، إلا أنه بمجرد القيام بذلك، يمكن القول أن مسئولي الحفاظ على البيئة سيكون لديهم حافز لتحسين فعالية استخدام المياه الموجهة للحفاظ على نظام النهر وبيئته والقيام بدور نشط في تحديد متى وكيف يتم استخدام هذه المياه.
ختاما، لابد من الاعتراف بأن المناقشات حول ترتيبات تقاسم المياه تميل إلى أن تكون معقدة وحساسة سياسياً، وتكون قضية تحديد الطرق الأكثر ملاءمة لتقاسم المياه للوصول إلى المياه هي جوهر المفاوضات، لذا فإن الفشل في تحقيق ذلك يخلق أحد الأسباب الرئيسية لأزمات المياه التي قد تؤدي إلى حلقة مفرغة من الصراع وتدهور النظم البيئية المائية والبيئية في جميع أنحاء العالم
وتقترح الدراسة بدء عملية مراجعة رسمية، حتى لو استغرقت وقتًا، ولكن من الضروري أن ندرك أن تكاليف التسويف قد تكون مرتفعة. وأخيرًا، تلفت الدراسة الانتباه إلى حقيقة مفادها أن إحدى مزايا نظام التقاسم هي أنه من الممكن دائمًا البدء محليًا ــ وبمجرد إثبات حدوث تقدم ــ يمكن أن يصبح الأساس للنظر في قضية الإصلاح الأوسع نطاقًا عبر أحواض الأنهار العابرة للحدود.
المصادر:
[1] For more information on transboundary sharing arrangements in Asia, see Moerlins et al. (2008) and Puri (2001).
[2] The Mekong River passes through China, Burma (Myanmar), Laos, Thailand, Cambodia, and Vietnam.
[3] See https://data.gov.uk/dataset/hands-off-flow-surface-water-abstractions