المقالات
تقدير موقف بعنوان: اتفاق إثيوبيا وصومالى لاند.. آفاق أزمة دبلوماسية تلوح فى الأفق بين مقديشو وأديس أبابا
- يناير 5, 2024
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الدراسات الأفريقية
إعداد: دينا لملوم
باحثة متخصصة فى الشؤون الإفريقية
فى منطقة تعج بالصراعات والتوترات وفى ظل الحرب المشتعلة فى السودان، جاء رئيس الوزراء الإثيوبى ليفاقم الأوضاع سوءًا بعد إقدامه على خطوة عقد اتفاق مع رئيس أرض الصومال؛ لتحقيق الحلم القديم المتعلق بنفاذ إثيوبيا إلى العالم الخارجى عبر سواحل البحر الأحمر، وقد لاقى هذا التصرف ردود فعل غاضبة من قبل الرئيس الصومالى، الذى بادر بعقد اجتماع طارئ؛ للتنديد بهذا التصرف الذى يشكل اعتداءً صارخًا على السيادة الداخلية لمقديشو، كما استدعت حكومة البلاد سفيرها لدى أديس أبابا للتشاور بشأن هذا التحرك، الذى قد يؤدى إلى مزيد من التوترات فى مسار الشحن العالمى الحيوى بالبحر الأحمر، وتعددت ردود الفعل الدولية والإقليمية التى أكدت وقوفها الداعم للصومال، وهذا الأمر فى نهاية المطاف قد يؤثر على مسار مفاوضات سد النهضة العالقة بشكل أو بآخر.
ما هى صومالى لاند؟
تقع “صومالى لاند” المنشقة عن الصومال والتى كانت مستعمرة بريطانية سابقة فى منطقة القرن الإفريقى على خليج عدن فى شمال الصومال، تحدها إثيوبيا من الغرب، وقد أعلنت انفصالها عن مقديشو عام 1991، بعد سقوط نظام “محمد برى”، وتتمتع “صوماليلاند أو صومالى لاند” بالحكم الذاتى وامتلاك عملتها الخاصة وإصدار جوازات سفر لمواطنيها، إضافة إلى وجود مجلس نواب منتخب مكون من 82 عضوًا، بجانب مجلس شيوخ يضم 82 عضوًا فى غرفة ثانية فى البرلمان، ويشغل “موسى بيهى” منصب الرئيس منذ عام 2017، إلا أنه ورغم ذلك لم تنل اعتراف المجتمع الدولى، وقد شنت حربًا على الحكومة العسكرية؛ للتحرر من هيمنة الجنوب، وأعلنت استقلالها عام 1991، بعدما انهارت الحكومة المركزية فى مقديشو، وتواجه هذه الدولة غير الشرعية تحديات جمة، أبرزها الفشل فى إقناع العالم بالاعتراف بوضعها الجديد، إضافة إلى وجود توترات داخلية، بجانب النزاع الدائر بينها وبين إقليم بونتلاند، وثمة مخاوف بشأن أن يؤدى الاعتراف الرسمى بهذه الرقعة الجغرافية لتشجيع الحركات الانفصالية فى مناطق أخرى فى المنطقة، أن تحذو حذوها ويسعون للاستقلال، فمجرد اعتراف إثيوبيا باستقلاليتها، من شأنه منحها نوعًا من السيادة، قد يؤهلها مستقبلًا للسماح بإنشاء قواعد أجنبية للدول التى قد ترغب فى إيجاد موطئ قدم لها فى هذا الإقليم.
إقليم صومالى لاند
مذكرة تفاهم بين إثيوبيا وصومالى لاند:
مع مستهل يناير 2024، أقدمت حكومة “آبى أحمد” على توقيع مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال؛ لاستخدام ميناء بربرة المطل على البحر الأحمر لمدة 50 عامًا، وبموجب هذا الاتفاق ستحصل “صومالى لاند” على حصة فى الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة، والتى تعد كبرى شركات الطيران فى إفريقيا، وذلك يمثل فرصة ذهبية لاقتصاد أرض الصومال، إضافة إلى الحصول على اعتراف من “أديس أبابا” بأرض الصومال كدولة مستقلة، وستمهد هذه المذكرة الطريق لإثيوبيا للتجارة البحرية فى المنطقة، عبر منحها إمكانية الوصول إلى قاعدة عسكرية مستأجرة على البحر، وخلال الفترة الماضية سعى “آبى أحمد” بكافة السبل؛ لمحاولة تأمين مسألة التواجد على سواحل الأحمر، وتنويع منافذ بلاده البحرية، بما فى ذلك السودان وكينيا.
وأثيرت المخاوف بشأن أن هذه التحركات قد تؤدى إلى تهديد الأمن والاستقرار الإقليمى، وتأجيج بؤر التوتر الملتهبة بطبيعة الحال فى المنطقة، وتجدر الإشارة فى هذا الصدد إلى أنه فى عام 2018 حاولت أديس أبابا الاستحواذ على حصة 19% من ميناء بربرة، ولكن هذه المحاولة باءت بالفشل، أما عن طبيعة الاتفاق الذى تم بشكل مفاجئ بين الحكومة الإثيوبية ونظيرتها فى صوماليلاند، فقد أعربت السلطات الصومالية عن استيائها جراء هذا التحرك، حيث إنها تعتبر أرض الصومال جزءًا لا يتجزأ من مقديشو بموجب الدستور الصومالى، وأن مثل هذه الاتفاقية تشكل انتهاكًا صارخًا لسيادتها ووحدتها، مع تأكيد أن الاتفاق ليس له أى أساس قانونى، كما شارك مئات الأشخاص فى تظاهرة فى مقديشو للتنديد بهذا الاتفاق وبتتبع كواليس توقيع هذه المذكرة، فإن ثمة بعدًا دوليًا لا يمكن إغفاله، وكون الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك أكبر قاعدة عسكرية فى جيبوتى، فإن إثيوبيا لن تجرؤ على اتخاذ خطوة تدشين قاعدة بحرية فى أرض الصومال دون موافقة أمريكية، بما يتواءم مع المصالح الأمريكية مستقبلًا، وكبح جماح النفوذ الروسى الصينى فى المنطقة.
اجتماع مجلس الوزراء الفيدرالى فى الصومال:
على خلفية الاتفاق الموقع بين أديس أبابا وصومالى لاند، عقد مجلس الوزراء الفيدرالى فى مقديشو اجتماعًا طارئًا فى الثانى من يناير؛ لمناقشة وضعية البلاد بعد هذه المذكرة، حيث أشار إلى أنها تمثل اعتداءًا سافرًا على السيادة الداخلية للصومال، ودعا الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامى، والاتحاد الأوروبى، والهيئة الحكومية للتنمية إيجاد، والشركاء الدوليين، إلى اجتماع طارئ بشأن التحركات الإثيوبية التى تنتهك سيادة الجمهورية الصومالية بشكل واضح وصريح، كما استدعت سفيرها فى أديس أبابا للتشاور حول هذا الموضوع، الأمر الذى قد يتسبب فى أزمة دبلوماسية محتملة بين البلدين، وطالب المجلس الوطنى الصومالى كافة المواطنين الصوماليين داخل الصومال وخارجه التوحد من أجل الحفاظ على سيادة الصومال وكرامة شعبه.
الدوافع الإثيوبية وراء مسعى الحصول على منفذ بحرى على البحر الأحمر:
يقف وراء التحرك الإثيوبى لمحاولة الحصول منفذ بحرى على سواحل البحر الأحمر حزمة من الدوافع والأهداف الإستراتيجية الرامية إلى تأمين وحماية المصالح البحرية لإثيوبيا وتقليل الاعتماد على منفذ بحرى واحد، وتتمثل أبرز هذه الدوافع فى الآتى:
تعزيز الحضور الإقليمى:
يسعى رئيس الوزراء الإثيوبى منذ وصوله إلى سد الحكم إلى استعادة “المجد الإمبراطورى القديم” لإثيوبيا، ومحاولة خلق دور إقليمى يجعل أديس أبابا الدولة الأقوى فى المنطقة ويرسم لها بعدًا إستراتيجيًا يدفعها نحو الهيمنة والسيطرة على منطقة القرن الإفريقى، وعلى الرغم من التحديات التى قد تعترى هذا المشروع التوسعى، إلا أنه قد يضمن لها زيادة اعتماد بعض القوى الدولية الفاعلة فى المنطقة بشكل موسع على إثيوبيا، ومن ثم استعادة ثقة الغرب فى الحكومة الإثيوبية مرة أخرى خاصة بعد الأحداث التى مرت بها جراء التداعيات التى تمخضت عن حرب التجراى.
وتتبع أديس أبابا فى هذا الشأن “دبلوماسية الممرات”، وذلك عن طريق بناء الطرق البرية والممرات التى تربط بينها وبين دول الجوار الإقليمى التى تفتقر للقدرات المالية واللوجستية التى تمكنها من بناء منافذ بحرية على البحر الأحمر، بما يمكن الحكومة فى أديس أبابا من ربط مناطق فى إثيوبيا بالموانئ البحرية الإقليمية، وهو الأمر الذى قد يساعد على تعزيز القبضة الإثيوبية على بعض الأقاليم، لا سيما شرق إثيوبيا التى يقطنها الأورومو والصوماليون الإثيوبيون.
حماية الأمن القومى الإثيوبى:
تسعى إثيوبيا لحماية أمنها القومى، وذلك عبر امتلاك القدرة العسكرية التى تساعدها على التدخل فى مناطق أخرى، وتقديم نفسها كطرفًا فى المعادلة الإقليمية المتعلقة بالأمن البحرى فى القرن الإفريقى، والتصدى لمحاولات بعض القوى الإقليمية المناوئة لها التواجد عسكريًا فى فنائها الخلفى عبر تأسيس قواعد عسكرية وبحرية على مقربة من بعض الدول المجاورة لها مثل جيبوتى وإريتريا والصومال، أيضًا يثير تزايد الأنشطة الإرهابية واندلاع الصراعات والنزاعات فى بعض دول المنطقة تخوفًا لدى أديس أبابا من احتمالية تأثر طرق التجارة الإثيوبية مع العالم الخارجى، ناهيك عن التحديات الأمنية التى قد تواجهها على اعتبار أنها دول جوار مباشرة؛ لذا فقد سعت إلى حشد إمكاناتها البحرية والأمنية للدفاع عن نفسها وحماية مصالحها الاستراتيجية حال تعرضها لأى خطر محتمل.
اتخاذ خطوات استباقية ضد محاولات التنافس الإقليمى والدولى:
فى ظل حالة الاستقطاب التى تتعرض لها بعض دول القرن الإفريقى من قبل العديد من القوى الخارجية من خلال تدشين قواعد عسكرية، بما قد يزيد من حدة التنافس الدولى فى المنطقة، وهو ما قد ينتج عنه عسكرة هذه الرقعة الجغرافية بشكل قد تصل تداعياته إلى حد التأثير السلبى على الأمن الإقليمى، ونتيجة لذلك قد يزداد نفوذ القوى الدولية فى المستقبل، وهو ما قد يدفع إلى السيطرة على قرارات دول القرن الإفريقى.
دعم المصالح الاقتصادية الإثيوبية فى المنطقة:
تعمل أديس أبابا من خلال مساعيها الهادفة لامتلاك حصص مختلفة على السواحل البحرية إلى توسيع وتسهيل أنشطتها التجارية والخروج من المحنة الاقتصادية التى عصفت بها خلال السنوات الأخيرة، علاوة على رغبتها فى أن تصبح قوة إقليمية مهمة تحظى بموقع إستراتيجى بالنسبة لطرق التجارة والشحن والنقل البحرى فى القرن الإفريقى، كما أن المشروع التنموى الإثيوبى الهادف إلى التحول لمركز تصنيع إقليمى وتحسين قدرتها الإنتاجية وخلق سياسة صناعية متطورة يتطلب معالجة أزمة الموانئ البحرية، إضافة إلى تنويع طرق التجارة؛ لكى تصبح مركزًا لوجستيًا فى شرق إفريقيا بمحصلة نهائية تكمن فى تعزيز النفوذ الاقتصادى للبلاد.
تنويع منافذ الوصول للموانئ البحرية:
تهدف إثيوبيا إلى تنويع مصادر الاعتماد على الموانئ البحرية وخفض تكلفتها، ومن ثم ترسيخ موطئ قدم لها فى العديد من الموانئ البحرية بدول المنطقة، بما يضمن تنويع البدائل المتاحة أمامها، فضلًا عن تقليل الاعتماد على ميناء جيبوتى الذى تعبر من خلاله حوالى 95% من تجارة إثيوبيا مع العالم الخارجى؛ تحسبًا لأى اعتبارات يحتمل أن تحدث فى المستقبل سواء بين الدولتين ذاتهما أو مع القوى الدولية الأخرى؛ خاصة فى ظل تواجد عدد لا بأس به من القواعد العسكرية لبعض الدول الكبرى، كالولايات المتحدة والصين وغيرهما، وهو ما ينطوى عليه بعض التناقضات فى المصالح الإستراتيجية لهذه الدول، الأمر الذى قد يشكل تهديدًا للنفوذ الإثيوبى فى المنطقة.
أبرز ردود الأفعال الإقليمية والدولية:
مصر: أكد بيان لوزارة الخارجية المصرية ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية على كامل أراضيها، ومعارضتها لأى إجراءات من شأنها الافتئات على السيادة الصومالية، وأن الصومال وشعبها لهما الحق دون غيرهما فى الانتفاع بموارد البلاد، وحذّر البيان من خطورة تزايد التحركات والإجراءات والتصريحات الرسمية الصادرة عن دول المنطقة وخارجها، التى تقوض من عوامل الاستقرار فى القرن الإفريقى، وتزيد من حدة التوترات بين دولها، وأن احترام أهداف القانون التأسيسى للاتحاد الإفريقى ومنها الدفاع عن سيادة الدول الأعضاء ووحدة أراضيها واستقلالها وعدم تدخل أى دولة عضو فى الشؤون الداخلية لدولة أخرى ضرورة ملحة، ويأتى البيان بعد يوم من اتصال أجراه الرئيس الصومالى “حسن شيخ محمود”، مع نظيره المصرى “عبدالفتاح السيسى”.
الاتحاد الإفريقى: دعا رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقى “موسى فكى” إلى الهدوء والاحترام المتبادل لتهدئة التوتر المتصاعد بين حكومتى جمهورية إثيوبيا وجمهورية الصومال، وفى هذا الصدد، ومطالبة البلدين بالامتناع عن أى عمل قد يؤدى عن غير قصد إلى تدهور العلاقات بينهما، والتشديد على ضرورة احترام الوحدة والسلامة الإقليمية والسيادة الكاملة لجميع أعضاء الاتحاد.
علاوة على ذلك، أكد أهمية الالتزام بمعايير حسن الجوار لتعزيز وتوطيد السلام والأمن والاستقرار فى منطقة القرن الإفريقى، وحث البلدين الشقيقين على الانخراط دون تأخير فى عملية تفاوضية لتسوية خلافاتهما بطريقة بناءة وسلمية وتعاونية لتعزيز وتعميق تعاونهما لخدمة السلام والأمن فى المنطقة، فى إشارة إلى أن الاتحاد سيعمل بقوة لمحاولة التوصل إلى حل لهذه المعضلة، ويحول دون انخراط المنطقة فى صراع جديد.
جامعة الدول العربية: أعلنت الجامعة العربية رفضها وإدانتها لأى مذكرات تفاهم تخل أو تنتهك سيادة الدولة الصومالية، أو تحاول الاستفادة من هشاشة الأوضاع الداخلية وتعثر المفاوضات الجارية بين أبناء الشعب الصومالى بشأن علاقة أقاليم الصومال بالحكومة الفيدرالية، فى استقطاع جزء من أراضيها بالمخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولى، وبما يهدد وحدة أراضى الدولة ككل، وأشارت إلى تضامنها بشكل كامل مع قرار مجلس الوزراء الصومالى الذى اعتبر مذكرة التفاهم للشراكة والتعاون الموقعة فى 1 يناير 2024 بين إثيوبيا و “أرض الصومال” باطلة ولاغية وغير مقبولة، وأنها تمثل انتهاكًا واضحًا لسيادة ووحدة أراضى الجمهورية الفيدرالية وكذلك للقانون الدولى، وحذرت من خطورة تأثير تلك الخطوة على نشر الأفكار المتطرفة فى وقت تقوم فيه البلاد بجهود ضخمة لمواجهة الإرهاب.
الولايات المتحدة الأمريكية: أعرب المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “ماثيو ميلر” عن مدى قلق بلاده إزاء تفاقم التوتّرات فى القرن الإفريقى، وأن واشنطن تعترف بسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية ووحدة أراضيها، ودعوة كافة الأطراف المعنية للانخراط فى حوار دبلوماسى ينهى هذه الأزمة.
الاتحاد الأوروبى: أكد أن احترام سيادة الصومال هى مفتاح السلام فى القرن الإفريقى، وذلك بعد الاتفاق المثير للجدل الذى وقّعته مع أديس أبابا منطقة أرض الصومال الانفصالية، وحصلت بموجبه إثيوبيا على منفذ بحرى، بأهمية احترام وحدة جمهورية الصومال الفيدرالية، وسيادتها، وسلامة أراضيها، وفقًا لدستورها ومواثيق الاتحاد الإفريقى والأمم المتّحدة.
رؤية استشرافية:
قد تشكل الخطوة الإثيوبية التى أقدمت حكومة البلاد على اتخاذها خطرًا داهمًا قد يؤرق أمن واستقرار المنطقة، لا سيما فى ظل تزايد أطماع أديس أبابا، ورفض بعض الدول مثل جيبوتى وإريتريا والصومال تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، والتى أعلن فيها أنه فى حال فشل بلاده فى تأمين الوصول إلى مياه البحر الأحمر سوف يؤدى ذلك إلى صراع، كما أن نجاح إثيوبيا فى تحقيق هذا الهدف سيمنحها نقطة انطلاق للتحكم فى حركة الملاحة فى البحر الأحمر ومضيق باب المندب الواصل إلى قناة السويس، بما قد يهدد الأمن القومى العربى ومصالح مصر الاقتصادية والأمنية بشدة، إذا ما وظفت إثيوبيا نفوذها فى الصومال لصالح أجندتها السياسية، وبالنظر إلى تحركات أديس أبابا، التى قد تثير حفيظة العديد من الدول الإفريقية وبصفة خاصة دول القرن الإفريقى، نجد أن ذلك قد يعزز من فرص مصر للتواجد بقوة فى هذه المنطقة، وهو ما سيعطيها بعدًا إستراتيجيًا مهمًا، وربما تكوين رابطة داعمة لحقوقها التاريخية فى مياه نهر النيل، فتكون هذه الرابطة بمثابة ورقة ضغط على إثيوبيا فيما يتعلق بملف سد النهضة؛ لكسر جمود المفاوضات المتعثرة.
ويحتمل أن تشهد أديس أبابا خلال الفترة المقبلة بعض المشاكل السياسية مع دول الجوار، وأمنية تتمثل فى تفاقم الاضطرابات الداخلية، وسيادة مناخ عدم الاستقرار بعض الشيء خارجيًا، وبالطبع زيادة أنشطة الجماعات الإرهابية التى تنشط فى البيئات غير المستقرة، وعلى الرغم من ذلك فإن كل هذه الأمور قد لا تعيق إثيوبيا عن تحقيق هدفها، والذى تسعى إليه منذ فترة، بالرغم من التحديات التى تواجهها وضعف أداء اقتصادها، وهو ما يعيد إلى الأذهان أنه قد يكون هناك دعم خارجى يدفع بالجانب الإثيوبى نحو اتخاذ مثل هذه الخطوات، وثمة نظرة تفاؤلية تتعلق باحتمالية زيادة الدور المصرى القادم فى المنطقة، عبر سياسة الاحتواء، وتشكيل كتلة إفريقية داعمة لمصر، سواء سياسيًا أو اقتصاديًا، خاصة فى ظل التوجهات المصرية التنموية فى القارة الإفريقية، ويتوقع أن تشهد العلاقات الصومالية الإثيوبية أزمة دبلوماسية قد تصل إلى حد القطيعة؛ كنتيجة للتحرك الذى أعدته حكومة مقديشو تعديًا على سيادتها ووحدة أراضيها.
ختامًا:
لقد ظل حلم الوصول إلى البحر عالقًا فى الوجدان الإثيوبى، خاصة بعد الاستقلال عن إريتريا عام 1993، الذى حول أديس أبابا إلى أكبر الدول الحبيسة فى إفريقيا، وهو ما جعل إدارة “آبى أحمد” تسعى بكافة السبل؛ لكى تتمكن من إيجاد موطئ قدم لها على سواحل البحر الأحمر، حتى ولو كان ذلك عن طريق القوة، وظهرت لهجة خطابات رئيس الوزراء الإثيوبى بها شيئًا من الحدة، فعلى الرغم من اعتماد إثيوبيا على ميناء جيبوتى فى الاستيراد والتصدير، إلا أن دبلوماسية الموانئ التى ركنت إليها أديس أبابا تمثلت فى تنويع المنافذ البحرية، بل وتطور الأمر إلى محاولة الحصول على منفذ بحرى سيادى خاص بها، ولكن ثمة تخوفات من احتمالية أن يؤدى هذا التحرك إلى تصاعد حدة التوترات المشتعلة بالفعل وتلبد الأجواء السياسية فى القرن الإفريقى، بل وربما يندلع نزاع مسلح فى المنطقة يكون البحر فتيل تفجيره، وقد تضطر دول المنطقة إلى قبول الاتفاق باعتباره أمرًا واقعًا لابد من التعايش معه، مع فرضية أن تقوم الحكومة الإثيوبية بتقديم ضمانات تطمئن جيرانها بمدى سلمية التحرك، وأنه لن يؤثر سلبًا على أمن واستقرار المنطقة.