إعداد: ميار هانى
باحثة فى الشأن الدولى
بالتزامن مع إحياء الذكرى الرابعة لمقتل “قاسم سليمانى”، القيادى البارز فى الحرس الثورى الإيرانى، أعلنت مصادر إيرانية مقتل 103 على الأقل وإصابة 284 فى انفجارين وقعا فى مدينة كرمان وسط البلاد، ويعد الهجوم الأكثر دموية فى إيران منذ ثورة عام 1979.
ووفقًا للمسؤولين الإيرانيين، وقع الانفجار الأول على بعد 700 متر من موقع دفن سليمانى، بينما وقع الانفجار الثانى الأكثر دموية عقب 20 دقيقة عندما جاء الناس لمساعدة الجرحى، وذلك على بعد كيلومتر واحد من القبر وكان خارج مسار الزوار وبوابات التفتيش، وسارع المسؤولون الإيرانيون فى إلقاء اللوم على إسرائيل، وحذر الرئيس الإيرانى “إبراهيم رئيسى” من أنها ستدفع “ثمنًا باهظًا”، بينما قال الجيش الإسرائيلى إنه “ليس لديه تعليق” على الأمر.
وأصدر الجناح الإعلامى لتنظيم الدولة الإسلامية، بعد مرور أكثر من 24 ساعة من الانفجارات، بيانًا بعنوان “واقتلوهم أينما وجدتهم” يعلن فيه مسؤوليته عن التفجيرين، زعم فيه أن انتحاريين شقيقين فجرا سترتيهما الناسفتين أثناء تجمع مشيعين شيعة لإحياء ذكرى اغتيال “سليمانى”، ولم تقدم الجماعة أدلة أخرى، كما تختلف روايتها فيما يتعلق بحصيلة القتلى كونها أعلى عن تلك التى قدمتها وسائل الإعلام الإيرانية.
وتُجدر الإشارة إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية قد استهدف المزارات والمواقع الدينية فى إيران خلال السنوات القليلة الماضية؛ إذ أعلن التنظيم مسؤوليته عن هجوم، وقع فى أكتوبر 2022، فى ضريح “شاه جراغ” بمدينة شيراز أسفر عن مقتل 13 شخصًا، كما أعلن فى 2017 مسؤوليته عن تفجيرين استهدفا مقر البرلمان وضريح “آية الله روح الله الخمينى” مؤسس الجمهورية الإسلامية.
ووعد المرشد الإيرانى، “على خامنئى”، برد حازم على “أعداء الأمة الإيرانية الأشرار والمجرمين” المسؤولين عن الهجوم، فى حين أعلن القائد الحالى لفيلق القدس، “إسماعيل قاآنى”، “أن حشد كرمان تعرض لهجوم من أفراد متعطشين للدماء، ممولين من الولايات المتحدة والنظام الصهيونى”.
السياق الراهن
أولًا – ارتفاع وتيرة التصعيد ضد إيران وحلفاؤها:
شهدت الأحداث الإقليمية السابقة على الانفجارين بمدينة كرمان استهدافًا لقادة بارزين، إذ اغتيل نائب رئيس المكتب السياسى لحركة حماس “صالح العارورى” برفقة قياديين من كتائب القسام فى قلب الضاحية الجنوبية ببيروت، معقل حزب الله اللبنانى، وكان “العارورى” منافسًا قديمًا ليحيى السنوار، زعيم الحركة فى غزة الذى خطط لهجوم طوفان الأقصى، ومنافسًا رئيسيًا ليكون القائد التالى للحركة ككل.
فضلًا عن اغتيال أحد أقدم مستشارى الحرس الثورى الإيرانى فى سوريا، القيادى “رضى موسوى”، بقصف فى دمشق، فى 25 ديسمبر 2023، وقد اتهمت إيران إسرائيل بضلوعها فى تنفيذ تلك العمليات. بجانب تكثيف الغارات الجوية على مناطق تواجد الفصائل السورية والإيرانية بدمشق.
ثانيًا – تصاعد التوترات بالبحر الأحمر:
يشهد المجال البحرى توترات على خلفية التهديدات الأخيرة من قِبل الحوثيين من خلال استهداف السفن التجارية المتجهة لإسرائيل بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب عبر إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة، بالإضافة إلى محاولات الصعود على متن السفن باستخدام الزوارق.
وفى السياق تبنت إيران عدة تحركات داعمة لوكيلها، سواء على مستوى التصريحات الرسمية من خلال تأكيد وزير الدفاع الإيرانى “دعم إيران المطلق للحوثيين على جميع الأبعاد”، أو على مستوى الدعم العسكرى من خلال إرسال المدمرة “ألبرز” إلى البحر الأحمر بعد يوم من تعرض القوات البحرية التابعة للحوثيين لهجوم أمريكى.
ثالثًا – الملف النووى الإيرانى:
أكدت “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” فى 26 من ديسمبر الماضى، مضاعفة طهران إنتاجها من اليورانيوم “العالى التخصيب” ثلاث مرات ليصل إلى حوالى 9 كيلوغرامات من اليورانيوم العالى التخصيب بنسبة 60%، وذلك بعد عدة أشهر من تقليل إنتاجها الذى كان يبلغ 3 كيلوجرامات، فى تحول ملحوظ لسياسة إيران وسط تصاعد التوترات بالمنطقة.
وختامًا:
يشير هجوم كرمان إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” يسعى لإعادة بناء قوته وأهميته وفق أساليب جديدة، وتظل أهداف التنظيم واحدة، حيث يسعى إلى الجهاد ضد جميع أعدائه بهدف إقامة الخلافة فى المنطقة، كما يكشف التفجير عن ثغرات واسعة فى أداء منظومة الأمن الإيرانية، تتعلق بتعدد الأجهزة، إلى جانب صراعاتها الداخلية، فضلًا عن ضعف تعاوناتها الاستخباراتية الناتجة عن عزلتها مع محيطها. وعليه، يُتوقع أن يكون الرد الإيرانى تكتيكيًا مدروسًا نظرًا للأوضاع الأمنية التى يمر بها الإقليم.