إعداد: عنان عبد الناصر
لا يزال دور الأردن حيويًّا تجاه الأوضاع في غزة، فقد سعت المملكة الأردنية منذ بداية الصراع، إلى التخفيف من وطْأَة الظروف الإنسانية داخل غزة، فضلًا عن الوقوف ضد الحرب الإسرائيلية، من خلال الارتكاز على كافَّة الوسائل وأدوات الضغط؛ حفاظًا على حقوق الشعب الفلسطيني، وقد أتى ذلك وسط مجموعة من المحاولات الحثيثة؛ لاستعادة المسار السياسي إلى الواجهة؛ فالحرب داخل غزة أدخلت المنطقة في دائرة جديدة من الصراع، دون وجود أُفُقٍ قريبٍ للحل أو حدوث أيِّ انفراجةٍ في المشهد السياسي، سوى امتداد لحروب وأزمات سابقة.
محددات الموقف الأردني تجاه الأوضاع في غزة
لقد كان موقف الأردن تجاه الأوضاع في غزة ثابتًا، منذ بداية الصراع؛ من أجل تحقيق دور دبلوماسي في المنطقة بجانب جهود مساعدة غزة؛ فاشتعال الوضع بين “فلسطين، وإسرائيل” سيكون له بالضرورة تأثيرات مضاعفة على أمن المملكة الأردنية، وقد أكَّد الملك عبد الله الثاني، على رفْض الأردن الشديد لأي تفكير في إعادة احتلال أجزاء من غزة، أو إقامة مناطق عازلة فيها؛ ما سيفاقم من حِدَّة الأزمة، ويُعدُّ أمرًا مرفوضًا، وبمثابة اعتداء على حقوق الشعب الفلسطيني، وشدَّد على أنه لا بُدَّ من وقْف الحرب في المقام الأول، وإطلاق عملية سياسية جديدة، تُفْضي إلى حلِّ الدولتين، فالأولوية القصوى اليوم هي وقْف الحرب على غزة، وإدخال كافَّة المساعدات الإنسانية اللازمة.
وكان هناك تأكيدات على أن ما تشهده غزة اليوم من ممارسات لسياسات العقاب الجماعي وقتل المدنيين وهدم المرافق الحيوية من مستشفيات ودور عبادة، لا تقبله الشرائع السماوية والقيم الإنسانية؛ فسفك الدماء – الذي نشهده اليوم- لن يحقق أيَّ تقدُّمٍ ملموس نحو أُفُقٍ سياسي يحقق السلام الدائم بالنسبة للشعب الفلسطيني أو الجانب الإسرائيلي على حدٍّ سواء، وقد حذَّر ملك الأردن أيضًا من أن الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس ستؤدي إلى انفجار الأوضاع في المنطقة واتساع رقعة الصراع.
وفي إطار تحرُّكات متسارعة للخيارات الأردنية في مواجهة العدوان الإسرائيلي، والتصدي لسياسات العقاب الجماعي التي تدفع بالمدنيين نحو التهجير، أعلن مجلس النواب الأردني، عن نيته نحو البدْء في مراجعة الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، ورفْع التوصيات اللازمة بشأنها؛ من أجل تقديمها للحكومة، ولم يحدد مجلس النواب في قراره طبيعة الاتفاقيات المنوي مراجعتها، إلا أن “المملكة الأردنية، وإسرائيل” ترتبطان بحزمةٍ من الاتفاقيات الاقتصادية الهامة؛ مثل اتفاقيات الغاز والمياه المبرمة تحت مظلة قانون السلام “الأردني – الإسرائيلي” المُصدَّق عليه عام 1994م.
وقد اعتبر الأردن أن أيَّ محاولات لتهجير الفلسطينيين من غزة ستُعدُّ بمثابة إعلان الحرب، وهذا ما أكَّده رئيس الوزراء الأردني؛ فكان هناك تشديدات على أن أيَّ محاولات لخلْق ظروف تهجير الفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية، تُعدُّ بمثابة خط أحمر، وتُشكِّلُ خرْقًا واضحًا للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وفي هذا الصدد، أكَّد الأردن على ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة على خطوط الرابع من يونيو 1967، على أساس حل الدولتيْن، وعاصمتها القدس الشرقية؛ ما يضمن بذلك معالجة قضايا القدس والاستيطان والحدود واللاجئين، ومن ثمَّ الحفاظ على المصالح الأردنية.
إن تطورات الحرب على غزة هي محلُّ نقاش لمستويات القرار الأردني وكافة الإدارات العامة داخل البلاد، بجانب أن خيارات الأردن في الدفاع عن مصالحه وأمنه واستقراره مفتوحة، سواء كانت مرتبطة بتغيير مواقف سياسية ثابتة أو تحالفات قائمة أو تجاوز خطوط حمراء، لم يكن من الممكن تجاوزها في الماضي، في حال انسداد الأفق السياسي، وهذه الاحتمالات في حال استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للشعب الفلسطيني ومزاعم انتقال الحرب إلى الضفة الغربية، بالإضافة إلى مخاطر توسع الحرب إقليميًّا وظهور مخاطر أكبر تهدد أمن وسلم البلاد.
تجميد العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل
اتخذ الأردن خطوات تصعيدية، قرَّر خلالها تجميد العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل؛ حيث تم استدعاء السفير الأردني من إسرائيل، ورفض عودة سفير تل أبيب إلى عمان، بعد أن غادرها منذ بداية الأحداث داخل قطاع غزة، وقد عكس ذلك القرار الأردني حجم الغضب الرسمي تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، والذي استهدف البُنَى التحتية والسكان والمدنيين، ويوضح القرار أيضًا تنويع الأردن لخيارات التصعيد الرسمية مستخدمًا لهجةً دبلوماسيةً حادَّةً تجاه العدوان، وقد جاء ذلك القرار في إطار خطة تصعيدية متدرجة في مواجهة سياسات العقاب الجماعي التي تمارسها إسرائيل بدعم “أمريكي، وغربي”.
إن الدافع الرسمي خلف موقف تجميد العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، هو التأكيد على موقف الأردن الراسخ تجاه القضية الفلسطينية، خاصَّةً في ظل علاقات فاترة بين “الأردن، وإسرائيل”؛ لذلك فقد أعلنت الخارجية الأردنية، أن ذلك القرار تعبيرٌ عن موقفها الرافض والمُدِين للحرب التي تقتل الأبرياء، وسبَّبت كارثة إنسانية غير مسبوقة، وحملت كثير من الاحتمالات الخطرة لتوسعها؛ ما شكَّل تهديدًا لأمن المنطقة بأكملها، بل والأمن والسلم الدولييْن، وشدَّدت الخارجية الأردنية أيضًا، على أن عودة السفراء ستكون مرتبطةً بوقف إسرائيل حربها على غزة، بجانب وقْف الكارثة الإنسانية وكافَّة الإجراءات التي تحرم الشعب الفلسطيني من حقوقه في العيش الآمن داخل وطنه.
وقد جاء ذلك القرار في سياق وقْف الاتصالات السياسية مع الجانب الإسرائيلي، الذي تجاهل بشكلٍ مستمرٍ المطالب الدولية، الداعية إلى ضرورة وقف الحرب بشكلٍ فوريٍّ، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني، الذي يعاني من نقْصٍ شديدٍ في الموارد والمستلزمات الأساسية من غذاء ودواء ووقود، فضلًا عن انتشار المخاوف من خروج القطاع الصحي من الخدمة؛ لذلك فكان هناك تأكيدات على أن الصراع سيؤدي إلى إدامة العنف في المنطقة، فهذا الصراع لا يقتل أبناء الشعب الفلسطيني فقط، بل يخلق مناخًا عامًا من الكراهية تجاه السياسات الإسرائيلية بشكلٍ عامٍ.
المساعدات الأردنية لقطاع غزة
حرص الأردن على تقديم الكثير من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، فقد قامت طائرة تابعة لسلاح الجو الملكي الأردني بإنزال مساعدات طبية عاجلة مخصصة لقطاع غزة، والجدير بالذكر، أن تلك العملية جاءت من خلال التعاون من “دولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة قطر”؛ لتعزيز الخدمات الصحية والعلاجية، والتخفيف عن أهالي القطاع، وقد أتت هذه الخطوة؛ استمرارًا لجهود المملكة الأردنية في الوقوف بجانب الشعب الفلسطيني، في ظل استمرار التصعيد الإسرائيلي، وقد شملت الشحنة الأولى ما يقرب من 1000 كيلوجرامًا من المواد الطبية والدوائية والمستلزمات الأساسية.
وقد أرسلت الحكومة الأردنية أيضًا شحنات مساعدات غذائية إلى الضفة الغربية، بحمولة تبلغ ما يقرب من 230 طنًا من محصول القمح، وذلك عبر جسر الملك الحسين، وكان ذلك من أصل 30 ألف طنٍ من القمح الذي سيتم إرساله تباعًا، فضلًا عن 15 طنًا من الحبوب الذي سيتم إرسالها لاحقًا، وقد أكَّد وزير الصناعة والتجارة الأردني، على أن هذه المساعدات سيستمر إرسالها حتى يتم استكمال الشحنة الإجمالية المقررة بحمولة ما يقرب من 45 ألف طنٍ من القمح والحبوب، وقد أتت هذه الجهود؛ تأكيدًا على إيصال المساعدات الأردنية للشعب الفلسطيني، والرغبة في تأمين الوضع الإنساني داخل غزة.
ختامًا:
لقد اتخذ الأردن مجموعةً من الخطوات الحاسمة والجادة؛ من أجل منع اتساع نطاق العدوان الإسرائيلي، بجانب رفْض السياسات الإسرائيلية، التي تهدف إلى فرْض سياسات التهجير الجماعي؛ وهو ما تعده المملكة الأردنية بمثابة إعلان حرب وسط مجموعة من المخاوف الرسمية من التدهور السريع في الضفة الغربية، فهناك مسارٌ واحدٌ يتمثل في ضرورة إنهاء الاحتلال، فنتائج الحرب على غزة ستكون كارثيةً على المنطقة بأكملها، وهناك حقيقة لا بُدَّ أن يضعها العالم في اعتباره، وهي أن الحرب لم تبدأ في السابع من أكتوبر فقط، بل إن الصراع له جذوره، وهو ما يحتم معالجة جذور الصراع وإنهاء الاحتلال ووقف إطلاق النار، ومن هذا المنطلق، تعتبر مساعي المملكة الأردنية في ممارسة أدواتها الدبلوماسية واحدةً من أهم الأدوات المتاحة لوقْف التصعيد داخل غزة.