المقالات
تمديد فترة الحكم العسكرى فى مالى.. فماذا عن مستقبل المسار الديمقراطى فى البلاد؟
- مايو 20, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
إعداد: دينا لملوم
باحثة فى الشؤون الإفريقية
إن ما يحدث فى مالى من توترات داخلية وتحول فى مستوى العلاقات الخارجية وإعادة التموضع الإقليمى، ونشاط الجماعات المسلحة فى هذه البؤرة الملتهبة، فرض على المشهد السياسى فى البلاد حالة من التعثرات وفتح جبهات متعددة على الحكومة المالية، حيث الدخول فى حروب مع الجماعات المتمردة والإرهابية، وتراجع مستوى الاستقرار السياسى والأمنى وتفاقم المعاناة الإنسانية للعديد من السكان المحليين جراء أعمال العنف المتصاعدة، ووسط هذه الظروف جاءت قرارات المجلس العسكرى لتمديد فترة حكمه لمدة 3 سنوات، وهو ما يطرح التساؤل حول مستقبل المسار الديمقراطى فى باماكو عقب هذا القرار.
أسباب تعثر المسار الديمقراطى فى مالى:
1-اتساع رقعة الصراع فى الشمال:
لقد أدى إقدام المجلس العسكرى الحاكم فى باماكو على إلغاء اتفاقية الجزائر الموقعة عام 2015 مع الجماعات المسلحة التى كانت تسيطر على العاصمة كيدال؛ إلى زيادة نشاط الصراعات والتوترات شمال البلاد، وقد تم اتخاذ هذه الخطوة ديسمبر 2023، عبر خطاب ألقاه رئيس المجلس العسكرى “أسيمى غويتا”؛ حيث دعا حينذاك إلى إجراء حوار وطنى داخلى يضم مختلف المكونات السياسية، دون الالتفات إلى أى أطراف خارجية، إلا أن هذا الأمر لاقى نفورًا من قبل الفصائل المسلحة، التى أعدته بمثابة إعلان حرب، وعزمت على مواجهة النظام الحاكم الذى استخدم سلاح فاجنر الروسية فى السيطرة على مركز كيدال نوفمبر 2023، على النقيض من ذلك، لم تؤدِ هذه السيطرة إلى احتواء حالة العنف المسلح مع الجماعات المقاتلة والمرتبطة بتنظيمى القاعدة وداعش، والتى تتحكم فى كافة المناطق الشمالية، بل وفى الحدود الإستراتيجية المتداخلة مع النيجر وبوركينا فاسو، ولم تنصاع تنظيمات الشمال لجلسات الحوار الوطنى التى أطلقتها السلطة الحاكمة 13 أبريل الماضى، بل وأعدتها غير شرعية؛ مع التمسك باتفاق الجزائر.
2- تصاعد وتيرة الهجمات الإرهابية:
فى الفترة الأخيرة وخاصة منذ بدء المرحلة الأولى من عملية انسحاب بعثة الأمم المتحدة “مينوسما” أغسطس الماضى زادت وتيرة العمليات الإرهابية، واستهداف المدنيين، والقواعد الرئيسية للجيش المالى، وتشير إحصائيات إلى أن باماكو تشهد حوالى 4 هجمات عنيفة بشكل يومى منذ بداية 2023، أى زيادة بمعدل 15% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق عليه، ليس ذلك فحسب، بل تعمل هذه الجماعات الإرهابية الممثلة فى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين فرع القاعدة فى الساحل، والتى تعد من أبرز المنخرطين فى الحرب الحالية، وتنظيم القاعدة فى بلاد المغرب على إحكام قبضتها على مساحات شاسعة من الدولة فى مناطق مختلفة.[1]
3- إلغاء اتفاق السلام بين الجزائر ومالى:
لقد أقدم المجلس العسكرى فى باماكو 26 يناير الماضى على إنهاء العمل بالاتفاقية الموقعة مع حركة تحرير أزواد وغيرها من الحركات الانفصالية فى الشمال بوساطة جزائرية عام 2015، وقد هدف هذا الاتفاق إلى منع انفصال أزواد عن مالى، مع تعهد باماكو بتنمية هذا الإقليم المهمش، ودمج مسلحيه فى قوات الجيش والأمن والمناصب الميدانية، إضافة إلى تشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، إلا أن حالة التوتر الدبلوماسى التى انتابت البلدين دفع السلطات المالية إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة، وعليه فإن مثل هذا القرار يجعل ثمة انعدام للثقة بين حكومة البلاد وحركات أزواد، ويمزق صفحات مبادرة باماكو للسلام، بما قد ينقل الأوضاع من حالة اللاحرب واللاسلم إلى المواجهة، ناهيك عن احتمالية نشوء حرب أهلية ستكون عواقبها وخيمة على الشعب المالى، بل والدفع نحو عدم الاستقرار فى المنطقة بأكملها.[2]
4- تدنى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية:
تعانى الدولة المالية من تحديات اقتصادية واجتماعية تتمثل فى ارتفاع معدلات الفقر، وتدنى مستويات الرعاية الصحية والتعليم، إضافة إلى انعدام المساواة بين فئات المجتمع، وبالنظر إلى زراعة الكفاف التى يعتمد عليها معظم الماليين، والتى تتأثر بالتغير المناخى والتدهور البيئى، فثمة تراجع فى الوضع الاقتصادى خاصة فى المناطق الريفية، وهو ما يدفع إلى عدم التكافؤ الاجتماعى، الأمر الذى يؤدى إلى تعميق الانقسامات الاجتماعية وجعل الشباب أرض خصبة لكل فكر هدام ومتطرف ينتهى به المطاف إلى الاستقطاب من قبل الجماعات المسلحة، ومن ثم تفاقم التوترات فى الدولة.[3]
تمديد فترة الحكم العسكرى:
تخضع الدولة الواقعة غرب إفريقيا لحكم العسكر منذ سلسلة من الانقلابات التى شهدتها فى عامى 2020/2021، وعد خلالها الجيش بإجراءات انتخابات وتسليم السلطة للمدنيين فى فبراير، إلا أنها سرعان ما أُرجأت إلى أجل غير مسمى، بحجة عدم استتباب الأوضاع الأمنية واتساع رقعة الهجمات، وفى العاشر من شهر مايو 2024، تم عقد حوار وطنى فى باماكو؛ لوضع حلول للأزمة المتجذرة التى تعانى منها البلاد منذ سنوات على أصعدة عدة، وكان فحوى هذا الحوار هو تمديد فترة حكم المجلس العسكرى لمدة 3 سنوات تبدأ من نهاية مارس 2024 حتى 2027، ناهيك عن ضمان ترشيح الرئيس غويتا للرئاسة حينما تجرى الانتخابات، وقد لاقى هذا الحوار الوطنى نفور من قبل عدد كبير من المعارضة، ووجهوا أصابع الاتهام لضباط الجيش بمحاولة استغلال الحوار للبقاء فى السلطة[4].
خطوات سابقة:
فى يوليو 2023 اتخذت السلطات المالية خطوات مسبقة؛ لتكريس تواجدها فى الحكم، وذلك عبر القيام بمصادقة المجلس الدستورى على الفوز لمؤيدى الدستور الجديد، بعد إجراء استفتاء 18 يونيو من نفس العام، ويمنح هذا الدستور صلاحيات أكبر للرئيس غويتا ويعزز من مكانة الجيش، كما أنه يحمل شعار “السيادة” كمبدأ حاكم تبناه المجلس العسكرى منذ توليه مقاليد الحكم، بجانب العزوف عن فرنسا والترحيب بالوجود الروسى، وقد وصف معارضو هذا المشروع بأنه تم تدشينه بصفة خاصة للحفاظ على الوجود العسكرى فى الحكم، بعد الانتخابات الرئاسية التى كان من المزمع عقدها فبراير الماضى[5]، ولكن على ما يبدو أنها كانت بمثابة إجراء سابق يضمن وجود المؤسسة العسكرية فى السلطة دون منازع، وهو ما اتضح فى الخطوات التى أقدم عليها والمتعلقة بمد فترة الحكم لثلاث سنوات، قد تزيد أو تقل فى ظل الظروف المتعثرة وتدهور الأوضاع الراهنة، وهو ما قد يكون له ترتيبات أخرى تغير من مجرى الخطط التى وضعها العسكريون.
مستقبل المسار الديمقراطى فى باماكو:
يحكم المشهد فى مالى خلال الفترة المقبلة عدة سيناريوهات يمكن إجمالها على النحو التالى:
السيناريو الأول:
إبقاء الوضع كما هو عليه: يحتمل أن تستكمل المرحلة القادمة مسارها المحمل بعثرات سياسية واقتصادية وأمنية، مع مواصلة السلطة العسكرية حكمها، بعد تمديد الفترة لثلاث سنوات، وقد تسعى للنهوض بالأوضاع المذرية التى تعانى منها البلاد، وقد تزداد الأحوال سوءًا، مع وجود عناصر فاجنر التى يتم الاعتماد عليها فى مسارات عدة، كان من بينها النزاع الحدودى بين مالى وموريتانيا، الذى قد يدفع إلى زيادة تهديد أمن واستقرار باماكو، بل والمنطقة أيضًا، وزيادة نشاط الجماعات الإرهابية، علاوة على اتساع دائرة الخطر الأزوادى شمال البلاد، وهو ما يتطلب إرادة حقيقة لإخراج الدولة من هذا النفق المظلم.
السيناريو الثانى:
حدوث انتفاضة شعبية أو انقلاب: لم يعد الشعب الإفريقى كما كان فى السابق يصمت كثيرًا عن ويلات الظلم وتدنى الأوضاع وتفشى الفقر والجوع والمرض، فبات ينتفض؛ رفضًا للمظالم، لذا فقد نرى الشعب المالى فى الشوارع رفضًا لاستمرار المؤسسة العسكرية دون تقديم جديد لإنقاذ البلاد، وقد يحدث انقلاب من قبل المؤسسة ذاتها على “غويتا” الذى أتى لحكم باماكو عن طريق الانقلاب على الرئيس السابق عليه، مع احتمالية أن تتحرك أزواد والجماعات المسلحة فى ظل هذه الأوضاع وتزج بالبلاد نحو مواصلة الشغب والانفلات الأمنى لتحقيق مصالحهم المختلفة.
السيناريو الثالث:
استئناف اتفاق السلام مع أزواد: قد تلجأ الحكومة المالية إلى استئناف اتفاق السلام مع الحركات الانفصالية فى الشمال؛ تجنبًا لخطر إراقة الدماء والحيلولة دون إتاحة الفرصة لتغلغل الحركات الإرهابية بشكل موسع، مما يؤدى إلى تفاقم التوترات والصراعات التى قد تنتهى بوقوع حرب أهلية لن يكون محمود عُقباها، وعليه ربما تحاول سلطات باماكو حلحلة الأزمة وتحقيق التنمية وتجنيب الشعب ويلات الحرب.
ختامًا:
يمكن القول إن ما تشهده مالى إزاء وضع غير مستقر محفوف بالمخاطر، حيث عدم الاستقرار السياسى والأمنى، مع تمديد فترة حكم المجلس العسكرى، قد تدفع البلاد نحو نفق مظلم من الصراعات المسلحة، وربما نشوب حرب أهلية، أو محاولة الانقلاب على أسيمى غويتا، وبطبيعة الحال، تخلق هذه الأجواء فرصة لاتساع دائرة الخطر الإرهابى، التى دائما ما تسعى لاستغلال اضطراب الأوضاع لتمديد نفوذها، على الجانب الآخر، فثمة ارتدادات عكسية وانتقال عدوى هذه السيولة الأمنية والصراعات إلى دول الجوار، وقد تعود البلاد إلى مربع الاستقرار ومحاولة إصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وأيضًا الأمنية المتدنية؛ حفاظًا على وحدة وسلامة البلاد.
المصادر:
[1] من الحوار إلى الانفجار: مستقبل الوضع السياسى فى مالى فى ضوء القطيعة بين المجلس العسكرى ومعارضيه، مركز الإمارات للسياسات، ١٩ أبريل ٢٠٢٤، متاح على الرابط الآتى https://epc.ae/ar/details/brief/-mustaqbal-alwade-alsiyasi-fi-mali-fi-daw-alqatiea-bayn-almajlis-alaskari-wamuearidih
[2] أمين حمداوى، لماذا يثير إلغاء اتفاق السلام فى مالى مخاوف الجزائر، الشرق للأخبار، 7 فبراير 2024، متاح على الرابط الآتي:
[3] استفتاء مالي: التحول الديمقراطى وتحديات الاستقرار، أفروبوليسى، ٢ نوفمبر ٢٠٢٣، متاح على الرابط الآتي:
[4] الحوار الوطنى فى مالى يفتح الطريق أمام سنوات إضافية من حكم العسكر، مونت كارلو الدولية، 11 مايو 2024، متاح على الرابط الآتي:
[5] مالي: المجلس الدستورى يؤكد نتيجة الاستفتاء على الدستور الجديد الذى يعزز موقع المجلس العسكرى، فرانس ٢٤، ٢٢ يوليو ٢٠٢٣، متاح على الرابط الآتي: