المقالات
تمرُّد انفصالي… تصاعُد الهجماتِ الإرهابية في إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان
- نوفمبر 11, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
إعداد: إلهام النجار
باحث مساعد في وحدة الإرهاب والتطرف
مقدمة:
تبدو باكستان في قبضةِ الإرهاب والعنف رغم مجهودات الحكومة الباكستانية في دَحْرهٍ ومواجهته، أول أمس السبت وقع انفجارٌ في محطة القطارات بمدينة كويتا، عاصمة إقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان، أسفر عن مقتل ما لا يقلُّ عن 22 شخصًا وإصابة أكثر من 40 آخرين، و تُشير التقارير الأولية إلى أن الانفجار كان نتيجةَ هجومٍ انتحاري استهدف تجمعًا للمسافرين والعسكريين في المحطة أثناء انتظار قطار مُتجهٍ إلى مدينة روالبندي وقد تبنّت جماعة “جيش تحرير بلوشستان” المسؤولية عن الهجوم، مُستهدِفة أفرادًا عسكريين[1] ، وتُعدُ جماعة “جيش تحرير بلوشستان” حركةً انفصاليةً تسعى لتحقيق استقلال إقليم بلوشستان عن باكستان، وتعود جذورها إلى مطالب تاريخية بالحكم الذاتي والعدالة في توزيع الموارد في الإقليم.[2]
أولًا: دوافعُ الهجوم
يُعد هذا الهجومُ جزءًا من تصعيدٍ مُستمرٍ في العنف الذي تشهده المنطقة بسبب التوترات السياسية، الإثنية، والاقتصادية، وله عِدة أسباب، منها:
1- التوتراتُ السياسيةُ والإثنية
يُعتبر إقليم بلوشستان منطقةً غير مستقرة نتيجة الحركات الانفصالية مثل جيش تحرير بلوشستان (BLA)، التي تسعى لاستقلال الإقليم احتجاجًا على ما تعتبره تهميشًا من قِبل الحكومة المركزية وكذلك النزاعات حول السيطرة على الموارد الطبيعية، خاصةً الغاز والنِفط، أدت إلى اشتداد الصراع في المِنطقة.[3]
2- التدخلاتُ الإقليميةُ والدولية
تُتهمُ الجماعات المُسلحة في بلوشستان بتلقّي دعمٍ خارجيٍ من دول مثل الهند لتعطيل المشاريع الصينية مثل الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني (CPEC) كما تستغل الجماعات المُسلحة انشغال الجيش الباكستاني على جبهات أخرى، مثل الحدود مع الهند وأفغانستان، لتكثيف هجماتها.[4]
3- عدمُ الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي
الفقرُ والبطالةُ في بلوشستان يشكلان وقودًا لتجنيد العناصر المسلحة وأن السياسات التنموية غير المتوازنة من قِبل الحكومة تُساهم في تفاقُم الاستياء الشعبي.[5]
ثانيًا: دلالاتُ الهجوم
يحملُ الهجومُ دلالاتٍ عميقةً تتجاوز العنف المحلي، ليعكسَ أبعادًا سياسيةً، اقتصادية، وأمنية أوسع، إنه تذكير بتحديات الاستقرار الذي تواجهه باكستان في بلوشستان وتأثيراتها الإقليمية والدولية، ومعالجة هذا التحدي تتطلب استراتيجيات شاملة تدمج بين التنمية المستدامة والحلول الأمنية الفعالة.
1- دلالاتٌ على المستوى الأمني
تصعيدُ العنف: يعكسُ الهجومُ قدرةً الجماعات المسلحة في بلوشستان، مثل جيش تحرير بلوشستان (BLA)، على تنفيذ عملياتٍ كبيرةٍ ومُنظمة رغم الجهود الأمنية الباكستانية، يُشير ذلك إلى ضعف في منظومة الأمن الداخلي أو وجود اختراقات أمنية[6]
تنوعُ التكتيكات: استخدام الهجمات الانتحارية، بالإضافة إلى العمليات المُسلحة، يُظهرُ تصعيدًا نوعيًا في أدوات العنف التي تستخدمها الجماعات المسلحة، مما يعكس رغبتها في إيصال رسالة قوية.[7]
2- دلالاتٌ على المستوى السياسي
رسائلُ للمجتمع الدولي: استهداف مشاريع اقتصادية مثل الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني (CPEC) يدل على أن الهجومَ ليس موجهًا فقط ضد الحكومة الباكستانية، ولكنه يهدف أيضًا إلى إيصال رسالةٍ إلى الشركاء الدوليين، خصوصًا الصين، حول رفض سكان الإقليم لما يعتبرونه “استغلالًا لمواردهم”.[8]
تأثير العلاقات الهندية-الباكستانية: الهجوم يأتي وسط اتهاماتٍ متبادلة بين الهند وباكستان بدعم الجماعات المسلحة في بلوشستان وكشمير، ما يزيد من تعقيد العلاقة بين البلدين ويُعزز الشكوك المتبادلة.[9]
3- دلالاتٌ اجتماعيةٌ واقتصاديةٌ
استمرار التهميش: الهجومُ يعكسُ استمرارَ المظالم المحلية المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية. سكان بلوشستان يشعرون بعدم استفادتهم من ثروات الإقليم أو المشاريع الكبرى مثل CPEC، مما يدفع بعضهم لدعم الحركات المسلحة[10].
زيادةُ النزوحِ والتوتر الاجتماعي: استمرار العنف يُضعفُ النسيجَ الاجتماعيَ ويُزيد من معاناة السكان المدنيين، ما يعزّز الشعور بالعزلة عن الحكومة المركزية.[11]
4- دلالاتٌ إقليمية ودولية
تحدياتُ التعاونِ الإقليمي: الهجومُ يُشير إلى ضعْفِ التنسيق بين باكستان وجيرانها مثل إيران وأفغانستان في ضبط الحدود ومنْع الجماعات المُسلحة من استخدام الأراضي الحدودية كملاذات آمنة[12].
تهديدُ المشاريع الدولية: تصعيد الهجمات على مشاريع مثل CPEC قد يؤدي إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية أو زيادة كُلفة تأمينها، ما يؤثرُ سلبًا على الاقتصاد الباكستاني.
ثالثًا: المساراتُ المستقبليةُ
المسارُ الأول: احتماليةُ استمرار النشاط المسلح
وذلك عن طريق:
تعزيزِ الهجمات: قد تواصلُ الجماعة استهدافَ المشاريع الكبرى مثل الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني (CPEC)، ما سيؤثر على استقرار الإقليم وعلاقات باكستان الدولية.
التكتيكاتُ الجديدةُ: يُحتملُ أن تزيدَ الجماعة من استخدام عملياتها النوعية مثل الهجمات الانتحارية واستهداف الشخصيات البارزة لتوسيع نفوذها السياسي والإعلامي.
المسار الثاني: التدخلُ الإقليميُ والدولي
وذلك من خلال:
الدعم الدولي: قد يؤدي استمرارُ اتهام باكستان للهند وأفغانستان بدعم الجماعة إلى زيادة التوترات الإقليمية، ودعمِ الجماعة قد يكون محدودًا بسبب تصنيفها كإرهابية من قِبل جهات دولية.
تأثير التدخل الصيني: مع تصاعد الهجمات على مشاريعَ صينيةٍ، قد تضغطُ بكين على إسلام أباد لاتخاذ تدابيرَ أكثر صرامة ضد الجماعة، بما في ذلك عمليات عسكرية واسعة النطاق.
المسار الثالث: احتمالاتُ الحلِ السلمي
ويكون عن طريق:
الحوار الوطني: قد تضطرُ الحكومة الباكستانية إلى إطلاق مبادراتٍ للحوار مع الجماعات الانفصالية، بما في ذلك جيش تحرير بلوشستان، لتخفيفِ التوترات وتحقيق الاستقرار في الإقليم.
التنمية الاقتصادية: تحسينُ ظروف المعيشة في بلوشستان من خلال مشاريعَ تنمويةٍ عادلةٍ قد يقلل من الدعم الشعبي للجماعة.
المسار الرابع: تضييقُ الخناقِ الأمني
وذلك من خلال:
تصعيدِ العمليات العسكرية: إذا استمرت الجماعة في تنفيذِ هجماتها، فقد تزيدُ باكستان من العمليات الأمنية والعسكرية، بما في ذلك عبر الحدود، للسيطرة على التهديد.
التعاون الإقليمي: التنسيق بين باكستان وإيران وأفغانستان قد يساعد في تقليص المساحات التي تستخدمها الجماعة كملاذٍ آمن.
المسار الخامس: عزلةٌ دوليةٌ محتملة
مع استمرار الهجمات، قد تواجه باكستان ضغطًا دوليًا لتبني سياساتٍ أكثر شمولية لحل النزاعات الداخلية. إضافة إلى ذلك، قد يثير العنف شكوكًا بشأن قدرتها على تأمين المشاريع الحيوية، ما يؤثر على علاقاتها الدبلوماسية.
ختامًا:
يُبرز التفجيرُ في كويتا التحديات المُعقدة التي تواجهها باكستان في مواجهة التوتراتِ السياسية والأمنية في بلوشستان، وأن الحلَ لن يكونَ عبر التدابير الأمنية فقط، بل يحتاج إلى نهجٍ شاملٍ يشملُ الحوارَ السياسي، التنمية الاقتصادية، والتعاون الإقليمي، والتزام الحكومة الباكستانية بتحقيق الاستقرار سيحددُ مستقبلَ الأمن والتنمية في الإقليم وفي البلاد عمومًا.
المصادر:
[1] “عدد القتلى 24.. انفصاليون يعلنون المسؤولية عن انفجار كويتا” ، موقع سكاي نيوز عربية، تم النشر بتاريخ: 9 نوفمبر 2024، متاح على الرابط التالي:https://www.skynewsarabia.com/world/1753818
[2] Taylor, M.( 2020) “The Balochistan Liberation Army and insurgency in Pakistan’s Balochistan Province”, Intelligence Fusion, Available on:https://www.intelligencefusion.co.uk/insights/resources/intelligence-reports/balochistan-liberation-army-and-insurgency-in-pakistan/
[3] Raza, Syed Irfan( 2006 ), “BLA declared terrorist organisation, banned”, DAWN, Available on:https://www.dawn.com/news/187183/bla-declared-terrorist-organisation-banned
[4] Iaccino,L.(2015) “ Balochistan: Baloch leader calls citizens ‘most oppressed in world’, urges halt to aid to Pakistan”, international business time, Available on:https://www.ibtimes.co.uk/balochistan-baloch-leader-calls-citizens-most-oppressed-world-urges-halt-aid-pakistan-1508447
[5] سالمان، ممدوح،(2024) ” مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستانيCPEC وتأثيره على مصر”، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، متاح على الرابط التالي:https://www.idsc.gov.eg/Article/details/8974 ، مرجع سابق.
[6] “Baloch Separatist Leader Killed In Kandahar Attack: Reports”(2019) .TOLOnews, Available on:https://tolonews.com/index.php/afghanistan/baloch-separatist-leader-killed-kandahar-attack-reports
[7] Balochistan Liberation Army, Mapping Militant Organizations, stanford university, Available on:https://web.stanford.edu/group/mappingmilitants/cgi-bin/groups/print_view/297#note1
[8] سالمان، ممدوح،(2024) ” مشروع الممر الاقتصادي الصيني الباكستانيCPEC وتأثيره على مصر”، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، متاح على الرابط التالي:https://www.idsc.gov.eg/Article/details/8974
[9] المرجع السابق.
[10] Rising Organized Political Violence in Balochistan: A Resurgence of Baloch Separatism?(2020), ACLED (Armed Conflict Location & Event Data, Available on:https://acleddata.com/2020/09/04/rising-organized-political-violence-in-balochistan-a-resurgence-of-baloch-separatism/
[11] المرجع السابق.
[12] Gilani,I.( 2024), “Can Iran and Pakistan forge a new strategy to quell Balochistan unrest?”,Frontline,Available on:https://frontline.thehindu.com/world-affairs/iran-pakistan-balochistan-militancy-crisis/article67768917.ece