المقالات
تمهيدًا لمرحلة جديدة من مسار العلاقات بين البلدين: قراءة في زيارة الشرع إلى الولايات المتحدة
- نوفمبر 11, 2025
- Posted by: ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط

إعداد: شيماء عبد الحميد
باحثة متخصصة في شؤون الشرق الأوسط
في زيارة وُصفت بالتاريخية لكونها أول زيارة يقوم بها رئيس سوري إلى البيت الأبيض منذ استقلال البلاد بالعام 1946، وصل الرئيس أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة مساء يوم السبت 8 نوفمبر 2025، حيث التقى نظيره الأمريكي الرئيس دونالد ترامب بالعاصمة الأمريكية واشنطن يوم أمس، الأثنين 10 نوفمبر الجاري.
وبالنظر إلى السياق الإقليمي الذي تأتي فيه الزيارة؛ فلا شك أنها تمثل نقطة تحول جديدة في مسار العلاقات السورية الأمريكية، والتي من شأنها أن تخلف الكثير من التبعات والتغيرات التي ستطرأ على المشهد السوري ومستقبل إدارته الجديدة، وكذلك مستقبل التنافس الإقليمي والدولي في الدولة السورية:
أولًا؛ نظرة على حيثيات الزيارة وأبرز مضامينها:
عقد رئيسا الدولتان اجتماعًا مغلقًا امتد لما يقرب من ساعة و36 دقيقة، وذلك بحضور وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ونظيره الأمريكي ماركو روبيو، وقد تناول الاجتماع أبرز الملفات والقضايا العالقة بين الجانبين، والتي جاء على رأسها: العلاقات الثنائية السورية الأمريكية وسبل تعزيزها وتطويرها، ملف استكمال رفع العقوبات عن سوريا، ولا سيما قانون قيصر، فضلًا عن ملف انضمام دمشق رسميًا إلى التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش، وكذلك المفاوضات بين سوريا وإسرائيل حول توقيع اتفاق أمني مرتقب.[1]
وجدير بالذكر أن؛ أفادت بعض المصادر والتسريبات، بأنه تم التوقيع في ختام اللقاء على 4 اتفاقيات، أبرزها اتفاقية استثمار المعادن النادرة في منطقة تدمر السورية.[2]
وعلى هامش هذه الزيارة الهامة، وقعت عدة فعاليات تضمنتها زيارة الرئيس السوري إلى واشنطن، وأبرزها:
لقاء الشرع مع الجالية السورية بواشنطن؛ عقد الرئيس السوري مساء يوم 9 نوفمبر الجاري، اجتماعًا موسعًا مع الجالية السورية في العاصمة الأمريكية واشنطن، بحضور وزير الخارجية والمغتربين أسعد حسن الشيباني، والمبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك.
تناول الاجتماع عدة ملفات وقضايا؛ منها: دور الجالية السورية الأمريكية في المراحل المقبلة، والسياسة الخارجية السورية بشكل عام، والوضع الداخلي في سوريا بمختلف أبعاده السياسية والاجتماعية والمعيشية والتعليمية، إضافةً إلى ملف العدالة الانتقالية في البلاد.[3]
وقد أكد الرئيس أحمد الشرع خلال الاجتماع على أهمية ارتباط السوريين في الخارج بوطنهم سوريا، ودورهم في نقل الصورة الحقيقية عنها والدفاع عن قضاياها العادلة، مشيرًا إلى جهودهم ومبادراتهم التي تعبر عن انتمائهم العميق واعتزازهم بوطنهم، مضيفًا التالي:[4]
أعظم رأس مال لسوريا هو وحدة الشعب السوري في الداخل، فليس بالضرورة أن الاتفاق تمامًا، ولكن يجب الاتحاد دومًا.
ينبغي على إسرائيل، العودة إلى حدود ما قبل الثامن من ديسمبر 2024، من أجل ضمان استقرار الجبهة الجنوبية.
دمج قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في مؤسسات الدولة، هو المخرج الطبيعي والأوحد لحل أزمة الشمال.
تدعو سوريا، الحاضرين من الجالية إلى إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع الحكومة السورية، والتفاعل الإيجابي مع البرامج الوطنية التي تطلقها الدولة من خلال وزارة الخارجية والمغتربين، وتحمل مزيد من الالتزام والمسؤولية تجاه الوطن.
لقاء بين الشرع والمديرة العامة لصندوق النقد الدولي؛ عقد الرئيس السوري أحمد الشرع، لقاءًا جمعه بالمديرة العامة للصندوق كريستالينا غورغييفا، حيث بحثا سبل التعاون المحتملة بين دمشق والصندوق، والتحول الاقتصادي الذي تحتاج إليه البلاد.[5]
ركز اللقاء على سبل تعزيز عجلة التنمية والتطوير الاقتصادي في سوريا، إذ أكدت غورغييفا استعداد الصندوق لتقديم الدعم والمساعدة لسوريا، بما في ذلك؛ تقديم الدعم الفني للمؤسسات السورية الرئيسية.
وجدير بالذكر أن؛ هذا الاجتماع يأتي في ظل تعاون مكثف بين دمشق والصندوق؛ خصوصًا بعدما استقبلت سوريا في يونيو الماضي، أول بعثة فنية من الصندوق منذ 18 عامًا، والتي ناقشت بدورها إصلاحات هيكلية ضرورية، شملت تحسين أنظمة الضرائب والجمارك، وتمكين البنك المركزي من اعتماد سياسة نقدية لضمان استقرار الأسعار واستعادة الثقة في الليرة، بالإضافة إلى تعزيز أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
كما أنه يأتي ضمن الجهود السورية الهادفة للتعاون مع المؤسسات الدولية، لجذب استثمارات لتنمية القطاعات وإعادة الإعمار، بدلًا من الاعتماد على القروض والمساعدات، وذلك في ضوء تقديرات البنك الدولي حول تكلفة إعادة إعمار البلاد، والتي قُدرت بنحو 216 مليار دولار.
لقاء سوري- أمريكي- تركي؛ تزامنت زيارة الرئيس الشرع إلى الولايات المتحدة، مع زيارة مماثلة قام بها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى واشنطن، ووفقًا لوكالة الأنباء السورية، فقد عُقد اجتماع بين وزراء خارجية الدول الثلاث، لمتابعة ما تم الاتفاق عليه بين الرئيس الشرع ونظيره الأمريكي، وماهية آليات تنفيذه.
لقاء بين الرئيس السوري وممثلي المنظمات السورية الأمريكية؛ عُقد لقاء حواري بين الجانبين، تناول أوضاع السوريين المتواجدين بواشنطن، وكيفية تعزيز التواصل معهم، كما ناقش واقع العمل الإنساني والاجتماعي الذي تقوم به المنظمات الحاضرة، وأهمية دورها في دعم السوريين داخل الولايات المتحدة وخارجها.[6]
وقد أشاد الشرع خلال اللقاء بمساهمة ممثلي تلك المنظمات في تعزيز الوعي بالقضايا السورية، وتعزيز الانتماء وتعميق الروابط مع الوطن الأم، وكذلك تمثيل الصوت السوري في المحافل الأمريكية.
إعلان تعليق عقوبات قانون قيصر المفروضة على سوريا؛ بالتزامن مع ختام زيارة الشرع للولايات المتحدة، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان لها، تعليق عقوبات قانون قيصر المفروضة على سوريا جزئيًا، لمدة 180 يومًا، وفيما يلي أبرز ما جاء بالبيان:[7]
اتفقت وزارتا الخارجية والتجارة الأمريكيتين، وكذلك مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، على تعليق العمل بقانون قيصر، والسماح بنقل معظم السلع أمريكية المنشأ، وأيضًا البرمجيات والتكنولوجيا، إلى دمشق دون الحاجة إلى ترخيص، وذلك بغرض الاستخدام المدني.
تؤكد الولايات المتحدة، التزامها بدعم سوريا مستقرة وموحدة وسلمية.
يهدف رفع العديد من العقوبات، إلى دعم جهود سوريا لإعادة بناء اقتصادها، وتحقيق الرخاء لجميع مواطنيها، بمن فيهم الأقليات العرقية والدينية، ومكافحة الإرهاب.
قرار تعليق العقوبات، لا يشمل المعاملات المرتبطة بروسيا وإيران والنظام السابق، أي أن العقوبات لا تزال مفروضة على بشار الأسد ومساعديه، ومنتهكي حقوق الإنسان، ومهربي مخدر الكبتاجون، وغيرهم من الجهات الإقليمية المزعزعة للاستقرار.
ستنسق الحكومة الأمريكية مع القطاعين العام والخاص، لتقديم الإرشادات اللازمة لدعم هذه السياسات.
إعلان انضمام سوريا رسميًا للتحالف الدولي ضد داعش؛ أعلن وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى، أن سوريا وقعت إعلان تعاون سياسي مع التحالف الدولي لهزيمة تنظيم داعش، حيث تعهد الرئيس السوري بالتعاون مع الولايات المتحدة في جهود القضاء على بقايا التنظيم، والتنسيق بين دمشق وواشنطن حول تبادل المعلومات الاستخباراتية بشأن المقاتلين الأجانب، ومنع الشبكات الإرهابية من اتخاذ ملاذات آمنة في سوريا.[8]
وينبغي الإشار إلى أن؛ هذه الزيارة تُعد اللقاء الثالث الذي يجمع الشرع وترامب، فالأول كان في السعودية وبوساطة ولي العهد محمد بن سلمان، والثاني كان على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي استضافتها نيويورك.
كما أنها تأتي بعد مجموعة من المقدمات التي بادرت بها إدارة الشرع لإثبات حسن نيتها في بدء صفحة جديدة من العلاقات السورية الأمريكية؛ ومنها: الانفتاح على التطبيع مع إسرائيل والانضمام إلى اتفاقات إبراهام للسلام، ترحيل العناصر الفلسطينية المحسوبة على حركات المقاومة، محاربة تنظيم داعش وتولى مهام أمنية تتعلق بمعسكرات عوائل التنظيم الموجودة فى شمال شرق سوريا، التخلص من المخزون السورى من الأسلحة الكيماوية، معالجة ملف المقاتلين الأجانب، وإنهاء التواجد الإيراني في الأراضي السورية بشكل كامل.
ثانيًا؛ قراءة في دلالات الزيارة وسياقها الإقليمي:
بالنظر إلى توقيت الزيارة والسياق الإقليمي الذي تزامن معها، وبالوقوف عند ما تمثله من تحول استراتيجي في مسار العلاقات السورية الأمريكية، وانطلاقًا من حيثيات الزيارة ونتائجها، يتضح بما لا يدع مجالًا للشك، أن لقاء ترامب- الشرع، حمل كثير من الدلالات والرسائل المتعلقة بمستقبل العلاقات بين البلدين، وبحدود النفوذ الأمريكي في سوريا، ويمكن إيجاز أبرز تلك الدلالات على النحو التالي:
اعتراف دولي متزايد بشرعية الرئيس السوري؛ زيارة الشرع للبيت الأبيض والتي هي أول زيارة لرئيس سوري منذ استقلال البلاد، تدل بشكل واضح أن الإدارة السورية الجديدة باتت تحظى بدعم وتأييد وشرعية دولية، تجنب سوريا العزلة التي عانت منها طوال حكم بشار الأسد. وقد سبق الزيارة عدة مؤشرات تدل بشكل واضح على هذه الشرعية الدولية التي بات يحظى بها الرئيس السوري، ومنها:
قرار مجلس الأمن الدولي الصادر يوم 6 نوفمبر 2025، والذي بموجبه تم رفع اسم الرئيس السوري ووزير الداخلية أنس خطاب من قوائم الإرهاب، بناءًا على مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة للمجلس، والذي حظى عند التصويت عليه على 14 صوتًا في مقابل امتناع دولة واحدة فقط؛ وهي الصين. وقد علقت الخارجية الأمريكية على اعتماد هذا القرار، مؤكدة أنه يبعث إشارة سياسية قوية تعبر عن اعتراف متزايد سوريا إلى فصل جديد في تاريخها السياسي.[9]
قرار رفع الولايات المتحدة، يوم 7 نوفمبر، العقوبات المفروضة على الرئيس السوري أحمد الشرع، وذلك بعد يوم واحد من اتخاذ مجلس الأمن الدولي خطوة مماثلة، تمهيدًا للقاء الذي تم بينهما بالأمس.
وفي خطوة مماثلة أيضًا، قامت بريطانيا برفع العقوبات عن الرئيس السوري ووزير داخليته في اليوم ذاته، وذلك بعدما خاضعين لعقوبات ترتبط بتنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين.[10]
يُضاف إلى ذلك؛ اللقاءات الدولية التي توالت قبيل زيارة الشرع إلى واشنطن، مثل اللقاء الذي جمع بين الرئيس السوري ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، على هامش أعمال مؤتمر المناخ “كوب30″، الذي عُقد في مدينة بيليم البرازيلية يوم 6 نوفمبر الجاري، حيث أكد ماكرون أن سوريا مدعوة لأن تكون شريكًا كاملًا وفعالًا في الحرب ضد الجماعات الإرهابية في المنطقة، مشيرًا إلى أن التعاون الأمني بين باريس ودمشق، يمثل ضرورة لحماية الفرنسيين، وكذلك اللقاء الذي جمع بين الشرع ووزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، خلال زيارة الأخير إلى دمشق للمرة الأولى في نهاية أكتوبر الماضي.
هذا إلى جانب الزيارات واللقاءات التي جمعت الشرع بالقوى الإقليمية الفاعلة في الشرق الأوسط، وخاصةً السعودية وتركيا.
خروج الشرع من عباءة الفكر الجهادي الإسلامي إلى عضوية التحالف الدولي ضد داعش؛ تشير الزيارة إلى أن الولايات المتحدة، التي وضعت الشرع على لوائح الإرهاب عام 2013، على خلفية إرتباطه بتنظيم القاعدة، ووضعت مكافأة بقيمة 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه، باتت من أكبر داعمي النظام السوري الجديد، وأن واشنطن تقبلت حكم الشرع لسوريا، وذلك للحد الذي يجعلها تستقبله في البيت الأبيض.
ويبدو أن هناك رغبة سورية ملحة لتغيير صورة “الإرهابي” التي لاحقت الشرع طوال سنوات عديدة، وذلك سعيًا لتعزيز شرعيته الإقليمية والدولية، وهذا ما يتضح في تحركاته ضد تنظيم داعش منذ أن تولى إدارة البلاد في ديسمبر الماضي، والتي آخرها:
_ الحملة الأمنية المكثفة التي شنتها وزارة الداخلية السورية قبيل زيارته إلى واشنطن، وإعلانه الانضمام إلى التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش، حيث استهدفت الحملة، مواقع التنظيم في عدد من المحافظات، وعلى رأسها محافظتي دير الزور شرق البلاد، وحمص.
بدأت الحملة يوم 9 نوفمبر 2025، وشملت 61 مداهمة و71 اعتقالًا في مختلف المحافظات السورية، واستهدفت مخازن ذخيرة وسلاحًا وأوكارًا تحتوي على متفجرات تابعة للتنظيم، مما أسفر عن تفكيك عدة خلايا، وإلقاء القبض على عدد من العناصر المطلوبة، إضافة إلى ضبط مواد وأدلة على ارتباطهم بأنشطة إرهابية، يُجرى حاليًا تحليلها واستكمال التحقيقات بشأنها من قبل الجهات المختصة.[11]
_ إعلان سوريا عن إحباط مؤامرتين منفصلتين لتنظيم داعش، لاغتيال الرئيس أحمد الشرع خلال الأشهر القليلة الماضية، وذلك قبل ساعات قليلة من لقاء الرئيس السوري بنظيره الأمريكي.
_ تصريحات الرئيس الشرع حول حقيقة ارتباطه بتنظيم القاعدة، والتي أدلى بها خلال لقاءه مع قناة “فوكس نيوز” الأمريكية أثناء زيارته للولايات المتحدة، مؤكدًا أن “الأمر أصبح من الماضي”.[12]
رهان سوري على الولايات المتحدة في ملف التعافي الاقتصادي؛ من أهم الملفات التي تصدرت الزيارة هو ملف قانون قيصر والعقوبات الأمريكية التي كانت مفروضة على سوريا، حيث يدرك الرئيس السوري أن أساس إعمار البلاد سوف يبدأ بإلغاء ذلك القانون الذي يمثل العقبة الأكبر التي تقف عائقًا أمام أي محاولة للإصلاح الاقتصادي في سوريا، وهذا هو الدافع الأهم الذي يحرك الرئيس السوري نحو الولايات المتحدة، والذي دفعه أيضًا لتقديم كل التنازلات السياسية التي سبق وأن بادر بها الشرع كما ذُكر سلفًا.
وحتى الآن؛ نجح الرئيس السوري من خلال تقاربه مع واشنطن، في الحصول على قرارات تجميد وإلغاء لمختلف العقوبات الأمريكية الصادرة بحق دمشق، ولكن يبقى قانون قيصر هو المعضلة، لأن إلغاءه يحتاج إلى منوافقة الكونجرس، بينما لا يزال هناك انقسامًا حول هذا الأمر داخل أروقة الكونجرس الأمريكي.
ولكن؛ يبدو أن الرئيس السوري حصل على حلًا جزئيًا، إذ أسفرت زيارته عن تعليق مؤقت لعقوبات القانون، مما قد يساعد سوريا في خططها لجذب الاستثمارات الأجنبية، وإعادة دمج اقتصادها في النظام المالي العالمي، وبالتالي، إمكانية الحصول على مساعدات مالية من المؤسسات المالية الكبيرة في واشنطن مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهذا ينعكس في لقاء الشرع مع المديرة العامة لصندوق النقد الدولي على هامش زيارته.
تحول سوريا من عامل مهدد للاستقرار إلى شريك أمني موثوق من جانب الولايات المتحدة؛ انضمام سوريا إلى عضوية التحالف الدولي لمكافحة تنظيم داعش والذي تقوده واشنطن، يحمل الكثير من الدلالات والمكاسب لكلا الطرفين؛ من أهمها:
هذا الانضمام من شأنه أن يعزز التنسيق الأمني بين الولايات المتحدة وسوريا ضد داعش وخلاياه النائمة في البلاد، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع عمليات التنظيم التي شهدت تزايد في وتيرتها خلال الفترة الأخيرة، وخصوصًا في ضوء الفوضى الأمنية التي تشهدها الدولة في أعقاب سقوط النظام السابق، إلى جانب الفراغ الأمني الذي خلفه انشغال روسيا بحربها مع أوكرانيا، مما منح التنظيم فرصة لأن يتحرك نحو ملء هذا الفراغ، ولكن التنسيق الأمني السوري الأمريكي المرتقب، سيغير هذا الوضع بالتأكيد.
الانضمام للتحالف قد يكسب إدارة الشرع بعض الثقة والطمأنينة، مما قد يساعد في إقناع أعضاء الكونجرس بالتصويت لصالح قرار إلغاء عقوبات قانون قيصر بشكل نهائي، قبل نهاية العام 2025.
قد تستفيد سوريا من الانضمام إلى التحالف الدولي باعتباره فرصة لتطوير القطاعات والإمكانات العسكرية والأمنية لسوريا، خاصةً وأن هذه الإمكانات تعرضت لتدمير ساحق جراء الضربات الإسرائيلية الغادرة التي شنتها تل أبيب سريعًا في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد.
في المقابل؛ انضمام سوريا للتحالف الدولي ضد داعش، قد يمنح للتواجد العسكري الأمريكي في سوريا، شرعية قانونية، مما يكسب واشنطن تواجدًا دائمًا في الداخل السوري، وهذا ما يؤكده الحديث عن استعداد الولايات المتحدة لتأسيس قاعدة جوية بالقرب من دمشق، تخطط واشنطن لاستخدامها في مراقبة وتنفيذ أي اتفاق محتمل بين إسرائيل وسوريا.
وقد أفادت عدة مصادر بأن البنتاجون سرع خططه خلال الشهرين الماضيين بمهام استطلاعية عدة أرسلها إلى موقع تلك القاعدة، مشيرة إلى أن مدرج القاعدة الطويل بات جاهز للاستخدام، وأن المحادثات الفنية ركزت على استخدام القاعدة للخدمات اللوجيستية والمراقبة والتزود بالوقود والعمليات الإنسانية، مع احتفاظ سوريا بالسيادة الكاملة على المنشأة.[13]
وأضافت تلك المصادر أن الولايات المتحدة وصلت إلى القاعدة بطائرات نقل عسكرية من طراز “سي – 130” للتأكد من صلاحية المدرج للاستخدام، موضحة أن المحادثات بشأن هذه القاعدة، نوقشت خلال زيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية براد كوبر، إلى دمشق في 12 سبتمبر 2025.
محاولة إدارة الشرع لإخراج “قسد” من دائرة الدعم الأمريكي والإحلال بدلًا عنها؛ يعول الرئيس الشرع وحكومته على قرار الانضمام إلى التحالف الأمريكي ضد داعش، في أن تصبح الحكومة هي المخاطبة في أي أمر تنسيقي متعلق بمواجهة تنظيم داعش في سوريا، مما سيحرم قوات سوريا الديمقراطية من الدعم العسكري الأمريكي الذي كانت تحظى به تحت ذريعة أن هذه المساعدات العسكرية موجهة إلى محاربة تنظيم داعش.
ومن ثم؛ قد يكون هذا الانضمام هو مقدمة لفقدان قوات “قسد” للدعم الأمريكي، مما يزيد الضغوط السورية والتركية عليها، ويجعل موقف إدارة الشرع أقوى في المفاوضات التي يعقدها الجانبين، السوري والكردي، من أجل التوصل إلى آليات تنفيذ اتفاق 10 مارس الماضي.
وما يزيد من احتمالات التنسيق السوري- الأمريكي- التركي حول الوضع في الشمال السوري خلال الفترة المقبلة، هو التزامن الذي حدث بين زيارة وزير الخارجية التركي وزيارة الشرع إلى الولايات المتحدة، وكذلك الاجتماع الوزاري الثلاثي الذي تم على هامش زيارة الرئيس السوري إلى واشنطن.
وتؤكد تلك المؤشرات مجددًا أن ترامب يحاول إعادة هندسة النفوذ الإقليمي والدولي في سوريا، وفقًا للمصالح الأمريكية، وهو ما يدفع الولايات المتحدة وإدارتها إلى الانخراط في مباحثات ثلاثية مع سوريا وتركيا، كما يجعلها تقوم بدور الوسيط بين إسرائيل ودمشق، فأهمية الساحة السورية بالنسبة للأمن الإسرائيلي وللمصالح الأمريكية وخصوصًا فيما يتعلق بالرغبة الأمريكية في القضاء على محور المقاومة الإيراني الذي لطالما كانت دمشق هي رأس الحربة فيه، يجعل ترامب حريصًا على صياغة رؤية أمريكية شاملة لأي تسوية مستقبلية للملف السوري.
محاولة الشرع للتوازن بين المحور الشرقي والغربي؛ تأتي زيارة الرئيس السوري إلى الولايات المتحدة في أعقاب زيارة استراتيجية مماثلة إلى روسيا في أكتوبر الماضي، وكما أرادت واشنطن ضمان بقاء قواعدها في الداخل السوري، كان لقاء الشرع ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، محاولة من موسكو هي الآخرى للحفاظ على قاعدتيها في البلاد، وذلك في مؤشر واضح على احتدام المنافسة بين موسكو وواشنطن للسيطرة على القرار السوري.
وقد أراد ترامب الرد على هذا الأمر ولكن بطريقته الخاصة؛ فبينما أبدت روسيا ورئيسها مراسم استقبال وحفاوة غير مسبوقة أثناء زيارة الشرع، استقبل الرئيس الأمريكي نظيره السوري دون أي مراسم استقبال أو رفع للإعلام، بل أن الرئيس الشرع دخل إلى البيت الأبيض من الباب الجانبي، دون أي مشهد أو صور لاستقباله، كما لم يُسمح للصحافيين بالدخول، بل لم يجلس ترامب على طاولة واحدة مع الشرع، وزاد الأمر بصورة يجلس فيها ترامب كونه هو صاحب الديار والمضيف، ويقف الرئيس السوري إلى جانبه، ويبدو أن الرسالة من كل هذا المشهد هي رسالة أمريكية موجهة لروسيا، تفيد بأن واشنطن باتت تهيمن على النفوذ في سوريا.
وإجمالًا؛ تمثل زيارة الرئيس السوري إلى البيت الأبيض، تحول استراتيجي لافت في مسار العلاقات السورية الأمريكية، وتشير إلى تقارب غير مسبوق بين البلدين، وذلك على حساب حلفاء سوريا بالعهد القديم؛ روسيا وإيران، ولكن هذا لا يعني أن جميع الأمور بين واشنطن وإدارة دمشق تم حلها بشكل كامل، بل لا يزال هناك قضايا خلافية عالقة قد تعكر صفو التفاهمات التي وصل إليها الجانبين، ومنها الدعم الأمريكي لقوات “قسد”، وتباين الرؤى بين سوريا والولايات المتحدة حول بنود الاتفاق المرتقب الذي سيجمع بين تل أبيب ودمشق، واستمرار أزمة تصويت الكونجرس بشأن إلغاء قانون قيصر للعقوبات، فضلًا عن معطيات التنافس الروسي والتركي للنفوذ الأمريكي، وإلى أي مدى يمكن للشرع أن يستمر في سياسة التوازن والجمع بين المحاور الإقليمية والدولية، والتي تختلف في الرؤى والمصالح والأهداف.
المصادر:
[1] الشرع يغادر البيت الأبيض.. وواشنطن تجدد تعليق “عقوبات قيصر”، سكاي نيوز عربية، 10/11/2025، متاح على الرابط: https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1833068-%D8%A7%
[2] امتد لـ 95 دقيقة، تقارير تكشف أبرز الاتفاقيات في لقاء الشرع وترامب، بوابة فيتو المصرية، 10/11/2025، متاح على الرابط: https://www.vetogate.com/5531295
[3] الشرع يلتقي ترامب في البيت الأبيض اليوم: رفع العقوبات في مراحله الأخيرة، جريدة القدس العربي، 10/11/2025، متاح على الرابط: https://www.alquds.co.uk/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D8%B9
[4] مصدران: سوريا أحبطت مؤامرتين لـ«داعش» لاغتيال الشرع، صحيفة الشرق الأوسط، 10/11/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9
[5] خلال زيارته لصندوق النقد… الشرع وغورغييفا يناقشان سبل دعم الإصلاحات السورية، الشرق الأوسط، 10/11/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%
[6] الشرع يلتقي ترامب في البيت الأبيض اليوم: رفع العقوبات في مراحله الأخيرة، جريدة القدس العربي، 10/11/2025، مرجع سابق.
[7] لقاء «تاريخي» بين ترامب والشرع… والخزانة الأمريكية: عقوبات «قيصر» عُلّقت جزئياً، جريدة القدس العربي، 10/11/2025، متاح على الرابط: https://www.alquds.co.uk/%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%
[8] سوريا تنضم رسمياً لـ«التحالف الدولي لمكافحة داعش»، صحيفة الشرق الأوسط، 10/11/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85
[9] مجلس الأمن يرفع العقوبات عن الشرع ووزير داخليته، موقع إرم نيوز، 6/11/2025، متاح على الرابط: https://www.eremnews.com/news/arab-world/lk4nhhe
[10] بريطانيا ترفع العقوبات عن الشرع ووزير الداخلية السوري، سكاي نيوز عربية، 7/11/2025، متاح على الرابط: https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1832457-%D8%A8%D8%B1%
[11] الداخلية السورية تنفذ حملة أمنية ضد «داعش» شرقي البلاد، الشرق الأوسط، 9/11/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%
[12] الشرع: الارتباط بالقاعدة من الماضي ولم أناقشه مع ترمب، الشرق الأوسط، 11/11/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%8
[13] الجيش الأميركي يعتزم تأسيس وجود عسكري في قاعدة جوية بدمشق، الشرق الأوسط، 6/11/2025، متاح على الرابط: https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84