المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الشرق الأوسط > تقدير موقف > تنامي العلاقاتِ السعوديةِ التركيةِ وتأثيرها على الأمن الإقليمي
تنامي العلاقاتِ السعوديةِ التركيةِ وتأثيرها على الأمن الإقليمي
- فبراير 25, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات تقدير موقف وحدة الشرق الأوسط
لا توجد تعليقات

إعداد: أحمد فهمي
منسق برنامج دراسات الدول التركية
المقدمة:
تشهدُ العلاقاتُ السعوديةُ التركيةُ تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، مدفوعة برغبة مشتركة في تعزيز التعاون السياسي والاقتصادي والأمني بين البلدين، ويأتي هذا التقارب في ظلِّ تحولاتٍ إقليميةٍ ودوليةٍ معقّدة، حيث تسعى أنقرة والرياض إلى تجاوز الخلافات السابقة وبناء شراكات إستراتيجية تعزز الاستقرار الإقليمي.
ويلعب هذا التقارب دورًا مهمًا في إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة، خاصةً فيما يتعلق بالأمن الإقليمي والتحديات الجيوسياسية التي تواجه الشرق الأوسط، فمع تصاعد التهديدات الأمنية مثل النزاعات الإقليمية والإرهاب وأمن الطاقة، يمكن للعلاقات الوثيقة بين السعودية وتركيا أن تُسهمَ في إيجادِ حلولٍ أكثر توازنًا لهذه التحديات.
وفي هذا السياق، يتطلب تحليل تأثير هذا التحالف على الأمن الإقليمي فهم أبعاده المختلفة، بدءًا من التعاون العسكري والدبلوماسي، وصولًا إلى تأثيره على الملفات الساخنة مثل الأوضاع في سوريا وقطاع غزة، فهل يشكل هذا التقارب خطوة نحو الاستقرار الإقليمي أم أنه قد يثير تحديات جديدة في ميزان القوى؟
توافقٌ إستراتيجيٌ بين البلدين:
يشكّلُ التقاربُ السعودي التركي في القضايا الإقليمية مظهرًا جديدًا من التحولات في ميزان القوى في الشرق الأوسط، حيث تسعى الدولتان إلى تحقيقِ استقرارٍ مشتركٍ في ملفاتٍ شائكةٍ مثل الأزمة السورية والقضية الفلسطينية، إلى جانب تأثيرهما المتزايد على المشهد السياسي الإقليمي، وقد برز هذا التنسيق بشكل خاص في التعامل مع الأوضاع في سوريا، حيث ترى كل من أنقرة والرياض أن تغييبَ النفوذ الإيراني عن الساحة السورية يمثل فرصة لتعزيز الاستقرار، مع سعي تركيا إلى بناء شراكة أمنية جديدة مع دمشق بعد سقوط نظام الأسد، فيما تدرك المملكة أهمية دعم هذه الجهود لتحقيق مرحلة انتقالية متوازنة في سوريا.
لم يكنْ هذا التعاونُ وليدَ اللحظةِ، بل جاء كنتيجة لقراءة استراتيجية أوسع تشملُ مصالحَ البلدين في المنطقة، حيث تسعى تركيا إلى استيعاب مخاوف ومصالح جميع دول مجلس التعاون الخليجي في سوريا الجديدة، في حين تعمل السعودية على تعزيزِ دورِها كشريكٍ رئيسيٍ في دعم الحكومة السورية المستقبلية بعيدًا عن الهيمنة الإيرانية. وفي هذا السياق، يمثل التوافق السعودي التركي بشأن العقوبات الغربية على سوريا ما بعد الأسد خطوةً مهمةً نحو تسهيل إعادة الإعمار وإعادة دمج دمشق في النظام الإقليمي.
أما في ملف غزة، فتتشارك الرياض وأنقرة موقفًا واضحًا مناهضًا للسياسات الإسرائيلية التصعيدية في القطاع، حيث أدانت الدولتان بشدة الاعتداءات الإسرائيلية واعتبرتا أن استمرار هذه العمليات يزعزع الاستقرار الإقليمي، ورغم بعض التباينات السابقة في مقاربة الملف الفلسطيني، فإن المرحلةَ الأخيرةَ شهدتْ تقاربًا واضحًا في الرؤى، مع دعم متزايد للمساعي الدبلوماسية للوقوف أمام مساعي إدارة الرئيس الأمريكي ترامب في تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، كما أن تركيا التي لطالما تبنّت خطابًا قويًا تجاه إسرائيل، وجدتْ في الدعم السعودي للقضية الفلسطينية فرصةً لتعزيز موقفها إقليميًا، في ظل محاولات بعض الأطراف الإقليمية الأخرى تطبيع العلاقات مع تل أبيب.
علاوةً على ذلك، فإن تأثيرَ التطوراتِ الإقليميةِ الأخيرة، عزّزَ من الحاجة إلى تنسيقٍ أكبر بين السعودية وتركيا، فكلتا الدولتين تدركان أن استقرار المنطقة يتطلب تقليل حدة الاستقطابات السابقة والبحث عن أرضيات مشتركة لمواجهة التهديدات المشتركة، بما في ذلك النفوذ الإيراني المتنامي وتداعياته على المنطقة بالنظر الى تداعيات الهجمات المتبادلة بين طهران وتل أبيب، وكذلك التدخلات الخارجية في الشأن العربي، والأزمات الأمنية العابرة للحدود، وبناءً على ذلك يبدو أن العلاقاتِ السعودية التركية تتجهُ نحو مرحلةٍ أكثر براجماتية، حيث يتم وضع المصالح الاستراتيجية فوق الخلافات السابقة، بما يفتح الباب أمام مزيد من التنسيق في القضايا الإقليمية الكبرى.
تناغمٌ وشراكةٌ طويلة الأمد:
يشكّلُ التعاونُ العسكريُ والاقتصاديُ بين السعودية وتركيا أحدَ أبرزِ أوجهِ التلاقي الإستراتيجي بين البلدين، حيث تسعى أنقرة لتعزيز مكانتها كفاعل رئيسي في الصناعات الدفاعية، بينما ترى الرياض في التكنولوجيا العسكرية التركية خيارًا واعدًا لتنويع مصادر تسليحها، وفي هذا السياق تأملُ الحكومةُ التركيةُ في إبرام صفقة دفاعية بقيمة 6 مليارات دولار مع السعودية، تشملُ شراءَ سفنٍ حربيةٍ ودباباتٍ وصواريخ، إضافة إلى احتمال انضمام المملكة إلى مشروع تركي لبناء طائرات مقاتلة، ومن المتوقع أن تتبلورَ ملامحُ هذه الصفقة خلال زيارةٍ مرتقبةٍ للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الرياض في مارس المقبل، في خطوةٍ تعكسُ رغبةَ تركيا في تعزيز صادراتها الدفاعية والاستفادة من السوق السعودية، التي تُعد من أكبر مستوردي الأسلحة في العالم.
كذلك لم يكنْ التعاونُ العسكريُ بين البلدين حديث العهد، فقد شهد عام 2023 توقيع اتفاق هام بين أنقرة والرياض لشراء طائرات مسيّرة تركية من طراز “أقينجي” التي تنتجها شركة “بايكار”، وهذا الاتفاق يعكس مستوى الثقة المتبادل في القدرات الدفاعية التركية، كما يؤكد رغبة السعودية في امتلاك تكنولوجيا متطورة لتعزيز قدراتها العسكرية، علاوةً على ذلك يُتوقعُ أن تفتحَ هذه الصفقةُ البابَ أمام مزيدٍ من الاستثمارات السعودية في قطاع الدفاع التركي، سواء من خلال مشاريع مشتركة أو عبر دعم الشركات التركية الرائدة في هذا المجال.
أما على الصعيد الاقتصادي، فإن العلاقاتِ التجاريةَ والاستثماريةَ بين السعودية وتركيا تشهد زخمًا متزايدًا، حيث تستهدف الدولتان تعزيزَ التعاونِ في قطاعاتٍ متعددةٍ مثل الطاقة والبنية التحتية والسياحة، ويشكل هذا التقارب مصلحة مشتركة لكلا الطرفين، إذ تسعى السعودية إلى توسيع شراكاتها الاقتصادية في ظل رؤية 2030، بينما تتطلع تركيا إلى جذب المزيد من الاستثمارات الخليجية لدعم اقتصادها.
تأثيرُ تنامي العلاقاتِ التركية السعودية على الأمن الإقليمي:
يمثّلُ التقاربُ السعوديُ التركيُ نقطةَ تحولٍ في موازين القوى الإقليمية، حيث يؤثر هذا التحالف بشكل مباشر على قضايا الأمن والاستقرار في المنطقة، حيث يمكن أن تنشأَ ديناميكياتٌ جديدةٌ تُعيدَ تشكيلَ التوازناتِ الإقليمية، سواء في مواجهة النفوذ الإيراني، أو في إدارة الصراعات والأزمات بالمنطقة وأبرزها القضية الفلسطينية وكذلك مستجدات الأوضاع في سوريا وغيرها، وفيما يلى أبرز التأثيرات المحتملة:
-
يُعدُ التقاربُ السعوديُ التركيُ عاملاً مهمًا في احتواء النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، خاصة في سوريا والعراق واليمن ولبنان، فمع تراجع الدور الإيراني في سوريا بعد تقليص أنشطته العسكرية، تبرز فرصة للسعودية وتركيا لملء هذا الفراغ وتعزيز نفوذهما هناك، ويعني ذلك إمكانية تحقيق مزيد من الاستقرار في سوريا إذا نجح البلدان في دعم حكومة انتقالية متوازنة، كما يمكن أن ينعكسَ هذا التعاونُ على اليمن، حيث قد تُسهمُ تركيا في دعم الجهود السعودية لمواجهة التهديدات الحوثية المدعومة من إيران.
-
إن توقيعَ صفقاتِ تسليحٍ كبرى بين البلدين، مثل صفقة الطائرات المسيّرة والدبابات والصواريخ، لا يُعززُ فقط القدرات الدفاعية لكل من الرياض وأنقرة، بل يُسهمُ أيضًا في إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة، فمن جهة يتيح هذا التعاون للسعودية تنويع مصادر تسليحها وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة وأوروبا، مما يمنحها استقلالية استراتيجية أكبر، ومن جهة أخرى يعزز هذا التقارب مكانةَ تركيا كلاعبٍ رئيسيٍ في الصناعات الدفاعية الإقليمية، مما قد يؤدي إلى تعزيز القدرات الدفاعية لحلفاء البلدين، لا سيما في الخليج.
-
يؤدي التقاربُ السعوديُ التركي إلى موقفٍ أكثر تنسيقًا بشأن القضية الفلسطينية، خصوصًا فيما يتعلق بالتطورات الأخيرة في قطاع غزة والمقاربات الأمريكية الإسرائيلية تجاه مستقبل القطاع، وإذا ما تبنّتْ الدولتان نهجًا مشتركًا لدعم الفلسطينيين، فقد يؤدي ذلك إلى تضييق خيارات إسرائيل في توسيع نفوذها الإقليمي، وإفشال مخططات الإدارة الأمريكية، ومن ناحيةٍ أخرى فإن هذا التحالفَ قد يُسهمُ في ضبطِ إيقاعِ التطبيع العربي مع إسرائيل، خصوصًا إذا قررت الرياض التريث في خطواتها نحو التقارب الإسرائيلي نتيجة التأثير التركي.
-
يشكّلُ التعاونُ الاقتصاديُ المتزايدُ بين السعودية وتركيا، خاصة في مجالات البنية التحتية والطاقة، قاعدةً صُلبةً لتعزيز الاستقرار في المنطقة، فمع سعي الرياض لتنويع اقتصادها ضمن رؤية 2030، يمكن لتركيا أن تلعبَ دورًا رئيسيًا في تقديم التكنولوجيا والخبرة، مما يعززُ الترابطَ الاقتصادي بين البلدين ويقللُ من احتماليةِ نشوبِ توتراتٍ سياسيةٍ بينهما في المستقبل، كما أن هذا التعاون سيخلق فرصًا استثمارية قد تساهم في تخفيف الضغوط الاقتصادية في المنطقة، مما يقلل من الدوافع التي قد تؤدي إلى اضطرابات سياسية وأمنية.