في تطورٍ يدفعُ بالمنافسةِ الرئاسيةِ إلى منطقةٍ غامضةٍ، أعلنَ الرئيسُ الأمريكيُ جو بايدن مساءَ الأحد 21 يوليو، عن انسحابهِ من سباقِ الانتخاباتِ الرئاسيةِ لعامِ 2024، منهياً محاولاتِ إعادةِ انتخابهِ مرةً ثانيةً بعد مناظرتهِ مع الرئيسِ السابقِ دونالد ترامب، والتي كانتْ سبباً في إثارةِ الشكوكِ حولَ أهليتهِ لتوليِ المنصبَ الرئاسيَ قبل أربعةِ أشهرٍ فقط من الانتخاباتِ، وتأتي الانتخاباتُ الرئاسيةُ الأمريكيةُ في سياقٍ سياسيٍ مضطربٍ ولحظةٍ حيويةٍ هامةٍ وفارقةٍ في الشؤونِ العالميةِ خاصةً بعدَ قرارِ الانسحابِ، وفي ظلِ وجودِ صراعينِ كبيرينِ هما الحربُ الإسرائيليةُ في غزة، والغزوُ الروسيُ لأوكرانيا، تاركةً عدةَ تساؤلاتٍ فيما يتعلقُ بدوافعِ انسحابِ بايدن من السباقِ الرئاسيِ وتداعياتِ ذلك الانسحابِ، بالإضافةِ إلى مدي قدرةِ كامالا هاريس على هزيمةِ ترامب خلالَ الانتخاباتِ المقبلةِ في نوفمبر 2024.
دوافعُ انسحابِ بايدن من الانتخاباتِ الرئاسيةِ:
تعددتْ الأسبابُ التي دفعتْ الرئيسَ جو بايدن إلى الانسحابِ من السباقِ الرئاسيِ أمام خصمهِ دونالد ترامب، الأمرُ الذي أدخلَ البلادَ في حالةٍ من الغموضِ والتوترِ السياسيِ الذي يلقيِ بظلالهِ على الانتخاباتِ الرئاسيةِ المقررِ انعقادُها في 5 نوفمبر المقبلِ، وفيما يليِ أبرزُ دوافعِ انسحابِ بايدن من الانتخاباتِ الرئاسيةِ:
– ضغوطُ الديمقراطيين:
جاءَ قرارُ انسحابِ الرئيسِ الأمريكيِ جو بايدن من السباقِ الرئاسيِ نظراً للضغوطِ الديمقراطيةِ، خاصةً بعد المناظرةِ التي جمعتهُ بالمرشحِ الجمهوريِ دونالد ترامب، وبالتاليِ بدأتْ تتزايدُ ضغوطُ الديمقراطيين على بايدن من أجلِ الانسحاب، وفقاً لمصالحهم الشخصية، وخشيةً من خسارةِ بايدن في الانتخاباتِ والتي قد تؤثرُ بالسلبِ على الحزبِ في سباقِ الفوزِ بأغلبيةِ مجلسيِ النوابِ والمستشارين، ومن هنا طالبَ النوابُ الديمقراطيونَ لويد دوجيت، وجيم هايمز، وسكوت بيترز، وإريك سورنسن بتنحيِ بادين بحجةِ أنه ليس المرشحَ الأقوىَ، وانضموا أيضاً إلى 25 ديمقراطياً آخرينَ في مجلسِِ النوابِ، في حينِ دعاَ أعضاءُ مجلس الشيوخ الديمقراطيين بيتر ويلش، ومارتن هاينريش، وجون تيستر، وشرود براون، بايدن إلى الانسحابِ علناً.[1]
– تأثيرُ الناخبينَ الداعمين للحزبِ الديمقراطي:
يبدو أن تأثيرَ الناخبينَ الداعمين للحزبِ الديمقراطيِ قد يتعلقُ أيضاً بقرارِ تنحيِ بايدن وانسحابهِ من السباقِ الانتخابيِ، إذ أشارتْ نتائجُ استطلاعاتِ الرأيِ الأخيرةِ أن 60 % من الناخبين يريدونَ انسحابَ بايدن، مما يعنيِ أنه في حالِ عدمِ انسحابهِ سيمتنعُ الناخبون الديمقراطيون عن التصويتِ لصالحِ مرشحِهم الرئاسِي.
– تأثيرُ الداعمينَ الماليين للحزبِ:
يرجعُ قرارُ انسحابِ الرئيسِ بايدن أيضاً إلى تأثيرِ الداعمين الماليين للحزبِ الديمقراطِي وعلى رأسهِم جورج كلوني، إذ سحبَ الكثيرُ منهم دعمَهم الماديَ لحملةِ بايدن كورقةِ ضغطٍ وتعبيرٍ عن الامتعاضِ من استمرارهِ في قيادةِ الحزبِ، وبالتالي فقد هددَ المانحون الديمقراطيون بتعليقِ تبرعاتٍ تقدرُ بـ 90 مليون دولار ما لم يسحبْ بايدن ترشحَه من الانتخاباتِ الرئاسيةِ المقبلةِ، وذلك خوفاً من عدمِ استعدادهِ لهزيمةِ ترامب وقيادةِ البلادِ لمدةِ 4 سنواتٍ أخرى.[2]
– المناظرةُ الأخيرةُ بين بايدن وترامب:
يبدو أن قرارَ الرئيسِ الأمريكيِ بايدن بالانسحابِ من الانتخاباتِ الرئاسيةِ جاءَ أيضاً نتيجةَ المناظرةِ الكارثيةِ ضدَ الرئيسِ السابقِ دونالد ترامب، والتي خلقتْ تحولاً كبيراً في المنافسةِ قبلَ أقلِ من شهرٍ من المؤتمرِ الوطنيِ الديمقراطِي المقررِ انعقادُه في 19 أغسطس القادم، حيثُ تبادلَ المرشحان الاتهاماتِ خلالَ المناظرةِ التي بدأتْ بدونِ مصافحةٍ بين المرشحينَ، وتطرقتْ إلى قضايا هامةٍ تتعلقُ بالاقتصادِ الأمريكيِ، مروراً بالسياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ والحربِ الروسيةِ على أوكرانيا، وصولاً إلى الحربِ الإسرائيليةِ على قطاعِ غزةَ، وخلالَ المناظرةِ كان بايدن بطيئاً في الإجابةِ وواجهَ صعوبةً في صياغةٍ حججٍ متماسكةٍ للردِ على ترامب، الأمرُ الذى زاد من تخوفِ الحزبِ الديمقراطيِ بشأنِ وضعهِم السياسِي المضطربِ في الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ، وبالتالي فشلتْ محاولاتُ إصرارِ بايدن على البقاءِ في السباقِ الرئاسيِ وجهودِ حملتهِ لتهدئةِ المخاوفِ للتغلبِ على الدفعِ لاستبدالهِ، ومن هنَا فإن قرارَ بايدن بالانسحابِ يُعدُ بمثابةِ زلزالٍ سياسيٍ في السباقِ الانتخابِي لكلا الحزبين، الأمرُ الذي يُحتمُ على ترامب والحزبِ الجمهوريِ مواجهةَ وجهٍ ديمقراطيٍ جديدٍ.[3]
– وضعهُ الصحيُ وتراجعُ قدراتهِ الذهنية:
واجهَ الرئيسُ الأمريكيُ جو بايدن ضغوطاً متزايدةً بشأنِ عمرهِ وحالتهِ الصحيةِ وقدراتهِ الذهنيةِ، الأمرُ الذي يمكنُ أن يكونَ سبباً هاماً في انسحابهِ من الانتخاباتِ، فعلى الرغمِ من تأكيدِ بايدن على أنه لا يعانيِ من حالاتٍ مرضيةٍ مزمنةٍ تجعلهُ يتعرضُ للخطرِ، ولكن هفواتهِ واصابتَه الأخيرةَ بفيروس كورونا كانت بمثابةِ ورقةِ ضغطٍ عليه من قبلِ الديمقراطيين والشعبِ الأمريكيِ للانسحابِ من السباقِ الرئاسيِ، إذ أشارتْ الاستطلاعاتُ الأخيرةُ بأن 63% من البالغين في الولاياتِ المتحدةِ لديهم شكوكٌ في القدراتِ العقليةِ للرئيسِ بايدن، منوهين عن عدمِ ثقتهِم تماماً في قدرةِ بايدن العقليةِ على الخدمةِ بفاعليةٍ كرئيسٍ.
– عدمُ الرضاءِ عن النظامِ القائمِ:
يُعدُ انخفاضُ مستوى الرضاءِ عن نظامِ بايدن من بين أهمِ الأسبابِ التي دفعتهُ للتنحيِ، إذ أشارتٰ الاستطلاعاتُ الأخيرةُ أن 38% فقط من البالغينَ راضينَ عن سياساتِ بايدن التي يؤدي بها مهامَهُ الرئاسيةَ، في حينِ يعارضهُ 61%، فقد كان العديدُ من المشاركينَ في الاستطلاعِ متشائمينَ للغايةِ بشأنِ خياراتهِم المحتملةِ في نوفمبر المقبل، وبالتاليِ فهناكَ انتقاداتٌ هائلةٌ تجاه سياسةِ بايدن فيما يتعلقُ بقضايا هامةٍ تشملُ الاقتصادَ وملفَ الهجرةِ وتغيرَ المناخِ وسياسةَ الإجهاضِ والسياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ فيما يخصُ الغزوَ الروسيَ لأوكرانيا والحربَ الاسرائيليةَ في غزةَ.[4]
تداعياتُ انسحابِ الرئيسِ بايدن من السباقِ الرئاسي:
أثارَ انسحابُ الرئيسِ الأمريكيِ جو بايدن من السباقِ الانتخابيِ للرئاسةِ المقبلةِ العديدَ من التساؤلاتِ حولَ مستقبلِ الانتخاباتِ الأمريكيةِ، وجاءَ هذا القرارُ المفاجئُ في وقتٍ حساسٍ للغايةِ، حيث كانتْ التحضيراتُ للانتخاباتِ على أشدِها، فضلاً عن التأثيراتِ السياسيةِ الداخليةِ، ويأتي هذا التطورُ في وقتٍ تشهدُ فيه المنطقةُ توتراتٍ كبيرةً، خصوصاً في سياقِ الحربِ على غزة، واتفاقِ الهدنةِ الذي تمَ التوصلُ إليه مؤخراً بين الفصائلِ الفلسطينيةِ وإسرائيلَ يلقيِ بظلالهِ على المشهدِ السياسيِ في واشنطن، حيثُ تسعَى الإدارةُ الأمريكيةُ لضمانِ الاستقرارِ في الشرقِ الأوسطِ، إذ تتجاوزُ تأثيراتُ انسحابِ بايدن الحدودَ الأمريكيةَ لتؤثرَ على السياساتِ الخارجيةِ والمفاوضاتِ الجاريةِ، مما يضعُ الحزبَ الديمقراطيَ في موقفٍ معقدٍ يتطلبُ استراتيجياتٍ جديدةً للتعاملِ مع التحدياتِ الداخليةِ والخارجيةِ. وبالتالي تتمحورُ أبرزُ تداعياتِ قرارِ بايدن بالانسحابِ من الانتخاباتِ الرئاسيةِ فيما يلي:
أولاً: تداعياتُ الانسحابِ على مستقبلِ الانتخاباتِ الأمريكيةِ
يبدو أن انسحابَ الرئيسِ جو بايدن من السباقِ الانتخابيِ المقبلِ يضعُ الحزبَ الديمقراطيَ في موقفٍ حرجٍ ويؤثرُ بشكلٍ كبيرٍ على مستقبلِ الانتخاباتِ الأمريكيةِ، إذ يأتي هذا الانسحابُ في وقتٍ حرجٍ، حيث كان الحزبُ الديمقراطيُ يأملُ في خوضِ الانتخاباتِ بمرشحٍ يمتلكُ خبرةً رئاسيةً ويستطيعُ منافسةَ دونالد ترامب بقوةٍ، وبالتالي يتسببُ انسحابُ بايدن في ضرورةِ إعادةِ تنظيمِ الحزبِ بسرعةٍ لاختيارِ مرشحٍ جديدٍ في وقتٍ ضيقٍ، مما قد يؤديِ إلى انقساماتٍ داخليةٍ وزيادةِ التوترِ بين الأعضاءِ والشخصياتِ البارزةِ مثلَ نانسي بيلوسي وهيلاري كلينتون قد ترغبُ في الترشحِ، مما يثيرُ تساؤلاتٍ حولَ من سيكون المرشح الأنسب لقيادة الحزب في هذه المرحلةِ الحرجةِ، ولذلك يجبُ على الحزبِ الديمقراطِي الآن تقديمُ مرشحٍ قادرٍ على توحيدِ القاعدةِ الانتخابيةِ وتحفيزِ الناخبين للمشاركةِ بكثافةٍ، حيث يتمثلُ التحدي الأكبرُ هنا في إيجادِ شخصيةٓ تتمتعُ بشعبيةٍ كافيةٍ وقادرةٍ على جذبِ الناخبين من مختلفِ الفئاتِ، بما في ذلك الشبابُ والأقلياتُ العرقيةُ. وعلى صعيدِ السياساتِ الانتخابيةِ، يمكنُ أن يتسببَ انسحابُ بايدن في تغييرِ أجندةِ الحزبِ الديمقراطيِ، فالمرشحُ الجديدُ قد يحتاجُ إلى تعديلِ بعضِ السياساتِ والمواقفِ لجذبِ أكبرِ عددٍ ممكنٓ من الناخبينَ، الأمرُ الذي يتطلبُ تركيزاً أكبرَ على القضايا الاقتصاديةِ، والرعايةِ الصحيةِ، والعدالةِ الاجتماعيةِ.
ومن ناحيةٍ أخرى، يمثلُ انسحابُ بايدن فرصةً للحزبِ الجمهوريِ لتعزيزِ موقفهِ الانتخابيِ، خاصة وأن ترامب لا يزالُ يحتفظُ بدعمٍ قويٍ من قاعدتهِ الانتخابيةِ، فالحزبُ الجمهوريُ يمكنُ أن يستغلَ الانقساماتِ الداخليةَ في الحزبِ الديمقراطِي لتعزيزِ فرصهِ في الفوزِ بالانتخاباتِ.
ثانياً: تأثيرُ انسحابِ بايدن على اتفاقِ الهدنةِ لحربِ غزة
إن انسحابَ بايدن من السباقِ الانتخابيِ قد يكونُ له تداعياتٌ أيضاً على السياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ، خاصةً فيما يتعلقُ بالصراعِ الفلسطينيِ – الإسرائيليِ واتفاقِ الهدنةِ لحربِ غزة، حيث اتبعَ بايدن خلالَ فترةِ رئاستهِ سياسةً داعمةً لإسرائيلَ مع الدعوةِ إلى حلِ الدولتينِ، وبالتالي فإن انسحابَه قد يثيرُ تساؤلاتٍ حولَ استمرارِ هذه السياسةِ أو تعديلهِا في ظلِ الإدارةِ القادمةِ، ومن هنا يتطلبُ من المرشحِ الديمقراطِي الجديدِ ضرورةُ تبنىِ موقفاً مختلفاً يعتمدُ على التوجهاتِ العامةِ للحزبِ والمصالحِ الأمريكيةِ في المنطقةِ، فإذا تمَ انتخابُ مرشحٍ ديمقراطٍي جديدٍ يتمتعُ بمواقفَ مختلفةٍ بشأن الصراعِ، فقد يؤدي ذلك إلى تغييراتٓ في كيفيةٍ تعاملِ الولاياتِ المتحدةِ مع اتفاقِ الهدنةِ في غزة، الأمرُ الذي يشملُ زيادةَ الضغطِ على إسرائيلَ لتقديمِ تنازلاتٍ أو تقديمِ دعمٍ أكبرَ للسلطةِ الفلسطينيةِ.[5]
ردودُ الفعلِ الدوليةِ حول انسحابِ بايدن من السباقِ الرئاسيِ:
توالتٰ ردودُ الفعلِ الدوليةِ من القادةِ حولَ العالمِ بعدما أعلنَ الرئيسُ الأمريكُي جو بايدن عن عدمِ ترشحهِ لفترةٍ رئاسيةٍ ثانيةٍ وترشيحهِ كاملا هاريس للحلولِ مكانَه ومنافسةِ ترامب، وفيما يلي أبرزُ تلك المواقفِ المتعلقةِ بقرارِ بايدن:
من جانبهِ أعربَ رئيسُ الوزراءِ البريطانيِ كير ستارمر عن احترامهِ لقرارِ بايدن بالانسحابِ مشيراً أنه اتخذَ قراره بناءً على المصلحةِ العليا للبلادِ وبما يخدمُ الشعبَ الأمريكيَ، كما تطلعَ إلى العملِ معه خلالَ الفترةِ المتبقيةِ من رئاستهِ. فيما أشادَ رئيسُ الوزراءِ الإسبانيِ بيدرو سانشيز بالقرارِ الشجاعِ الذي اتخذهُ بايدن، مشيراً إلى جهودهِ العظيمةِ في تغلبِ الولاياتِ المتحدةِ على الأزماتِ الاقتصاديةِ بعد جائحةِ كورونا، والهجومِ الخطيرِ على مبنى الكابيتول، فضلاً عن دعمهِ المتواصلِ لأوكرانيا في مواجهةِ الغزوِ الروسيِ. بينما وصفَ المستشارُ الألمانيُ أولاف شولتس قرارَ بايدن بأنه يستحقُ التقديرَ، مشيداً بإنجازاتهِ الهائلةِ لبلادهِ ولأوروبا وللعالمِ، كما أكدَ على تعزيزِ التعاونِ الألمانيِ الأمريكيِ عبرَ حلفِ شمالِ الأطلسيِ. ومن جهتهِ وجهَ الرئيسُ الإسرائيليُ إسحق هرتسوغ الشكرَ إلى بايدن على صداقتهِ ودعمهِ الثابتِ للشعبِ الإسرائيليِ، كما شكرَ وزيرُ الدفاعِ الإسرائيليِ يوآف غالانت بايدن على دعمهِ الثابتِ لإسرائيلَ على مرِ السنين. وقد أشادتْ استراليا أيضاً بقيادةِ بايدن واحترامهِ لقيمِ الديمقراطيةِ والأمنِ الدوليِ والازدهارِ الاقتصاديِ والجهودِ الخاصةِ بالمناخِ بما يخدمُ الأجيالَ الحاليةَ والمستقبليةَ. ومن جانبهِ أكدَ رئيسُ الوزراءِ البولنديِ عن كاملِ احترامهِ لقرارِ بايدن، مشيراً إلى القراراتِ الصعبةِ التي تم اتخاذُها وجعلتْ من العلاقاتِ الأمريكيةِ البولنديةِ أكثرَ صلابةً، وبفضلِها أصبحتْ بولندا وأمريكا والعالمُ ككلٍ أكثرَ أماناً وأقوىَ ديموقراطياً. وفي المقابلِ شكرَ الرئيسُ الأوكرانيُ زلينسكي، الرئيسَ بايدن على جهودهِ المتواصلةِ لدعمِ أوكرانيا لصدِ الغزوِ الروسيِ. في حينِ أن امتنعتْ كوريا الجنوبية عن التعليقِ على الوضعِ السياسيِ الداخليِ في أيِ دولةٍ، ولكنها أكدتْ على مواصلةِ العملِ بشكلٍ وثيقٍ مع واشنطن بغضِ النظرِ عن نتائجِ الانتخاباتِ الرئاسيةِ المقبلةِ، خاصةً وأن التحالفَ الثنائيَ بين البلدينِ يحظَى بدعمِ كلا الحزبين. وعلى الجانبِ الآخرِ علقَ الكرملين على قرارِ بايدن بالانسحابِ، منوهاً إلى متابعةِ الأوضاعِ في واشنطن عن كثبٍ، كما قالَ المتحدثُ باسمِ الرئاسةِ الروسيةِ: “أن هناكَ أربعةَ أشهرٍ على موعدِ الانتخاباتِ وهذه فترةٌ طويلةٌ يمكنُ أن يتغيرَ خلالهَا الكثيرُ”، مشيراً إلى أن الأولويةَ بالنسبةِ لروسيا هي العمليةُ العسكريةُ الخاصةُ ضد أوكرانيا.[6]
هل تستطيعُ كامالا هاريس هزيمةَ ترامب بعد انسحابِ بايدن؟
كامالا هاريس، نائبةُ الرئيسِ الأمريكيِ الحاليةِ، والتي أعلنتٰ عن ترشحِها للرئاسةِ في الانتخاباتِ المقبلةِ بعد انسحابِ جو بايدن من السباقِ الانتخابيِ، وتعدُ هاريس أولَ امرأةٍ وأولَ شخصٍ من أصولٍ جنوبِ آسيويةٍ ومن أصولٍ أفريقيةٍ تتولىَ منصبَ نائبِ الرئيسِ وفقاً لما تمتلكهُ من خلفيةٍ سياسيةٍ قويةٍ، حيثُ شغلتْ سابقاً منصبَ المدعيِ العامِ لولايةِ كاليفورنيا وعضوةً في مجلسِ الشيوخِ الأمريكيِ، ولكن على الرغمِ من ذلك قد تواجهُ هاريس العديدَ من التحدياتِ التي تعرقلُ نجاحهَا، ويأتيِ التحدي الزمنيُ على قائمةِ تلك التحدياتِ، حيثُ توجدُ أمامَ الحزبِ الديمقراطيِ فترةً قصيرةً جداً لاختيارِ مرشحٓ بديلٍ لبايدن، مما يزيدُ من الضغوطِ على هاريس لتنظيمِ حملةٍ انتخابيةٓ قويةٍ في وقتٍ محدودٍ، فالتحضيرُ الجيدُ والتواصلُ الفعّالُ مع القاعدةِ الانتخابيةِ ستكونُ عناصرَ حاسمةً لنجاحِها. كما تواجهُ هاريس أيضاً تحدياتٍ من داخلِ حزبِها نفسهِ، حيث يمكنُ أن تظهرَ شخصياتٌ بارزةٌ أخرى مثل نانسي بيلوسي أو هيلاري كلينتون كمنافسينَ محتملين، هذا التنافسُ الداخليُ قد يؤدي إلى انقساماتٍ داخليةٍ تزيدُ من تعقيدِ مهمةِ الحزبِ في تقديمِ جبهةٍ موحدةٍ ضد ترامب. وعلى الجانبِ الآخرِ تبرزُ ضرورةُ مواجهةِ الرئيسِ السابقِ دونالد ترامب والذي لا يزالُ يحتفظُ بشعبيةٍ كبيرةٍ بين قاعدتهِ الانتخابيةِ، وقدرةِ هاريس على منافستهِ ستكونُ اختباراً كبيراً لقدراتهِا السياسيةِ والشخصيةِ، إذ يتمتعُ ترامب بخبرةٍ في الحملاتِ الانتخابيةِ واستخدامِ الوسائلِ الإعلاميةِ، مما يستدعي من هاريس وفريقهِا الابتكارَ في استراتيجياتِ الحملةِ الانتخابيةِ، وبالتالي تحتاجُ هاريس إلى توحيدِ القاعدةِ الانتخابيةِ الديمقراطيةِ، بما في ذلك الشبابُ، الأقلياتُ العرقيةُ لضمانِ أكبرِ دعمٍ ممكنٍ في الانتخاباتِ المقبلةِ، كما أن العملَ على قضايا مثلِ العدالةِ الاجتماعيةِ، الرعايةِ الصحيةِ، والاقتصادِ ستكونُ محاورَ رئيسيةً لجذبِ هؤلاءِ الناخبينَ.
هل تختلفُ سياساتُ هاريس عن بايدن؟
في الواقعِ يبدو أنه ليس هناكَ اختلافاتٌ بينَ سياساتِ بايدن وهاريس في التعاملِ معَ الأوضاعِ الداخليةِ والخارجيةِ للبلادِ، فمن المتوقعِ أن تحافظَ هاريس على نهجِ بايدن وتتبعَ نفسَ سياساتهِ تجاهَ ملفاتٍ عديدةٍ تتعلقُ بالعلاقاتِ مع الصينِ وإيران، وحربِ روسيا وأوكرانيا والملفِ الفلسطيني، وفيما يليِ أبرزُ السياساتِ المتوقعةِ من هاريس في حالِ ترشحهِا وفوزِها بالرئاسةِ:
1- العلاقاتُ مع الصين:
شهدتٰ العلاقاتُ بين بكين وواشنطن اضطراباتٍ هائلةً خلالَ السنواتِ الماضيةِ فيما يتعلقُ بالتجارةِ والحروبِ والأمنِ والتكنولوجيا، مما دفعَ كلا من بايدن وترامب إلى محاولةِ الظهورِ أمامَ الناخبين وكسبِ ثقتهِم فيما يتعلقُ بمواجهةِ القوةِ العسكريةِ والاقتصاديةِ المتناميةِ لبكين وحمايةِ الشركاتِ والموظفين الأمريكيين من الوارداتِ الصينيةِ منخفضةِ الأسعارِ، إذ رفعَ الرئيسُ بايدن الرسومَ الجمركيةَ على السياراتِ الكهربائيةِ المستوردةِ من الصين، الأمرُ الذي أشعلَ مزيداً من التوتراتِ بين البلدينِ، ولذلك تتعاملُ الصينُ بحذرٍ تجاهَ السباقِ الرئاسيِ الأمريكيِ، ولكن بعدَ قرارِ انسحابِ بايدن، يبدو أن الصينَ ترى في هذا القرارِ خطوةً حاسمةً لقلبِ آفاقِ الحزبِ الديمقراطيِ في الانتخاباتِ الرئاسيةِ ضد الجمهوريين، ومن المتوقع أن تحافظ كاملا هاريس على موقفِ بايدن المتعلقِ بمواجهةِ سياساتِ بكين في حالِ فوزِها بالرئاسةِ، وعلى الجانبِ الآخرِ قد تسعَي هاريس أيضاً للبحثِ عن فرصٍ لتعاونِ مع دولِ جنوبِ شرقيِ آسيا بهدفِ تعزيزِ علاقاتِ واشنطن في منطقةِ آسيا المهمةِ اقتصادياً.[7]
2- العلاقاتُ مع إيران:
تواجهُ الولاياتُ المتحدةُ منطقةً مشتعلةً وتعانيِ من فوضيَ عارمةٍ، وذلك على وقعِ التوتراتِ الأخيرةِ في الشرقِ الأوسطِ والسياساتِ الإيرانيةِ بشأنِ الحربِ بين إسرائيلَ وحماس، ومروراً بقصفِ الحوثيين المدعومين من إيران لتلِ أبيب ووصولاً إلى الضرباتِ الإسرائيليةِ الانتقاميةِ في اليمن، وعلى الجانبِ الآخرِ تتوالي اتهاماتُ واشنطن لإيرانَ بتوسيعِ برنامجِها النوويِ وتخصيبِ اليورانيوم بنسبةٍ وصلتْ إلى 60% مما يشيرُ إلى اقترابِها من مستوى تصنيعِ الأسلحةِ، خاصةً بعد َانسحابِ ترامب من الاتفاقِ النووي عام 2018، الأمر الذي دفع بايدن إلى الإبقاء على سياسةِ فرضِ عقوباتٍ اقتصاديةٍ بحقِ إيران، كما أشرفَ بايدن على محاولاتٍ باءتْ بالفشلِ لإعادةِ التفاوضِ على الاتفاقِ النوويِ، ولكن زادتْ المخاطرُ أكثرُ بعد الوفاةِ المفاجئةِ للرئيسِ الإيرانيِ إبراهيم رئيسي، ورغبةِ الرئيسِ الجديدِ مسعود بزشكيان لمساعدةِ إيران على الانفتاحِ على العالمِ كلهِ. ووفقاً لما سبقَ وبعدَ قرارِ بايدن بالانسحابِ من الانتخاباتِ، فمن المتوقعِ أن تتبعَ هاريس نفسَ سياساتِ بايدن في مواجهةِ إيران، ويبدو أيضاً أن البرنامجَ النوويَ الإيرانيَ سيعدُ بمثابةِ عقبةٍ كبيرةٍ أمامَ إدارةِ هاريس، خاصةً إذا قررتْ طهران اختبارَ مدى قوةِ الزعيمةِ الجديدةِ في حالِ ترشحِها وفوزِها في انتخاباتِ نوفمبر المقبلةِ.[8]
3- الملفُ الأوكرانُي:
فيما يتعلقُ بالحربِ الروسيةِ على أوكرانيا، فمن المتوقعِ أن يتبعَ أيُ مرشحٍ ديمقراطيٍ الإرثَ الثابتَ لبايدن والمتعلقَ بالدعمِ العسكريِ المستمرِ لأوكرانيا لصدِ الغزوِ الروسيِ، وفي السياقِ ذاتهِ نجدُ أن هاريس أكدتْ على مواصلةِ دعمِ أوكرانيا في حربِها ضدَ روسيا، وظهرَ ذلك جلياً خلالَ خطابهِا في مؤتمرِ ميونخ للأمنِ هذا العامِ والذي انتقدتْ فيه السياساتِ الروسيةَ، كما تعهدتْ أيضاً باحترامِ الولاياتِ المتحدةِ للمادةِ (5) من معاهدةِ حلفِ شمالِ الأطلسيِ المتعلقةِ بالدفاعِ المتبادلِ.
4- الملفُ الفلسطينُي:
وفيما يخصُ القضيةَ الفلسطينيةَ، فإن الصراعَ الإسرائيليَ الفلسطينيَ سيحتلُ مكانةً هامةً وسيأتي على قائمةِ جدولِ أعمالِ هاريس في حالِ فوزِها بالانتخاباتِ، وعلى الرغمِ من أن هاريس أيدتٰ بايدن سابقاً في دعمِ حقِ إسرائيلَ للدفاعِ عن نفسِها، إلا أنها كانت انتقدتٰ سابقاً النهجَ العسكريَ الإسرائيليَ، وظهرَ ذلك جلياً عندما قالتْ في مارس الماضي: “أن إسرائيلَ لا تفعلُ ما يكفيِ لتخفيفِ الكارثةِ الإنسانيةِ التي وقعتْ خلالَ اجتياحِها البريِ لغزة”، كما دعتْ إلى وقفِ إطلاقِ النارِ في غزة، وأدانتْ الغزوَ الإسرائيليَ لرفح.[9]
ختامًا:
يمكن القولُ، أن المشهدَ السياسيَ الأمريكيَ على أعتابِ مرحلةٍ جديدةٍ يخيمُ عليها تزايدُ المنافسةِ بين الديمقراطيين والجمهوريين خلالَ الانتخاباتِ الرئاسيةِ المقبلةِ في نوفمبر 2024، خاصةً بعد قرارِ الرئيسِ بايدن بالانسحابِ من السباقِ الرئاسيِ، وترشحِ نائبتهِ كامالا هاريس بدلاً عنه، ولكن يبدو أن هاريس تقبلُ على خطوةٍ مصيريةٍ وصعبةٍ وتحتاجُ إلى تنظيمِ حملةٍ انتخابيةٍ قويةٍ في وقتٍ محدودٍ لمواجهةِ ترامب، وبالتالي فمن المتوقعِ أن يشكلَ الوقتُ الضيقُ لتحضيرِ الحملةِ الانتخابيةِ تحدياً كبيراً للحزبِ الديمقراطيِ، لذلك يجبُ أن يكونَ المرشحُ الجديدُ قادراً على تقديمِ رؤيةٍ واضحةٓ وقويةٍ للمستقبلِ، مع التركيزِ على القضايا التي تهمُ الناخبين الأمريكيين، فضرورةُ العملِ على توحيدِ الحزبِ وتجنبُ الانقساماتِ الداخليةِ سيكونُ مفتاحَ النجاحِ.
المصادر:
[1] ريتشل لوكر، بايدن يتمسك بالترشح وسط تزايد المطالبين بتنحيه، BBC، 20 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/BIF9S0wD
[2] عبد الوهاب الجندي، ضغوط الديمقراطيين تؤتى بثمارها.. بايدن يعلن الانسحاب من سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية، اليوم السابع، 21 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/nRVl7uVg
[3] عبد الله علي عسكر، الرئيس يعلن التنحي.. أسباب قضت على حلم “بايدن”، القاهرة الإخبارية، 21 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/xGzSAKVt
[4] الشرق للأخبار، “عجوز ونصف مجنون”.. أغلب الأميركيين لديهم شكوك في قدرات بايدن وترمب العقلية، 5 مارس 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/cB1Xyp3u
[5] محمد مخلوف، بعد انسحاب بايدن.. ما مصير اتفاق الهدنة وما خطط نتنياهو بملف غزة؟، العربية، 22 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/2acLYBQJ
[6] الجزيرة، أبرز ردود الفعل الدولية على انسحاب بايدن من السباق الرئاسي، 22 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/9Wreh0tN
[7] العربية، بعد انسحاب بايدن.. غموض يحيط بملفات عدة أبرزها غزة وأوكرانيا، 22 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/R8utqbSr
[8] صحيفة الشرق الأوسط، في حال فوزها بالرئاسة… كيف ستكون السياسة الخارجية لهاريس؟، 22 يوليو 2024، متاح على الرابط: https://2u.pw/5UcBb4mk
[9] مرجع سابق، بعد انسحاب بايدن.. غموض يحيط بملفات عدة أبرزها غزة وأوكرانيا، متاح على الرابط: https://2u.pw/R8utqbSr
