المقالات
ثلاث محطات متقاطعة تعكس تساؤلات عدة: هل ستعمل إيران على تطويق الحرب في غزة؟
- نوفمبر 14, 2023
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد: مروة سماحة
المقدمة
بالتوازي مع استئناف الكيان الإسرائيلي ممارسة العدوان والجرائم ضد المدنيين في غزة، تحت مزاعم الحرب على الإرهاب، واستمرار حِدَّة الاشتباكات المنضبطة في الجبهة الشمالية لإسرائيل مع قوات حزب الله، شهدت البيئة السياسية الإقليمية ثلاثة مسارات متتالية، أثارت زخمًا من التساؤلات، وأدْلت بالدلالات، وهما خطاب حزب الله، وزيارة “بلينكن” للعراق، وزيارة “السوداني” لطهران، وفي ذلك العمل، سيتم تناول كُلُّ مسارٍ على حِدَة وإدْرَاجُ أبرز الدلالات.
أولًا: خطاب حزب الله
كان خطاب حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، الذي ألقاه في الثالث من نوفمبر، والذي يُعدُّ أوَّل إطلالةٍ إعلاميةٍ له، منذ بدْء عملية “طوفان الأقصى”، بمثابة نوْعٍ من الصدمة بالنسبة للحشد الشعبي للحزب، وفقًا لما اعتاد عليه من خطابات لا تأْبه بأحد، ولا سيما حينما يتعلق الأمر بإسرائيل، والذي كان ينتظر إعلان الحزب الحرب على إسرائيل، بينما من المنظور السياسي، كان أمرًا جديرًا بالتوقُّع، أن خطابه سيتسم بشيءٍ من الهدوء والمسايسة، وبالفعل كانت العقلانية هي أبرز ملامح خطاب نصر الله.
وكما هو معتاد، بدأ الخطاب برسائل تهديدية، أعربت عن جاهزية الحزب لتوسيع نطاق الصراع في أيِّ لحظة، مشيرًا إلى تحفُّظِهِ على جميع الخيارات؛ لتحوُّل النزاع الحالي إلى صراع واسع النطاق، كذلك وقلَّل من أهمية وجدوى التحرُّكات البحرية التي نفَّذتها الولايات المتحدة في شرق المتوسط لحماية إسرائيل، وأكَّد أن هذه القوات ستكون هَدَفًا في سياق التصاعُد الحربي.
وانتقل بعد ذلك، ليؤكد أن ردود فعل حزب الله تعتمد على التطورات الميدانية في غزة، ومدى استهداف إسرائيل للجنوب اللبناني، وشدَّد على أهمية السيطرة على التصرُّفات الإسرائيلية في “غزة، وجنوب لبنان”؛ لتجنُّب توسُّع الحرب إلى جبهات جديدة، ويكْمُن في ذلك دلالات بأن حزب الله لن يسعى للانخراط في الحرب وتوسيع نطاقها من تلقاء نفسه، بل إن قرار الحرب سيكون قرارًا إسرائيليًّا، وهذا الأمر وفقًا للهيئات الإسرائيلية مُسْتَبْعد؛ لاعتبارات ترجع إلى افتقار إسرائيل الحرب على أكثر من جبهة، ناهيك عن مدى خطورة الحروب طويلة الأمد المحتمل حدوثها؛ حال اتسع نطاق الحرب على البقاء الاستراتيجي لإسرائيل.
وأهم ما برز في الخطاب هو تشديد حزب الله على أن عملية “طوفان الأقصى” التي شنَّتها حماس، يوم السابع من أكتوبر، هو أمر فلسطيني خالص، حدث دون وصاية إيرانية أو من حزب الله بلبنان، وأفاد أنه لا أحد في محور المقاومة كان على عِلْمٍ مُسْبَق بتلك العملية، ولكن سرعان ما التحق به حزب الله، في اليوم الثامن من أكتوبر؛ للمساندة والدعم، وهذه دلالة قوية لإبقاء إيران خارج المعادلة الصفرية بين حماس وإسرائيل، كذلك محاولة منه لافتداء انزلاق لبنان في حرب تكتب النهاية له، ولا سيما في ظل ضغط الجبهة الداخلية بلبنان على حزب الله، بعدم توريط البلاد في حرب يدفع ثمنها اللبنانيون، وخصوصًا في ظل الحصار الاقتصادي الذي يعيشه لبنان، وكان قد سبق وحذَّر كل من وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدُّمي الاشتراكي، وجبران باسيل جبران رئيس التيار الوطني الحر، وسمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية، ونجيب ميقاتي رئيس حكومة تصريف الأعمال، وغيرهم من النُّخب السياسية، حزب الله، بعدم فتح الحرب على الجبهة الشمالية لإسرائيل.
يمكن القول: إن خطاب حسن نصر الله خطاب يغْلُبُ عليه التعقُّل والحيْطة في أن يدخل في حربٍ ضد إسرائيل، فباستثناء جاهزية حزب الله وسلاحه القوي ومدى تقدُّمِهِ عسكريًّا، مقارنةً بحرب تموز ٢٠٠٦، فإن لبنان غير مُهَيَّأ مطلقًا، وخاصة في الفترة الحالية، أن ينزلق في حرب أشبه بالهاوية، في ظلِّ اقتصادٍ قائمٍ على المعونات الخارجية ووضْع سياسيٍّ هشٍّ يرأسه الفراغ، وهذا الأمر الأقرب لتفسير عدم ذكر نصر الله ولو مرة الجبهة السياسية بلبنان في خطابه، ويتضمن هذا الخطاب رسالة قوية، وهي أن الحزب سوف لا يتعدى في سياسته تجاه إسرائيل حيِّز الاشتباكات المنظمة المنضبطة، كما أنه إذا فتح حزب الله الحرب في الجبهة الشمالية، فمن المرجح أن تنخرط أمريكا بشكلٍ أو بآخر في الحرب، وبالتالي سيُشكِّلُ ذلك تهديدًا لبقاء حزب الله، وهذا الأمر لن يغامر به كُلٌّ من حزب الله وإيران؛ فحزب الله هو الذراع الأقوى لإيران في المنطقة.
كما يُعدُّ تأكيد حزب الله على تبرأة إيران من حماس، دلالة على ذكاء السياسة الخارجية الإيرانية؛ فإيران ليست لديها عقبات بالنسبة لدعم حماس، ولكن حينما يأتي الأمر لتهديد بقائها، فإن المعايير ستتغير بالفعل؛ الأمر الذي جعل ذلك ممكنًا، هو حاملات الطائرات الأمريكية بالقرب من الجبهة الشمالية لإسرائيل، وبالتالي فهذا التوجُّه الجديد لا يمكن اعتباره تراجعًا بل فطنة وذكاء، فإيران اكتسبت مكاسب عدة إبان الفترة الأخيرة عقب “طوفان الأقصى”، كزيادة مصداقيتها وقبولها في الوطن العربي، وفي ذلك نجاح كبير لإيران، ستستند عليه فيما بعد؛ لتُوسِّعَ تركُّزها ونشاطها السياسي والدبلوماسي في المنطقة.
وفيما يتعلق بخطاب الحزب الأخير الذي عقب قمة الدول العربية بالرياض، والذي يأتي وفقًا ليوم الشهيد الذي يحتفي به حزب الله كل عام، يوم ١١ من نوفمبر، يمكن القول: إنه كان في سياق إبراز جرائم الاحتلال الإسرائيلي من قصف مستشفيات وقتل مدنيين، وأكَّد أن الدوافع وراء ذلك، هو تطبيق سياسة الردع والقمع، وأكَّد أن حصيلة الحزب من الصواريخ البالستية تفوق توقعات إسرائيل، وأشاد ببطولة المقاومة وبسالتها وفشل القوات الإسرائيلية.
وأردف نصر الله قائلًا: “العدوان وجرائم الحرب والوحشية على مساحة ضيقة محاصرة تحت القصف منذ 7 أكتوبر، لا حُرْمة لشيءٍ فيها، والغريب في جرائم هذا العدوان، الاعتداء العلني والفاضح على المستشفيات؛ بحجج واهية، وهذه الأعداد الكبيرة للشهداء وأكثرهم من الأطفال والنساء”.
وأكَّد أن “هذا يعبر عن روح الانتقام الذي لا حدود له، وأحد الأهداف الأساسية التي يريدها العدو هو الإخضاع ليس لأهل غزة فقط، بل للشعب الفلسطيني واللبناني وشعوب المنطقة، وإسقاط إرادة المطالبة بالحقوق
ثانيًا: زيارة “بلينكن” لبغداد
لقد شهد العراق زيارة غير مرتبة لم يحدد موعدها مسبقًا لوزير الخارجية الأمريكي بلينكن، في الخامس من نوفمبر، وخلال تلك الزيارة التقى بلينكن برئيس الوزراء محمد شياع السوداني في بغداد لأكثر من ساعة، كما زار السفارة الأمريكية؛ حيث تلقَّى إحاطةً أمنيةً، حول التهديد الذي تتعرض له المنشآت الأمريكية، التي تتمثل في ضرب قاعدة عين الأسد بالعراق.
وكان مسؤولون أمريكيون كرروا تحذيراتهم من تورُّط أطراف أخرى بالصراع في إسرائيل، وعقب هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر؛ حيث قامت أذرع إيران بتصعيد الهجمات التي تستهدف القوات الأمريكية في “العراق، وسوريا”.
وفي حديث مُسْبَق لـ”بلينكن” في مؤتمر صحفي بتل أبيب، شدَّد على ضرورة تضييق نطاق الحرب ومنع التصعيد، يمكن تفسير هذه الزيارة على أنها محاولة أمريكية للضغط على إيران، ألَّا تنزلق في الحرب مع إسرائيل؛ بفتح جبهاتها التي ستصاعد من تفاقُم الأوضاع، فضلًا عن موقف العراق إزاء مسألة التصعيد، فقد كان لـ”السوداني” كلمة قوية تدين بكل وضوح الإجرام الذي تمارسه إسرائيل ضد المدنيين غزة.
وعقب انتهاء تلك الزيارة توجَّه بلينكن إلى الأردن، وتلاها تركيا، ومن الموضح أن الولايات المتحدة الأمريكية غير راغبة في توسيع نطاق الحرب بشكلٍ مُطْلَق، فذلك ليس بمصلحتها بأيِّ شكلٍ من الأشكال، ومُضِرٌّ بمخططاتها في الشرق الأوسط.
ثالثًا: زيارة “السوداني” لطهران
وهناك من يرى أن تلك الخطوة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بزيارة “بلينكن” للعراق، وكانت بمثابة إملاء “السوداني” لشروط الولايات المتحدة الأمريكية، ورغبتها في عدم تصعيد دائرة الحرب، لكن من منظورٍ آخر، يمكن الاعتبار أن جولة “السوداني” الإقليمية كان أمرًا مخططًا ومعلنًا عنه، بخلاف زيارة “بلينكن” التي أتت بغتةً بدون ترتيب، وإن كان ذلك الأمر يعكس شيئًا فهو سياسة خلْط الأوراق التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية، حتى في النهاية، يتم النظر إلى جولة “السوداني” التي تأتي في قمتها طهران، على أنها رسائل أمريكية لطهران، بعدم الانخراط في ساحة الحرب، وتحويل العراق إلى ساعي بريد.
وتجْدُر الإشارة أن ما تمَّ الإعلان عنه وفقًا للحكومة العراقية، هو أن هدف الجولة الإقليمية لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، هو التفاهُم المشترك لإيقاف العدوان على غزة، ووقف توسعة الحرب واحتوائها وعدم انتشارها، وتنشيط أُطروحات الهُدْنة العاجلة، فضلًا عن دعم جهود تقديم وإرسال المساعدات الإنسانية العاجلة للمدنيين في غزة، وتهيئة أرضية لتفاهُمات تدفع باتجاه دفْع المنظمات الأممية والدولية، بتفعيل التزاماتها الدولية والقانونية تجاه القضية الفلسطينية، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني.
خلاصة القول:
يبدو أن الأحداث الثلاث التي وقعت مؤخرًا، التي بدأت بخطاب حزب الله العقلاني، وانتقلت لزيارة “بلينكن” للعراق، وانتهت بزيارة السوداني لطهران في جولة إقليمية، يجمعها تقاطُع، يتمثل في عدم رغبة إيران بالانخراط في الحرب مع “إسرائيل، وأمريكا”، فبعدما أرست أمريكا حاملات طائراتها، أصبحت الحرب ليست ضد إسرائيل فقط، بل الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا، وبالتالي فليس من مصلحة إيران بتاتًا، أن تنخرط في صراعٍ، من الممكن أن يكلفها ذراعها الأكثر قوة وتأثيرًا حزب الله؛ لأن ذلك سيكتب بداية النهاية لها، ويؤثر أيضًا على بقائها، وهذا شيء لن تغامر به طهران مطلقًا، كما أن المكاسب التي حصدتها إيران من “طوفان الأقصى” من مصداقية وشرعية وتحويلها إلى بطل في الوطن العربي، رسم آفاقًا مستقبليةً جديدةً لسياسة طهران الخارجية إزاء المنطقة، وفتح فرصًا جديدةً للتطبيع معها.
كما أنه هناك العديد من المراقبين الذين يرجحون أن الضغط الأمريكي على إيران بتطويق نطاق الحرب، قد يكون في مقابله مكاسب لإيران، خاصَّة بالاتفاق النووي، ومن شأن ذلك أن يُعزِّزَ موقفها ويُيَسِّر ويُشَرْعِن عملياتها في التخصيب والتساهُل في بعض القيود الاقتصادية المفروضة على إيران التي تتمثل في العقوبات.