المقالات
جرسُ إنذار تحركاتُ الجماعات الإرهابية نحو خليج غينيا
- سبتمبر 12, 2024
- Posted by: hossam ahmed
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
إعداد: إلهام النجار
باحث مساعد فى برنامج التطرف والإرهاب
مُقدمة:
في ظلِّ خطورة الأوضاع التي تعيشُها عِدة دول في منطقة الساحل الأفريقي، وانتشار التهديدات الإرهابية، والتوسع الجغرافي لأنشطةِ الحركاتِ المُسلحةِ، ومع تعرُّض تنظيم داعش لانتكاساتٍ في سوريا والعراق، برزت أفريقيا باعتبارها القارة الوحيدة التي يستطيع فيها أن يَنشطَ كما فعل في العراق قبل الهزيمة العسكرية ، ولا يستطيع تنظيم داعش شنَّ هجمات متطورة في أفريقيا فحسب، بل يمكنه أيضًا احتلال الأراضي واجتياح الجيوش، ومع النمو السكاني السريع، والروايات التاريخية حول إحياء “الدول الإسلامية ما قبل الاستعمار”، والتحديات التي يفرضها ضعف الحُكم، قد يجد تنظيم داعش أرضًا خِصبةً في القارة.[1]
أولًا :دوافعُ التمدُد
تسعى الجماعاتَ المتطرفة إلى توسيع نفوذها لأسباب عِدة، أبرزها :
الحصولُ على موارد مختلفة، والسيطرة على طرق حيوية لجمع الرسوم التي تفرضها على المرور عبرها، أو حتى جمع الزكاة وضريبة الحماية من السكان أو أصحاب الأعمال في تلك المناطق، أو حتى الاستفادة من استخراج الموارد الطبيعية وبيعها للاستفادة من عائداتها لتمويل أنشطتها، كما تقوم بالتنسيق مع الجهات الفاعلة في الجريمة المنظمة وجمع الإيرادات منهم أيضًا.
ضعفُ الأجهزة الأمنية والجيوش في تلك الدول من أهم الأسباب، بالإضافة إلى انسحاب القوات الأجنبية من العديد من الدول الأفريقية، والتي لعبت دورًا مهمًا في مُحاربة هذه الجماعات.
توفُّرُ حاضنة بين المجتمعات لهذه المجموعات بسبب الظروف السيئة التي يعيش فيها الناس، أو بسبب الصراعات العِرقية التي لا تنتهي، وأن توسعَ هذه الجماعات على هذا النحو يعني أنها تَكتسبُ القوة والتنظيم يومًا بعد يوم، ولديها القدرة على بسط نفوذها في مناطق جديدة، مما يعني إما نقل عملياتها أو توسيعها.[2]
ثانيًا: تهديداتٌ قائمة
يَمتدُ خليجُ غينيا من السنغال في الشمال إلى أنغولا في الجنوب، ويغطي ما يقرب من 6000 كيلومتر من الشريط الساحلي، وفي كل يوم، تُبحرُ نحو 1500 سفينة صيد وناقلة نفط وسفن حاويات في هذه المياه، ويُشكِّلُ خليج غينيا منطقة شحن هامة لنقل النفط والغاز والبضائع من وإلى وسط وجنوب أفريقيا وأوروبا والأمريكيتين، ومن أبرز هذه التهديدات:
تفاقمُ تهديدات الأمن البحري:
على مدى العِقْدِ الماضي، أصبحت القرصنة منتشرةً على نطاق واسع في خليج غينيا، وخاصةً قُبالةَ سواحل نيجيريا، حيث تعمل السفن وأطقمها تحت تهديد دائم بالهجوم والسطو المُسلح والاختطاف من أجل الحصول على فدية، ويُعد خليج غينيا مركزًا عالميًا للقرصنة البحرية وعمليات الخطف في منطقة غنية بالنفط والموارد الطبيعية وتضم 17 دولةً، بينهم نيجيريا، التي تُعتبرُ العملاق الاقتصادي بالقارة.[3]
إنتقــالُ الإرهــاب إلى منطقة خليج غينيا:
مع سيطرةِ الجماعات المتطرفة على مساحاتٍ شاسعةٍ من منطقة الساحل، أصبحت دولُ الخليجِ مثل “بنين وتوغو وكوت ديفوار” هدفًا جديدًا لهم، ويُسلطُ الهجومُ الأخيرُ الذي شنّتهُ جماعة نُصرة الإسلام والمسلمين (جنيم) المرتبطة بتنظيم القاعدة في بوركينا فاسو الضوءَ مرةً أخرى على الحاجة إلى استراتيجياتٍ إقليميةٍ وعالمية لوقْفِ صعود الإرهاب في منطقة الساحل.[4]
تنامــي الهجــمات الإرهابيــة:
واصلتْ الجماعةُ الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة شَنَّ العديدِ من الهجمات ضد القوات العسكرية وكان آخرُ هجومٍ وقع في أوائل يونيو في مدينة مانسيلا، وأسفر عن مقتل 100 شخصٍ، وعلى نحوٍ مماثل، استهدفت بعض المباني الحكومية في العاصمة بهجمات عسكرية، والتي اعْتُبرتْ بمثابة محاولةٍ انقلابٍ فاشلة مدعومة من الحركات الجهادية.
تَصاعدُ العنفِ والصراع والتهميش الإجتماعي:
تصاعدت أعمال العنف مُنذ تجنيد آلاف المدنيين في قوات الأمن لمحاربة الجماعات الإرهابية والتعامل مع تهديداتها، وشكّلَ السكانُ المحليون تحالفاتٍ شبه عسكرية للدفاع عن مُدنِهم وقراهم من التوسع الإرهابي، وخاصةً في المناطق الأكثر تضررًا، حيث أصبحوا هدفًا رئيسيًا للإرهابيين المرتبطين بتنظيم القاعدة، إن كلَ هذا العنف وعدمَ الاستقرار الاجتماعي يؤدي إلى تفكّكٍ غير مسبوق في دول خليج غينيا، فضلاً عن انهيار السلطات بسبب السخط العام والتقدم القوي للجماعات الجهادية، التي تسيطرُ بالفعل على 40٪ من البلاد، ويجب أن يُضافَ إلى هذا ارتفاعُ مستوى الفقر وانعدامُ الأمن والعدد الكبير من النازحين، مما يُغذي أيضًا نمو المتطرفين.
بالإضافة إلى التجنيد النشط للمدنيين الذين فقدوا الثقة في الدولة، تَجتذبُ مجموعةُ دعم الإسلام والمسلمين أيضًا أتباعًا من بين تلك المجموعات العرقية التي تعاني من القمع والظلم.
من ناحيةٍ أخرى، تُهددُ الهجماتُ الإرهابية المستمرة ضد الجيش والأجهزة الأمنية بالتسبب في استياء داخل صفوف القوات المسلحة بسبب عجز السلطات عن التعامل مع التهديد الإرهابي.
ثالثًا: تحدياتُ مكافحةِ الإرهاب
ضعفُ التنسيق الأمني والعسكري على المستوى الإقليمي، في ظلِّ تَعددِ المبادرات الإقليمية، بالإضافة إلى صعوبات التمويل وضعف تأثير القوة الإقليمية القادرة على قيادة الإيكواس، والتحديات السياسية التي تتحدى قدرة الإيكواس على تأمين مليار دولار لمكافحة الإرهاب، وفقاً لتوصيات قمة واغادوغو في 14 سبتمبر 2019.
عدمُ كفاية الاستجابة الدولية لمنع انتشار العنف الجهادي إقليميًا، إذ لم تتمكنْ بعثةُ الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لغرب الساحل ومجموعة دول الساحل الخمس من تحقيق التنسيق اللازم لوقف انتشار الإرهاب، خاصةً في ظل انقسام غرب أفريقيا إلى فضائين، فرنكوفوني وأنجلوفوني، وإهمال العلاقات بينهما.[5]
رابعًا: سيناريوهاتٌ مُحتملة
هناك ثلاثةُ سيناريوهات محتملة للتمدُّد الإرهابي في بلدان خليج غينيا، يمكن إجمالها كالتالي:
تَزايدُ عمليات الإرهاب البحري، والهجمات على ناقلات النفط ومنصات النفط البحرية في خليج غينيا، في ظل هشاشة الوضع الأمني وتصاعد عمليات القرصنة، إلا أن هذا السيناريو يتحدى ضعفَ القدرات البحرية للتنظيمات الإرهابية في المنطقة لشَنِّ هذا النوع من الهجمات.
التوسعُ المحدودُ للتنظيمات الإرهابية وسيطرتُها على مناطق محدودة، وفق استراتيجية ” الكر والفر “، وخاصةً المناطق الشمالية القريبة من الحدود مع بوركينا فاسو، وهي مناطق تعاني من التهميش الاقتصادي. إلا أن ما يتحدى هذا السيناريو هو مَيلُ بعض دول المنطقة (بنين، وساحل العاج، وتوغو، وغانا) إلى تنسيق عملياتها العسكرية مع بوركينا فاسو (مبادرة أكرا)، واستراتيجية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا التي تهدفُ إلى حَشدِ جهود بلدانها لمكافحة الإرهاب.[6]
إنحسارُ التوسعِ الإرهابي، ونجاحُ الجهود الدولية والإقليمية في تكثيف الضربات العسكرية على معاقل الإرهابيين بما يَحولُ دون تقدمهم جنوبًا، خاصة مع توجه فرنسا لتكثيف عملياتها في المنطقة بعد مقتل 13 من جنودها في مالي، إلا أن ما يحول دون تحقق مثل هذا السيناريو هو احتفاظُ هذه التنظيمات بقدرتها على التكيف وإعادة تنظيم صفوفها رغم الضربات العسكرية لمعاقلها، ومع استمرار الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، لا تزالُ الاستراتيجيةُ العسكرية الأميركية تُركزُ على تقديم الدعم غير المباشر للدول الصديقة وتقليص تدخلها العسكري في هذا السياق.
وفي المُجْمَل، يبدو أن مستقبلَ التنظيمات الإرهابية في المنطقة سيكون محصورًا بين السيناريوهين الأول والثاني في ضوء الصراعاتِ السياسية الحالية، والقدرات الاستخباراتية المحدودة لدول المنطقة لتتبع النشاط الإرهابي عبر حدودها، فإن ذلك لا يضمنُ تحقيقَ نتائج مضمونة من دون تنسيقٍ دوليٍ وإقليميٍ أوسع، فقد أنفقت نيجيريا وحدها ملياري دولار في عام 2018، لكنها لم تتمكنْ من التغلب على تنظيم بوكو حرام، وبرغم ضعف القدرات البحرية لدى التنظيمات الإرهابية على شنِّ هجمات في خليج غينيا، إلا أن ليس ثمة ما يمنع اتجاهها نحو مهاجمة السُّفن من البر،كما أن التنظيمَ في غرب ووسط إفريقيا من الصعب هزيمتهُ عسكريًا، دون تشكيل تحالفٍ دوليٍ على غرار التحالف في سوريا والعراق.
المصادر:
[1] “يسيطر على 1% من مساحة القارة.. هل تصبح إفريقيا حدود خلافة داعش المقبلة؟”، موقع الحرة، تم النشر بتاريخ: 28 مايو 2020، متاح على الرابط التالي: https://www.alhurra.com/arabic-and-international
[2] “ثلاثة أسباب لتوسعها.. جماعات متطرفة تهدد غرب أفريقيا”، موقع الحرة،تم النشر بتاريخ: 6 سبتمبر 2024، متاح على الرابط التالي:
https://www.alhurra.com/arabic-and-international
[3] عياد، بهاء الدين،”لماذا اتفقت القوى الدولية على مكافحة القرصنة في خليج غينيا؟”، اندبندنت عربية، تم النشر بتاريخ: 10 يونيو 2022، متاح على الرابط التالي: https://www.independentarabia.com/node/
[4] محمد، الشيخ،” تقرير يحذر من «أفغانستان جديدة» في خليج غينيا”، صحيفة الشرق الأوسط، تم النشر بتاريخ: 24 يونيو 2024 م، متاح على الرابط التالي: https://aawsat.com/
[5] Crisis Group, “The Risk of Jihadist Contagion in West Africa,” Africa Briefing, 20 December 2019.p.3
[6] حسن، صالح،” توغو وغانا وبنين.. الإرهاب يستثمر «ثغرات» غرب أفريقيا”، العين الإخبارية، تم النشر بتاريخ: 5/9/2024، متاح على الرابط التالي: https://al-ain.com/article/ghana-togo-benin-burkina-faso