المقالات
جلسة استماع: مباحثات في الأزمة الأوكرانية بين مركز” شاف” و مركز “Forward-Thinking” البريطاني
في يوم الإثنين، الموافق 7 مارس 2022، عقد بمركز “شاف” (للدراسات المستقبلية وتحليل الأزمات والصراعات في الشرق الأوسط وأفريقيا) ندوة وحوار على الطاولة المستديرة بحضور كلٍّ من:
السفير / محمد العرابي، وزير خارجية مصر الأسبق، ورئيس مجلس أمناء مركز “شاف” والسيد / Oliver McTernan رئيس مركز Forward-Thinking البريطاني للدراسات والأبحاث في الشرق الأوسط، ومعه السيد/ Jordan Morgan مدير برنامج الشرق الأوسط في Forward-Thinking، والسفير الدكتور/ محمد الصوفي، رئيس المعهد الثقافي العربي الأفريقي والخاص بجامعة الدول العربية، والدكتور/ زين السادات، أمين عام مركز “شاف”
وجاء الحوار في مناقشات حول مستجدات الساعة في الحرب (الروسية – الأوكرانية) وتداعيات الموقف الراهن على العالم، وبالأخص الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، وتبعات ما سوف يحدث من نتائج، قد يترتب عليها أضرار ضخمة من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والبيئية على مستوى العالم أجمع، وتم نقاش بعض الملفات الناتجة عن الأزمة الأوكرانية، وعلى رأسها؛ ملفات الطاقة والأمن الغذائي والنازحين والإرهاب، وتطرق الحديث إلى نقاش حول الكيل بمكيالين من جانب الدول الأوروبية والولايات المتحدة (ازدواجية المعايير) في معطيات الأزمة الأوكرانية، على عكس الأزمات التي تخص الشرق الأوسط وأفريقيا، بالإضافة إلى نقاشٍ حول عدم فعالية نظام الأمم المتحدة، وآليات الدفاع عن الدول.
وضع السفير الصوفي بعض التساؤلات على طاولة الحوار ومنها:
س: هل أصبح من الواضح – الآن – للجمهور الغربي (بعد أن شهد الغزو الروسي لأوكرانيا) الازدواجية الموجودة في العالم المقدمة في الصيغة غير المتوازنة؛ حيث تهاجم الدول القوية الآخرين، وهل سيكون لهذه الصورة الواضحة أي تداعيات على الدول التي هي ضحايا من الاعتداء والصراع كما في فلسطين؟ وبالاعتماد على التشابه بين الوضع في أوكرانيا وفلسطين، هل سينعكس ذلك بشكل إيجابي على الرأي العام الغربي في الاعتراف بهذه الازدواجية ؟
الأستاذ أوليفر :
ج: أحد أوضح الأشياء التي علمتها في 18 عامًا من الخبرة العملية في هذا المجال، هو أن السياسات الأمريكية مدفوعة بشكل واضح بالمصالح الذاتية، وما يحدد سياستهم تجاه الشرق الأوسط هو الاقتصاد في كثير من الأحيان، ومعظم السياسات الأمريكية تحكمها المصالح المحلية، كما أضاف: “أعتقد أن هذا صحيح أيضًا بالنسبة لمعظم الدول الأوروبية”، على الرغم من أن بعضها يعمل على أساس سياسات تستند إلى المبادئ،
وعندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، ستبقى السياسة الأمريكية والغربية تجاه الفلسطينيين مدفوعة بالمصالح وليس المبادئ، فسوف يدعمون حق الفلسطينيين في تقرير المصير والقضايا المتعدده داخل الملف الفلسطيني، طالما أنها لا تؤثر سلبًا على سياساتهم الداخلية والرأي العام.
الأستاذ جوردان :
ج: إن من أوجه الازدواجية، خطاب نائبة رئيس الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، فيما يتعلق بالتمسك بالقانون الدولي، في الإشارة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا، وفي اعتقاده بأنه شيء واضح، عندما تنظر إلى العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل؛ حيث تُدين الولايات المتحدة غزو روسيا لأوكرانيا، وتثير نقاطًا حول التمسك بالقانون الدولي، بينما تتغاضى عن التقارير المتعلقة باختراق إسرائيل للقانون الدولي والانتهاكات المتكررة في فلسطين.
السفير العرابي :
تمت إثارة نقاط مهمة للغاية، ومن واجبنا كدول عربية، أن نعزز من ربط ما يحدث في أوكرانيا مع القضية الفلسطينية في وسائل الإعلام، ونبني على المبدأ القائل: إن العالم يجب أن يقاوم الاستيلاء على الأرض بالقوة، وهذا سيكون مفيد جدًّا للقضية الفلسطينية في المستقبل القريب، وإذا وصفنا سرديات كل من روسيا وإسرائيل فيما يتعلق بالأمن القومي، نجد قصة مشابهة؛ حيث تدعي روسيا بأن توسع حلف الشمال الأطلسي وتوجهها على حدودها في أوكرانيا هو تهديد لأمنها القومي، في حين أن إسرائيل لن تسمح لدولة فلسطينية بالوجود بالقرب من حدودها؛ ما يهدد أمنها القومي.
دكتور زين السادات :
أعتقد بأن الكيل بمكيالين جعل العالمَ منشقًا في قضية الغزو الروسي لأوكرانيا، لا يوجد تأييد مطلق ولا رفض مطلق؛ لأنه إن كان اتخذ الحلف والدول الغربية في الماضي قرارات حاسمة أكثر في مشاكل العالم، لاستطاع العالم اليوم أن يتخذ قرارًا حاسمًا في الأزمة الأوكرانية.
الأستاذ أوليفر :
إذا نظرنا إلى عواقب الأزمة الأوكرانية على الشرق الأوسط؛ بسبب رد الفعل المزدوج هذا، أعتقد أن الغرب بما في ذلك الولايات المتحدة، سيفقد إلى حد كبير من مصداقيته كوسيط نزيه في أي عملية سلام؛ لأن الشعب الفلسطيني يمكنه رؤية النقص في الاتساق والمبدأ من الغرب، وبالتالي، ستكون الثقة أقل، بأن الغرب حريص على مصالحهم في عمليات السلام، وعلى الغرب أن يدرك ذلك، وأن يكون صادقًا بشأن رؤيته عندما يتعلق الأمر بتطبيق المبادئ، و من خلال forward- thinking في الـ10 الماضية دائمًا، أخبرنا زملاؤنا الإسرائيليون و السياسيون في الكِنست، بأن لا أحد يستطيع نزع الشرعية عن إسرائيل، باستثناء أنفسكم، لقد تأسستم في مجتمع دولي قائم على قواعد و قوانين دولية، وضعت في ما بعد الحرب، وهناك أعراف وقوانين متبعة، إذا خالفتموها، فأنتم تضعون أنفسكم خارج القانون، وتنزعون الشرعية من أنفسكم، و لقد قلنا باستمرار في محادثاتنا في الكِنست: إنه لديكم الخيار، إما العمل ضمن النظام و القانون الدولي، أو تصبحون مثل الرئيس بوتين، والذي ضمَّ أجزاءً من أوكرانيا، مثل (شبه جزيرة القرم)؛ حيث أخذت بالقوة، ثم تم ضمها بموجب القانون، وإذا كانت إسرائيل تفعل الشيء نفسه، فهي في الفئة نفسها، ويجب أن تلتزموا بالقوانين والأعراف الدولية، إذا أردتم الشرعية لإسرائيل.
السفير العرابي :
بصفتنا كدول عربية، يجب علينا استخدام الزخم نفسه، الذي يستخدمه الغرب في الوقوف ضد الغزو الروسي لأوكرانيا؛ للوقوف ضد إسرائيل ومحاسبتها، في سياق دعم القضية الفلسطينية.
السفير الصوفي:
س: من نظرة سريعة على الأزمة الروسية الأوكرانية، هل نواجه سيناريو متكررًا لحقبة الحرب الباردة؟
الأستاذ أوليفر :
ج: سؤالٌ صعبٌ للغاية، سواء أكان ذلك تكرارًا للحرب الباردة أم لا، فقد وضع الغرب روسيا في العزلة؛ حيث كان الغرب نشطًا على مستوى العقوبات، ونشطًا على المستوى الإدانة، ولكن الغرب لا يزال مترددًا في المضي قدمًا بطريقة دفاعية عن الشعب الأوكراني.
ومن الصعب جدًا رؤية تصورٍ للوضع في غضون عام أو أكثر، وأعتقد أنه سيكون هناك في أعين الكثيرين في العالم العربي، مصداقية أقل في الإجراءات والسياسات الغربية، وسيخلق ذلك تحديات جديدة، ليس فقط في القضية الفلسطينية، ولكن أيضًا في القضايا الأخرى؛ حيث ستكون هناك تحديات كبيرة في قضايا (قبرص وكردستان في العراق)، والتي لم يتم حلها بالكامل بعد، وكيف ستبدو سوريا في مرحلة ما بعد الصراع، ومن الذي سيحدد هذا المستقبل؟ والأسوأ من الغرب، هو عمل الأمم المتحدة في ضوء غزو أوكرانيا؛ حيث يبدو أن الأمم المتحدة عاجزة تقريبًا، وغير صالحة للغرض، فهي غير قادرة حقًا على معالجة ما تم إنشاؤها من أجله، وتتكاثر الأسئلة حول الموضوع، هل المشكلة كامنة في هيكل الأمم المتحدة أم في القيادة؟ وهل تطورت الأمم المتحدة إلى منظمة تخدم الذات ودولًا معينة، وليست في خدمة العالم؟
وهناك فشل واضح في السياسة الغربية التي أدت إلى غزو أوكرانيا الآن، لو كان لدى الغرب تفكير أوضح في الأمم المتحدة، وفي واشنطن وبروكسيل في عام 1991، في تفكيك الاتحاد السوفيتي، فكان من المحتمل ألا نشهد اليوم غزو أوكرانيا، كان من المروع أن نرى كيف كان هناك انتصار في الغرب، فيما كان يُنظر إليه على أنه فشل الشيوعية و”نهاية التاريخ” بانتصار الغرب، وهو نوع من الغطرسة، وقد أدت تبعات ذلك إلى جميع أنواع المشاكل التي نواجهها اليوم، بما في ذلك، إرهاب معين يمكن إرجاعه إلى ذلك.
وكانت هناك سيناريوهات محتملة مطروحة على الطاولة، أحدها، أن تنضم روسيا إلى حلف شمال الأطلسي، وكان خيارًا حقيقيًا في ذلك الوقت، كطريقة لإنشاء إطار أمني جديد في منطقة يورو أسيا، كانت هناك أيضًا حاجة ماسة إلى “خطة مارشال”؛ لإعادة البناء والتعمير في روسيا ودول شرق أوروبا، وكان في اعتقاد البعض في ذلك الوقت، بأن من شأنها، رفع المنطقة إلى مستوى اقتصادي عالٍ، ويقارب بين جميع الدول الأوروبية، وكل هذه الفرص ضاعت؛ بسبب شعور مبالغ فيه بالانتصار من ناحية الغرب، وبالنسبة لي، إذا نظرنا إلى جذور المشكلة، وعدم إعفاء الرئيس بوتين من المسؤولية الأخلاقية والقانونية الكاملة لما فعله، نجد أن هناك طريقةً لمحاولة شرح تصرف روسيا بهذه الطريقة في الأزمة الحالية، من خلال التحقيق في كيفية تصرف الغرب في عام 1991.
السفير العرابي:
ج: يجب أن نعترف، بأن الغرب قد استفز الرئيس بوتين من خلال عدم الامتثال في وعد عام 1991، بعدم توسع حلف الشمال الأطلسي شرقًا حتى حدوده مع أوكرانيا، وربما لديه الحق في الحفاظ على الأمن القومي الروسي، لكن ليس على هذا النحو الذي اتخذه في غزو أوكرانيا، نحن لسنا في عصر الحرب الباردة نفسه؛ لأن هناك مفاهيم جديدة في الحرب والاشتباك؛ حيث الهجمات في الفضاء السيبراني، والهجمات السرية عن طريق الطيارات المسيرة أو الصواريخ بعيدة المدى، وهي أساليب تتجاوز الحدود التقليدية؛ لذا فإن أمن الحدود التقليدي قد عفا عليه الزمن، ولا يمكن تقديم مطالبات على أساس إستراتيجيات ومفاهيم قديمة، فربما يفكر الرئيس بوتين بنفس الأساليب والعقلية، كما كان عليه الوضع في الحرب الباردة، بالرغم من وجودنا في نظام عالمي جديد اليوم.
السفير العرابي:
س: ما هو تأثير أزمة أوكرانيا على الإرهاب، وما هي ظاهرة المقاتلين الأجانب، بالأخص من الدول الأوروبية الذين يحاولون الانضمام إلى القتال في أوكرانيا؟
أعتقد أنه يوجد في المملكة المتحدة الكثير ممن يحاولون الانضمام إلى القتال، وفي ألمانيا أيضًا؛ حيث أوقفت الحكومة الألمانية جوازات سفر أولئك الذين يريدون الذهاب لمحاربة الروس في أوكرانيا، بينما أرسلت الشيشان قواتها لمساعدة الجيش الروسي، هل نشهد موجة جديدة أو مختلفة من الإرهاب؟ هل نرى تكرار سيناريو الحرب في أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي؛ حيث مقاتلون ضد الروس ينخرطون في جماعات إرهابية بعد الحرب؟ هل هذه النواة الجديدة للعنف في أوروبا ستخلق نوعًا جديدًا من الإرهاب، متمثلًا في “المناضلين من أجل الحرية؟
الأستاذ جوردان:
ج: من الصعب القول، أثناء صعود تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق: كان شكَّل مصدر إلهام للشباب المسلمين البريطانيين للذهاب والقتال، وكانت هذه مشكلة كبيرة للحكومة البريطانية في ذلك الوقت، وحين يرى الناس ما يحدث في وسائل الإعلام عن الأزمة الحالية، وهي واحدة من الأكثر بثًّا تليفزيونيًّا وفي وسائل التواصل الاجتماعي في التاريخ، فمن المؤكد، أنها ستكون مصدر إلهام للناس للذهاب، لكن الحكومة البريطانية – على سبيل المثال – نصحت الناس بعدم الذهاب؛ لأنه في حين ذهاب المواطنين للقتال في أوكرانيا، وتعرضهم للإصابة أو القتل، فهذا سيخلق سلسلةً جديدةً من التحديات للحكومات في إجلائهم أو للعودة إلى الوطن؛ لذلك ينبغي النصح بعدم الذهاب؛ نظرًا لحساسية الموقف وحشد قوات الحلف على الحدود، وفي حال ذهاب مواطنين بريطانيين أو أوروبيين يقاتلون ويُقبض عليهم، من سيذهب وينقذهم؟ وهو ما يمكن اعتباره توغلًا في أوكرانيا، ويزيد من حدة التوترات بين جميع الأطراف.
الأستاذ أوليفر :
ج: أعتقد أنه بالنسبة للأوكرانيين، من خلال تعرضهم للغزو والاحتلال، فسوف يتذرعون بمبدأ الحق في المقاومة الموجود في كلٍّ من القانون الدولي والأخلاقي؛ لأننا نتحدث عن جيشٍ غازٍ، من المتوقع، أن يضم أيضًا جزءًا من أراضيهم، فالقضية إذن عندما نميز بين المقاومة المشروعة من الناحيتين الأخلاقية والقانونية، والإرهاب باعتباره مجرد رؤية لأوكرانيا كمسرح؛ حيث يمكن لدوافع أخرى القيام بأعمال عنف؛ لذلك ستطرح تلك القضية مناقشات حول (ما هو الرد المناسب قانونيًّا وأخلاقيًّا على الاحتلال المستمر في أوكرانيا؟)، و بالنظر إلى الشرق الأوسط، تحدث المشكلات نفسها.
السفير العرابي:
عندما نتحدث عن المقاومة الأوكرانية، فهذا – طبعًا – أمر قانوني، وسيكون لهذا أيضًا تأثير على الحالة الفلسطينية، وحقهم في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي لأجزاء من أراضيهم؛ لذا فإن الأزمة الأوكرانية ستخلق بالفعل مفاهيم جديدة في العالم العربي.
السفير الصوفي:
في حين قام مواطن من أوكرانيا بتفجير نفسه في كييف، لو كان في منطقتنا لاعتبروه عملًا إرهابيًّا، ولكن في أوكرانيا يُعتبر محاربًا للحرية، يدافع عن وطنه، و في مثال أخر، الحكومة السنغالية الأسبوع الماضي، أوقفت سفيرًا أوكرانيًّا من تجنيد المرتزقة السنغاليين؛ للمحاربة في أوكرانيا، وهذه ظاهرة جديدة في أفريقيا، فأول ما نأمله من تداعيات تلك الحرب، أن تغير بعض المفاهيم؛ حيث نكون منصفين، وليس تحت فكرة الكيل بمكيالين.
الأستاذ أوليفر:
س: أرغب في الاستفادة من معرفة السفير الصوفي عن المنطقة الأفريقية، ولكي نحصل على نظرة ثاقبة حول كيفية تفكير دول المنطقة في إمكانية حل القضية الفلسطينية الإسرائيلية، هل من الواقعي أن يكون لدينا عملية سلام في فلسطين بعد الأزمة في أوكرانيا؟
السفير الصوفي :
ج: كما تعلمون – تاريخيًّا – الدول الأفريقية هي مساندة بشكل عام للموقف الفلسطيني، ورغم ذلك تقوم إسرائيل بجهود كبيرة في مسألة اختراق هذا الموقف، آخرهم محاولة الحصول على صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي في الدورة الماضية، ولكن دولةً مثل (الجزائر) استطاعت بأن تلغي هذا القرار في آخر قمة، يوم 6 من فبراير الماضي، وأفريقيا بشكل عام، هي محل صراع كبير جدًّا بين كل القوى الدولية، التي تحاول فرض نفوذها من (روسيا، والولايات المتحدة، والدول الأوروبية والصين)، ولكن وجود ثلثي العرب في شمال أفريقيا، يخلق مواقف مشتركة في متخلف القارة، وبالتالي، تتفهم بقية الدول الموقف العربي في فلسطين، بالرغم من أنهم لا يحتاجون ذلك، وهم يرون أن إسرائيل ظالمة وعدوانية، وهذا واضح للجميع.
وبدأت بعض النخب الأفريقية تطرح المظالم التاريخية التي واجهتها مع أوروبا والولايات المتحدة، وخلال فترات الاحتلال، ومن الأمور التي مازالت قائمة، أن الولايات المتحدة والقوى الأوروبية تحمي بعض الأنظمة الفاسدة وتدافع عنها، وتستغل موارد وإمكانيات الدول الأفريقية، ومن هذا المنطلق، فإن الدول الأفريقية قد عانت من الغزو والاستغلال من القوى الغربية، ولذلك تتفهم مظالم الفلسطينيين، وتدعم قضيتهم.
السفير العرابي:
س: كيف ننظر إلى الوجود الروسي في أفريقيا بعد هذه الأزمة الأوكرانية؟ شركة الأمن الخاص”فاغنر” التي تعد إحدى أدوات روسيا للانخراط في الصراعات، هل تعتقد أن روسيا ستكون قادرة على توسيع أنشطتها في أفريقيا، من خلال “فاغنر”، كما هو الحال في (ليبيا، ومالي، وجمهورية أفريقيا الوسطى، والصومال)، وهل سيزيد الغزو الروسي لأوكرانيا من شهية روسيا للانخراط بشكل أكبر في أفريقيا، أم سيحد من قدراتها؟ في حين أن سوريا قضية خاصة؛ حيث من المتوقع، أن تزيد وجودها هناك لدعم نظام الأسد، ومجابهة نفوذ القوى الغربية في الشرق الأوسط.
الأستاذ أوليفر:
ج: أعتقد أنه سؤال معقد للغاية، لقد لاحظت في تجربتي الشخصية دائمًا، أن تأثير روسيا محدود في أفريقيا – جزئيًّا – بسبب عنصرية معينة في روسيا؛ الآن قد يبدو هذا تعليقًا مثيرًا للجدل، لكنه يحمل بعض الحقيقة، لقد تم الاعتراف، وقيل في معهد موسكو للعلوم الاجتماعية: إن العلاقة بين الأفارقة والروس لم تكن سهلة، ولم تكن بسبب مفارقة شيوعية، بل كانت ثقافية.
وفي الحقيقة، أنا الآن في وضع غير مواتٍ؛ حيث لا أمتلك معرفة حديثة عن الجيل الحالي من الروس، سواء كانوا سيحملون نفس النوع من المواقف أو التحيز ضد الأفارقة المحليين أم لا، ولكن من الذي تمت مشاهدته في موسكو مع الطلاب الأفارقة وفي أفريقيا مع عدم قدرة المستشارين الروس على إنشاء الروابط البشرية، وبالتالي، فإن روسيا سيكون لها تأثير محدود في القارة الأفريقية، ويكون متعلقًا أكثر بأسباب اقتصادية وأمنية.
السفير الصوفي:
ج: ليست فقط رغبة روسيا في الدخول إلى أفريقيا، بقدر بحث أفريقيا على بدائل لسياسات لم توفق من قبل الغربيين، روسيا على الأقل لديها نقاط قوية كبديل، ومثال ذلك، اللغة الروسية أصبحت إلزامية للدراسة في جمهورية أفريقيا الوسطى، مظاهرات تحمل الأعلام الروسية في (مالي، وبوركينا فاسو، ساحل العاج، وتشاد)، ومن الغريب، أن( تشاد) وهي إحدى مراكز الثقل الفرنسي القوي، وهي تحارب إلى جانب الفرنسيين والأوروبيين في أكثر من ميدان، والدبلوماسيون التشاديون يترأسون مناصب في أكبر المنظمات، مثل (منظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد الأفريقي، والممثل الشخصي للأمين العام في الأمم المتحدة بغرب وشمال أفريقيا)، ومع ذلك، فإنه في الأسبوع الماضي، قامت أكبر مظاهرات في البلاد تؤيد روسيا.
وذلك مؤشر قوي على رغبة الدول التي تشعر بمظالم تاريخية بخلفية استعمارية في التقارب من روسيا، فإن الدول الغربية في أفريقيا لم تطور آلياتها بما يتناسب بعقلية النخب السياسية الجديدة، والدليل على ذلك، دراسة اللوبي الفرنسي المتعلق بالشؤون الأفريقية “françafrique” لم يطور سياسته تجاه القارة الأفريقية بشكل مناسب، منذ أن أسس في عهد الرئيس الفرنسي شارلز ديجول.
السفير العرابي:
لذلك ربما تكون هذه إحدى الدروس المستفادة من النفوذ الروسي في أفريقيا، بأنه يجب على الغرب، أن يحاول إعادة تقييم سياساته تجاه أفريقيا، وربما يحاول تحديث هذا النهج الذي يلبي المتطلبات الجديدة للنخبة السياسية؛ حيث لا يزال الغرب ينظر إليهم على أنهم شعوب من الاستعمار القديم، بدلًا من أن الواقع الجديد، في وجود طبقه سياسية مثقفة ذات تعليم عالي المستوى، ولم يحاول الغرب – خصوصًا فرنسا – ابتكار أساليب جديدة في التعامل مع هذه النخبة الجديدة.
تعليقات الحاضرين عن الأزمة الأوكرانية:
الأستاذ أوليفر :
نحن هنا نواجه أزمة لها عواقب عالمية، وتؤثر على الطريقة التي نعمل بها بالكامل، مثل تأثير الوباء على الطريقة التي عملنا بها، وهذه الأزمة على مستوى آخر، هي التي تخلق الفوضى والتحديات ، ولكن ما يبدو مفقودًا بالنسبة لي هو عدم وجود تحليلٍ لما بعد الأزمة، لدينا مبدأ الحق في تقرير المصير، والشعب الأوكراني يختار ماهية دفاعه وأمنه، ويوجد حق روسيا في تحقيق الأمن القومي، وفي اعتقادي، أنه إذا كانت الأمم المتحدة ستحاول إعادة اكتساب بعض المصداقية، فإنها تحتاج إلى عقد سلسلة من الجمعيات العامة؛ حيث يتم النظر إلى تلك الحقوق، ويتم تقديم بعض المبادئ التوجيهية الجديدة؛ لأننا إذا دخلنا في الأزمة التالية بدون أن نتعلم أي شيء من الأزمة الحالية، ستكون العواقب وخيمة، وبالتالي، كما قلت سابقًا: فإن الأمم المتحدة كهيكل غير مناسب الآن؛ فلذلك، توجد حاجة ماسة بأن تعيد الأمم المتحدة فحص نفسها، كما هي موجودة الآن، وتحاول الإجابة على الأسئلة المطروحة تجاه قدرتها في التعامل بجدية في الأزمات.
السفير الصوفي:
لا شك بأن الأزمة الأوكرانية هي أزمة عالمية، ستكون لها تأثيرات كبرى، من بينها؛ إعادة تعريف قضية الغزو، نحن كعرب تعرضنا للغزو عدة مرات، في فلسطين، وفي التاريخ الحديث، وفي العراق، من قبل الولايات المتحدة، وفي سوريا، من قبل روسيا، وفي ليبيا، من قبل حلف الشمال الأطلسي، فنحن كشعوب تعرضنا لتلك المظاهر، سعداء بما يعتبره الغرب الآن إدانة شديدة لما تقوم به روسيا.
الدكتور زين السادات :
من ضمن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي، خسائر أولية للاقتصاد العالمي تقدر بنحو تريليون دولار، وهذا له تأثير سلبي على كل دول العالم، وطالب المجتمع الدولي بمواجهة تداعيات هذه الحرب على شعوب العالم، وخاصة الدول الفقيرة.
السفير العرابي :
بالنسبة لنا نحن كمصريين، فإن القضية الإنسانية في أوكرانيا ثقيلة جدًا على ضمائرنا، والأوكرانيون النازحون في كل مكان، أكثر من مليون الآن، لدينا أيضًا الآلاف من الطلاب المصريين في أوكرانيا، وقد نجحت الحكومة المصرية في إجلائهم، كما استضافت الحكومة المصرية 16 ألف سائح من أوكرانيا، وتحملت تكاليف استضافتهم ونقلهم إلى دول أوروبية مجاورة؛ لذلك فإن الأزمة الأوكرانية هي أزمة في جوهرها، معانة إنسانية من الشعب الأوكراني، والذي تعاطف معه الجميع، فإن الأزمة لا تهدد بتعطيل المساعدات الإنسانية والملفات السياسية فحسب، بل تهدد أيضًا الدعم العسكري، ودعم حفظ السلام في كلٍّ من الشرق الأوسط والقارة الأفريقية، في ظل انشغال الدول الغربية في مجابهة روسيا.
في الختام يستعرض الأستاذ أوليفر والأستاذ جوردان أوجه عمل منظمة forward-thinking المنخرطة في
ملف القضية (الفلسطينية –الإسرائيلية)
الأستاذ أوليفر:
في منظمتنا forward-thinking بدأ الاهتمام بالقضية الفلسطينية منذ وقت طويل، قبل أن تغطي الحرب في أوكرانيا على جميع القضايا السياسية، ومن جانبنا، هناك حاجة ماسة لإعادة القضية الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات؛ وسبب قيامنا بذلك، هو أننا نعمل على الجانبين، في غزة والضفة الغربية، ونرى الانقسامات تكبر يومًا بعد يوم، ومن الجانب الإسرائيلي، نرى انقسامًا تامًا وعجزًا عن المضي قدمًا ورؤية العواقب في ظل استمرار نهج الملف الفلسطيني، وأخشى أنه في حين أن أوكرانيا هي القضية الكبرى اليوم، فإن الأسابيع الثلاثة المقبلة، ستكون أكثر الأوقات خطورة، وذلك الذي توصلنا إليه من زيارتنا إلى فلسطين مؤخرًا.
الأستاذ جوردان:
لإعطاء القليل من الخلفية عن عملنها في forward-thinking فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، أثناء الإغلاق الكامل للبلاد في أوج وباء (كوفيد-19)، كنا نتشارك في الحوار مع الإسرائيليين والفلسطينيين بشكل منفصل؛ لفهم الروايات المختلفة في خلفية الصراع في غزة والقدس، والآن نحاول تحسين فهم الأبعاد الإقليمية بشأن القضية الفلسطينية، برغم من أن أوكرانيا قد حظيت باهتمام العالم بشكل كبير، ولكن ما زلنا متابعين بحذر التطورات في فلسطين، ومن خلال زيارة لنا في القدس، الأسبوع الماضي، كان التحذير الأكبر والأوضح، هو أنه ما لم يكن هناك تغيير في أساليب وسلوكيات الشرطة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، سيكون هناك خلاف كبير، بحجم الانتفاضة الثالثة.
التحدي الكبير، بأن داخل حماس وفتح لا توجد قيادة قادرة على السيطرة على مجموعاتهم وعلى الشباب الفلسطيني في القدس، أو تهدئة التوترات في حالة تصعيد العنف مع الإسرائيليين، والشباب في القدس يتساءلون ماذا عن الغد؟ في حين لا يوجد أمل أو مستقبل، فإنهم دائمًا على استعداد للتضحية بحياتهم، وهناك تحليل يتم إجراؤه في التواريخ الرئيسية خلال شهر رمضان؛ حيث من المتوقع، أن يكون هناك اندلاع كبير بين الجانبين (وتم اعتبار يوم 28 مايو في رمضان، من الأيام المحتمل حدوث الاشتباك فيها) هذه هي علامات التحذير التي نراها في زياراتنا، والأمر متروك لنا؛ لإيجاد طرق لتجنب الخسائر في الأرواح وتجنب الأزمات.
الأستاذ أوليفر:
لقد اكتشفنا من خلال عملنا في التعامل مع جهات مختلفة من غزة والضفة الغربية على المستوى السياسي والشباب، اكتشفنا وصولنا الآن إلى نقطة لا يفهم فيها الإسرائيليون أنهم لن يكونوا قادرين على احتواء عوائق أي مشكلة جديدة مع الفلسطينيين، ونستمر في القول للإسرائيليين: إن لديكم سيناريو مشابهًا لسوريا على عتبة داركم، وبما أنه لا توجد قيادة في الجانب الفلسطيني في القدس يمكنها إزالة التوترات، فعند حدوث الانهيار سيكون الانفجار عنيفًا، ولا يمكن السيطرة عليه، والإسرائيليون غير مدركين تمامًا على المستوى السياسي لهذه العواقب، والرسالة الآن، إذا لم يتم تغيير تكتيكات الشرطة خلال شهر رمضان، وسيتعين عليهم إخراج الشرطة من المجمعات والتواري عن الأنظار، فإذا فعلوا ما فعلوه العام الماضي، فسيكون هناك انفجار أسوأ بكثير، و بينما نحن قلقون للغاية بشأن أوكرانيا والعواقب، هناك مشكلة حقيقية تغلي على أعتاب بابنا في القدس.