قامت إسرائيلُ باستهدافِ محافظةِ الحُدَيْدَة غربي اليمن، يوم الأحد 29 سبتمبر، ويُعدُّ ذلك الهجوم الإسرائيلي هو الثاني على اليمن، خلال أقل من ثلاثة أشهرٍ، ووسَّعت إسرائيل في هجومها الثاني من دائرة استهدافاتها في محافظة الحُدَيْدَة، وذلك حينما قالت: إنها مواقع ومنشآت يستخدمها مُسلَّحُو الحركة المتحالفة مع إيران لأغراضٍ عسكريةٍ.
شَمِلَتْ المواقعُ الجديدةُ المستهدفةُ “محطتيْ كهرباء “الحالي، ورأس كتنيب”، بالإضافة إلى خزَّانات النفط في ميناء رأس عيسى، ومناطق قريبة من ميناء الحُدَيْدَة”، وذلك بحسب وكالة (سبأ) التي يديرها الحوثيون، وقدّرت الحصيلة الأولى للخسائر البشرية بخمسة قتلى ونحو 44 جريحًا، بينما لم تكشف مصادر الحوثيين عن الخسائر المادية، التي يُعتقد أنها ستبلغ بضعة ملايين من الدولارات، على غرار ما حدث في الهجمات السابقة.[1]
في حين أعلنت جماعة الحوثي على لسان متحدثها العسكري، يحيى سريع، أن الجماعة استهدفت مواقع عسكرية في عُمْقِ إسرائيل بثلاثة صواريخَ مُجنَّحة من طراز “قدس 5”، يوم الأربعاء 2 أكتوبر[2]، ولم يصدر أيّ إعلان من الجيش الإسرائيلي بعْدُ، بشأن إطلاق صواريخ من اليمن، كما يجدر بالذكر، أن هجوم جماعة الحوثي يأتي بعد ساعاتٍ من شنِّ إيران لعددٍ من الصواريخ الباليستية على تل أبيب، مساء الثلاثاء 1 أكتوبر.
يبدو السؤالُ الجوهريُّ هنا، يتعلق بمراحل التصعيد المحتملة بين الطرفيْن إذا توالت، على نحوٍ أعنفَ، وردود فعل إسرائيل والقُوَى الغربية تجاه هجمات الحوثيين على إسرائيل، وعلى خطوط المِلَاحةِ الدوليةِ في البحر الأحمر وخليج عدن.
دلالات التوقيت في الاستهداف الإسرائيلي لمحافظة الحُدَيْدَة
قامت إسرائيلُ باستهداف محافظة الحُدَيْدَة للمرة الثانية، خلال أقل من ثلاثة أشهرٍ، يوم الأحد الماضي، مع وجود اختلافاتٍ ملحوظةٍ بين الهجمتيْن؛ حيث يُذكر أن الهجوم الأول وقع في شهر يوليو الماضي؛ كاستجابةٍ لقصفٍ صاروخيٍّ شنَّته جماعة الحوثي؛ ما أسفر عن خسائرَ بشريةٍ وماديةٍ في إسرائيل؛ ما أدَّى ذلك إلى تنفيذ إسرائيل لضربةٍ سريعةٍ ومؤلمةٍ للحوثيين في الحُدَيْدَة، وكانت هذه الهجمة هي الأُولى من نوْعها من جانب إسرائيل في اليمن.
أما الهجوم الثاني، فقد جاء بعد قصف الحوثيين لتل أبيب، رغم عدم وقوع خسائر، لكن توقيت الضربة كان ذا دلالة؛ إذ تزامن مع اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، وصدرت بعد ساعات من تأكيد وزير دفاع إسرائيل على توجيه ضربةٍ للحوثيين.
تتشارك الضربتان في هدفٍ واحدٍ، وهو تقويض جماعة الحوثي؛ حيث تركَّزت الهجمات على مدينة الحُدَيْدَة الساحلية، التي شهدت هجمات بحرية من الحوثيين ضد سفن تجارية، معظمها يرتبط بإسرائيل، إضافةً إلى الاشتباكات مع المدمرات الأمريكية والأوروبية.
تستهدف الضربات الإسرائيلية الأهداف نفسها، التي سبق أن استهدفتها قوات التحالف الأمريكية والبريطانية؛ حيث تعتبرها جميعها أهدافًا عسكريةً مشروعةً، ومع ذلك، هذه المواقع تُمثِّلُ في الحقيقة مرافق حيوية تخدم السكان المحليين؛ لذا، ليس من المُسْتَبْعَدِ أن تُستخدمَ من قِبَلِ الحوثيين لأغراضٍ عسكريةٍ، أو أن تؤديَ هذه الضربات إلى زيادة الاستياء الشعبي تجاههم؛ ما يعكس الطبيعةَ الانتقاميةَ للرَّدِّ الإسرائيلي، الذي يستهدف أهدافًا مدنيةً بشكلٍ عشوائيٍّ، كما يتضح من الوضْع في غزة.
انعكاسات اغتيال حسن نصر الله على جماعة الحوثي
لا شكَّ بأن اغتيال حسن نصر الله يعتبر ضربةً مُوجِعَةً لإيران وجميع أذرعها المرتبطة بها في اليمن ولبنان وسوريا والعراق، ومن المتوقع أن يؤثر هذا الحدث بشكلٍ كبيرٍ على أداء تلك الجماعات، التي ستحتاج إلى وقتٍ طويلٍ؛ لتعويض غياب شخصية بارزة مثل نصر الله، التي كانت محلَّ إجماعٍ بينهم.
أمَّا أهمية لبنان بالنسبة لجماعة الحوثي، فإنها تُعدُّ مكانًا إستراتيجيًّا مهمًا لها؛ حيث وجدت في حزب الله منصَّةً لإدارة أنشطتها الحركية والإعلامية، وتدريب أعضائها، ورسْم سياساتها، وتعزيز علاقتها مع إيران؛ ما جعلها نقطة انطلاقٍ رئيسيةٍ لعملياتها في اليمن، وقد تجلَّى ذلك في وصول قيادات وعناصر من حزب الله إلى اليمن؛ للمشاركة في الأنشطة العسكرية والطائفية لصالح الحوثيين.
لذا، فإن اغتيال نصر الله وتدهور الأوضاع في لبنان، سيؤثران بشكلٍ كبيرٍ على الحوثيين في اليمن، من خلال فقدانهم لمركز دعمٍ لوجستيٍّ مهمٍ، كما سيجعلهم هذا في مرمى الاستهداف من قِبَلِ إسرائيل وحلفائها؛ ما يزيد من احتمال تعرُّضهم لضغوط عسكرية.
هل تقترب المواجهة من حافَّة الهاوية؟
تشير عودةُ الهجماتِ الإسرائيليةِ على الحُدَيْدَة، يوم الأحد الماضي، إلى أنَّ تلَّ أبيب وضعت جماعة الحوثي، ضمن قائمة أهدافها، في إطار ما تصفه بمواجهة إيران في المنطقة، ومن الواضح أن نجاح إسرائيل في توجيه ضرباتٍ مُؤَثِّرَةٍ لحزب الله في لبنان قد شجَّعها على تنفيذ عملياتٍ مماثلةٍ ضد الحوثيين في اليمن.
تستغلُّ تلُ أبيب هذا الزَّخَمَ لمواجهة الحوثيين، الذين شكَّلت هجماتهم البحرية والجوية تهديدًا مستمرًا للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؛ حيث يُلاحظ أن الهجمات الأخيرة على الحُدَيْدَة تمَّت بالتنسيق مع القوات الأمريكية المركزية؛ ما يدل على وجود تفاهمٍ بين الجانبيْن.
كما تستهدف الضربات الإسرائيلية في اليمن ما تعتبره تل أبيب أهدافًا عسكريةً للحوثيين؛ ما يُفسِّرُ تركيزها على الحُدَيْدَة دون الخروج عن نطاقها، بعكس الغارات التي يُنَفِّذُها التحالُف «الأمريكي – البريطاني» خارج تلك المنطقة.
قد يشير هذا إلى تكهُّناتٍ عِدَّة؛ إمَّا أنَّ إسرائيل تسعى فقط لإرسال رسالة، بأنها قادرة على استهداف الحوثيين، أو أنها تفتقر للمعلومات حول تحرُّكاتهم؛ ما يمنعها من توجيه ضرباتٍ مُوجَّهَةٍ للقيادة الحوثية كما فعلت مع حزب الله؛ حيث ينصح قادة الجيش الإسرائيلي بالتحقيق في الواقع الميداني للحوثيين وجمْع المعلومات؛ نظرًا لنُدْرة البيانات المتاحة لديهم عن اليمن، التي تبعد عنهم أكثر من 1800 كيلومترًا.
ومن المتوقع أن ترتفع وتيرة الهجمات الإسرائيلية على الحوثيين في المستقبل القريب؛ استنادًا إلى مؤشريْن: الأول: هو استغلال إسرائيل للصراعات الإقليمية لتحقيق انتصارات ضد خصومها، أما الثاني: فهو عدم وجود أيِّ مؤشرات على تراجُع الحوثيين،الذين أعلنوا عن إصرارهم على الرَّدِّ على إسرائيل، وإذا استمر الحوثيون في إطلاق الصواريخ، فقد يدفع ذلك تل أبيب لتوسيع نطاق أهدافها في اليمن؛ ما يزيد من المعاناة والخسائر في بلدٍ يعاني من الحرب.
في الختام:
إن الأحداث، التي تجري على السَّاحة اللبنانية ستؤثر بشكلٍ كبيرٍ على ما يحدث في اليمن، وهي في اتجاه إضعاف أذْرُع إيران في المنطقة، سواء كان حزب الله، أو جماعة الحوثي، التي تقوم بالالتزام بتوجيهات الحرس الثوري الإيراني، باستهداف إسرائيل.
ومن المرجح بأن تتكفَّلَ تل أبيب على الأقلِّ في المدى المنظور بالرَّدِّ المباشر والفوريّ على أيِّ هجومٍ للحوثيين على إسرائيل، مع احتمال أن يظلَّ باب الحساب معهم مفتوحًا لخطط ومراحل قادمة.
أما في سياق مستقبل ملف السلام في اليمن، فمن شأن تلك التعقيدات الراهنة، أن تؤثر بشكلٍ كبيرٍ على هذا الملف، خاصَّةً إذا استمرت جماعة الحوثي في تشبُّثِها بمواقفها، قد يؤدي هذا التصلُّب إلى توقُّف عملية السلام التي كانت تُعدُّ منذ فترةٍ طويلةٍ بجهودٍ أمميةٍ.
المصادر:
[1] هيئة البث الإسرائيلية: إسرائيل تهاجم ميناء الحديدة في اليمن، النشرة الدولية، 29 سبتمبر، متاح على الرابط: https://shorturl.at/6wido
[2] جماعة الحوثي تحذر.. مصالح أميركا وبريطانيا تحت النار، العربية، 2 أكتوبر، متاح على الرابط: https://shorturl.at/xeGuv
