المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > الدراسات الأمنية والإرهاب > جهودُ حكوماتِ القارةِ الأفريقية في مجابهةِ الجريمة المنظمة في شرق أفريقيا
جهودُ حكوماتِ القارةِ الأفريقية في مجابهةِ الجريمة المنظمة في شرق أفريقيا
- نوفمبر 22, 2024
- Posted by: Maram Akram
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
لا توجد تعليقات
إعداد: إلهام النجار
باحث مساعد في وحدة الإرهاب والتطرف
أدركتْ فروعُ تنظيمِ القاعدة وداعش الإرهابية أهميةَ وجودِ مصادرَ بديلةٍ لتمويل عملياتها وتعويض خسائرها، تزامنًا مع الضربات العسكرية التي تتعرضُ لها من التحالفات الدولية والإقليمية أو الجيوش المحلية، ويمكن أن تؤثرَ هذه الوضعيةُ على خطوط إمدادها الرئيسية من “قيادة التنظيم”، وكان أسرع بديلٍ هو التوجهَ إلى المجتمعات المحلية والاعتماد على التجارة غير المشروعة المدفوعة بالجريمة المنظمة، خاصةً في ظل الازدهار الكبير الذي تشهده التجارة غير المشروعة في القارة الأفريقية، وسجلت شرق أفريقيا أعلى مستويات الجريمة في القارة منذ عام 2019، حيث لا تزال المنطقة تعاني من مرارة النزاعات المسلحة والعِرقية، بالإضافة إلى انتشار الجماعات المسلحة والميليشيات غير الحكومية، كما تشهد المنطقة أعلى مستويات الاتجار بالبشر، والابتزاز، وعمليات الحماية، بالإضافة إلى تجارة الأسلحة، كما ساهمت أعمال حركة الشباب في أجزاء من الصومال والمناطق الحدودية بين كينيا والصومال وإثيوبيا في ارتفاع معدلات الابتزاز وعمليات الحماية في المنطقة.[1]
أولًا: طبيعة الجريمة المنظمة في شرق أفريقيا
تتسم الجريمة المنظمة في تلك المنطقة بطبيعة مُعقدة ومُتعددة الأوجه، تُضعف الاستقرار السياسي، وتُعيق التنمية الاقتصادية، وتؤدي إلى معاناة إنسانية كبيرة، ويتطلب التعامل معها تعاونًا إقليميًا ودوليًا قويًا، ويمكن تلخيص طبيعتها في النقاط التالية:
1- أنماط الجريمة المنظمة:
تُعاني منطقة شرق أفريقيا الاستراتيجية من العديد من أنماط الجريمة المنظمة العابرة للحدود، تنعكس هذه الجرائم بشكل كبير على الأمن القومي، والاستقرار الاجتماعي، والتنمية الاقتصادية لدول المنطقة، ومن أبرز تلك الأنماط:
الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية:
تُعد المنطقة مركزًا رئيسيًا لتهريب البشر من القرن الأفريقي إلى الشرق الأوسط وأوروبا، ويُعد الفقر، والنزاعات المُسلحة، وضعف الأمن الحدودي من أهم الأسباب الرئيسية، ويتم استغلال المهاجرون في العمالة القسرية أو الاتجار الجنسي.[2]
تهريب المخدرات:
يمثل تهريب المخدرات في شرق إفريقيا تحديًا متزايدًا يؤثر على الأمن والاستقرار في المنطقة، تتداخل فيها عدة عوامل جغرافية، اقتصادية، وسياسية تجعل المنطقة وجهة ومحورًا رئيسيًا لعمليات التهريب، فضلاً عن كون المنطقة ممر رئيسي لنقل المخدرات، خاصة الهيروين، من آسيا إلى أوروبا عبر المحيط الهندي، ومن أشهر المواد المهربة: الحشيش، الهيروين، ويؤثر ذلك في دعم وتمويل الشبكات الإجرامية ويُضعف المجتمعات المحلية.[3]
القرصنة البحرية خاصة في سواحل الصومال:
تُعد القرصنة البحرية قبالة سواحل الصومال، والتي امتدت تأثيراتها إلى شرق إفريقيا، من أخطر الظواهر الأمنية التي أثرت على التجارة الدولية والاستقرار الإقليمي، كما لعبت العوامل الاقتصادية، والسياسية، والجغرافية دورًا كبيرًا في نشوء وتطور هذه الظاهرة، مما جعلها تحديًا إقليميًا ودوليًا، وشهدت سواحل الصومال وخليج عدن أنشطة قرصنة تستهدف السفن التجارية، ويرجع ذلك لعدة أسباب، منها ضعف الحكومات الساحلية والفقر المدقع، ومنا ناحية أخرى أثرت أعمال القرصنة في خسائر اقتصادية ضخمة في التجارة البحرية.[4]
تهريب الأسلحة:
يمثل تهريب الأسلحة تهديدًا خطيرًا للاستقرار الإقليمي والأمن الدولي، حيث تُستخدم هذه الأسلحة في تغذية كلا من النزاعات المسلحة، والعمليات الإرهابية، والأنشطة الإجرامية، مما يجعل المنطقة واحدة من أكثر المناطق اضطرابًا في العالم، كما تنتشر الأسلحة المُهربة في مناطق النزاعات في جنوب السودان، الصومال، واليمن، ويرجع ذلك بسبب ضعف الرقابة الحدودية، ويؤدي ذلك إلى زيادة الصراعات المُسلحة وزعزعة الاستقرار.[5]
الجرائم البيئية:
وتشمل الاتجار في العاج، والصيد غير المشروع للأنواع المهددة بالانقراض، ويُعد الطلب العالمي على المنتجات النادرة والفشل في تطبيق القوانين البيئية من أبرز الأسباب، ويؤثر ذلك على التهديد للتنوع البيئي وتُفاقم الفساد.[6]
غسيل الأموال:
تتزايد ظاهرة غسيل الأموال في شرق إفريقيا بشكل كبير بسبب التحديات الاقتصادية، السياسية، والأمنية التي تواجه المنطقة، يلعب غسيل الأموال دورًا مركزيًا في تمويل الأنشطة الإجرامية مثل الأنشطة الإرهابية، وتهريب المخدرات والأسلحة، مما يهدد استقرار الأنظمة المالية والأمن الإقليمي، كما تُستخدم الأنشطة المصرفية والمؤسسات المالية لغسل أموال الجريمة المنظمة ومن أبرز الأسباب: ضعف الرقابة المالية والفساد، وذلك يهدد اقتصادات المنطقة ويزيد من تعقيد الجرائم المنظمة[7].
2- أسباب وعوامل الجريمة المنظمة في شرق أفريقيا:
تنشأ الجريمة المنظمة في شرق أفريقيا نتيجة تداخل عدة أسباب اجتماعية، اقتصادية، وسياسية، مما يخلق بيئة مواتية لانتشار هذه الجرائم، فيما يلي أهم الأسباب والعوامل التي تسهم في تفشي الجريمة المنظمة:
الفقر والبطالة:
يجعل الفقر المُدقع ونِسَب البطالة المرتفعة الأفراد عُرضة للانخراط في الأنشطة الإجرامية، و يؤدي إلى زيادة التجنيد في شبكات تهريب البشر، والمخدرات، والقرصنة البحرية.[8] كما يعيش اليوم ما يقرب من 700 مليون شخص (8.5 في المئة من السكان في العالم) في فقر مُدقع – بأقل من 2.15 دولار في اليوم، وتوقف التقدم وسط نمو منخفض، ونكسات بسبب COVID-19، وزيادة الهشاشة، ومعدلات الفقر في البلدان منخفضة الدخل أعلى مما كانت عليه قبل الجائحة، لا يزال حوالي 3.5 مليار شخص (44 في المئة من سكان العالم) فقراء وفق معيار أكثر ملاءمة للبلدان ذات الدخل المتوسط الأعلى (6.85 دولار في اليوم)، وعدد الأشخاص الذين يعيشون بأقل من هذا المعيار بالكاد تغير منذ التسعينيات بسبب النمو السكاني، وفي عام 2024، شكلت أفريقيا جنوب الصحراء 16 في المئة من سكان العالم، لكن 67 في المئة من الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع، ثلثا سكان العالم الذين يعيشون في فقر مدقع يعيشون في أفريقيا جنوب الصحراء، لترتفع النسبة إلى ثلاثة أرباع عند تضمين جميع البلدان الهشة والمتأثرة بالنزاعات، حوالي 72 في المئة من سكان العالم في فقر مدقع يعيشون في دول مؤهلة لتلقي المساعدة من الجمعية الدولية للتنمية (IDA)، وظل عدد الأشخاص الذين يعيشون بأقل من 6.85 دولار في اليوم دون تغيير على مدى الثلاثين عامًا الماضية.[9]
(المصدر تقرير البنك الدولي عن الفقر لسنة 2024)
واستنادًا إلى الشكل التوضيحي السابق، من المتوقع أن يعيش 622 مليون شخص (7.3 في المئة من إجمالي سكان العالم) في فقر مدقع بحلول عام 2030. هذا يعني أن حوالي 69 مليون شخص من المتوقع أن يخرجوا من الفقر المدقع بين عامي 2024 و2030 مقارنة بحوالي 150 مليون شخص فعلوا ذلك بين عامي 2013 و2019. بالإضافة إلى ذلك، من المحتمل أن يعيش 3.4 مليار شخص (حوالي 40 في المئة من سكان العالم) بأقل من 6.85 دولار في اليوم، إذا لم يتسارع النمو ليصبح أكثر شمولاً، فسوف يستغرق الأمر عقودًا للقضاء على الفقر المدقع وأكثر من قرن لرفع الناس فوق خط الفقر البالغ 6.85 دولار في اليوم.[10]
النزاعات المُسلحة وعدم الاستقرار السياسي:
تخلق النزاعات في الصومال، وجنوب السودان، وأجزاء من إثيوبيا، فراغًا أمنيًا يُستغل من قِبل الشبكات الإجرامية، وهذا له تأثير في توفير بيئة مواتية لتهريب الأسلحة، البشر، والمخدرات والتي تؤثر على الأمن الإقليمي والتطور السياسي وكذلك التوترات الإقليمية حيث يتصاعد التنافس بين إثيوبيا وإريتريا، بجانب الخلافات بين الصومال وإثيوبيا، مع تدخُل لاعبين دوليين مثل دول الخليج، التي تتنافس من أجل النفوذ في منطقة البحر الأحمر من خلال دعم الأطراف المختلفة في النزاعات، وأيضًا تأثير الإرهاب والتطرف العنيف، حيث تنظيم الشباب في الصومال وتنظيمات أخرى في الكونغو الديمقراطية وجنوب السودان تزيدان من خطر التطرف المسلح، مما يهدد استقرار المنطقة بشكل أوسع.[11]
ضعف المؤسسات الأمنية والقانونية:
يجعل ضعف الحكومات المركزية وقلة الموارد الأمنية تنفيذ القانون صعبًا، مما يُسهل عمل الشبكات الإجرامية، وهذا يعمل على تقليل قدرة الدولة على مكافحة الجريمة العابرة للحدود.[12]
الفساد المؤسسي:
يسمح الفساد في المؤسسات الحكومية والأمنية بتمرير الأنشطة الإجرامية دون عقاب، ويؤثر ذلك في تسهيل عمليات غسل الأموال والاتجار بالبشر والمخدرات، ويظل الفساد والرشوة تحديات كبيرة في أفريقيا، مما يقوض الحوكمة والنمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية .[13]كما أظهر مؤشر مكافحة الفساد الإفريقي لعام2024(CPIA) الصادر عن البنك الدولي، تحسنًا طفيفًا في سياسات الإدارة العامة والشفافية في بعض الدول مثل رواندا وكينيا، لكنه أشار إلى تحديات كبيرة في بلدان مثل الصومال وجنوب السودان، يُعزى ذلك إلى ضعف الهياكل المؤسسية، وعدم الاستقرار السياسي، وانخفاض الشفافية في إدارة الموارد العامة، أشار التقرير إلى أن الحكومات تحتاج إلى تعزيز الاستقلال المؤسسي وزيادة الاستثمارات في الشفافية الرقمية للتصدي للفساد.[14]
الموقع الجغرافي المميز:
يجعل وقوع شرق أفريقيا على تقاطع طرق التجارة العالمية ممرًا رئيسيًا لتهريب المخدرات والبضائع غير القانونية، وأدى ذلك إلى استغلال الممرات البحرية والحدودية في تجارة المخدرات والقرصنة البحرية، كما تتمتع شرق إفريقيا بموقع جغرافي مميز يجعلها منطقة ذات أهمية استراتيجية على الصعيدين الإقليمي والدولي، أهم ملامح هذا الموقع تشمل:إطلالة على المحيط الهندي، تقع العديد من دول شرق أفريقيا مثل الصومال وكينيا وتنزانيا على المحيط الهندي، مما يمنحها ممرات بحرية استراتيجية تُستخدم في التجارة العالمية، ميناء مومباسا في كينيا وميناء دار السلام في تنزانيا هما من الموانئ الحيوية في المنطقة لنقل السلع من وإلى الداخل الإفريقي.
وقربها من الممرات البحرية الدولية، وتنوع التضاريس والموارد التي تشمل شرق أفريقيا الهضاب، الجبال مثل كليمنجارو في تنزانيا، والوديان مثل وادي الصدع العظيم، هذه التضاريس توفر فرصًا للتنوع الزراعي والسياحي، بالإضافة إلى وجود موارد طبيعية غنية مثل المعادن والنفط، وكذلك الارتباط بالقرن الإفريقي، الذي يضم الصومال وإثيوبيا وجيبوتي وإريتريا، بوابة استراتيجية بين المحيط الهندي والبحر الأحمر، يكتسب أهمية إضافية بفضل وجود قواعد عسكرية دولية في جيبوتي وقربه من أسواق الشرق الأوسط، والانتماء للمنظمات الإقليمية، الموقع الجغرافي ساهم في تعزيز التعاون الإقليمي من خلال منظمات مثل الهيئة الحكومية للتنمية IGAD))ومجموعة شرق أفريقيا EAC))، التي تعمل على تعزيز التجارة والنقل بين دول المنطقة.[15]
الحدود غير المؤمنة:
يُسهل ضعف السيطرة على الحدود البرية والبحرية حركة الشبكات الإجرامية بين الدول وأدى ذلك الى تفاقم الأنشطة مثل تهريب البشر، المخدرات، والأسلحة، كما أن الحدود غير المؤمنة في شرق إفريقيا تعد مصدرًا كبيرًا لعدم الاستقرار والتحديات الأمنية في المنطقة مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والأمني في المنطقة.[16]
الطلب العالمي على السلع غير القانونية:
يشكّل الطلب العالمي على السلع غير القانونية في شرق أفريقيا عاملًا أساسيًا في انتشار شبكات الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات والبضائع المحظورة الأخرى، هناك العديد من الأسباب التي تُعزز هذا الطلب، منها:
1- المخدرات الاصطناعية والمخدرات التقليدية:
المخدرات مثل الهيروين، وتمر عبر ممرات شرق أفريقيا نحو الأسواق الأوروبية والآسيوية، حيث تُعتبر منطقة شرق إفريقيا نقطة عبور رئيسية لهذه التجارة غير القانونية.
الطلب العالمي المتزايد على المخدرات الاصطناعية مثل الميثامفيتامين يُحفز إنتاجها وتهريبها، خاصة عبر المحيط الهندي إلى آسيا وأوروبا، يشير تقرير من مبادرة الجريمة المنظمة العالمية إلى أن هذه المخدرات تؤدي إلى تغييرات في ديناميكيات السوق في المنطقة.
2- العاج والمنتجات البرية: تزايد الطلب العالمي على العاج والمنتجات الحيوانية الأخرى في آسيا والولايات المتحدة الذي يدعم عمليات الصيد الجائر في شرق إفريقيا، وهذا يؤثر على الحياة البرية ويدفع إلى أنشطة تهريب ضخمة من المنطقة.
3- الأحجار الكريمة والذهب: يتم تهريب الذهب والأحجار الكريمة من شرق إفريقيا إلى الأسواق العالمية، مما يؤدي إلى استفادة الشبكات الإجرامية من الفراغ التنظيمي والفساد في بعض الدول، الطلب الدولي على هذه الموارد الطبيعية يُعقّد مراقبة هذه الأنشطة غير المشروعةUNODC، كما يدفع ارتفاع الطلب على العاج، الأخشاب، والمخدرات في الأسواق العالمية الشبكات الإجرامية إلى الاستمرار في هذه الأنشطة وانعكس ذلك في استغلال الموارد الطبيعية وزيادة الجرائم البيئية.[17]
غياب الفرص التعليمية والتنموية: