جهود التسوية في السودان : ما بين انفراجة وتعثر
إعداد / أكرم السيد علي
كانت قرارات 25 أكتوبر من العام الماضي التي أصدرها الجيش السوداني وما تضمنته من حل مجلس السيادة الانتقالي وإعفاء أعضاءه ، وحل مجلس الوزراء إيذانا بفشل المرحلة الانتقالية والشراكة بين المكونين العسكري والمدني ، وهو ما أدخل السودان على مدار العام المنصرم في سلسلة من الاضطرابات الشعبية الرافضة لاستبعاد المكون المدني والتي لم تهدأ حدتها حتى الآن ، لكن ثمة تغيرات في المشهد السياسي في الأسابيع الماضية ناتجة عن إبداء القوى السياسية بشقيها العسكري والمدني الانفتاح على التفاوض بشأن تسوية سياسية للأوضاع ترتكز على مسودة مقترحة أعدتها نقابة المحامين ، وهو ما يثير التساؤلات المتعلقة بمدى نجاح جهود التسوية الحالية من عدمه.
ملامح المشروع المقترح
تضمن مشروع الدستور المقترح مجموعة من البنود والتي كانت محلا للخلاف طيلة الفترة الماضية منذ أن أزاح قائد الجيش عبد الفتاح البرهان المكون المدني من المشهد السياسي في أكتوبر من العام الماضي ، ومن أبرز ما تضمنه المقترح الدستوري وضع القوات النظامية تحت تصرف وإدارة المدنيين ، وإنشاء مجلسين للدفاع والأمن بإدارة مدنية ، فضلا عن إنشاء مجلس سيادة مدني ، ومجلس وزراء يضم كفاءات وطنية مستقلة.
وبشكل أكثر عمومية فإن يمكن القول أن هذا المشروع يهدف إلى التأسيس إلى دولة مدنية يكون المكون المدني هو نواتها ، وعلى الرغم من انحياز هذا المشروع إلى الدولة المدنية ، فإنه قد قوبل بترحيب سريع من نائب رئيس مجلس السيادة السوداني محمد حمدان دقلو وهو ما يعكس وجود تباين داخل المكون العسكري حول مدى الاستجابة للمسودة المقترحة وتصورات المشهد السياسي في المرحلة القادمة. وفي الوقت ذاته فقد قوبلت هذه المسودة الدستورية المقترحة بترحيب أممي ودولي كبير ، حيث أيدت دول كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والنرويج وفرنسا الحل السياسي الهادف لانفراجة قريبة للأزمة السودانية والمتمثل في المشروع الذي أعدته نقابة المحامين ومن ثم دعوة أطراف العملية السياسية إلى الانخراط في المشروع المقدم كونه مخرج للانسداد السياسي الراهن.
مواقف القوى السياسية
جاء موقف الأطراف الفاعلة في العملية السياسية متباينا حول مدى التوافق حول المسودة الدستورية المقترحة ، إلا أنه ثمة حالة من التحول النسبي نحو الدفع بحل سياسي مرتكز على المسودة المقترحة على الرغم من وجوده في الانخراط في أي مبادرة أو مشروع سياسي يهدف إلى إيجاد مخرج للأزمة الراهنة ، معلنا أن هناك بعضا من التنازلات قد قدمتها القوى السياسية المشاركة في التفاوض حول الأزمة الراهنة بعد شهور طويلة من المطالبة بتنحي العسكريين من إدارة المشهد. وفي المقابل ، وبالتوازي مع ما أبداه البرهان ، فقد تواردت تصريحات مختلفة صادرة عن قوى الحرية والتغيير والتي تشير إلى وجود مفاوضات جارية مع المكون العسكري حول المسودة المقترحة ، وهو ما يشير إلى تلاقي الإرادتين العسكرية والمدنية نسبيا والمتمثلان في مجلس السيادة وقوى الحرية والتغيير في ضرورة إنهاء الأزمة الراهنة التي امتدت لعام كامل منذ الإطاحة بالمكون المدني على الرغم من وجود تحفظات لكلا المكونين وعدم التوصل إلى صيغة نهائية متوافق عليهاة أصوات معارضة للتسوية بين المكونين العسكري والمدني.
وفي سياق متصل ، أبدى رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان رغبت شعبيا ونخبويا حول طبيعة المرحلة المقبلة.
اعتراضات تعكر الصفو
على الرغم من موقف قوى الحرية والتغيير الساعي إلى التوصل إلى تسوية مع المكون العسكري تكون المسودة الدستورية هي عمادها ، إلا أن ثمة اعتراضات من داخل أحزاب بقوى الحرية والتغيير نفسها تؤشر على غياب حالة الإجماع الشامل بين الأحزاب وهو ما قد يعكر صفو المفاوضات الجارية ، حيث رفض حزب البعث الاشتراكي – وهو أحد أحزاب قوى الحرية والتغيير – المساعي الهادفة إلى التوصل إلى تسوية سياسية ، حيث يؤيد الحزب الحراك الجماهيري المطالب بسقوط المكون العسكري رافضا بذلك أي محاولات للتفاوض معه.
وفي سياق متصل ، قال حاكم إقليم دارفور – وهو أحد مكونات قوى الحرية والتغيير- “أن العملية الجارية بين العسكريين وقوى الحرية والتغيير هي عودة للشراكة الثنائية كما كان الحال قبل ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ ، وهو ما من شأنه أن يدخل البلاد إلى مربع لم تدخل فيه من قبل”.
علاوة على ذلك، فقد أعلن القيادي بتحمع المهنيين الوليد علي أن التسوية المزمعة بين المكون العكسري والحرية والتغيير غير ملزمة ، داعما في المقابل الحراك الجماهيري الذي يهدف إلى إسقاط الحكم العكسري.
لذا فإنه يمكن القول بأن ثمة حالة من الاعتراضات واضحة حول المسار السياسي التفاوضي الجاري يجب احتوائها وإلا لن يكتب للمشروع المقترح النجاح بسبب وجود بعض القوى المعارضة والتي بواسطتها يمكن إفشال المشروع السياسي ذات الصبغة الدستورية.
مآلات التسوية السياسية
ختاما ، فإنه نتيجة للمعطيات الراهنة المتمثلة في انخراط قوى الحرية والتغيير في المفاوضات مع المكون العسكري حول طبيعة المرحلة المقبلة ، ووجود اعتراضات من داخل أحزاب تنتمي لقوى الحرية والتغيير فضلا عن كيانات سياسة ومهنية فاعلة تعارض فكرة التفاوض مع المكون العسكري من الأساس ، مؤيدين في المقابل الحراك الثوري الهادف لإزاحة العسكريين من المشهد ، فإن هذا من شأنه أن يجهض ويطيل أمد كافة المحاولات الجارية من أجل التوافق على المشروع الدستوري المقترح في ظل اضطرابات وتظاهرات يشهدها الداخل السوداني ، والتي لم تنقطع منذ أكتوبر من العام الماضي وإلى الآن.
ومن زاوية أخرى ، فإن ثمة بارقة أمل من الممكن أن تساعد في نجاح مسار التسوية الحالي ، وهو حصول مشروع الدستور المقترح على دعم دولي كبير وهو ما من شأنه أن يساهم في أن تقدم أطراف المعادلة السياسية بعض التنازلات من أجل الوصول إلى تسوية مقبولة لا سيما في ظل إبداء المكون العسكري رغبته في الانفتاح على أي حلول من شأنها إيجاد مخرج للأزمة ، علاوة على ذلك فإن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السودان اليوم سوف تكون أداة ضغط على كافة القوى السياسية للتعجيل بقبول مسار التسوية والذي من شأنه أن يضفي على الأوضاع في السودان بعضا من الاستقرار بعد أزمة سياسية ذات تداعيات كبيرة على مختلف الجوانب امتدت لعام كامل.