المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > جولة ماكرون الأفريقية: محاولة لتعزيز النفوذ الفرنسي في المحيط الهندي
جولة ماكرون الأفريقية: محاولة لتعزيز النفوذ الفرنسي في المحيط الهندي
- أبريل 26, 2025
- Posted by: hossam ahmed
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات

إعداد: أسماء حسن محمد
باحث مساعد في وحدة الشئون الأفريقية
في خطوة استراتيجية تعكس الطموحات الدبلوماسية لفرنسا في منطقة المحيط الهندي، قام الرئيس إيمانويل ماكرون بجولة رسمية في ٢١ أبريل 2025، شملت عدد من الأقاليم والمناطق الحيوية في المنطقة، وهدفت الزيارة إلى تعزيز التعاون مع دول المحيط الهندي في مجالات الأمن البحري والتنمية المستدامة ومكافحة تغير المناخ، إضافة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية، وجاءت تلك الجولة في وقت تشهد فيه المنطقة تنافسًا جيوسياسيًا متزايدًا، لتؤكد على رغبة فرنسا في الحفاظ على دورها كقوة إقليمية فاعلة، قادرة على موازنة التحديات الكبرى في المنطقة، مثل النفوذ المتزايد للصين وروسيا، وتحقيق الاستقرار الإقليمي في بيئة سياسية معقدة.
جولة ماكرون الأفريقية
بدأت الجولة بزيارة إلى جزيرة مايوت بجزر القمر، حيث التقى ماكرون بالسلطات المحلية لمناقشة جهود إعادة الإعمار بعد الإعصار المدمر الذي ضرب الجزيرة في نهاية عام 2024، وقد أكد على دعم فرنسا الكامل للجهود الإنسانية والتنموية في المنطقة، ثم بعد ذلك توجه إلى جزيرة لا ريونيون، الإقليم الفرنسي في أقصى شرق أفريقيا على المحيط الهندي، وفي الثالث والعشرين من أبريل قام بزيارة مدغشقر، والتي تعد الأولى لرئيس فرنسي إلى البلاد منذ عشرين عاماً، حيث عقد الرئيس الفرنسي لقاءً مع نظيره المدغشقري لمناقشة سبل تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات الأمن والتجارة، إضافةً إلى حماية البيئة، كما تم التأكيد على أهمية الشراكة بين البلدين في مواجهة التحديات الإقليمية، وكان من المفترض أن يقوم بزيارة إلى موريشيوس ولكن تم إلغاؤها لرغبة ماكرون في حضور جنازة بابا الفاتيكان.[1]
الأبعاد الاستراتيجية للجولة
-
أ- تسعى فرنسا من خلال هذه الجولة إلى تعزيز وجودها الجيوسياسي في منطقة المحيط الهندي التي تمثل نقطة اتصال حيوية بين القوى الكبرى في العالم، حيث أن تلك المنطقة تعد من أكثر المناطق الاستراتيجية في العالم، وتشهد منافسات كبيرة بين القوى الدولية الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا، من ناحية أخرى يعد تعزيز العلاقات مع دول المنطقة مثل مدغشقر وموريشيوس ومايوت يساعد فرنسا في الحفاظ على نفوذها السياسي والاقتصادي في مواجهة هذا التنافس الدولي.
-
ب- تأتي الجولة في إطار تعزيز التعاون الأمني مع دول المحيط الهندي لمواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة، مثل الإرهاب البحري والتهريب والهجرة غير النظامية، وتسعى فرنسا من خلال وجودها العسكري البحري في المنطقة إلى ضمان استقرار الأمن البحري وحماية الممرات البحرية الإستراتيجية مثل مضيق ملقا ومضيق باب المندب، التي تعد من أهم خطوط التجارة الدولية، كما يضمن التعاون في هذا المجال أيضا حماية مصالحها الاقتصادية التي تعتمد على هذه الممرات.
-
ت- احتواء النفوذ الصيني، إذ تسعى الصين إلى تعزيز وجودها العسكري والاقتصادي في منطقة المحيط الهندي عبر مبادرة الحزام والطريق، تسعى فرنسا في هذا السياق إلى موازنة النفوذ الصيني من خلال تقوية تحالفاتها الإقليمية مع دول المنطقة، وذلك من خلال تعزيز التعاون مع دول مثل مدغشقر وموريشيوس ومايوت، كما تسعى فرنسا إلى الحد من التوسع الصيني، خاصةً في مجالات الأمن البحري والاقتصاد.
-
ث- حماية مصالح فرنسا الاقتصادية، إذ يعد المحيط الهندي طريق تجاري استراتيجي، حيث يعبر من خلاله جزء لا يستهان به من التجارة الدولية، ومن خلال تلك الجولة سعت فرنسا إلى حماية مصالحها التجارية، وذلك من خلال الحفاظ على أمن الممرات البحرية وضمان استمرارية حركة التجارة، كذلك تعمل على تعزيز التعاون الاقتصادي مع دول المنطقة لتأمين فرص استثمارية جديدة في أسواقها.[2]
أهداف الجولة
-
أ- إعادة إعمار جزيرة مايوت:
بعد أن تعرضت جزيرة مايوت لإعصار مدمر في نهاية عام 2024، تأمل فرنسا في تسريع جهود إعادة الإعمار من خلال تقديم الدعم المالي واللوجيستي، وتعد تلك الجولة بمثابة فرصة لإظهار التزام فرنسا تجاه أقاليمها ما وراء البحار، إضافة إلى تقديم الدعم الكامل للسلطات المحلية في جزيرة مايوت.
-
ب- تعزيز التعاون الإقليمي:
تسعى فرنسا إلى تقوية علاقاتها مع دول منطقة المحيط الهندي، بما في ذلك مدغشقر وموريشيوس، في مجالات متعددة مثل الأمن البحري والتجارة، إضافةً إلى حماية البيئة، كما يهدف هذا التعاون إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي ومواجهة التحديات المشتركة، سواء كانت بيئية أو أمنية.
-
ت- مواجهة التحديات الجيوسياسية:
تأتي هذه الجولة أيضًا في سياق التنافس الجيوسياسي في المنطقة، حيث تسعى فرنسا إلى الحفاظ على نفوذها الإقليمي في مواجهة التوسع الصيني والوجود العسكري من خلال تعزيز التعاون مع الدول الإقليمية، كما تسعى إلى ضمان استقرار نفوذها كقوة إقليمية وحماية مصالحها الاستراتيجية في المحيط الهندي.[3]
دلالات الزيارة
-
تعزيز النفوذ الفرنسي في محيط جيوسياسي حساس:
تأتي زيارة ماكرون إلى المحيط الهندي في وقت حساس، حيث يسعى العديد من اللاعبين الدوليين إلى توسيع نفوذهم في هذه المنطقة، وتدل زيارة الرئيس الفرنسي على إصرار فرنسا على الحفاظ على دورها كقوة إقليمية في هذا الجزء الاستراتيجي من العالم، خاصة مع تزايد النفوذ الصيني والوجود العسكري الروسي في المنطقة، كما تبرز الزيارة أهمية الاستقرار الفرنسي في المحيط الهندي كجزء من سياستها الخارجية الشاملة.
-
التأكيد على القوة الناعمة الفرنسية:
تؤكد هذه الجولة على أن فرنسا لا تقتصر في تحركاتها بالمنطقة على النفوذ العسكري فقط، بل تسعى أيضًا لاستخدام القوة الناعمة من خلال الدبلوماسية البيئية ومشاريع التنمية المستدامة، ويعكس دعم جهود إعادة الإعمار في جزيرة مايوت والمشروعات البيئية في دول المحيط الهندي رغبة فرنسا في تقديم نفسها كداعم رئيسي للتنمية والبيئة، مما يساهم في تعزيز صورتها الدولية كداعم للسلام والتنمية.
-
تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول المنطقة:
تحمل زيارة ماكرون دلالات اقتصادية هامة، حيث تعكس رغبة فرنسا في تعزيز علاقاتها التجارية مع دول المحيط الهندي، ومع تزايد أهمية المنطقة كمركز تجاري عالمي، تسعى فرنسا إلى تعزيز الاستثمارات وفرص التعاون الاقتصادي، بما في ذلك في مجالات الطاقة المتجددة والبنية التحتية، مما يدعم موقع فرنسا كمستثمر اقتصادي رئيسي في المنطقة.
-
إعادة تأكيد فرنسا على مكانتها كقوة دولية مؤثرة:
تمثل الزيارة تأكيدًا على أن فرنسا لا تزال قوة دولية مؤثرة، خاصة في الأقاليم التي كانت جزءًا من إمبراطوريتها الاستعمارية، من خلال تفاعلها مع دول مثل مدغشقر وموريشيوس، تبرز فرنسا التزامها بمسؤولياتها التاريخية والحديثة في هذه الأقاليم، مما يعزز دورها القيادي في الشؤون الدولية.[4]
الخاتمة
تعتبر جولة ماكرون في المحيط الهندي خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز التعاون الإقليمي، ودعم جهود إعادة الإعمار، إلى جانب تعزيز الأمن البحري، كما تسعى فرنسا من خلالها إلى مواجهة التحديات الجيوسياسية والحفاظ على نفوذها في هذه المنطقة الحيوية، إضافة إلى أنها تحمل أبعادًا استراتيجية متعددة تعكس سعي باريس لتعزيز نفوذها الجيوسياسي، ومواجهة التحديات الأمنية والبيئية، إضافةً إلى الحد من التوسع الصيني في منطقة حيوية بالنسبة للأمن والاقتصاد العالمي، كما أنها تحمل دلالات عميقة تشير إلى الاستراتيجية الفرنسية في تعزيز نفوذها الإقليمي والعالمي، وتدل على اهتمامها الكبير بتعزيز الأمن البحري، التنمية المستدامة، وحماية البيئة، كما تبرز الزيارة دور فرنسا كداعم رئيسي في قضايا أمنية وبيئية واقتصادية، مما يعزز من مكانتها الدولية في مواجهة التحديات الجيوسياسية والبيئية.
المصادر:
[1] ماكرون يعلن عن اتفاقيات شراكة متعددة مع مدغشقر، قراءات أفريقية، ٢٤ إبريل ٢٠٢٥، https://shorturl.at/ifn8E .
[2] قمع 1947 في مدغشقر: ماكرون يعلن عن إنشاء لجنة مشتركة من المؤرخين، الجزيرة نت، ٢٥ إبريل ٢٠٢٥، https://rb.gy/z6l9la .
[3] التعاون ومواجهة الهجرة.. أجندة ماكرون في زيارته الأفريقية، الجزيرة نت، ٢٣ إبريل ٢٠٢٥، https://shorturl.at/0V8El.
[4] فرنسا والمحيط الهندي.. «ملاذ مفخخ» لترميم شرخ أفريقيا، العين الاخبارية، ٢٥ إبريل ٢٠٢٥، https://al-ain.com/article/france-macron-visit-madacascar-africa .