المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > الدراسات الأمنية والإرهاب > حادثُ النيجر الإرهابي: السياقُ والتداعياتُ
حادثُ النيجر الإرهابي: السياقُ والتداعياتُ
- مارس 24, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: الدراسات الأمنية والإرهاب تقارير وملفات
لا توجد تعليقات

إعداد: آية أشرف
باحث في وحدة الإرهاب والتطرف
شهدتْ منطقةُ “تيلابيري” في جنوبِ غرب النيجر، وتحديداً قرية “فامبيتا” صباح يوم الحادي والعشرين من مارس الجاري واحدةً من أعنفِ وأخطرِ الهجماتِ الإرهابيةِ التي استهدفتْ البلادَ في الآونة الأخيرة، حيث استهدف مسلحون تابعون لتنظيمِ “داعش” ولاية الصحراء الكبرى مسجداً أثناء أداء صلاة الجمعة، ما أسفرَ عن مقتل 44 مدنياً وإصابةِ 13 آخرين، يأتي هذا الهجومُ في سياقٍ أمنيٍ معقدٍ تشهده منطقةُ الساحلِ الإفريقيِ، ويأتي بعد عملياتٍ عسكريةٍ جويةٍ وبريةٍ متفرقةٍ نفذتها الحكومة النيجرية في مناطق متفرقة من أنحاء البلاد استهدفت بها عناصر التنظيم ([1])، والجدير بالذكر أن الأزماتِ الأمنيةَ بدأت تتفاقم في النيجر منذ الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس “محمد بازوم” في يوليو 2023م، وعليه تتعرض “الحدود الثلاثية” بين كل من النيجر ومالي وبوركينافاسو لموجةٍ متصاعدةٍ من العنفِ والنشاطِ الإرهابيِ الحادِ والتي ازدادتْ حدّتهُ منذ بداية 2025م مما أدى إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والسياسية والإجتماعية والاقتصادية المتفاقمة بالفعل في مثلث “ليبتاكو غورما” الحدودي، وعليه تُبرز هذه الأحداث الحاجةَ الملحةَ لإعادةِ تقييمِ الاستراتيجياتِ الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب، خاصة مع تصاعد حدة التنافس الجيوسياسي والاستقطاب الدولي في القارة الأفريقية.
تحليلُ تفاصيلِ الهجومِ وآلياته
التسلسلُ الزمنيُ للأحداث
بدأ الهجومُ عند الساعة 14:00 بالتوقيت المحلي للنيجر، حيث حاصرَ مسلحون مدججون بالأسلحة الثقيلة مبنى المسجد أثناء إقامة صلاة الجمعة، تشيرُ التقاريرُ الأمنيةُ إلى استخدام المهاجمين أسلوبَ “التطويق المزدوج” في هذه العملية؛ حيث منع المهاجمون أيَ محاولاتٍ للفرِّ بينما قاموا بإطلاق النار عشوائياً على المصلين مما أسفر عن مقتل (44) مدنياً وإصابة (13) آخرين، وقد وسّعَ المهاجمون من نطاقِ العمليةِ فلم تقتصرْ على المسجدِ فحسب بل امتدتْ لتشملَ إحراقَ السوق المحلية و إحراق (12) منزلاً مجاوراً آخر أثناء انسحاب المهاجمين.
البنيةُ التنظيمية للمهاجمين
أعلنت “ولاية الصحراء الكبرى” الذراع الإقليمي لتنظيم “داعش” مسؤوليتها عن الهجوم، في بيانٍ نشرته على قنواتهِا في منصة “تيليجرام”، وتُظهر هذه العملياتُ التطورَ الملحوظ في القدرات التشغيلية والعملياتية والتكتيكية للتنظيم،حيث تمتْ المراقبةُ من خلال أنظمةِ اتصالاتٍ مشفّرةٍ واستخدمَ التنظيم مركباتٍ مصفحةً محليةَ الصنعِ خلال العملية، يُعتقد أن الهجومَ نُفذ بواسطة “كتيبة الصحراء الغربية” التابعة للتنظيم، والتي تشكلت عام 2022 عبر اندماج بقايا جماعاتٍ مسلحةٍ من مالي وشمال نيجيريا، وفي ذات السياق أعلنت الحكومة النيجيريةِ عن تنفيذِ عمليةٍ عسكريةٍ موسعة لتعقب منفذي الهجوم وتعهدت بمعاقبة المنفذين والمخططين والمتواطئين وتقديمهم للعدالة.
السياقُ الجيوسياسيُ للهجومِ
الخلفيةُ الأمنيةُ المتأزمةُ في النيجر
تشهدُ النيجر وضعاً أمنياً وسياسياً متأزماً في السنوات الثلاثة الـأخيرة لا سيما بعد الإنقلاب العسكري الأخيرة في 2023م، فقد شكّل هذا الإنقلاب نقطةَ تحولٍ خطيرةٍ في مسار الأمن الإقليمي في منطقة الساحل الإفريقي، حيث أدى إقصاء الرئيس “بازوم” الحليف الرئيسي للغرب خاصةً في مجال مكافحة الإرهاب إلى تفككِ العديد من التحالفاتِ الأمنيةِ القائمةِ، كما أسفر عن تعليقِ المساعدات التي تقدمها الدول الغربية لدول الساحل من ضمنها النيجر، فضلاً عن فرْضِ عقوبات من هذه الدول على الدول الأعضاء في منظمة “ECOWAS”، وعلى الصعيد الآخر أعلنت السلطة الجديدة في النيجر رفضها للوجود العسكري الفرنسي والأمريكي والوجود الغربي عموماً، واتجهت نحو التحالف مع روسيا ومجموعة الفيلق الروسي “فاجنر”، مشابهة لمسار جارتيها مالي وبوركينا فاسو، والجديرُ بالذكر أن البياناتِ والإحصائياتِ تُظهر أن الهجماتِ الإرهابيةَ زادت بنسبة 47% خلال الـ18 شهراً التالية للانقلاب، مع تصاعد ملحوظ في عمليات الاختطاف والهجمات على البُنى التحتية المدنية، فقد خلقت هذه الفراغات السياسية والأمنية مساحات تمكنت هذه التنظميات من استغلالها بنجاح وعليه تحولت منطقة “تيلابيري” التي تُعدُ شرياناً تجارياً رئيسياً يربطُ دولَ الساحلَ ومنطقةَ الساحل عموماً إلى مركز نفوذ تقليدي للنشاط الإرهابي([2] ).
دينامياتُ الصراعِ في منطقة الحدود الثلاثية
تشكّلُ منطقة “ليبتاكو غورما” أو ما يعرف “بمثلث الموت” عند تقاطع حدود النيجر ومالي وبوركينا فاسو بؤرة للأنشطة الإرهابية منذ سنوات عدة، حيث تتنافس تنظيمات “داعش الصحراء الكبرى” و”بوكو حرام” و”نصرة الإسلام والمسلمين” على السيطرة على طرق التهريب وموارد التعدين غير المشروع والاتجارِ بالأسلحةِ والمخدراتِ، كما ساهمتْ الطبيعة الجغرافية الوعرة للمنطقة في تعزيز قدرة الجماعات المسلحة على تنفيذِ هجماتٍ خاطفةٍ وبناء أوكار ومعاقل لها، وقد مثلتْ البيئةُ السياسية والأمنية والإجتماعية الهشة وما ترتبَ عليها من ضعفٍ للحوكمةِ وفقرٍ وصراعاتٍ عرقيةٍ وانتشار الأسلحة مناخاً مناسباً لمزيد من التوسع لهذه الجماعات.
ردودُ الأفعالِ الإقليمية والدولية
أثارَ هذا الهجومُ الشرسُ ردود أفعال إقليمية ودولية واسعة، فقد أدانت الخارجيةُ المصريةُ هذه الهجوم الغاشم وأعربت مصر عن تضامنها الكامل مع النيجر حكومةً وشعباً مؤكدة دعمها لكافةِ جهودِ مكافحةِ الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار في القارة الإفريقية ([3] )، كما أدان الدكتور “أسامة الأزهري” وزيرُ الأوقافِ المصري هذا الهجومَ ووصفه بالجريمةِ النكراء التي تتنافى مع كافة القيم الدينية والإنسانية، وأوضح أن استهداف دور العبادة يعد تعدياً صارخاً على قدسية هذه الأمكان، وأكد على ان الإسلامَ الذي هو دينُ رحمةٍ وسلامٍ برئٍ من مثل هذه الجرائم الوحشية، وعليه شدد على ضرورةِ بلورةِ موقفٍ دوليٍ جاد وحاسم لاقتلاعِ جذورِ الفكرِ الإرهابيِ المتطرف وأن لا تقتصر جهود المكافحة على العلميات العسكرية بل يجب أن تشملَ تجفيفَ المنابع الفكرية والمالية لمواجهةِ هذا الخطاب الذي يغذي الكراهيةَ بين الشعوب والأديان ([4])، وفي ذات السياق أعربت الخارجية الإيرانية عن إدانتها للهجوم ووصفته بأنه مخالفٌ للشريعةِ الإسلاميةِ وكافةِ الأعرافِ الدوليةِ المتعلقةِ بالقانونِ وحقوقِ الإنسان، وأكدت على ضرورة تعزيز التعاون والتنسيق على كافة المستويات بين الأطراف المختلفة دولياً وإقليماً ومحلياً لمنْعِ ومكافحةِ الإرهاب وملاحقة مرتكبي هذه الجرائم ([5])، ومن جانبها أصدرت الأمانة العاملة لمنظمة التعاون الإسلامي بياناً يدين بشدةٍ هذه الهجماتِ التي استهدفت المصلين في قرية “فامبيتا” النيجرية مؤكدةّ تضامنها مع الحكومة والشعب النيجري ([6])، كما أعلنت باكستان على لسان وزير خارجيتها عن إدانتها لهذا الحادث المروع وأعربَ عن تضامنِ بلادهِ مع النيجر حكومة وشعباً ([7])، ومن جانبها أدانت الجمهورية التركية هذا الهجوم وأعربت عن رفضها لكافة أشكال الإرهاب والعنف([8]).
التداعياتُ الأمنيةُ والإستراتيجية
تحدياتُ الاستجابة المحلية
كشفَ الهجوم عن ثغراتٍ خطيرةٍ في الجاهزية الأمنية، حيث استغرقتْ القواتُ الحكوميةُ 3 ساعات للوصول إلى موقع الهجوم على الرغم من وجود قاعدة عسكرية على بعد 40 كم فقط ويبرر عدد من المحللين هذا التأخر إلى أسباب وعوامل عدة، منها:
-
نقْصُ المعداتِ اللوجستية (خاصة مركبات الدفع الرباعي).
-
انتشارُ الفسادِ في صفوف القوات المسلحة.
-
التركيزُ المفرطُ على حماية المنشآت الحكومية على حساب المناطق الريفية.