المقالات
حراك “دولي ومحلي” ذو إيقاع متسارع … هل يساهم في حلحلة الأزمة الليبية؟
- يناير 21, 2023
- Posted by: mohamed mabrouk
- Category: تقارير وملفات وحدة الشرق الأوسط
إعداد: رضوى الشريف
رغم الطًّمْأَنة التي بدت في الأسابيع الأولى، من شهر يناير الجاري، الخاصَّة بتصريحات سابقة، لرئيس “مجلس النواب”، عقيلة صالح، عن توافقه مع رئيس “المجلس الأعلى للدولة”، خالد المشري، على كثيرٍ من النقاط الخلافية، بشأن الوثيقة الدستورية، إلَّا أن جبهة” المشري” تتمسك برفْض ترشُّح العسكريين؛ بقصد إغلاق باب الترشُّح، أمام المشير خليفة حفتر، القائد العام للجيش الوطني، ويُعتقد أن هذه النقطة ستكون مِفْصليةً، وسيترتب عليها مزيدٌ من تعطيل المسار الانتخابي.
وفي تلك الأثناء، يمُرُّ المسار السياسي لليبيا في الأيام الأخيرة، منذ مستهل العام الجديد، بإيقاعٍ متسارعٍ ومُعقَّد؛ حيث تُوجد تحرُّكات مُكثَّفة لجميع الأطراف المعنيّة للأزمة، سواء “داخليًّا، أو خارجيًّا”، وهي ما تطرح وراءها تساؤلًا، ما إذا كانت تلك التحرُّكات تهدف في ظاهرها لحلحلة الأزمة، أم لإعادة تشكيل التحالفات في ليبيا مع إطالة أَمَدِ الأزمة؟
أولًا: تحرُّكات “المجلس الرئاسي” ودلائلها
كثَّف “المجلس الرئاسي”، تحرُّكاته في الفترة الأخيرة على أكثر من جبهة؛ لإنهاء الجمود السياسي، وتجنُّب العودة إلى الاقتتال الداخلي؛ حيث يحاول رئيس “المجلس الرئاسي”، محمد المنفي، تفعيل خيار المصالحة بين الأطراف الليبية المتخاصمة، سواء من خلال التقريب بين مجلسيْ “النواب، والدولة”، أو عبْر التحرُّك لعقْد مؤتمرٍ للمصالحة، أو التواصُل مع أطراف النِّزاع البارزين، من خلال لقائه بـ”حفتر” في القاهرة، ولقائه بعدها بـ”الدبيبة”.
ورغم دعوة “المجلس الرئاسي” كُلًّا من مجلسيْ “النواب والدولة”؛ للاجتماع في مدينة غدامس (جنوب غرب)، في 11 يناير الجاري، إلَّا أن “مجلس الدولة” رفض هذه الدعوة، بينما كان رئيس “مجلس النواب” خارج البلاد في تلك الفترة.
في الواقع، لا يريد مجلسيْ “النواب، والدولة” أن يلعب “المجلس الرئاسي” دورًا بارزًا في المشهد السياسي؛ ما يمنحه فرصة الظهور كمنقذٍ أو بديلٍ، خاصةً أن “المشري، وعقيلة”، الْتَقَيَا بـ”القاهرة” دون الحاجة لوساطة “المجلس الرئاسي”.
وجمع “المجلس الرئاسي” ما بين 8 و12 يناير الجاري، عددًا من “ممثلي الأحزاب، وزعماء القبائل، ومندوبين من دول ’عربية وأجنبية’”، في مؤتمرٍ تحضيريٍّ للمصالحة؛ حيث شدَّد “المنفي” خلاله على أن “’المجلس الرئاسي’ ليس جُزْءًا من الأزمة، ويقف على مسافةٍ واحدةٍ من جميع الأطراف”، ودعا “للضغط على كل الأجسام السياسية في ليبيا؛ من أجل تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة بين كافة الأطراف”.
تحالُف “الرئاسي” مع “حفتر”
في تطوُّرٍ مهمٍ على الساحة الليبية، من شأنه قلْب المشهد السياسي رأسًا على عقب، تمَّ عقْدُ لقاءٍ جَمَعَ بين “المنفي، وحفتر”، ويأتي ذلك اللقاء بعد أيامٍ قليلةٍ من اجتماعٍ آخر، احتضنته “القاهرة” بين رئيس “مجلس النواب”، عقيلة صالح، ورئيس “مجلس الدولة”، خالد المشري، في الأسبوع الأول من شهر يناير الجاري، ونتج عنه اتفاقٌ حول خارطة طريقٍ للمرحلة القادمة، كثُر حولها الجدل واحتدَّ السِّجال، لا سيما أن الرجليْن لا يحظيان بمصداقيةٍ كبيرةٍ بين الليبيين في الداخل، وبين الفاعلين “الإقليميين، والدوليين” المؤثرين في الملف الليبي، ويبدوان في أغلب الأوقات مُجرد باحثيْن عن مصالحهما الشخصية، وعن مصالح التياريْن اللذين يمثلانهما، سواء في غرب البلاد أو في شرقها.
لم يعُدْ خافيًا أن هدف “المشري” هو إعادة تدوير “مجلس الدولة” وخدمة طموحاته السياسية، عبْر دوْرٍ رئيسيٍّ في تشكيل حكومةٍ جديدةٍ، فيما يسعى “عقيلة صالح” إلى ما هو أهم؛ حيث يتطلع إلى رئاسة “المجلس الرئاسي” القادم؛ انطلاقًا من أن تشكيل حكومةٍ جديدةٍ، لا بُدَّ أن يرافقه تشكيل “مجلس رئاسي” جديد.
ويدرك “المنفي” تمامًا مساعي المجلسيْن؛ لذلك تقدَّم باقتراحٍ لـ”حفتر”، بشأن حلِّ مجلسيْ “النواب، والدولة”، إذا لم يتوصَّلا لاتفاقٍ بشأن القاعدة الدستورية، فوفقًا لما نقلته قناة “العربية” السعودية، عن مصادر لم تحددها في “القاهرة”، أنه من “بين المقترحات التي طرحها ’المنفي’ لـ’حفتر’، في حال فشل مجلسيْ ’الدولة، والنواب’ التوافق على قاعدةٍ دستوريةٍ، والوصول إلى الانتخابات، يعلن ’الرئاسي’ حالة الطوارئ في البلاد، ويستلم زمام الأمور، ويحل مجلسيْ ’النواب، والدولة’ والحكومتيْن، مع تشكيل حكومة طوارئ من 10 وزراء، تعمل على التجهيز للانتخابات، خلال 6 أشهر إلى عام، مع ضمان السماح للعسكريين بالترشُّح”.
ولم يصْدُرْ من “المجلس الرئاسي” تأكيدٌ أو نفيٌ لهذا التسريب الخطير، خاصةً أنه يتزامن مع دعوات سابقة للمبعوث الأممي، عبد الله باتيلي، ودول غربية، على رأسها، الولايات المتحدة، بضرورة إيجاد “آليات بديلة”، في حال فشل مجلسيْ “النواب، والدولة” في إيجاد توافُقٍ بشأن القاعدة الدستورية.
ورغم أن “باتيلي”، سارع بعدها لنفي عزْمه، إعلان خارطة طريق، تتضمن تشكيل حكومةٍ جديدةٍ، إلَّا أن مقترح” المنفي” لـ”حفتر”، إنْ تأكَّدْ، يُعتبر بمثابة تقديم “المجلس الرئاسي” نفسه كآليةٍ بديلةٍ لمجلسيْ “النواب، والدولة”، بل وحتى يصير بديلًا لحكومتيْ “عبد الحميد الدبيبة، وباشاغا”.
أبعاد أخرى للتحالف
لا شكَّ أن خطوةً مثل هذه، تحتاج إلى دعمٍ خارجيٍّ، مع دعمٍ من قوةٍ فاعلةٍ على الأرض، ومن المرجح، أن تؤيد الدول الغربية والأمم المتحدة هذه الخطوة، إذا لم يتوصل رئيس “البرلمان” مع رئيس “المجلس الأعلى للدولة” إلى توافُق بشأن القاعدة الدستورية.
كما أنه بدون دعم “حفتر”، لن يتمكن “المجلس الرئاسي” من حلِّ “مجلس النواب”؛ لذلك اقترح “المنفي” على “حفتر”، وفْق قناة “العربية”، بالسماح للعسكريين بالترشُّح، دون الإشارة إلى مسألة ترشُّح مزدوجي الجنسية.
غير أن “حفتر”، لا يمكنه دعْم خطة “المجلس الرئاسي” لحلِّ “البرلمان” بغرفتيْه والحكومتيْن المتنازعتيْن على الشرعية، إلا بحصوله على ضمانات بالترشُّح لـ”الرئاسة” دون التنازل عن جنسيته الأمريكية، وهو ما عارضه رئيس “المجلس الأعلى للدولة” على مدى جولات عديدة من المفاوضات.
في الواقع، تحالُف “المجلس الرئاسي” مع “حفتر”، قد يضمن له دعم المنطقتيْن “الشرقية، والجنوبية”، لكنه بالمقابل، سيحشد ضده المنطقة الغربية، خاصةً “مجلس الدولة” برئاسة “المشري”، ذلك بجانب أن وجود كتائب عديدة في المنطقة الغربية، ترفض ترشُّح “حفتر” للرئاسة.
لذلك لا شك بأن لقاء “المنفي” بـ”حفتر”، والتلويح بورقة حلِّ البرلمان – إن كانت صحيحة- ماهي إلا أورق ضغط بيد “المنفي”، يُشْهِرُهَا في وجه مجلسيْ “النواب، والدولة”؛ لفرض دوره كسلطةٍ مُؤثِّرةٍ، يُمْكِنُهَا أن تلعب دوْرًا في إيصال البلاد إلى بَرِّ الانتخابات، خاصةً في ظلِّ تواتُر التصريحات عن رغبة “عقيلة” في رئاسة “المجلس الرئاسي” بموافقةٍ من “المشري”.
ثانيًا: تحركات “أمنية – أمريكية”
منتصف الأسبوع الماضي، وصل مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، وليام بيرنز، إلى ليبيا، في أول زيارةٍ لمدير الـ”سي آي إيه” إلى ليبيا، منذ الهجوم الذي استهدف مقر البعثة الأمريكية في بنغازي، سنة 2012، وأسفر عن مقتل السفير الأمريكي وثلاثة أشخاص آخرين.
ويمكن القول: إنّ زيارة “بيرنز” إلى ليبيا، ولقاءه المُعْلَن مع رئيس حكومة الوحدة الوطنية، منتهية الولاية، عبدالحميد الدبيبة، في العاصمة “طرابلس”، وأيضًا اللقاء مع المشير خليفة حفتر، في مقر إقامته بـ”الرجمة” شرق بنغازي، بحسب وسائل إعلام ليبية، يبرز العديد من الإشارات والتحوُّلات، نحو صياغة مقاربة أمريكية محددة لهذا الملف، تحمل في جوانبها عناصر ضاغطة على كافة الفاعلين؛ لحسْم العالق من الملفات السياسية والأمنية بشكلٍ عاجلٍ.
وبالرغم من أن زيارة “بيرنز” لم يتم الكشْف عنها رسميًّا، إلا أن هناك مؤشرات على كوْن الزيارة تتعلق بالتواجد الروسي، خاصّةً في ظل عزْم “موسكو” على فتْح سفارتها في العاصمة “طرابلس”، وأيضًا ما يتعلق بمكافحة الإرهاب.
“واشنطن” لن تسمح بأيّ حالٍ، وتحت أيِّ شرط من الشروط، ببقاء قوات “الفاغنر” كورقة ضغطٍ سياسيٍّ وأمنيٍّ في ليبيا، ونقطة ارتكاز متاحة، تسمح بالتوسُّع في جنوب غرب ليبيا، ذلك بجانب أن هناك قلقًا واضحًا من جانب “واشنطن”، إزاء المفاوضات “الروسية – التركية – السورية”، وترى ضرورة العمل على منْع تكرارها في المسألة الليبية؛ لأنّ ذلك يُعزِّز من فرص التمدُّد “الروسي – التركي” في ليبيا.
كما تدرك “واشنطن” تمامًا، ضرورة عدم السماح باستخدام النفط كورقة مساومةٍ سياسيةٍ، أو استعمال موارده في التمويل السياسي والعسكري، وبالتالي لا بُدَّ أن تُوضع الآليات المالية الليبية، تحت إشرافٍ مباشرٍ لخبراء دوليين.
لذلك فزيارة مدير المخابرات المركزية الأمريكية إلى ليبيا، تحمل دلالات خطيرة، في سياق الصراع “الأمريكي – الروسي”؛ فثمّة مؤشرات بانزلاق الأقدام على الأراضي الليبية، في سياق المواجهة العسكرية “الغربية – الروسية”، مثلما هو واقعٌ الآن في أوكرانيا.
واختيار “واشنطن” لـ”عبد الحميد الدبيبة، وخليفة حفتر”؛ ليكونا نظيريْن لـ”بيرنز” في المحادثات، له دلالته المهمة، فقد يكون ذلك تعبيرًا عن تحفُّظٍ أمريكي على السلطات الأخرى، خاصةً “مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة”؛ ذلك لأن حالة السَّخَط الدولي تجاهها إلى تصاعُد، وعبَّر عن ذلك سفراء الدول الغربية صراحةً في بياناتهم الأخيرة، ولم يتردد مندوب الولايات المتحدة في “مجلس الأمن” مؤخرًا من اتهام المسؤولين في هذه الأجسام، بتكييف المسار السياسي والأساس الدستوري لصالح أشخاص بعينهم.
إلا أن الأهم في تقديم “الدبيبة، وحفتر”، هو الاعتقاد بأنهم أصحاب النفوذ في مناطقهم، في الغرب والشرق، وأن طبيعة المرحلة بالنسبة لـ”واشنطن” ووكليها لمدير الـ”سي آي إيه” طبيعة عملية تتطلب قرارات تنفيذية، لا يتمتع بها رؤوساء مجالس “النواب، والأعلى للدولة، والرئاسي”.
ثالثًا: عودة اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5)
انطلقت صباح الأحد الماضي، اجتماعات اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) في مدينة “سرت” بعد توقُّفٍ دام 8 أشهر، وسط آمالٍ بأن تضع حدًّا لفوضى الميليشيات التي عادت لاشتباكاتها المسلحة في غرب ليبيا.
وحضر الاجتماع، الذي استمر لمدة يوميْن متتاليْن، بعيدًا عن الإعلام، جميع أعضاء اللجنة، ومبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا “عبد الله باتيلي”.
وكشف مدير إدارة التوجيه المعنوي في قوات القيادة العامة الليبية، اللواء خالد المحجوب، أهم بنود اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، كانت مناقشة استكمال بنود وقْف إطلاق النار، وإخراج المرتزقة والقوات الأجنبية، وبحْث ما جرى من خطوات توحيد المؤسسة العسكرية.
رابعًا: تحركات تركية
تراقب “أنقرة” عن كَثَبٍ تلك التحرُّكات المُكثَّفة التي سبق ذكرها، وتسعى هي الأخرى كالمعتاد لتُبْرِزَ نفسها كعاملٍ لا يجب الإغفال عنه في الملف الليبي، وتريد الحكومة التركية التي لها قوات ومجموعات من المرتزقة على الأرض الليبية، الحفاظَ على مصالحها الخاصة، وبالتالي فهي تسعى لبقاء سلطةٍ مواليةٍ لها، في ظلِّ المُتغيِّرات الحاصلة ومحاولات تجاوز الجمود السياسي بدعمٍ غربيٍّ، وبتحرُّكٍ مصريٍّ.
ويأتي في إطار تلك المساعي التركية، لقاء رئيس جهاز المخابرات التركي، هاكان فيدان، الثلاثاء الماضي، برئيس الحكومة المنتهية ولايته، عبد الحميد الدبيبة، ورئيس “المجلس الرئاسي”، محمد المنفي، في العاصمة الليبية “طرابلس”، ورئيس “المجلس الأعلى للدولة”، خالد المشري؛ لمعرفة مسار التطورات السياسية القادمة والمخاطر المُمْكِنة على المصالح التركية واتفاقياتها مع حكومة “طرابلس”.
وكان المبعوث الأممي، عبد الله باتيلي، طالب المجتمع الدولي بدعم اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5) لـ”التنفيذ الكامل لاتفاق وقْف إطلاق النار” المُوقَّع بين أطراف النزاع العسكري عام 2020،
وثمَّة بنود في الاتفاق لم تُنَفَّذْ، منها، إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا، وتوحيد المؤسسة العسكرية “شرقًا، وغربًا، وجنوبًا”، وإطلاق جميع محتجزي الحرب، لكن دولًا مثل تركيا، تضع العراقيل أمام تنفيذ الاتفاق؛ خدمةً لمصالحها، خاصةً الاقتصادية.
وتدعم تركيا حاليًا حكومة الوحدة الوطنية، كما ترتبط بالعديد من الميليشيات صاحبة النفوذ في العاصمة “طرابلس” وعددٍ من المدن الغربية، وبالتالي فهي قادرة على إعاقة أيِّ مسارٍ للخروج من الجمود السياسي، في حال التعارُض مع مصالحها.
الخاتمة
يدرك قِسْمٌ غيرُ قليلٍ من الليبيين، من خلال تجاربهم الطويلة مع الانتخابات منْذُ 2014، أن التوافُق الجديد الذي تمَّ بيْن مجلسيْ “النواب، والأعلى للدولة” لن يوصلهم سوى إلى تمطيط المراحل الانتقالية، فلا “عقيلة صالح” يقدر على الموافقة بعدم ترشُّح مزدوجي الجنسية، ولا “المشري” سيقبل بترشح “حفتر” قبل التنازُل عن جنسيته الأمريكية، وحتى اللجوء إلى الاستفتاء فهو أمرٌ مُسْتَبَعدٌ؛ إذ سبق وأن فشلت عدة مساعٍ؛ لإجراء الاستفتاء على مشروع الدستور منذ 2017، فالصراع ورغم تفاصيله الكثيرة، ينحصر في نقطةٍ رئيسيةٍ؛ هل يَحِقُّ لـ”حفتر” الترشُّح للرئاسة، دون التنازل عن جنسيته الأمريكية أم لا؟
تبقى كل التحرُّكات التي تستهدف ظاهريًّا حلحلة الأزمة، مرتبطةً بمواقف شخصية لا تخرج عن دائرة مصالح أصحابها المُتحوِّلة، ووفْق التوازنات التي تشهد بدورها تغيُّرا بين الحين والآخر، سواء نتيجة الواقع الميداني، أو بسبب التدخلات الخارجية؛ لذلك فإن الحل السياسي لا يزال بعيدًا، طالما لم يتم حسْم الموقف بخصوص العلاقة بين “النفط، والمال، والسلطة، والسلاح”.
لذلك فإن الرهان الآن أصبح يقع على الدور الجديد، الذي من المرجح أن تلعبه الولايات المتحدة في الأزمة الليبية، وذلك بدعم “المجلس الرئاسي”، وتمكينه من طرْح خطةٍ بديلةٍ في حالة فشل خطة “مجلس النواب، والأعلى للدولة” لحل الأزمة.
وبناءً على ذلك، فمن المتوقع أن يصبح “المجلس الرئاسي” اللاعب الأول في ليبيا، إذا صحَّ دعْم الولايات المتحدة الأمريكية، التي تضغط بشكلٍ كبيرٍ على الأطراف “الليبية، والإقليمية”؛ من أجل قيام “المجلس الرئاسي” بإجراءات وتغييرات سياسيةٍ كبيرةٍ في البلاد؛ لتحقيق أولوياتها في المنطقة.
ويمكن ربْط ذلك بالحرب “الروسية – الأوكرانية” التي قد تطول وتتحول إلى حرب استنزاف؛ ما تُمثِّل فرصة الغرب لتحجيم النفوذ الروسي الخارجي، المتمثل في تمدُّد قوات “الفاغنر” في الجنوب الليبي ودول الجوار، كما أن الاستغناء عن النفط والغاز الروسييْن؛ لإضعاف الاقتصاد الروسي، يتطلب استدامة ضخِّ النفط من الدول المنتجة، وعلى رأسها ليبيا، بل هناك حاجة إلى استثمارات كبيرة؛ لإنتاج المزيد من النفط والغاز الليبي، هذه أولويات مهمة؛ لإطالة أَمَدِ الحرب “الروسية – الأوكرانية”.
ولتحقيق ذلك تحتاج “واشنطن” إلى واقعٍ سياسيٍّ جديدٍ في ليبيا، يسمح بتواجدها في الجنوب الليبي؛ لتحقيق تلك الأولويات، وفي الوقت ذاته، تقوية مساعي الحرب على الإرهاب، الذي قد يستخدم الفراغ الأمني في الجنوب الليبي ودول الجوار؛ لتشكيل تهديدٍ على مصالح أمريكا.