في زيارة هي الأولى من نوعها لزعيم أجنبي منذ اندلاع المواجهات المسلحة في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منتصف أبريل 2023م؛ حيث وصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أمس، الثلاثاء 9-7- 2024م، إلى مدينة بورتسودان، التي اتخذها قادة الجيش السوداني عاصمةً لإدارة شؤون البلاد، وأجرى مباحثات مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، وتُعدُّ هذه الزيارة تحوُّلًا كبيرًا في الموقف الإثيوبي لما يجري خلال عام ونصف في الحرب السودانية.
تحرُّك إثيوبي جديد للدخول على خطِّ الأزمة السودانية
وصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الثلاثاء، إلى السودان في زيارةٍ رسميةٍ، يجري خلالها مباحثات ثنائية مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، تتعلق بمسار العلاقات بين البلدين وسُبُل دفْع آفاق التعاون المشترك بين الخرطوم وأديس أبابا، وكان في استقباله بمطار بورتسودان رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، وعدد من المسؤولين بالدولة، ويرافق رئيسَ الوزراء الإثيوبي وفْدٌ وزاريٌّ رفيعُ المستوى لإجراء مباحثات الجانب السوداني؛ بهدف تطوير وترقية التعاون في مختلف المجالات بين السودان وإثيوبيا.
دوافع زيارة آبي أحمد للسودان
يُمثِّلُ السودان أهميةً كُبْرى للجانب الإثيوبي؛ نظرًا لتشابُك المصالح في أبعادها الأمنية والجغرافية والسياسية والاقتصادية، وتحتلُّ إثيوبيا أهميةً قُصْوى للسودان من الناحية الجيوسياسية، ويُوجد بينهما ملفات خلافية لا تزال مفتوحة، مثل سد النهضة والحدود؛ وعليه يكْمُنُ توضيح دوافع زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي للسودان في الآتي:
التوسُّط بين طرفيْ النزاع السوداني
يطمح رئيس الوزراء الإثيوبي لإعادة طرفيْ الحرب إلى طاولة التفاوُض، فيريد آبي أحمد التنسيق مع الجيش السوداني، فيما يخُصُّ القمة التي يخطط الاتحاد الأفريقي لعقدها، في 15 يوليو، بمشاركة القُوَى السياسية السودانية، بخصوص الأوضاع في السودان، ويهدف آبي أحمد لضمان دعْم الجيش لتحرُّكات الاتحاد الأفريقي، الساعية لجمع القوى السياسية السودانية، ومن المرجح أن يكون آبي أحمد جاء إلى بورتسودان، إمَّا لنفي مشاركة قوات إثيوبية حكومية في القتال السوداني، خاصَّةً بعد المعلومات التي جاءت عن مشاركة قوات إثيوبية بالقتال إلى جانب قوات الدعم السريع، أو أن يكون جاء لجلْب مزيدٍ من المعلومات عن تلك القوات، وإذ ثبت أن هذه الميليشيا تدعم الدعم السريع، فمن المحتمل أن يتم التقارُب بشكلٍ كبيرٍ بين إثيوبيا والجيش السوداني[1].
التقارُب مع الجيش السوداني
تُعتبرُ إثيوبيا شريكًا رئيسيًّا في إعادة بلورة العلاقات ما بعد نظام حكم عمر البشير فتقربت إثيوبيا من الخرطوم والقوى السياسية الحاكمة، بقيادة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، وتابع آبي أحمد سلسلة الاجتماعات والمفاوضات بين المدنيين والعسكريين، التي أسفرت عن اتفاق الشراكة السياسية، فيما عُرِفَ بالوثيقة الدستورية، وعلى الرغم من موقف آبي أحمد المؤيد لقوات الدعم السريع في بداية الحرب السودانية وقيادته لتحرُّكات إقليمية؛ لمحاصرة الحكومة السودانية، ومطالبته بحظْر طيران الجيش السوداني إلا أن هذه الزيارة قد تكون بهدف تقليل الخسائر وتحقيق بعض المكاسب والتقارُب مع الجيش السوداني، خاصَّةً مع استعادته توازُنه في أرض المعركة.
التنافس مع القاهرة
نجحت مصر في استضافة جميع القوى المدنية والسياسية الفاعلة في المشهد السوداني في مؤتمر بالقاهرة حَظِيَ فيه التحرُّك المصري بإشادةٍ وترحيبٍ وارتياحٍ سودانيٍ؛ لما خلقه من زَخَمٍ فشلت أديس أبابا في إحداثه، رغم أنها تستضيف منذ اندلاع الحرب بعض قوى المعارضة السودانية النَّشِطة ذات التأييد الغربي الكبير، والتي كثيرًا ما اتُّهمت بالضُّلُوع فيما يحدث؛ بسبب عدم إدانتها الواضحة لانتهاكات الدعم السريع في السودان.
تحييد موقف الأطراف السودانية بشأن ميناء بربرة
نجحت إثيوبيا في تحييد موقف الأطراف السودانية بشأن ميناء بربرة الذي وقَّعته مع إقليم أرض الصومال، والذي عارضته كُلٌّ من مصر والصومال وإريتريا، ومن مصلحة إثيوبيا توطيد علاقاتها مع السودان في الفترة الراهنة، ومن شأن الاتفاق مع إقليم أرض الصومال أن يؤثر في العلاقات مع جيبوتي، التي تستأجر منها إثيوبيا ميناء على البحر الأحمر الذي يُعدُّ شُرْيان الحياة الرئيسي لها.
قُرْب المعارك الدائرة من سد النهضة
امتدَّ القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى جنوب النيل الأزرق القريب من سد النهضة الإثيوبي، الذي يَبْعُدُ نحو 40 كيلومترًا عن الحدود السودانية؛ الأمر الذي يخيف الجانب الإثيوبي، وقد يهدد سيْر العمل فيه السد، وربما قد يتم استهدافه؛ بسبب تبادُل القصف بين الجانبيْن، ومن شأن التطوُّرات في هذا الاتجاه، أن تفجر الوضع في المنطقة كلها، في وقتٍ تدهورت فيه العلاقات بين إريتريا وإثيوبيا.
النزاع بين قبائل الأمهرة والتيغراي
يخشى آبي أحمد في أن تتسبب أيُّ مواجهات حدودية في انهيار مؤتمر المصالحة الوطنية بين قبائل الأمهرة والتيغراي؛ إذ إن اندلاع نزاعات وتوتُّرات في مناطق قبائل الأمهرة والتيغراي والعفر القريبة من الحدود الشرقية للسودان، يمكن أن تتحول إلى حربٍ واسعة النطاق كما حدث مع التيغراي، الذين كادوا قبْل عاميْن تقريبًا أن يصلوا إلى العاصمة أديس أبابا، ويتخوَّف أبي أحمد من حدوث ذلك، كما أن ميليشيا فانو الإثيوبية تنْشَطُ بالقرب من الحدود السودانية، ويمكن أن تتسرب إلى داخل تلك الحدود، ولذلك يريد آبي أحمد التنسيق مع الجيش السوداني للسيطرة على تلك الميليشيات.
دلالة توقيت الزيارة
تأتي الزيارة في الوقت الذي يسعى فيه الاتحاد الأفريقي الذي يقع مقرُّه في أديس أبابا، إلى استئناف محادثات الهُدْنة، في 15 يوليو الجاري، بين قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، ورغبة كُلِّ طرفٍ حسْم الصراع لصالحه، وتأتي أيضًا بعد يومين من استضافة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لقادة مدنيين وسياسيين سودانيين، بما في ذلك أعضاء رئيسيُّون في حكومة البرهان؛ لإجراء محادثات بشأن إنهاء الحرب.
وجاءت أيضًا بعد يوم من دعوة نائب وزير الخارجية السعودي وليد بن عبد الكريم الخريجي؛ للعودة إلى مفاوضات السلام التي ترعاها السعودية والولايات المتحدة، والتي عقدت في جدة، فضلًا عن أنها جاءت في ظل الوضع السياسي والعسكري المتوتر على الحدود «السودانية – الإثيوبية»، وفي ضوء التقارير الاستخباراتية المتكررة التي يتلقَّاها الجيش السوداني حول تدخُّل عسكري إثيوبي وإرسال الأسلحة والمرتزقة للقتال إلى جانب قوات الدعم السريع.
وفي السياق ذاته، تأتي الزيارة عقب هجوم قوات الدعم السريع على ولاية سنار بجنوب شرق البلاد، في الشهر الماضي؛ ما أدَّى إلى اقتراب الحرب من حدود السودان مع إثيوبيا، وكانت هناك دلائل على أن قوات الدعم السريع توغَّلت بولاية القضارف، التي تستضيف أكثر من 600 ألف نازحٍ سودانيٍّ، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من اللاجئين الإثيوبيين[2].
أبرز ما حملته زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي للسودان
أعرب رئيس الوزراء الإثيوبي عن سعادته بزيارة السودان، وأوضح أن بلاده تنظر بعين الاعتبار لعلاقتها مع السودان، وركَّزت المباحثات بين الطرفيْن على ضرورة ترقية وتطوير التعاون المشترك وتعزيز العلاقات الثنائية بين البلديْن، وشدَّد آبي أحمد على أن حلَّ الأزمة السودانية يكْمُنُ من الداخل، ومن المنتظر أن تؤدي هذه الزيارة إلى تحريك الجمود الذي أصاب المفاوضات السودانية؛ حيث تأتي عقب مناشدات عدة لوقف الحرب وفتح مسارات آمنة؛ لإيصال المساعدات الإنسانية، وأوضح رئيس الوزراء الإثيوبي، أن زيارته للسودان تأتي للتضامن مع الشعب السوداني، وناقش الطرفان ملف توتُّر الأوضاع على الحدود المشتركة، وتوغّل عصابات إلى أراضي منطقة الفشقة الحدودية.
على الجانب الآخر، قدَّم البرهان شرحًا لرئيس الوزراء الإثيوبي حول الوضع في السودان، على خلفية الحرب التي تقودها قوات الدعم السريع ضد الدولة ومؤسساتها، واتهمها بارتكاب جرائم وفظائع ضد الشعب السوداني، ودمَّرت البِنْية التحتية للدولة، واستهدفت المؤسسات القومية، وأكَّد رئيس مجلس السيادة حرص السودان على تطوير مجالات التعاون مع إثيوبيا، وذلك لخدمة المصالح المشتركة لشعبيْ البلديْن.
ختامًا:
إن ما يحكم التقارُب الإثيوبي مع الجيش السوداني ليس سوى المصالح، فعلى الرغم من تقارُب آبي أحمد منذ اندلاع الحرب مع قوات الدعم السريع واستضافته لحميدتي في العاصمة أديس أبابا، إلا أن دافع تقارُبه مع الجيش السوداني في هذا الوقت، تكْمُنُ مصلحته في تحييد الأطراف السودانية من ميناء بربرة، فضلًا عن ضمان عدم انتشار عدوى الحرب إلى بلاده، خاصَّةً بعد ظهور عدة تقارير، تشير إلى مشاركة ميليشيا فانو إلى جانب قوات الدعم السريع، وانتقال المعارك الدائرة من الحدود، وعلى ما يبدو أن البرهان يحاول إثبات حضوره بشكلٍ أوسع؛ لكسب دعم إقليمي حتى إذا كان مع حلفاء مقربين من الدعم السريع؛ وعليه يكْمُنُ حلّ الأزمة السودانية في أيدي السودانيين أنفسهم، فلا بُدَّ من أن تقوم كافَّة الأطراف السودانية بتقديم بعض التنازلات؛ لإنهاء الصراع والتوصُّل إلى حلٍّ سلميٍّ يُراعي مصالح الشعب السوداني في المقام الأول.
