فرضت الأوضاع غير المستقرة فى بعض دول جنوب ووسط آسيا ولاسيما باكستان وأفغانستان الطريق أمام الجماعات الإرهابية والمسلحة سواء كانت محلية أو إقليمية أو عابرة للحدود لمزيد من التمدد، وقد ارتبطت بالانسحاب الأمريكى من أفغانستان وتولى طالبان لمقاليد الحكم مرة أخرى فى منتصف أغسطس عام 2021، للإتيان ببيئة مناسبة لمزيد من الفرص فى سبيل إعادة التموضع وفرض السيطرة والتعاون المشترك بين الجماعات وبعضها البعض لتحقيق أقصى استفادة ممكنة فيما يتعلق بمصالحهم وأهدافهم المتنوعة، ومع تنامى المخاطر الأمنية المرتبطة بتلك التنظيمات وأنشطتها المتصاعدة بالنسبة لباكستان وأفغانستان أو الدول المجاورة لهما من ناحية، ومن ناحية أخرى بالنسبة للدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، وقد مثل ذلك التصاعد تحديًا بالنسبة لمصالح الأخيرة فى المنطقة خاصة مع انسحابها غير المدروس من البيئة الأفغانية وكذلك العلاقات المتوترة مع باكستان، الأمر الذى يرفع حالة التأهب الأمنى على المستوى الإقليمى لمواجهة ذلك الخطر من جانب الجماعات المتشددة.
وفى إطار تلك الفكرة طرح “معهد الولايات المتحدة للسلام United States Institute of Peace“[1] دراسة حول التحديات الإرهابية التى تؤثر على المصالح الأمريكية فى أفغانستان وباكستان وقد استعرض القائمون على تلك الدراسة تلك التحديات بناء على 4 اتجاهات رئيسية، ويركز الاتجاه الأول على سياسات حركة طالبان الأفغانية التى تحفز الإرهاب فى المنطقة، أما الاتجاه الثانى يتناول التهديدات المناهضة للولايات المتحدة فى أفغانستان، بينما يتطرق الاتجاه الثالث إلى الإرهاب المتركز فى باكستان ويزعزع استقرارها، فى حين يتناول الاتجاه الرابع والأخير الحركات المعادية للهند من أفغانستان وباكستان، وسيتم تناول تلك الاتجاهات بالتفصيل فى متن العرض مع الإشارة إلى الملاحظات الإجمالية بشأن تلك الورقة.
خريطة الجماعات الإرهابية فى باكستان وأفغانستان
أشارت بعض التقارير الدولية إلى أن منطقة جنوب ووسط آسيا شهدت نشاطًا إرهابيًا آخذًا فى التصاعد منذ عام 2022 مع استمرارية الهجمات النوعية ضد قوات الأمن وتكرار العمليات العنيفة فى أفغانستان وباكستان من جانب عدد من الجماعات الإرهابية مثل تهديدات “تنظيم داعش ولاية خرسان” و”تنظيم القاعدة” وفرعه الإقليمى فى آسيا و”تنظيم طالبان باكستان” الذى تنامى صعوده مع عودة طالبان للسلطة، فضلًا عن العديد من الجماعات المسلحة الناشطة فى كلا الدولتين وأبرزهم “الحركة الإسلامية الأوزبكية” و”تنظيم عسكر طيبة” و”عسكر الإسلام” و”جيش محمد” و”حزب المجاهدين” التى حاولت الحكومة الباكستانية كبح جماحهم، فضلًا عن بعض الجماعات الموجودة فى أفغانستان وذات أهداف سياسية ضد طاجيكستان وأوزبكستان مثل “اتحاد الجهاد الإسلامى” و”الإمام البخارى” و”جماعة أنصار الله” و”الحزب الإسلامى التركستانى” المعادى للصين، وفيما يلى سنقف على أبرز تهديدات تلك التنظيمات سالفة الذكر كما عرضتها الدراسة:
تنظيم داعش “فرع خرسان”:
تنامى تواجد تنظيم داعش فى خرسان بعد الانسحاب الأمريكى من أفغانستان وتركز تواجده فى شرق أفغانستان وأجزاء من شمالها وجنوبها وكذلك شمال غرب باكستان، ويعتبر ذلك الفرع هو الأخطر بالنسبة لفروع داعش المتمددة حول العالم لاسيما فى إفريقيا نظرًا لإستراتيجيه وأهدافه المتطرفة وسعيه لنزع الشرعية عن طالبان الأفغانية، وأيضًا التمدد خارج الأراضى الأفغانية ليصل تهديده إلى روسيا وإيران والدول الآسيوية المجاورة وكذلك أجزاء من أوروبا، ولدى ذلك الفرع حوالى 2000 إلى 2500 مقاتل فى أفغانستان الذين يتم تدريبهم قبل إرسال بعضهم إلى الخارج من أجل القيام بهجمات تابعة للتنظيم، ويتبنى بطبيعة الحال توجه الفرع المركزى لداعش المرتبط باستهداف العدو البعيد حيث القوى الغربية وغير الإسلامية المرتكزة ولديها مصالح داخل الأراضى الأفغانية، وعليه يسعى التنظيم لتوجيه ضربات للمصالح الأمريكية فى المنطقة بجانب المواطنين الأمريكيين وفقًا لتصريحات تابعة للقيادة المركزية الأمريكية “CENTCOM”.
تنظيم القاعدة المركزى:
تعتبر أفغانستان المعقل الرئيسى لنشأة تنظيم القاعدة منذ ثمانينات القرن الماضى الذى نشأت نواته على يد (عبد الله يوسف عزام) من خلال ما كانوا يعرفون بـ”المجاهدين فى أفغانستان” ليتولى قيادة التنظيم (أسامة بن لادن) الذى أسس التنظيم من أجل شن الجهاد العالمى وإقامة خلافة إسلامية عالمية، وقد توطدت علاقة التنظيم مع أفغانستان حينها واستمرت بصورة أكبر بعد تولى طالبان للحكم التى سمحت بتواجد عناصر وقيادات على الأراضى الأفغانية وحظيت على الدعم من طالبان وإن كان التعاون بينهم أخذ شكل التعاون الخفى، وفى هذا الإطار هناك رآيان متعارضان حول مدى تدعيم ركائز العلاقة بين طالبان والقاعدة وفقًا لتلك الدراسة المذكورة، الرأى الأول تتبناه الإدارة الأمريكية والتى أشارت وفقًا لتقييم حديث أن تنظيم القاعدة وصل إلى حالة الحضيض التاريخى فى أفغانستان وباكستان ولا يقدر له العودة إلى سابق عهده كما أنه مقيد بالقيود التى فرضتها طالبان فيما يتعلق بعد استخدام الأراضى الأفغانية مقاعدة انطلاق للإرهاب الدولى، بينما يتبنى الرأى الثانى فريق المراقبة التابع للأمم المتحدة والمعنى بتتبع ورضد حالة السلم والأمن فى أفغانستان ويعرض موقف متناقض بالنسبة للرأى الأول والذى يرى أن تنظيم القاعدة يعيد بناء صفوفه داخل أفغانستان ويسعى للتعبئة البشرية لصفوف التنظيم واحتماء التواجد فى معسكراتهم التى ساعدت الجغرافيا والتضاريس الأفغانية الوعرة على تواجدها، كما أن قيادته العليا تبحث عن ملاذ آمن داخل الأراضى الأفغانية ارتباطًا بتقديم طالبان ملاذ سرى لأعضاء وعائلات التنظيم فى أفغانستان وأبرزهم زعيم القاعدة السابق (أيمن الظواهرى)، ويستدل على ذلك من دعوة تنظيم القاعدة المركزى وفرعه فى جنوب شرق آسيا إلى شن هجمات فى المنطقة لاسيما التهديد بإطلاق عمليات ضد مواطنى الولايت المتحدة وسفاراتها وقواعدها.
تنظيم القاعدة فرع “شبه الجزيرة الهندية AQIS“:
ينبثق من تنظيم القاعدة المركزى فرع لا يمكن غض الطرف عنه وهو فرع شبه الجزيرة الهندية والتى أفادت القيادة المركزية الأمريكية فى تقدير لها فى شهر مارس المنصرم بأن هذا الفرع يدير معسكرات تدريب ومدارس دينية فى أفغانستان، فضلًا عن مواصلته للعمل من خلال علاقاته وشبكته من التنظيمات والجماعات المتحالفة معه والتابعة له فى جنوب آسيا.
حركة طالبان باكستان:
تعتبر حركة طالبان باكستان الجماعة الأشد خطورة فى باكستان والتى تهدف هجماتها إلى محاولة فرض الشريعة الإسلامية فى البلاد والسيطرة على الأجزاء الحدودية مع أفغانستان، وقد استطاعت الحركة تنظيم صفوفها وعناصرها التى بلغت طبقًا لتصريحات وزير الداخلية الباكستانى ما يقرب من 7 آلاف إلى 10 آلاف شخص، وقد طورت الحركة من إمكانياتها التى مكنتها من شن هجمات عديدة واسعة النطاق.
وقد تطورت بشكل خاص بعد سيطرة حركة طالبان الأفغانية على السلطة كمحاولة لتأسيس نموذج باكستانى يحاذى النموذج الأفغانى الذى يحكم البلاد، وتحتمى حركة طالبان باكستان فى طالبان الأفغانية التى تشترك معها فى الأهداف المشتركة والعقيدة والتوجه ومزاعم الحكم وفقاً للشريعة الإسلامية ورافض لبعض توجهات الحكومة الباكستانية وأبرز من تبنى هذا الرأى المتشدد زعيم طالبان (هبة الله أخوندزاده)، فضلًا عن قيام طالبان بعد تولى الحكم بإطلاق سراح الكثير من مقاتلى طالبان باكستان من سجن كابول وفرت ملاذًا آمنًا لهم، وتستخدم الأراضى الأفغانية لشن هجمات فى باكستان خاصة على مناطق الحدود حيث منطقة “خيبر بختونخوا”، ووفقًا لما ذكرته الدراسة فإن الحركة الباكستانية تلقت الكثير من الدعم من طالبان تنوع ما بين الإمداد بالأسلحة والمعدات وكذلك العناصر المقاتلة المنضمة من طالبان أفغانستان إلى طالبان باكستان.
التحديات الإرهابية المؤثرة على المصالح الأمريكية فى أفغانستان وباكستان
1- نهج طالبان لتمكين الإرهاب في المنطقة:
وشجعت عودة طالبان للسلطة عددًا من الجماعات الإرهابية التى اعتبرته نموذجًا يحتذى به ومصدرًا للإلهام ليس فقط داخل أفغانستان ولكن خارجها أيضًا، وعليه تحاول تلك الجماعات توطيد علاقاتها مع طالبان وتعهدت بالولاء للزعيم الأعلى لحركة طالبان من أجل الدعم وتوفير ملاذ للجماعات التى تصنف بأنها كيانات إرهابية، والاستفادة من المزايا التى تقدمها الحركة تجاه الجماعات الأخرى، وقد وصل تأثير ذلك النموذج التصاعدى إلى حد التنظيمات المعادية لطالبان مثل داعش ولاية خرسان الخصم الرئيسى الساعى إلى التنافس مع طالبان بل ويسعى إلى نزع الشرعية منه، ولكن يدور تساؤل هنا يتعلق بماهية وسببية السياسات التى تتبعها طالبان من أجل خلق بيئة مواتية للجماعات الإرهابية والمسلحة على النطاق الإقليمى.
وقد لفتت الدراسة النظر إلى تبنى طالبان نهج يقوم على العلاقة التبادلية مع تحالفاتها لخدمة مصالحها وأهدافها مثل علاقتها مع تنظيم القاعدة القائمة على الاستفادة فى مسائل التوجيه والاستشارة وتوظيف التنظيم لما لديه من خبرات قتالية نوعية، فضلاً عن علاقاتها مع حركة طالبان باكستان كأداة مهمة فى سياستها تجاه إسلام آباد، ناهيك عن السياسات التعليمية والاجتماعية والأمنية التى تتبعها طالبان وتمثل تحديًا لعملية مكافحة الإرهاب والتى تتبعها عبر شبكة من المدارس الدينية والمناهج التعليمية والممارسات المتطرفة التى تطبقها على فئات معينة لاسيما المرأة والنهج الأمنى المشدد، خاصة المرتبط بتكتيكات على طراز العقاب الجماعى ضد مجموعات اجتماعية ودينية معينة تحديدًا إذا كانت تدعم ولاية خرسان الذى يساهم بكل ما فى الدفع نحو ترويج التطرف الفكرى، وكذلك السلوكى العنيف والذى يرتبط بالترويج لأفكار الجهاد باعتبار تلك الإجراءات وسيلة للتغير السياسى والمجتمعى داخل أفغانستان.
أما فيما يخص سببية ممارسة طالبان لتلك السياسات لفتت الدراسة النظر إلى محاولة طالبان تدعيم شرعيتها السياسية والحفاظ على دوائر الدعم بين نطاقات موسعة من حلفائها وأتباعها باعتبار هؤلاء الجماعات لديهم قدرات عسكرية وكذلك استشارية يمكن الاستناد إليها فيما يخص تفاعلاتها ونزاعتها مع الدول الإقليمية أو الدولية، وذلك التفسير يفسر العلاقة الوثيقة وإن كانت تحظى بنوع من الخفاء بين طالبان والقاعدة فى مواجهة الخطر الأكبر المتمثل فى الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك تدعيم حركة طالبان باكستان فى مواجهة إسلام آباد ناهيك عن علاقتها بالحزب الإسلامى التركستانى فى مواجهة الصين.
2- التهديدات المناهضة للولايات المتحدة فى أفغانستان:
ركزت الدراسة على التهديدات ضد الولايات المتحدة وفقاً لما أشار إليه المركز الوطنى لمكافحة الإرهاب والتى ترتكز بالأساس على تنظيم القاعدة وتنظيم داعش ولاية خرسان والتى ارتبط تنامى تهديداتها بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، ويعتبر تنظيم داعش ولاية خرسان التهديد الأهم بالنسبة للولايات المتحدة ووفقًا لتصريحات قائد القيادة المركزية الأمريكية بأن ولاية خرسان تحتفظ بملاذ آمن فى أفغانستان وترتبط باحتفاظ المجموعة بنية ضرب المصالح الإقليمية للولايات المتحدة، وحقيقة الأمر تحاول خرسان إحراج حركة طالبان وتأكيد عدم قدرتها على توفير الأمن للقوى الخارجية والبعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية وغير الحكومية بجانب رغبتها فى الإطاحة بنظام طالبان، فضلًا عن إجبار القوى الكبرى على مراجعة إستراتيجيتها داخل أفغانستان، وطالت هجماتها المصالح التابعة للصين وباكستان وروسيا، فضلاً عن عملياتها الخارجية فى كل من إيران وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان. وعلى الرغم من تمكن طالبان من استهداف كبار عناصر التنظيم فى عام 2023 كما ورد فى الدراسة إلا أن استطاعت ولاية خرسان الرد المتبادل من خلال إلحاق بعض الضرر بطالبان واستهداف كبار قادتها بل وصل الأمر إلى تنفيذ هجوم واسع فى إيران المجاورة لأفغانستان من الناحية الغربية.
أما فيما يتعلق بتنظيم القاعدة فإن أيدولوجياتها قائمة بالأساس على محاربة وإضعاف العدو البعيد المتمثل فى الولايات المتحدة والغرب والتى ارتبطت بهجوم 11 سبتمبر الشهير، وما زالت تحاول اتباع هذا النهج المعادى للولايات المتحدة رغم التأكيدات الأمريكية على خمول التنظيم وعدم قدرته على إثارة تهديدات مماثلة لسابق عهده، وكما سلف الذكر فإن التهديدات الأخيرة للتنظيم أشارت إلى شن هجمات ضد الوطن الأمريكى مع تكرار التزامها بحرب طويلة ضد الولايات المتحدة، ناهيك عن الدعم الخفى لطالبان للقاعدة لمحاولة إعادة تنظيم صفوفه ولكن فى إطار من توجيه تحركاتها دونما أن تثير تهديدًا لمصالح طالبان فى كابول ومع القوى الأخرى.
3- التهديدات الأمنية فى باكستان:
شجع تغير السلطة فى كابول على تكثيف الهجمات العنيفة تجاه باكستان سواء من الجماعات داخل أفغانستان أو باكستان، وتعتبر حركة طالبان الباكستانية هى التنظيم الأبرز فى هذا الإطار ساعية لتدشين حكومة مماثلة لطالبان الأفغانية، وآملة فى دعم الأخيرة وتوفيرها لملاذات آمنة وتوفير أسلحة ومعدات عسكرية من أجل توسيع نطاق عملياتها ضد الحكومة الباكستانية، وسبق أن ركزت عملياتها على دعم حركة طالبان فى العقد الأول من القرن الحالى ضد قوات التحالف الأمريكية فى أفغانستان والحكومة الأفغانية السابقة، وعلى صعيد آخر تعاونت مع تنظيم القاعدة لتوجيه ضربات للقوات الأمريكية مثل العملية المشتركة التى قام بها التنظيمان لشن هجوم انتحارى على قاعدة فى شرق أفغانستان أسفرت عن مقتل عدد من ضباط وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ناهيك عن المحاولات التى باءت بالفشل فى وجه الولايات المتحدة سواء فى منطقة جنوب ووسط آسيا أو فى الداخل الأمريكى.
وعليه فإن حركة طالبان الباكستانية كما بينت الدراسة فإنها ابتعدت عن استهداف الولايات المتحدة منفردة إنما من خلال تحالفها مع التنظيمات سالفة الذكر، وذلك يفضى إلى تركيزها على إسلام آباد بشكل أساسى وليس ببعيد أن تغير طالبان باكستان هذا الوضع إذا استطاعت تحقيق مكاسب هائلة فى باكستان.
4- الحركات المعادية للهند من أفغانستان وباكستان:
تعتبر الهند شريكًا وقائدًا متشابهًا في التفكير في جنوب آسيا والمحيط الهندى بالنسبة للولايات المتحدة طبقًا لما أشارت إليه إستراتيجية الولايات المتحدة فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ بالهند، وعليه تسعى الولايات المتحدة لتكثيف تعاونها مع الأخيرة، وتنظر إلى التهديدات التى تواجه الهند لاسيما من جانب الجماعات المنهاضة لها من أفغانستان وباكستان من أجل دحرها للحفاظ على مصالحها وخططها فى المنطقة لاسيما فى مواجهة التحالف الصينى الباكستانى، ومن أهم تلك الجماعات المعادية للهند “تنظيم عسكر طيبة” و”جيش محمد” التى تلقت دعمًا من حكومة إسلام آباد كجزء من نزاعها الممتدد مع الهند، و”تنظيم القاعدة فرع شبه الجزيرة الهندية” التى تدعمه حركة طالبان اتساقًا من العلاقة الوثيقة مع تنظيم القاعدة المركزى، فضلًا عن العمل المشترك مع هذا الفرع أثناء نزاعه ضد الولايات المتحدة والحكومة الأفغانية السابقة.
ولكن أشارت الدراسة إلى تراجع هذا الدعم المقدم إلى تلك الحركات والذى ارتبط بالتهديدات المستمرة بالعقوبات من جانب الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية والضاغطة على الحكومة الباكستانية لتجنب احتمالات إدراجها على القائمة السوداء للدول الراعية للإرهاب، الأمر الذى يحملها على اتباع سياسة ضبط النفس تجاه مساندة الجماعات المناهضة للهند والتى تنطلق من باكستان هذا إلى جانب الهدوء النسبى بين إسلام أباد ونيودلهى المتعلق بوقف إطلاق النار على طول الحدود فى منطقة كشمير “خط السيطرة” من أجل الحد من تسلل الإرهابيين عبر الحدود، ولكن عاد التهديد إلى الواجهة مرة أخر منذ عام 2022 مع الانسحاب الأمريكى من الأراضى الأفغانية حيث تراجع الضغط على باكستان من ناحية ومن ناحية أخرى تهديد فرع تنظيم القاعدة الهند بهجمات عنيفة، كذلك توجيه ولاية خرسان العنف الإرهابى ضد الهند من أفغانستان.
تأسيسًا لما تم عرضه فيما سبق:
يمكن استنباط عدد من الملاحظات المهمة وتكمن الملاحظة الأولى فى أن التحولات فى المشهد الأمنى والإرهابى ارتبطت بشكل أساسى بالانسحاب الأمريكى من أفغانستان وتولى حركة طالبان لأمور الحكم فى إسلام آباد، ونظرًا لأن هذا الانسحاب رأه البعض حتى من داخل الكونغرس الأمريكى قرارًا متسرعًا وغير مدروس من الإدارة الأمريكية تزامن معه عدد من الارتدادات العسكية التى استغلتها بعض الجماعات لإعادة تجميع صفوفها وضرب المصالح الأمريكية ونزع عدم الاستقرار الأمنى فى المنطقة، أما التعاون المشترك مع حركة طالبان أو بالعداء تجاهها لنزع الشرعية عنها والتواجد محلها، وذلك على الرغم من الاتفاق الذى وقعته مع الولايات المتحدة بعدم السماح بأي عملية إرهابية على أراضيها ضد أى دولة.
بينما تدور الملاحظة الثانية حول أن تنظيم القاعدة يعانى من بعض التحديات التى تحجم من تحركاته وتُعيد حساباته فيما يتعلق بالهجمات ضد المصالح الغربية وارتبط ذلك التوجه مع بعد تولى (سيف العدل) المقيم فى إيران قيادة تنظيم القاعدة خلف (أيمن الظواهرى) حيث اختلفت بعض ملامح أجندة التنظيم المركزى بشكل ما فى الأبعاد الأمنية والتنظيمية والمالية من أجل تأسيس لمرحلة جديدة من العمل الجهادى يعتمد على ضبط النفس من ناحية ويحافظ بها على علاقاته مع حلفائه مثل حركة طالبان الأفغانية.
فى حين تتمحور الملاحظة الثالثة إلى الاهتمام الأمريكى المتصاعد بمنطقة آسيا ولاسيما منطقة جنوب ووسط آسيا انطلاقًا من التوجه الأمريكى للانعطاف نحو آسيا وتثبيت أواصر العلاقات مع الدول الإقليمية لاسيما مع الصعود الصينى المتنامى والمرتبط بمشروع الحزام والطريق، وعليه تسعى أمريكا إلى إعادة الحسابات للتهديدات والمخاطر التى ترتبط بأهدافها وإستراتيجيها فى المنطقة والتى يقع على رأسها علاقتها مع طالبان، وتعرقل تلك التهديدات تحركات الأخيرة لنيل الشرعية للاعتراف الدولى بها .
المصادر:
[1] Senior Study Group on Counterterrorism in Afghanistan and Pakistan, “Afghanistan’s and Pakistan’s Dangerous, Threat Landscape for US Interests”, United States Institute of Peace, May 2024, Available on:
