إعداد : جميلة حسين محمد
أصدرت حركة طالبان المسيطرة على مقاليد الحكم في أفغانستان مطلع هذا الأسبوع قرارا لجميع المنظمات غير الحكومية سواء المحلية أو الدولية بمنع السماح للنساء بالذهاب إلى العمل حتى إشعار آخر، وقد سبق هذا القرار بيان بمنع الفتيات من دخول الجامعات، لتستمر حالة الاضطهاد ضد حرية المرأة الأفغانية في البلاد.
فما السبب وراء هذا القرار؟ وما مظاهر حياة المرأة في المجتمع الأفغاني في ظل حكم طالبان؟ وما الآثار المترتبة على هذا القرار؟
وعدت الحركة منذ تولى الحكم في أغسطس عام 2021 بحكم أكثر اعتدالًا مع احترام حقوق المرأة والأقليات، ولكنها وضعت بعض القواعد الملزمة للمرأة الأفغانية، فقامت بإغلاق المدراس الثانوية للبنات، ومنعت النساء من دخول الحدائق العامة وبعض الأماكن خاصة في العاصمة كابول، كما تضمنت تحديد زي إسلامي معين لهن “البرقع أو النقاب”، وجاء الإشعار في إطار عدم التزام البعض بقواعد الزي الإسلامي المحددة من قبل سواء في الجامعات أو المنظمات غير الحكومية، وقد شمل القرار عدد 180 منظمة غير حكومية تابعة لهيئة التنسيق الأفغانية الخاصة بالمنظمات الإنسانية، وقد حذرت الحكومة بتعليق ترخيص الجهة التي لن تمتثل لهذا القرار.
مظاهر حياة المرأة الأفغانية:
- سلب حرية المرأة الأفغانية: حاولت المرأة الأفغانية خلال العشرين عامًا الماضية كسب جزءا من حريتها، إلا أنها بعد تولى طالبان فقدتها، وأصبحت تعاني من التهميش وتضييق الخناق والقيود على حقوقها وتحركاتها حتى في ممارسة الرياضة، والسفر بمفردها.
- الفصل بين الذكور والإناث: بعد سيطرة طالبان على الحكم، اتخذت قرار الفصل بين الذكور والإناث داخل الجامعات خاصة في العاصمة كابول، مبررة ذلك بأن التعليم المختلط يتعارض مع مبادئ الإسلام والقيم والعادات والتقاليد الأفغانية.
- استمرار احتجاج الأفغانيات: وسط الحياة الهامشية التي تعيشها الأفغانيات، يواصلن احتجاجهن ومناضلتهن من أجل الحصول على حقوقهن الأساسية والمساواة في التعليم والعمل، على الرغم من قمع تلك التجمعات والاحتجاجات وتعرضهن للاحتجاز.
تداعيات القرار:
على المستوى الدولي، أثار القرار عدد واسع من ردود الفعل السلبية والانتقادات المحلية والدولية على حد سواء، فقد أعربت بعض المنظمات الدولية كالأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية عن استيائها تجاه القرار التي اعتبرته انتهاكا أساسيا لحقوق الإنسان، وتمييز مستهدف ضد المرأة الأفغانية، ومحاولة لاستبعاد المرأة من مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أفغانستان، الأمر الذي يتعارض مع المعايير العالمية لحقوق الإنسان التي تقوم عليها المجتمعات المسالمة والمستقرة، والذى يؤثر من ناحية أخرى على إمكانية الاعتراف الدولي بحكومة الحركة.
وكذلك الاتحاد الأوروبي الذى اعتبر القرار تقييدًا قاسيًا لقدرة النساء الأفغانيات في ممارسة الحقوق والحريات الأساسية، وأكد الاتحاد تأثير هذا الأمر على مسألة المساعدات الإنسانية لأفغانستان خلال فصل الشتاء، خاصة مع الإشارة إلى حاجة 28 مليون أفغاني إلى المساعدات الإغاثية خلال العام المقبل؛ ومن ناحية أخرى فإن برامج المساعدة تحتاج في تنفيذها إلى كوادر نسائية للعمل في تقييم الاحتياجات الإنسانية وتحديد المستفيدين وتقديم العون وتوزيع المساعدات.
وأدانت العديد من الدول تلك الممارسات القسرية ومن أبرزهم دولة قطر التي دعت الحكومة الأفغانية إلى مراجعة قرارها بما يتفق مع تعاليم الإسلام والحقوق التي منحها للمرأة، وأكد بيان قطر دعمها للشعب الأفغاني، والتزامها بالعمل مع الحكومة الأفغانية والشركاء الدوليين من أجل تمتع جميع فئات الشعب الأفغاني وخاصة المرأة بحقها في التعليم.
بالإضافة إلى السعودية التي عبرت عن القرار بـ”استغراب وأسف” وطالبت الحكومة الأفغانية بقيادة حركة طالبان التراجع عن قرارها بمنع المرأة من التعليم الجامعي، وتمكينها من حق التعليم، خاصة وأن هذا المنع لا يجوز في الشريعة الإسلامية التي حفظت حقوق المرأة وجعلت حق التعليم في صدارة الحقوق الممنوحة لها.
وعلى المستوى المحلي، هناك تخوف من هذا الاستبعاد وأثره على خطر الزواج القسري والزواج المبكر والعنف الممارس على المرأة من جانب الحركة، خاصة بعد مساهمة المرأة الأفغانية في العديد من المجالات على مدار السنوات الماضية، ومن ثم تحاول المرأة الأفغانية التعبير دوما عن رفض قرارات الحركة التي تفرض قيودًا على حقوقها الأساسية.
وبعد هذا القرار تظاهر العديد من الفتيات الأفغانيات في ولاية (هرات) بغرب أفغانستان للاحتجاج على منعهن من دخول الجامعات وحرمانهن من الحق في التعليم تحت شعار” التعليم حقنا”، ومن أبرز الاحتجاجات أيضاً تلك التي نظمتها الطالبات والناشطات في مجال حقوق المرأة في العاصمة كابول
في شهر مارس الماضي بعد قرار طالبان بحظر التحاق الفتيات بالمدراس بعد الصف السادس تحت شعار “سوف نقاتل من أجل حقوقنا حتى النهاية.. ولن نستسلم”، وقد لاقت الاحتجاجات رد فعل عنيف من قبل الحركة لقمع المتظاهرين وصل إلى استخدام رشاشات المياه والسياط، وتم الاعتداء عليهن واعتقال بعضهن.
وختامًا
إن سجل حركة طالبان في مجال حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة ليس وليد اللحظة إنما مترسخا في أفكارهم ومعتقداتهم منذ حكمت الحركة أجزاء كبيرة من أفغانستان وسيطرت على العاصمة الأفغانية كابول عام 1996، فسياستهم المنتهجة تجاه المرأة تعتبر الأكثر عنفًا ووحشية لما تنتهكه من حقوق الإنسان، وتؤثر بشكل كبير على مسار تنمية أفغانستان بفقدها عدد كبير من الوظائف التي تلعبها المرأة في المجتمع، ومن ثم لابد أن يتخذ المجتمع الدولي والحكومات بعض التدابير الصارمة تجاه تلك الممارسات لتراجع الحركة عنها وتقويمها بما لا يتنافى مع القانون الدولي من ناحية، ويحافظ على عدم عزلة أفغانستان، وينقذ المستوى المعيشي للشعب الأفغاني من التدهور من ناحية أخرى.