المقالات
مركز شاف لتحليل الأزمات والدراسات المستقبلية > تقارير وملفات > وحدة الدراسات الأفريقية > حملات التحريض السياسي: مصر بين حرب غزة وحملات التشويه
حملات التحريض السياسي: مصر بين حرب غزة وحملات التشويه
- أغسطس 11, 2025
- Posted by: Maram Akram
- Category: تقارير وملفات وحدة الدراسات الأفريقية
لا توجد تعليقات

إعداد: آية أشرف
باحث في برنامج الأمن والإرهاب
في خضمّ الأحداثِ المتسارعة التي شهدتها المنطقة منذ 7 أكتوبر 2023م برزت حملةٌ تحريضيةٌ ممنهجةٌ تستهدف الدولة المصرية موجّهةً تهماً وتشويهاً صارخاً لمساعيها الحثيثة في لَعبِ دور الوسيط المركزيِ في أزمة غزة، تميزت هذه الحملة بأساليب متطورة شملت نشْرَ الأخبارِ الزائفةِ وتشويهِ الحقائق، واعتماد تقنيات الجيوش الرقمية والحرب المعلوماتية والتظاهر أمام السفارات المصرية في الخارج، لتُعيدَ صياغةً المشهد الداخلي والخارجي بما يخدمُ أجنداتٍ محددةً ومعقّدةً، اتضحَ من خلال رصْدِ توجّهات هذه الحملة ومواردها الضخمة أن هناك تنسيقاً بين جماعاتٍ محليةٍ وإقليميةٍ وأطرافٍ دوليةٍ مما يعكس الأبعاد السياسية الأمنية الاستراتيجية لهذا التحريض، لا سيَّما في ظل مكانة مصر كنقطة ارتكازٍ إقليميةٍ ودولية في المحاولات الرامية إلى تحقيق استقرارٍ وسط الصراعات المفتوحة والمتجددة، إلا أن هذه الحملة التي انطلقت من جهاتٍ متعددةٍ داخليةٍ وخارجيةٍ تعمل على زعزعة الثقة بين مصر وشعوب المنطقة ومن ثمَّ تقويض علاقاتها الإقليمية والدولية مستغلةً بذلك التطورات السياسية والإنسانية في غزة كحجةٍ لشنِّ هجماتٍ سياسيةٍ إعلامية حادة.
وعليه نسلط الضوء من خلال هذا التقرير على دلالات السياق الزمني والإقليمي لهذه الحملات، ومستعرضاً أهدافها وتداعياتها، وموضحاً الاستراتيجيات المصرية المتبعة لمواجهتها.
السياق الزمني والإقليمي
تشهد الدولة المصرية حالياً موجةً متصاعدةً من حملات التحريض الممنهجة التي بدأت في 2023م برزت وتبلورت بشكلٍ خاصٍ خلال 2024م وتصاعدت بشكلٍ أكثرَ حدّةً وشراسةً خلال 2025م، تتغذى هذه الحملات بشكل أساسي على الأزمة المستمرة في قطاع غزة والادعاءات المتعلقة بمعبر رفح مستغلةً السياق الجيوسياسي الراهن لزعزعة الاستقرار الداخلي والخارجي، هذه الحملةُ لا تُعدُّ الأولى من نوعها ضد الدولة المصرية إلا أن خطورتها تكمن في كونها تشهد تكثيفاً ملحوظاً للجهود التحريضية التي بدأت منذ أواخر عام 2023م، مع نشاطٍ كبيرٍ خلال عام 2024م وامتداداً إلى عام 2025م، علاوةً على ذلك اعتمادها على القضية الأكثر مركزية وشعبيه في المنطقة، حيث يدورُ المحورُ الأساسيُ لهذه الحملات حول الصراع المستمر في قطاع غزة ودورِ مصر فيما يتعلق بمعبر رفح، تُبث هذه الحملات ادعاءاتٍ كاذبةً تتهم مصر بإغلاق معبر رفح وعرقلةِ وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة وذلك على الرغم من التأكيدات المصرية الرسمية المتكررة بأن المعبرَ مفتوحٌ من الجانب المصري وأن القوات الإسرائيلية هي التي تسيطر على دخول المساعدات ([1]).
تتجلّى تكتيكاتُ النشر في تنظيمِ احتجاجاتٍ أمام السفارات والبعثات الدبلوماسية المصرية في عدة دول حول العالم إلى جانب حملاتٍ واسعةِ النطاق على وسائل التواصل الاجتماعي، وعليه فإن الارتباطَ المتسّقَ لهذه الحملات بأزمة غزة ومعبر رفح يُشيرُ بقوةٍ إلى أنها ليست عشوائيةً أو عفويةً بل هي مصممة بشكل استراتيجي لاستغلال الأزمات الإنسانية والسياسية الإقليمية الكبرى. يمثل التركيز المتعمد على معبر رفح وهو ممرٌ حيويٌ للمساعدات الإنسانية خطوةً محسوبةً لإثارة ردود فعل عاطفية قوية وتوليد ضغط دولي بغض النظر عن الحقائق على الأرض، الأمرُ الذي يشير إلى نهْجٍ متطورٍ وانتهازيٍ لاستغلال المخاوف الإنسانية لتحقيق أهدافٍ سياسيةٍ كامنةٍ بهدف نزع الشرعية عن الجهود الإنسانية المصرية ودورها الإقليمي الأوسع ووضعها كعائقٍ بدلاً من مُيسّرٍ للمساعدات والاستقرار من جهة، ومن جهةٍ أخرى الضغط عليها لفتح حدودها للتهجير الجماعي مما يجعلها تتحدى بشكل مباشر هذا الخط الأحمر الأساسي للأمن القومي ([2]).
وعلى صعيدٍ ءخر فإن التحولاتِ الكبيرةَ في الديناميكيات الإقليمية في أعقاب السابع من أكتوبر 2023م ساهمت في تصعيد التوترات القائمة وفتْحِ آفاقٍ جديدةٍ للتحريض ضد الدولة المصرية؛ فقد فرض النطاق غير المسبوق للصراع في غزة وتداعياته الإنسانية الوخيمة ضغوطاً هائلةً على الفاعلين الإقليميين ،وخاصةً مصر، فأسفرت الحربُ عن كارثةٍ إنسانيةٍ غير مسبوقةٍ وعنف واسع النطاق ، بالإضافة إلى وجود تركيزٍ دوليٍ مكثّف على القضية الفلسطينية مصحوباً بمخاوف متزايدة بشأن عدم الاستقرار الإقليمي الأوسع لا سيًَما في ظل استمرار غياب الحلول السياسية وتصعيد الأنشطة الاستيطانية في الضفة الغربية.
وعليه فنحن أمام صراعٍ طويل الأمد لا يلوح في أفقه السياسي حلٌّ واضحٌ في المدى المتوسط والقريب، هذا الواقعُ الضبابيُ يوفر أرضًا خصبة للتحريض؛ فعندما يصبح الصراع طويلاً وتظهرُ الحلولُ المُجديةُ بعيدةَ المنال يتصاعد الإحباط العام مما يجعل السكان أكثر عرضةً للروايات التي تُلقي باللوم على جهات خارجية، وتأتي سناريوهات التحريض ضد مصر في ظل هذا الإطار الذي يتهمها بالتواطؤ أو التقاعس من خلال استغلال الشعور السائد باليأس ،ومن ثمَّ تحويل الغضب الشعبي بعيدًا عن المعتدي الرئيسي ونحو وسيط إقليمي مهم وبالتالي تقويض جهود الاستقرار الإقليمي الأوسع.
وعليه فإن حرب غزة أثّرت بعمقٍ على التوازنات الإقليمية كاشفة عن خطوط الصدع القائمة ومكثفة الصراع على مستقبل القضية الفلسطينية، مع سعْي بعض الأطراف بنشاطٍ لتحييدها أو تصفيتها؛ كما أدّى إلى موجةٍ من الاستقطاب السياسي العميق مع تقديم تحدياتٍ استراتيجيةٍ جديدةٍ على نطاقٍ عالميٍ، كما كشف بوضوحٍ عن محاولاتٍ إسرائيليةٍ وأمريكيةٍ لتصفية القضية الفلسطينية من خلال التخلّي الفعلي عن أساس التسوية المتمثل في حل الدولتين، كما أبرزت الحرب حدود القوة الأمريكية المتصورة وتورطها المزعوم في سقوط ضحايا مدنيين، وعليه فإن الحرب أسفرت بشكلٍ عام عن “استقطابٍ سياسيٍ” عميقٍ وتحدياتٍ استراتيجيةٍ جديدةٍ شكلت جميعها حالة من الإحباط الإقليمي الواسع النطاق الناتج عن التقاعس الدولي المتصور وتآكل المعايير الدولية يمكن استغلاله استراتيجيًا لصالح حملات التحريض ضد أطراف وفاعليين إقليميين في مقدمتهم مصر.
تكشف هذه الحملات لا سيَّما دعوةُ فلسطينيي الداخل للتظاهر حول السفارات المصرية في تل أبيب والعواصم العربية والغربية عن جهد متطور ومنسّقٍ يشمل عناصرَ فلسطينيةً داخليةً مثل “اتحاد أئمة المساجد في الداخل الفلسطيني” وفاعلين خارجيين أبرزهم جماعة “الإخوان المسلمين” وعناصر إسرائيلية تعمل خلال شبكة معقدة ومتعددة الطبقات من الفاعلين تتشاركُ في مصلحةٍ فوريةٍ مشتركةٍ تتمثل في تقويض الدور الإقليمي لمصر وسياستها الراسخة تجاه القضية الفلسطينية، كما تكشف هذه الحملات متعددة الجوانب بقوةٍ عن توافقٍ استراتيجيٍ بين قوى تبدو متباينةً ضد الاستقرار المصري عزّز من ذلك المشهد الدولي المتأزم الذي فشل في إجبار القوة المعتدية بالرضوخ لقواعد القانون الدولية الأمرُ الذي أكد بشكلٍ كبيرٍ على تراجع الالتزام بالمعايير الدولية لا سيَّما فيما يتعلق بالقانون الإنساني وحماية المدنيين مما زاد من تعقيد الجهود الرامية إلى حلّ القضية الفلسطينية، الأمرُ الذي خلقَ فراغًا خطيرًا مكّن الروايات المتطرفة من استغلاله بسهولة، فإن هذا التآكل في الثقة بالمؤسسات الدولية يؤدي بشكلٍ حتميٍ إلى زيادة تقبّل السكان المحبطين للدعوات المتطرفة والروايات المغلوطة بما في ذلك التحريض ضد الدول التي يُنظر إليها على أنها جزءٌ من “النظام” أو أنها لا تفعل “ما يكفي”، وعلى صعيدٍ آخر تغذي هذه الديناميكية بشكل مباشر أهداف جماعات مثل “الإخوان المسلمين” التي تزدهر على مثل الظروف.
تجدُ مصر نفسها تتنقل في بيئةٍ جيوسياسيةٍ معقدة حيث تتعرض لضغطٍ متزامنٍ من فاعلين دوليين لقبول سياسات تضر بأمنها القومي بشكل مباشر وفاعلين من غير الدول متمثلين في أشخاصٍ وجماعاتٍ تدير ضدها حملات تحريض عنيفة، مما يخلق وضعًا دبلوماسيًا صعبًا للقاهرة تحاول التنقل خلاله بمهارة ودقة عالية لتحقيق التوزان بين التوقعات والمطالب الدولية مع الدفاع الثابت عن قراراتها السيادية ومصالحها الأمنية القومية ضد جهود زعزعة الاستقرار الداخلية والخارجية، وعلى صعيدٍ آخر فإن التركيز المشروع للمجتمع الدولي على تسليم المساعدات ، ربما عن غير قصد، أدى إلى توفير منصة للتحريض ضد “القاهرة” إذا كان تدفقُ المساعدات يُنظر إليه على أنه غير كافٍ بغضّ النظر عن المسؤول الحقيقي عن العوائق.
أشكال ومصادر الدعوات التحريضية ضد الدولة المصرية
يعتمد جزءٌ كبيرٌ من حملات التحريض الحالية على نشر معلوماتٍ كاذبةٍ على نطاقٍ واسع لا سيّما عبر وسائل التواصل الاجتماعي بهدف تشويه دور مصر وإثارة الاضطرابات العامة بالتزامن مع نشر أخبار تستهدف النيل من مؤسسات الدولة كنشر “فيديوهات كاذبة عن اعتداءات على أقسام الشرطة المصرية” يزعم احتجاز ضابط شرطة للضغط على الحكومة لفتح رفح وعلى الرغم من تأكد الداخلية المصرية على عدم صحةِ الفيديو وعدمِ واقعية هذه الحادثة فإنه يشير إلى استخدام تكتيكات خداعية ممنهجةٍ لتشويه صورة مصر ومؤسساتها الأمنية على وسائل التواصل الاجتماعي، إن الإشارةَ والاستخدامَ الصريحَ لتكتيكات “الفيديوهات الكاذبة” و”الحملات الممنهجة” تشير بقوة إلى استراتيجية تضليل منسقة جيدًا وذات موارد كبيرة تتجاوز مجرد الغضب الشعبي العفوي ليؤكدَ أن مصر أمام تحدٍّ من نوعٍ مختلف من التحديات الأمنية متمثلاً في حرب المعلومات ممنهجة تعتمد على تقنيات متقدمة مثل التزييف العميق (deep fakes) أو لقطات تمَّ التلاعبُ بها لإنشاء سردٍ عاطفيٍ للغاية ومقنعٍ بل ويمتد هدفُ هذه الحملات إلى ما هو أبعدُ من مجرد الرأي العام؛ فهي تهدف إلى زعزعة الاستقرار الأمني الداخلي من خلال محاولة زرْعِ عدمِ الثقة بين الشعب وقوات الأمن والنظام بشكل عام.
وعلى صعيدٍ آخر ساهمت تصريحاتُ قياداتٍ بارزةٍ في حركة “حماس” ولا سيما “خليل الحية” في تغذية هذه الحملات من خلال التشكيك في دور مصر أو إلقاء اللوم ضمنيًا عليها في الأزمة الإنسانية في غزة بعبارات مثل “أيموت إخوانكم في غزة من الجوع وهم على حدودكم؟!” ودعواته “للشعوب بالزحف إلى فلسطين براً وبحراً، تكشف هذه التصريحات عن تحوّلٍ استراتيجيٍ متعمّدٍ في السرْدِ العام الذي تتبناه حركة المقاومة وممثليها وعددٌ كبيرٌ من المؤثرين والفاعلين الفلسطينيين على المستوى الرسمي والشعبي داخل غزة وخارجها فبدلاً من توجيه اللوم حصريًا لإسرائيل يحاولون بشكلٍ متزايدٍ إلقاءَ اللوم على حلفاء إقليميين مثل مصر([3]) ، يخدم هذا التحول عدة أهداف استراتيجية:
تحويلُ الانتقادات المتزايدة داخل المجتمع الفلسطيني بعيداً عن حوكمة حماس وخياراتها الاستراتيجية سواء في المفاوضات أو فيما بعد الحرب.
ممارسةُ الضغط على مصر لاتخاذ إجراءات أكثر راديكالية تتماشى مع أهداف حماس القصوى، مثل فتح الحدود للتهجير الجماعي.
حشْد الرأي العام الأوسع ضد الدول العربية التي يُنظر إليها على أنها لا تفعل “ما يكفي”، وبالتالي تقويض الاستقرار الإقليمي الأوسع وجهود السلام القائمة.
وعليه فنحن أمام خطواتٍ محسوبةٍ لتوسيع نطاق الصراع إلى ما وراء الديناميكية الإسرائيلية الفلسطينية المباشرة الأمرُ الذي يخدمُ حلم إسرائيل الكبرى والشرق الأوسط الجديد الذي تسعى الحكومة اليمينة المتطرفة بقيادة نتنياهو لتحقيقه على حسب دماء الأبرياء في غزة، وعلى صعيدٍ آخر فإن التصريحات العشوائية وغير المحسوبة بدقة من قادة الحركة وعدد من المؤثرين الفلسطينيين تخلق معضلة دبلوماسية عميقة وحساسة فيما يتعلق بملف المفاوضات التي تتولى مصرُ مسؤوليته في المقام الأول بالتعاون مع قطر الأمرُ الذي يعمل على تقويض الثقة بين القاهرة وحماس ويخلقُ حالةً من الغضب الشعبي المصري الرافض توجيه الاتهامات ضد وطنه مما قد يؤدي إلى تآكلِ الثقة العامة بين كل الأطراف، لذلك تعمل مصر على معايرةِ وتقييم هذا التحدي بعناية من خلال بياناتٍ رسميةٍ تدحضُ المزاعم مع استمرارها الثابت في تقديم المساعدات الإنسانية والاستمرار في موقفها الراسخ في ملف المفاوضات هذا التوازنُ الدقيقُ مع إعطاء الأولوية للأهداف الاستراتيجية للقضية وهي رفض التهجير وحشد الدعم الدولي حول اقتراح حل الدولتين.
وفي ذات الإطار برزت الاحتجاجاتُ المنظمةُ، لا سيَّما تلك التي جرت في تل أبيب، كشكلٍ مرئيٍ ورمزيٍ للغاية من أشكال التحريض ترتبط بجماعات محددة وروايات تتهم مصر بالتواطؤ في أزمة غزة، وقد شملت هذه الدعوات التي أطلقها الشيخ “نضال أبو شيخة” رئيس اتحاد أئمة المساجد في الداخل الفلسطيني استهداف السفارة المصرية في تل أبيب تحديدًا، وقد لوحظ أن هذه الاحتجاجات تشمل عناصر مرتبطةً بجماعة الإخوان المسلمين والأبرز أنها شهدت رفْعَ الأعلام الإسرائيلية([4])، مما أثار إدانةً شديدةً من المسؤولين المصريين والفلسطينيين على حد السواء، فقد أدان السفير الفلسطيني لدى القاهرة “دياب اللوح” هذه المظاهرات علنًا واصفًا إياها بأنها “ترتيبٌ ممنهجٌ ومقصود” يهدف صراحة إلى تحويل الانتباه عن الجرائم الإسرائيلية الفعلية في غزة ([5]).
وعليه فإن الاحتجاجاتِ التي تُنظم أمام البعثات الدبلوماسية ليست مجردَ تعبيرٍ عن السخط؛ بل هي أعمال رمزية للغاية مصممة لتحقيق أقصى تأثيرٍ سياسيٍ يهدف إلى تدويل الاتهامات ضد مصر وخلْق مشهدٍ عامٍ يجذْبِ اهتمامًا إعلاميًا كبيرًا مما يشير إلى أجندة أعمق أصبحت أغلب تفسيراتها ضبابيةً خاصةً في ظل شبكة التحالفات المشبوهةِ التي تُدار بين الفواعل المؤثرة في المنطقة و في القضية على وجهة التحديد فحقيقة أن كلاً من جماعة الإخوان المسلمين وبعض العناصر الإسرائيلية إما متورطون بشكلٍ مباشرٍ في حملات التحريض ضد مصر أو يستفيدون منها تكشف عن تقارب مذهل في الأجندات المتباينة، فبينما تختلف أهدافهم النهائية على المدى الطويل بشكلٍ جوهريٍ يبدو أنهم يتشاركون في هدفٍ فوريٍ مشتركٍ يتمثل في تقويض سياسة مصر الحالية ومكانتها الإقليمية.
بالنسبة للإخوان المسلمين الهدف هو نزْعُ الشرعية عن الدولة المصرية وقيادتها، أما بالنسبة لبعض العناصر الإسرائيلية، فقد يكون ذلك تكتيكًا لتحويل اللوم الدولي عن الأزمة الإنسانية في غزة أو لممارسة الضغط على مصر فيما يتعلق بالترتيبات الأمنية في المنطقة الحدودية، يسلط هذا “التحالف ” الضوء على الطبيعة المعقدة وغير بديهية والانتهازية لديناميكيات القوة الإقليمية حيث يمكنُ للأعداء أن يجدوا أرضيةً مشتركةً مؤقتةً في زعزعة استقرار لاعب إقليمي رئيسي.
الأهداف والتداعيات
تتعدد الأهدافُ الجوهريةُ لهذه الحملات التي تعد حلقةً ضمن سلسلةٍ أعقد مما هو ظاهر لتشملَ تقويض الاستقرار الداخلي لمصر وثقة الجمهور وزعزعة استقرارها الاقتصادي وتشويه صورتها الدولية، بالإضافة إلى الضغط على القاهرة لقبول سيناريوهات التهجير القسري للفلسطينيين، ويمكن تحليل هذه الأهداف كالآتي:
تضليلُ الرأي العام وإثارةُ الفوضى الداخلية والتحريض ضد مؤسسات الدولة.
نشرُ الخوف والقلق بين المواطنين المصريين وخلْقُ شعورٍ بـ”العدوى السياسية” ورسْم أوجه تشابهٍ كاذبةٍ بين الوضع في مصر وحالة عدم الاستقرار والدمار التي شهدتها دول إقليمية أخرى، مثل سوريا.
زرعُ شكوكٍ عميقةٍ في مؤسسات الدولة المصرية وتعزيز الانقسامات الداخلية وبالتالي تقويض النسيج الاجتماعي والتماسك الوطني.
نزْعُ الثقة العربية على المستوى الرسمي والشعبي بين مصر من جهةٍ والشعوب العربية من جهة أخرى.
تشتيتُ الجهود الشعبية والرسمية وتشتيتُ الانتباه العربي عن قضيته الأم وعن المعاناة التي يشهدها القطاع وعن الأسباب الفعلية التي تعرقل وقف إطلاق النار سواء من قِبلِ حماس أو من قِبلِ إسرائيل، وتحويل القضية لوسيلة مكايدة وتشويه.
التشويهُ المنهجيُ لصورة مصر الدولية مع استهداف خاص لدعمها الثابت والتاريخي للقضية الفلسطينية، وتشويه مصداقيتها كوسيطٍ إقليميٍ حاسمٍ وشريك موثوق به في الدبلوماسية الدولية، وبالتالي إضعاف نفوذها في المناقشات الجيوسياسية الحيوية.
ممارسةُ الضغطِ على مصر لقبول التهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء.
أثارتْ حملات التحريض هذه تداعياتٍ خطيرةً ومتعددةَ الأوجه على الدولة المصرية تمسُّ استقرارها الداخلي وأداءها الاقتصادي ومكانتها الدولية وتفرض ضغوطاً جيوسياسية، نستعرضها كالآتي:
التأثير على التماسك الداخلي والأمن القومي
تؤدي هذه الحملات إلى تداعياتٍ خطيرةٍ على التماسك الداخلي والأمن القومي المصري. فهي تسعى إلى تضليل الرأي العام ونشْرِ الفوضى، مما يزرعُ الخوفَ والقلقَ بين المواطنين، كما تهدف إلى تقويض الوحدة الوطنية وتآكل ثقة الجمهور في مؤسسات الدولة مما يخلقُ انقساماتٍ داخليةً ويُضعفُ النسيجَ الاجتماعيَ، كما تساهم في الانتشار الواسع للشائعات والمعلومات الكاذبة لا سيَّما عبر وسائل التواصل الاجتماعي مما يجعل الشعب أكثر عُرضةً للأيديولوجيات المتطرفةِ والمشاعرِ المُعادية للحكومة، وفي نهاية المطاف، الاضطرابات الداخلية، وعلى صعيدٍ آخر تفرضُ هذه الحملات ضغوطاً متزايدةً على الجهد العسكري والأمني لمصر، ففي ظل تزامنها مع عودة التهديد الإرهابي لأزرع الإخوان المسلمين وتصاعد التوترات في المنطقة، حيث أصبحت حدودُ مصر الأربعة ملتهبةً، تضطرُ الدولة لتعزيز وجودها العسكري على الحدود الشرقية بشكل خاص، هذا الضغطُ لا يقتصر على الجانب العسكري فحسب بل يمتدُ ليؤثرَ على القدراتِ الأمنيةِ الشاملة في وقتٍ تخوض فيه مصر حرباً مستمرةً ضد الإرهاب ورغم امتلاك مصر لجيشٍ قويٍ وذي ثِقَلٍ إقليميٍ وعالميٍ فإن هذه الحملات تهدف إلى استنزاف الموارد والجهود الأمنية والعسكرية وتحويل الانتباه عن مسار التنمية والاستقرار.
التداعيات الاقتصادية
تتسببُ حملات التحريض في تداعياتٍ اقتصاديةٍ وخيمةٍ حيث تزيد من تفاقم الضغوط الاقتصادية الناجمة عن الأزمات الإقليمية كحرب غزة، تُقدر دراسات الأمم المتحدة انخفاضاً في الناتج المحلي الإجمالي لمصر يتراوح بين 2.6% و3.0%، وارتفاعاً في معدل البطالة من 7.8% إلى 9.1% في ظل سيناريوهات الصراع المختلفة، كما تتوقعُ خسائرَ كبيرةً في إيرادات السياحة وقناة السويس تتراوح بين 9.9 مليار و13.7 مليار دولار في السنتين الماليتين الحالية والمقبلة([6])، تعمل هذه الحملات على خلْق بيئةٍ من عدم الاستقرار وانعدامِ الأمن المتصور مما يردع الاستثمار الأجنبي المباشر ويؤثر سلباً على قطاع السياحة ويؤدي إلى انخفاضِ التدفّقات المالية والضغط الاقتصادي العام، مما يمثّل شكلاً من أشكال الحرب الاقتصادية تهدف إلى ممارسةِ ضغطٍ كبيرٍ على الحكومة من خلال التأثير على سبًل عيش المواطنين واستنزاف الموارد المالية للدولة.
تعزيز أجندات التهجير القسري